"بداية النهاية"
جلست أنا وكين على الأرضية الباردة وأخذ يحكي لي كل ما يعرفه عن الفتى الذي يضع الرسائل لسورا، ميامي أو أياً كان اسمه حسب ما يقول كين هو مجرد فتى ضعيف البنية ومهزوز الشخصية ... يدرس في الصف الثاني وعلى ما يبدو فإن معظم الجانحين يتنمرون عليه .. أي أن نسبة أن يكون هو من كتب الرسائل لا تتجاوز الـ 1% !
لكن سواءً كتبها أم لا لابد أن أصفي حساباتي معه! بالكاد تحكمت بأعصابي عندما حدثني كين عنه .. لو كان الأمر بيدي لركضت نحو "ميامي" هذا ولكمته بكل ما أوتيت من قوة! وليضف شخصًا آخر على قائمة المتنمرين عنده!
- إذن، ستذهب لملاقاته؟
- بالتأكيد، في أي فصل هو؟ وكيف يبدو؟!
- أوي! هل أنت جاد؟ عنيت بعد المدرسة وليس الآن!
- كما لو أنني أستطيع التحمل!
- لا يمكنك التحدث معه خلال الحصص .. انتظر حتى ينتهي الدوام!
- همففف!
- بالمناسبة، تبدو مطابقًا لسورا بشكل مخيف!
- شكرًا على الاطراء ~
وبالفعل، فور أن انتهى يومنا الدراسي رافقت كين لمقابلة ذلك الفتى والتحدث إليه، لم نشأ في البداية ملاقاته في المدرسة لذا انتظرنا حتى غادر ولحقناه بدورنا، لسبب ما فهو لم يتجه إلى منزله على الفور بل أخذ يتلفت يمنة ويسرة بحذر قبل أن يدخل في زقاق ويختفى فيه
- هاه، ما الذي يفعله؟
- ربما سيقابل أحدًا هناك
- أنلحق به؟
- أهذا سؤال؟
دون أي تردد توجهنا نحو الزقاق ذاته وأخذنا نسترق السمع دون إحداث أي ضجة، لم يكن هناك غير أصوات تأوهات وضرب خافتة نوعًا ما، تبعتها ضحكات مصحوبة بأسمى عبارات السب والشتم، لم نقم بأي موقف بطولي آنذاك كما قد يفعل أي شخص شريف بل انتظرنا حتى انتهت جماعة المتنمرين من عملهم وقرروا إطلاق سراحه ومغادرة المكان، في تلك اللحظة ابتعدت أنا وكين عن ذلك الزقاق وانتظرناهم حتى غادروا المكان:
- هممم .. إنهم نفسهم ..
- تذكرهم صحيح؟ المجموعة التي تم فصلها تأديبيًا العام الماضي
- بالتأكيد .. فقد كنت شاهدًا على ما فعلوه
- إنهم مجانين! أتساءل لمَ لم يتم إرسالهم لأي مدرسة وضيعة المستوى او ما شابه؟
- همم .. سؤال يستحق التفكير .. لكن لدينا عمل نقوم به الآن
- معك حق ..
دخلنا أنا وكين ذلك الزقاق المظلم لنجد ذلك الفتى قد شرع بتجميع أغراضه دون أن ينتبه لوجودنا، فتى قصير وضعيف البنية، ذو شعر أسود حالك غير مصفف بعناية ووجه شاحب، بمجرد أن تأخذ نظرة عليه تعلم أنه مستهدف من قبل المتنمرين بشكل عام، خاصة بالطريقة التي يقف ويتحرك بها، تماما كالقط الذي يرتجف خوفًا من أي شيء!
رغم أن لقب "مثير للشفقة" كان أنسب ما يمكن وصفه به إلا أني لم أشعر بذرة عطف في قلبي تجاهه، بل قاطعت توتره ذاك بنبرة حاده:
- هيه، أنت ..!
- هاه .. ؟
تغيرت تعابير وجهه تمامًا فور أن رآني ولم يلبث إلا وأن همَّ بالفرار لولا أني شددت قميصه من الخلف وسحبته بكل قوتي ثم أفلته ليصدم ظهره بالجدار بعنف ويتأوه بشدة لكني لم أتركه له المجال حينها بل أمسكت بياقة قميصه ورفعته بغضب حتى توقفت قدماه عن ملامسة الأرض:
- لمَ تهرب هاه؟! أفعلت شيئًا خاطئًا أم ماذا أيها الجبان؟؟!
- أ .. أنا ..
- أنت ماذا أيها الضعيف؟! إنه أول لقاء لنا فلمَ تتصرف كما لو أنك رأيت شبحًا؟!
- ...................
- لا تصمت هكذا!! أجبني!!
- شـ - شيجيرو، أرجوك توقف، لقد جئنا للتحدث معه لا ضربه!
- أنت من أتى للتحدث معه، أما أنا فلا حديث لي إلا مع الرجال، لا أمثال هذا الفتى الواهن!!
كان الغضب كله قد تجمع في يدي لحظتها وإن كانت هنالك لحظة قدر فيها أني سأقتل فيها أحدًا الآن فستكون هذه لا غير، من حسن الحظ أن رفيق أخي قد أتى معي فها هو ذا قد وضع يده على كتفي وأخذ يملأ مسامعي ببعض الجمل المهدئة:
- أهم شيء عندنا هو معرفة من أرسل الرسائل، انظر إليه بتمعن، محال أن يقوم هذا الفتى بكتابة شيء هكذا
- سواءً كتبها أم لا، سيأخذ عقوبته على يدي
- ولكن سورا لم ولن يفعل شيئًا كهذا، لطالما كان بعيدًا عن المشاكل فلا تجلبها له
- ....................
