اهتزازات هاتفي المزعج في جيبي أيقظتني من نومي الهانئ، رفعت نفسي بتثاقل لأجد أني نمت بالملابس التي كنت أرتديها في الجامعة اليوم، لم أكن قد خلعت معطفي أو حذائي حتى! لذا لست بحاجة لأخبركم عن الآلام التي اجتاحت جسدي بسبب ذلك، تنهدت بعمق بعد أن جلست لبضع ثوان ثم أخرجت هاتفي من جيبي لألقي نظرة على المزعج الذي اتصل بي في هذا الوقت، تأملت الاسم الظاهر على الشاشة قليلًا "إيشيدا ري"، كان هذا اسم ابن خالي والذي بعمر أخي سـورا، لم يكن اتصاله بي أمرًا مألوفًا ولكني لم أكترث للأمر، ضغطت على زر إعادة الاتصال ورفعت الهاتف نحو أذني لأبدأ بخلع حذائي وتبديل ملابسي ..
- ألـو؟
- أهلًا ري، كيف حالك؟
- بخير ماذا عنك؟
- أنـا بخير أيضًا ..
- يبدو الإرهاق على صوتك، أحدث أمر ما؟
- كـلا أبدًا كنت نائمًا فحسب ~
- آهه .. الحمد لله .. ظننت أن حالة سورا قد تدهورت أو ما شابه .. في الواقع لقد اتصلت بك للاطمئنان عليه فحسـ -...
فور أن قال تلك العبارة شعرت بانقباض فظيع في صدري، أغلقت الخط لا إراديًا ثم رميت بالهاتف على سريري، لأجلس على الأرض بهدوء ممسكًا برأسي الذي اجتاحه الصداع فجأة، "سـحقًا، لقد حدث شيء ما كما توقعت..!"، لم تكن إلا لحظات عابرة حتى عاد هاتفي للاهتزاز مجددًا، مددت يدي نحو السرير بتثاقل ثم رددت على ابن خالي متعذرًا بسوء الإرسال في المنطقة التي أنـا بها، طمأنته أن أخي بخير -وهو الشيء الذي أتمناه من أعماق قلبي- ثم شكرته على اهتمامه وأغلقت الخط مجددًا.
وقفت بعدها ثم خرجت من الغرفة، لم أجد أحدًا في الصالة التي تشرف على الطابق لذا قادتني قدماي تلقائيًا إلى الطابق الأرضي، كان يوكي مستلقيًا على الأريكة هناك، يعبث بهاتفه بضجر وكازامي تثرثر عند رأسه بشأن أمر مـا، ألقيت عليهما التحية بهدوء لتردها كازامي ويتجاهلها ذلك الأخرق، ثم يعودا للنقاش في موضوعهما .. في الواقع كانت تلك الفتاة هي من تتحدث فقط، أما الآخر فيكتفي بإجابات قصيرة مثل "أهــا .. أووه .." وغيرها من الاستجابات التي لا تهدف إلا لاستفزاز المتحدث!
بعد برهة نظر يوكي لوجهي الشاحب ثم تنهد بعمق وقال:
- ريـنا، تـأخر الوقت الآن، يجدر بكِ العودة إلى المنزل ..
- هاهاها .. يالها من طريقة لطردي، لن أخرج إلا بموافقتك!
- هاه .. أوافق على ماذا؟
- اللعنة .. أمضيت ساعة كاملة أحدثك عن الموضوع أيها الـ - ...!! أتحدث عن إدخال آتسـو إلى روضة الحي ..!
- همم .. لا، لأنه فور أن تتعافى أمه ستأتي لأخذه ~
- وماذا إن أطالت البقاء في المشفى، أتخطط لتركه يشعر بالملل هكذا؟!
- الملل أمر جمييييييل ~
- هذا لأنك إنسان كسول! أخبرتك أني لن أخرج إلا بموافقتك!
- ريـنا، يتوجب عليك العود إلى المنزل حقًا ..
- =="
- تعلمين أني أقلق عليك ~
احمر وجه تلك الفتاة خجلًا ولم تستطع الرد عليك فما كان من هذا الآخر إلا أن كتم ضحكته ..
- حسنًا إليكِ هذا ..
- م - ماذا؟
- أمـامنا أسبوعين على بدء الفصل الدراسي الثاني، إن لم تتعافى والدته خلالهما فلا مانع لدي ~
- ح – حقـًا؟!
- أجل، لكنكِ ستتكفلين بكل الإجراءات المملة! تعلمين أني أكره فعل هذه الأمور =="
- حسنًا، شكراً لك ..!
بقيت كازامي معنا بعض الوقت ثم ودعتنا وغادرت إلى منزلها، أما يوكي فقد قام بدوره إلى النافذة التي تشرف على الطريق وراقبها حتى دخلت إلى منزلها، عاد إلي بعدها يجر خطواته المرهقة وجلس في الأريكة التي أمـامي ولم يلبث إلا وأن سـأل كما لو كان قد قرأ تعابير وجهي بالفعل:
- أي مصيبة هذه التي وقعت عليك؟!
- آخخ، لست متأكدًا مما يحدث ..
- ما الأمر ..؟
- تعرف أخي سـورا صحيح؟
- الذي حادثك في ذلك اليوم؟
- أجل .. اتصل ابن خالتي قبل قليل ليطمئن على أحواله ..
- وإذن ...؟
- سألني ما إن كانت حالته قد تدهورت!
