"وأعظم ما أرجوه.. أن تأتي أيام تعوضنا بأسـنا"
همم .. بطريقة ما أولئك الاثنان معي في الطائرة الآن! لا أعلم كيف تمكن يوكي من إيجاد حجز في طائرة ستقلع بعد أقل من ساعة! أو كيف أدخل آتسـو دون أوراق ثبوتية! أو حتى كيف تمكن من إيجاد مقعدين بجواري تمـامًا دون أن تواجهه أي مشكلة! وفوق ذلك كان يتذمر من عدم توافر مقاعد في الدرجة الأولى!
أيًا يكن، ها نحن نستعد للإقلاع بربط أحزمة الأمـان، قلبي يخفق بشدة .. ليس بسبب الطائرة أو ما شابه .. بل لأن لحظات قليلة هي ما تبقت حتى أعلم ما الذي جرى لعائلتي بالضبط، أنهيت ربط حزامي ثم وضعت هاتفي على نمط الطيران وأسندت ظهري بارتياح على المقعد. استرقت النظر إلى يوكي وآتسو الذي كانا في عالم مختلف تمامَا عن عالمي البائس، فها هو يوكي قد تنازل عن المقعد المجاور للنافذة -والذي يتمسك به الكثيرون في الغالب- ليترك لأخيه حرية الاستمتاع بأول رحلة جوية له! ولا حاجة لأن أصف لكم مدى حماسة وسعادة ذاك الصبي فقد سبق وأن عانقت فرحته عنان السماء بالفعل!
استمعنا إلى تلك التعليمات التي بت أحفظها عن ظهر قلب، ثم بدأت تلك الطائرة تسارعها الذي انتهى باختراقنا لطبقات الجو العالية وفور أن استقرينا في قلب السماء أسندت رأسي على مقعدي وأغمضت عيني محاولًا قضاء الوقت في النوم، ويبدو أنني نجحت في ذلك بالفعل فها هو يوكي يحاول إيقاظي بمناداة اسمي مرارا وتكرارًا حتى رفعت جسدي المتثاقل معلنًا استيقاظي له.
كانت الطائرة هادئة بالفعل فلا تكاد تسمع همسًا فيها، حتى أولئك الرضع الذين ارتفعت أصوات بكائهم في بداية الرحلة خلدوا جميعًا إلى النوم، بكسل نظرت إلى الجالس في المقعد المجاور لي ثم سألته:
- هل وصلنا؟
- أجل، أعلن الكابتن عن الاستعداد للهبوط
- آه .. حسنًا.
لم يكن أمامي إلا وأن قمت بتعديل ملابسي ثم أعدت تصفيف شعري المبعثر، لا أعلم ما قصة هذا الإرهاق الذي أشعر به، لسبب ما أشعر كما لو كانت الأرض تسحبني إليها بكل ما أوتيت من قوة! ولكن لا مفر .. لا يمكنني الخضوع لها بهذه البساطة، أمامي كثير من العمل اليوم على ما يبدو!
بدأت الطائرة بعدها عملية الهبوط بالفعل، لم يصدق يوكي أن هذه اللحظة أتت أخيرًا فها هو ذا يخرج هاتفه ويزيل نمط الطيران قبل أن تلامس عجلات الطائرة الأرض حتى، أمـا آتسو فيكاد يلتصق وجهه بتلك النافذة الصغيرة، ولم يلبث إلا وأن تنهد براحة بعد أن توقفنا بسلام.. بالنسبة له فقد كانت تجربة لا تقدر بثمن على ما يـبدو!
بما أننا الوحيدون هنا الذين قرروا السفر بلا حقائب أو أي تجهيز مسبق، فقد نزلنا من الطائرة بشكل أسرع من المعتاد، بخطوات شبه سريعة دخلنا المطار وتوجهنا مباشرة نحو قسم السيارات:
- شيجيرو، أنستأجر سيارة أم نأخذ سيارة أجرة لتوصلنا إلى منزلك؟
- سنأخذ سيارة أجرة، لدي سيارة أخرى في المنزل ويمكننا استعمالها إن احتجنا لها ..
- هوووووووو ~
- الأهم من ذلك علينا أن نسرع، أريد الوصول إلى المنزل قبل الصباح ..
- عجلتك لن تغير أي شيء فلا تتوتر!
- لست متوترًا، هنـالك شيء أود تفقده في المنزل قبل أن يستيقظ أي أحد!
- همم ..
من حسن الحظ أن يوكي ليس إنسانًا فضوليًا أو من ذلك النوع الذي يكثر الأسئلة، لقد وفر ذلك عليَّ عناء الشرح المفصل والذي كنت قد حملت همه! لم نستغرق كثيًرا من الوقت، أخذنا سيارة أجرة صغيرة وتوجهنـا مباشرة نحو منزلي الذي كان بعيدًا عن المطار نوعًا مـا، فور أن وصلنا إلى منزلي طلبت من السائق أن يوقفنا أمـام الباب الخلفي وليس الأمامي، اقترح يوكي أن أدخل المنزل لوحدي أمـا هو وآتسـو فسيذهبان إلى أي مكان آخر ولكني رفضت الأمر بطبيعة الحال، فبالكاد سيجدان مكانًا في هذا الوقت المتأخر..
