"مجرد تساؤلات .. وقليل من الأمنيات"
وها أنا أمام باب الغرفة التي وضع على بابها اسم "شيجيرو" مع بعض الأسماء الأخرى، تنهدت بعمق قبل أن أمد يدي لتلامس مقبض الباب البارد وأفتحه بهدوء شديد، اختلست النظر لما في داخل الغرفة دون اصدار أي صوت لأجد الستائر قد غطت على كل الأسرة مانعة إياي من النظر لأي شيء، لذا أخذت خطوتي الأولى لداخل الغرفة ورحت أرى ما تخفيه الستائر خلفها لأجد كل الأسرة فارغة باستثناء واحد فقط .. كان يرقد عليه فتى قد غطت الضمادات جميع أنحاء جسده وبقربه امرأة قد غطت في نوم عميق على كرسي خشبي ملاصق لسريره ..
بالرغم من جو الغرفة البارد إلا أنها كانت ترتدي لباسًا خفيفًا نوعًا ما لا يكاد يقيهًا بردًا ولا حرا فقد وضعت معطفها على سرير ابنها المصاب لتحرص على تدفئته جيدًا، تنهدت بعمق ثم تقدمت نحوها وخلعت معطفي ثم وضعته بهدوء على ركبتيها كي لا تستيقظ وبعد ذلك تقدمت لذلك الفتى حتى أصبحت واقفا بمحاذاة رأسه وأخذت أتأمله بعمق أكثر، لم أتمالك نفسي حينها فمددت يدي صوب رأسه وأزحت بعض الشعر الذي كان قد سقط على جبينه فإذا به قد فتح عينيه وأخذ يحدق بي بهدوء ثم تحدث بصوت أجش:
- ر – روي؟
- أجل .. كيف حالك؟
- بخيـ ..
بالرغم من كونه سؤالُا روتينيًا إلا أن أخي كان عاجزًا عن الاجابة عليه ببساطة! أجل، لم يكن بخير أبدًا .. لم يستطع حتى أن ينطق بتلك الكلمة البسيطة بل استبدلها بدموعه التي ملأت عينيه في لحظة!
- أوي، أوي!! لمَ تبكي؟!
- لست .. بخير أبدًا .. أنـا .. أنـا .. |يشهق|
- إن .. إن أمي نائمة!! توقف أرجوك!
- أخي لقد ..
- أعلم بكل شيء يا عزيزي.. لذا اهدأ، ستكون بخير أعدك!
كان أخي يكافح من أجل حبس دموعه التي كانت تأبى إلا السقوط، أما أنا فرحت أواسيه ببعض الكلمات المطمئنة وأمسح دموعه المتساقطة حتى هدأ قليلًا، عندها بادرت أنـا بالحديث:
- سـورا، أردت سؤالك عن شيء واحد فقط وأريدك أن تجيبني بصراحة ..
- ما .. هو؟
- هل .. أخبرت جدي بأمر كل تلك الرسائل؟
- ...............
- أخبرته صحيح؟
- أ – أجل ..
- وبمَ رد عليكِ؟
- أخبرني أنها قد تكون مجرد مزحة من أحدهم ..
- مزحة هاه .. سنرى إذن!
- أخي ماذا ستفعـ -
- من هناك؟َ!
دون سابق إنذار قاطعنا صوت أمي التي استيقظت بسبب أصواتنا التي علت دون أن نشعر، كانت تحدق بي وهي واقفة بصدمة شديدة وقد وضعت بدها على قلبها فما كان مني إلا وأن ابتسمت برفق وأجبتها "إنه أنـا، روي!" لتعود ملامحها تتحول للهدوء تدريجيًا ..
- روي؟ ما الذي تفعله هنـا يا بُني؟!
- لا شيء، وددت الاطمئنان عليكم لذا عدت للمنزل ..
- لكن أنت .. الاختبارات .. الجامعة ..!
- اهدئي يا أمي .. ليست بالأمور المهمة إطلاقًا!
- لكن .. إن علم جدك فسوف ..