اتسعت عينا يوكي في صدمة فأدركت أنه قد فهم الأمر كما فهمته أنـا .. أخذ يفكر بضع لحظات وقد عظ على إبهامه، ثم نظر إليَّ وسأل مجددًا :
- وهل سألته عما جرى؟ أو أوضحت له أنك لا تعلم أي شيء؟
- كلا .. لأنني إن فعلت فسيخفي الأمر عني! وقد يخبر أمي أنني علمت بالأمر عندها..!
- سيكذب الجميع عليك ويحاولون إخفاء حقيقة ما جرى، فلو كانوا يريدونك أن تعلم لأخبروك منذ البداية؟!
- هذا بالضبط ما كنت أفكر به ..!
- معك حق! يجب أن تذهب إلى هنـاك وترى الأمر بنفسك، أين تسكن عائلتك؟!
- إنهم في طوكـيو حاليًا ..
- لنبحث عن حجز لك إذن ..
- ألن يكون من الأفضل لو ذهبت بسيارتي ..
- سيستغرق ذلك 6 ساعات تقريبًا .. إنك تضيع الوقت فحسب، ليس أمامك سوى يوم عطلة واحد ..
- آخخ، معك حق!
- يتوجب علينا التوجه نحو المطار الآن، يمكنني الحجز بهاتفي ونحن في الطريق..
- حسنًا إذن، سأبدل ملابسي وأنزل على الفور .. بالمناسبة أين آتسـو؟
- وضعته رينا في غرفتي بعد أن نام، أوقظه معك
- سنأخذه معنا؟
- أجل، لا نعلم ما قد يطرأ عليـنا .. سأذهب لتشغيل السيارة ..
توجهت بخطوات سريعة إلى غرفتي، بدلت ملابسي على عجل وأخذت ما أحتاجه لرحلتي القصيرة، خرجت منها بعد ذلك ونظرت حواليَّ لأتنهد بعمق شديد، نسيت أن هذا الطابق مليء بالغرف! بقيت أفتح أبواب الغرف واحد بعد الآخر .. كل الغرف بنفس التصميم والألوان الفاخرة ولا تكاد تختلف إلا في عدد الأسرة، إما ثثنان أو واحد!! لوهلة بدأت أفكر بعدد الذي يمكنهم العيش هنـا ..!!
بعد مروري بحوالي 15 غرفة خاوية نظرت إلى نهاية ذلك الممر، كان يتفرع إلى جناحين، قادتني قدماي تلقائيًا إلى الجناح الأيمن، كان الممر الذي فيه ممتلئًا بالتحف واللوحات الفاخرة، ناهيك عن تلك الإضاءة التي تشتعل تلقائيً بمجرد لمس قدمك لقطع الرخام البنية اللامعة التي تزينت بها الأرضية! في تلك اللحظة فحسب تفهمت لمَ يوكي متمسك بأبيه لهذا الحد! بجدية .. من عائلة تضطهده وتعذبه إلى عائلة تحبه وتوفر له شتى أنـواع الرفاهية!! تشييييييه .. أي أحمق هذا الذي سيتخلى عن كل ذلك؟!
انتهى ذلك الممر بباب زجاجي ضخم، استجمعت أنفاسي وفتحته بهدوء لتفتح الإضاءة تلقائيًا على تلك الصالة الصغيرة، أو لنقل على ذلك التلفاز العملاق والأريكة الطويلة التي وضعت أمامه!! بقيت مصدومًا بضع لحظات ثم تخطيت تلك الغرفة متجهًا إلى الغرفة التي فتحت عليها، لم يخب ظني أبدًا فها أنـا في غرفة أربعة أضعاف الغرفة التي أبيت فيها مع آتسـو، لنرَ ما لدينا هنا، سرير كبير وفاخر يشرف على ذلك الجدار الزجاجي والذي يمكنك منه رؤية ذلك المسبح الكبير نوعًا ما، يقع بجوار ذلك المسبح باب آخر من الزجاج المثلج .. والذي يعد باب دورة المياه على ما يبدو!! أخذني الفضول فدخلت دور المياه لأجدها أفخم بأضعاف مما توقعته عندها تذكرت ما أتيت لأجله، عدت إلى ذلك السرير لأجد آتسو يغط في نوم عميق، تقدمت خطوة إليه لتصطدم قدمي بفرو دافئ للغاية، تلاقت عيناي بعيني ذلك الكلب فما كان منه إلا أن قام وابتعد بضع خطوات عن طريقي! تنفست الصعداء حينها وأيقظت آتسو من نومه، أخذته بعدها إلى غرفتنا وبدلت له ملابسه ثما نزلنا بعجل إلى المرآب حيث وجدنا يوكي جالسًا في مقعد السائق ويبحث لي عن حجز في هاتفه ..
جلست في المقعد الراكب الأمامي وآتسو في الخلف، وفور أن أنهيت ربط حزام الأمـان رمى هاتفه في حضني وأخبرني أن أكمل ملأ بياناتي وإتمام الحجز، قبيل مغادرتنا للمرآب فتح يوكي نافذته وقال لكلبه "فور أن نغادر اذهب إلى رينا وأخبرها أن تتأكد من المنزل وأن تقفل جميع أبوابه" فما كان من ذلك الكلب إلا وأن رد بنباح قصير كما لو أنه يخبر صاحبه بألا يقلق!
انطلقنا بعدها نحو المطار برفقة قيادة يوكي التي لم تسمح لي حتى بالتفكير بما كان قد حدث لأخي وعائلتي!! أمضيت وقتي وأنـا أطلب منه تخفيف السرعة أو الانتباه إلى شخص مار أو التوقف عند إشارة مرورية ذات لون أحمر! ولأصدقكم القول، تنفست الصعداء بالفعل عندما وصلنـا إلى المطار..!