شكرت السائق ودفعت له أجرته ثم نزلنا ثلاثتنا إلى المنزل، طلبت منهما الحرص على الهدوء وتجنب الكلام عند دخولنـا فأنا في الواقع لم أكن أريد أن يعلم أحد بعودتي أصلًا، فتحت الباب الخلفي بنسخة المفاتيح التي كانت معي وتسللنا نحو الحديقة المغطاة بالثلوج ومنها إلى الباب الرئيسي للمنزل، فتحته بهدوء شديد لتستقبلنا الصالة الرئيسية للدور الأرضي، على عكس منزل يـوكي الذي يحوي كثيرًا من الغرف، يتميز منزلنا بالمساحات الكبيرة الفارغة، الدور الأرضي مثلًا لا يحوي شيئًا عدى دورة مياه كبيرة على يمين الباب الرئيسي ومن ثم مساحة فارغة كبيرة تتوسطها السلالم المؤدية إلى الدور العلوي
- وآو .. منزلك كبير للغاية .. لم أتوقع أنك من عائلة ميـسورة!
- اطمئن، ليس بحجم منزلك ~
- كما لو انني سأغار منك ..
- أيًا يكن، لنصعد إلى غرفتي ولنبَق فيها .. احمل آتسو، لا اريد ان نصدر اية اصوات!
- حسنًا، لا أعلم لمَ أشعر أننا لصوص اقتحموا منزلًا في جنحة الليل!
- لاصدقك القول، يراودني الشعور ذاته!
- ههههههههههههههههههه
- اخفض صوتك ==
وصلنا الى غرفتي بسلام، دخلناها بهدوء دون اشعال اية اضواء او اصدار اية اصوات، انزل يوكي آتسو على الأرض وانا بدوري خلعت معطفي بعجل ثم رميته على السرير "انتظراني هنا لبعض الوقت" .. لم انتظر اجابتهما بل اخذت هاتفي وتوجهت على الفور إلى غرفة سورا المجاورة لي، فتحتها بهدوء شديد، كانت خاوية كما توقعت وعلى ما يبدو مضت فترة منذ ان دخلها اصلًا، لم أجد زي مدرسته او حقيبة كتبه رغم كوننا في فترة اختبارات، تنهدت بعمق ثم توجهت إلى غرفة اخرى تبعد قليلًا عن غرفتينا او بعبارة أخرى إلى غرفة أختي أريما، رغم أنها ما تزل في الابتدائية الا أنها ذكية ومشاكسة وبالتأكيد سأعلم ما حدث بالضبط منها.
طرقت الباب طرقتين خفيفتين ولكني لم اسمع اي رد من الداخل فما كان مني الا وان اخذت نفسًا عميقًا ثم فتحت الباب بهدوء، خابت كل ظنوني لحظتها فانا لم أجد شقيقتي في غرفتها، أشعلت أضواء غرفتها التي أستطيع وصفها بـ"عالم الفتيات المثالي" ورحت أتأملها قليلًا، أكثر ما لفت نظري هو سريرها الغير مرتب لذا تقدمت ثم وضعت يدي عليه لأجده ما يزال دافئا "يبدو انها كانت هنا للتو"
- سـ ـ سورا..؟!
التفت إلى تلك الفتاة الرقيقة الواقفة أمام الباب ثم رددت عليها بلطف "لا، بل روي!" فما كان منها إلى وأن خرت ساقطة على الأرض ثم اجهشت بالبكاء على الفور.
لم أعلم ما عليّ فعله لحظتها أو طريقة تهدئتها، لذا بخفة توجهت نحو الباب وأغلقته سريعًا ورحت بعدها أربت على ظهر أختي الصفيرة التي تعالت صوت شهقاتها حتى ملأت المكان، وضعت يدي بعدها على راسها وبدأت ابعثر شعرها القصير محاولًا تهدئتها :
- هووووو~ ما هكذا يستقبل الاخوة يا أريما!
- أ ... أخي .. ر..روي!!
- همم؟
- سـ .. سور.. ا ...
- ما هذا؟ كيف سأفهم ان استمريتي بالبكاء هكذا؟!
رغم أني قلتها بلهجة ساخرة بعض الشيء إلا أن صوت بكائها وشهقاتها اعتلى فجأة، شعرت بطعنة اصابت قلبي لحظتها ولكني استمريت بتهدئتها وممازحتها، فأنَّا يكون لي أن أنهار وأنا من يدعونه بـ "الأخ الأكبر؟"
بقينا دقائق معدودة على هذه الحال، وها هما كتفا أريما ينخفضان بارتياح بعد أن تلاشى صوت شهقاتها شيئا فشيئاً ، تنهدت براحة ثم ربت على كتفها لتنظر لي على الفور:
- أيمكنكِ اخبار شقيقك بما جرى بالضبط؟
- ح - حسنًا ..