فور أن ذكرت أمي موضوع جدي شعرت بالغضب يسري في عروقي ولكني تمالكت نفسي حينها وحافظت على ابتسامتي المزيفة ثم أطلقت كذبتي الأخرى لهذا اليوم:
- لقد أخبرته بأمر قدومي، اطمئني!
- ح .. حقًا ..
- بالتأكيد! كيف لي أن آتي بدون علمه أصلًا ..
- لكن ماذا عن الدراسة والـ ..
- لا تهتمي للأمر، سأعود للجامعة غدًا لذا اطمئني ..
- هكذا أذن، يا للارتياح ~
جلست عندها على طرف سرير سـورا وتبادلت بعض الأحاديث العابرة معهما محاولًا عدم لمس أي وتر حساس أو شيء يحرك مشاعر أحدهما وبعد قرابة الربع ساعة وقفت وابتسمت بهدوء:
- بالإذن يجب أن أغادر الآن
- بهذه السرعة! ابقَ قليلًا يا عزيزي
- آسف يا أمي، بالكاد أدخلوني إلى هنـا أصلًا
- سأتحدث معهم لذا ابقى
- همم .. لا عليكِ سآتي في آخر النهار مرة أخرى ~
- حسنًا إذن ..
فور أن هممت بالغادرة استشعرت أحدهم قد أمسك بكم قميصي دون أن ينطق بكلمة واحدة، لقد كان شارد الذهن فعليًا لحظتها بقيت أتأمله بهدوء بعكس أمي التي اشاحت ناظريها عنه بحزن فما كان مني إلا وأن سألته بقلق:
- سـ .. سورا.. أهناك أمر ما ..
- لا .. لا شيء ..
- مهلًا .. أيعقل أنه ..!!
- مأ .. ماذا ..؟
- لا أصدق!
- آ ....
- أيقل أنك تريدني أن أغني لك قبل النوم وأنت بهذا العمر؟!
- ...................
تجمد أخي مما سمعه أما أمي فقد كسرت أجواء البرد تلك بإطلاقها ضحكتها الرقيقة عندها مددت يدي ورحت أربت برفق على صدري أخي مغنيًا تلك الألحان الطفولية حتى احمر وجهه وأمرني بالخروج .. عندها ودعتهما بسعادة وغادرت الغرفة لتختفي بعدها كل علامات التهريج التي ارتسمت على وجهي سابقًا وأخطو خطواتي في ذلك الممر المظلم قاصدًا باب الخروج.
لم أصادف يوكي أو تلك الممرضة في أي من ممرات المستشفى كما هو الحال في مواقف السيارات، ركبت سيارتي بهدوء ثم أسندت رأسي على المقود ورحت أبحث عن رقمه في هاتفي قبل أن أسمع صوته من المقاعد الخلفية "عدت أخيرًا؟" .. شهقت بفزع قبل أن ألتفت لذلك المستلقي في الخلف وأرد بغضب:
- منذ متى وأنت هنـا؟!
- منذ البداية ~
- لم أرك يا رجل! ما الذي تفعله في الخلف؟
- كنت أحاول أخذ قيلولة إلى حين عودتك
- تشيه، لم أشعر بوجودك!
- إذن، أخبرني ماذا حدث معك؟ هل تمكنت من الدخول لغرفة أخيك؟
- أجل، وتحدثت معه أيضًا
- و ...؟
- جدي يعلم بالأمر كما ظننت ~
- ستذهب لزيارته الآن؟
- أجل، بالمناسبة .. تبدو متعبًا ..
- آخخ، لا تذكرني .. لم أنم منذ اختبار يوم أمس
- ماذا؟ أتمزح؟!
- لا أمزح معك، بقيت أعبث بهاتفي وأتحدث مع ريـنا طوال الوقت
- أتريد أن أعيدك إلى منزلي لتنام فيه؟
- وما الذي ستقوله عمتك إن رأتني نائمًا في المنزل؟ أفضل الموت على أن أكون في موقف محرج كهذا
- همم .. معك حق، لكن منزل جدي يبعد عن هنـا كثيرًا
- سأكمل قيلولتي إذن ..
- كما تشاء ..