- أرجوك أفلته ولنتحدث معه فقط
- ...................
- لا تنسَ هدفنا من المجيء إلى هنا بالأساس
بعد لحظات معدودة، خمدت تلك النيران المشتعلة في داخلي لذا أفلت قبضتي وأخذ ذلك الفتى يلتقط أنفاسه، حينها وقف كين أمامه وقال بصوت حازم مختلف عن الذي كان يحدثني به "إن لم تكن تريد أن يضاف مزيد من الأشخاص إلى القائمة السوداء التي تزعجك فمن الأفضل أن تكون صريحًا معنا" .. أومأ ذلك الفتى موافقًا دون أن ينظر إلينا حتى، كان من السهل ملاحظة يداه المرتعدتان هو حال قدميه آنذاك.
تلمست لي ولكين مقعدين على مجموعة صناديق خشبية قد ملأت ذلك الزقاق، أما ذلك المدعو ميامي فقد بقي واقفًا متصنمًا أمامنا دون أن يدلي بأي تعابير، بدأ كين بطرح الأسئلة عليه وأنا أخذت وضع المتفرج، ولتكون الصورة واضحة لكم فذاك الفتى لم يبح بأي شيء ذات قيمة تذكر -غير أنه أقر أن هنالك من أعطاه الرسائل بالفعل- مما جعل دمائي تغلي للمرة الثانية، وعندما بدا لي أن كين بدأ يفقد الأمل في انتزاع شيء منه قلت بصوت حازم وأنا أعني كل كلمة تلفظت بها:
- اسمع أيها الظريف، أخي سورا منوم في المشفى منذ شهر تقريبًا وأنت هنا تلعب دور البريء، أقسم أنك إن لم تخبرني بمن أعطاك الرسائل فإني سأجعلك تدخل المشفى أيضًا، ولكن الفرق بينك وبين أخي أنك ستدخله بلا رجعة!
- أ- أخوك ... سـ - سورا .. في .. المشـ ..
- بالضبط! وإن كنت لا تعلم فأنت المسؤول عن ذلك!
- لـ - لكن أنا .. أ- أنت ...
- آخخ، لا تمثل دور البريء وأخبرني من أعطاك الرسائل!
- أخبرتك أني لا أعـ -...
- كفى!
لم أكن قادرًا على تحمل صوته أكثر لذا تابعت حديثي عوضًا عنه
"أتقول أنك لا تعرف من أعطاك الرسائل؟! لمَ قمت بإيصالها إلى سورا إذن؟! لمَ قد تخدم شخصًا لا تعرفه؟ ألا تعلم أن من حق سورا رفع قضية "تهديد" ضدك؟! محال أن يفعل شخص عاقل فعلتك!! لذا إما تخبرني بالحقيقة وإلا فسأنفذ ما وعدتك به للتو!"
خيم الصمت على ذلك الزقاق مجددًا، لذا قمت على قدمي واتخذت خطوتي تجاه ذلك الفتى ولا شيء في نيتي غير ضربه حتى تتكسر كل عظامه، لا أقول لكم أني بتلك القوة، ولكن الذي أمامي ليس سوى حشرة عنيدة يدوس عليها كل من هب ودب دون أن يبدي أي مقاومة ..دون أن يستوعب ما يحدث أمامه حتى كنت قد لكمت وجهه بكل قوتي ليسقط على الأرض وسط صدمة كين الذي صرخ باسمي بصوت عالٍ محاولًا إيقافي، وبالفعل لم تكن إلا أجزاء من الثانية حتى شعرت به قد تشبث بيدي اليمنى قبل أن أسدد اللكمة الثانية:
- توقف!!! لا تضربه هكذا؟
- ولمَ لا أفعل؟! عليه تحمل نتيجة أعماله!!
- لنتحدث معه فقط! أرجوك!!
توقفت بعد توسلات كين لي ولكني ما لبثت إلا وأن رقمت ذلك الفتى بنظرة قاتلة ثم قلت:
- كيف أصل إليه؟
- هاه؟!
- أخبرني كيف يتواصل معك؟!
- هو لا ..
- أخبرني الآن!!
ساد الصمت لبضع لحظات قبل أن يقول ذلك الفتى بصوت مهزوز:
- هو يرسل لي رسالة نصية فقط!
- هاه؟ ويخبرك بما تكتبه؟! وأنت تنفذ كالأحمق؟
- كـ - كلا .. أجد الرسائل مكتوبة ومغلفة في أظرف! رسائله النصية تخبرني بمكان الرسائل و ....
- و ماذا؟!
- ...........................
- أعطني هاتفك!
- أنا لا –
- قلت أعطني هاتفك!!
رفض الفتى التعاون معي في البداية لذا انتزعت هاتفه عنوة بمساعدة كين، وبعد بضعة تهديدات حصلنا على رقمه السري، لم يكن تفتيش هاتفه أمرًا ممتعًا البتة فقد كان كالهدف المشترك لجميع الطلاب الذين يريدون تفريغ طاقاتهم السلبية، وعلى ما يبدو فأسرته ليست متماسكة أيضًا ..!
بعد بحث استغرق بضع دقائق عثرت على ضالتي المنشودة فقد وجدت محادثة مع شخص اسمه غير مسجل في هاتفه، لقد كانت كل الرسائل مرسلة من قبل ذلك الرجل ولكن مايامي لم يرد على أي منها .. كل الرسائل يذكر فيها الأماكن التي وضع فيها الرجل الرسائل أو اشعار بتحويل المبلغ المتفق عليه فيما بينهما ..
- إذن فقد كان يقوم بتحويل المال لك مقابل الرسائل؟!
- أ – أجل ..
- هوووو .. هذا منطقي إذن، هل التقيته وجهًا لوجه من قبل؟
- ....................
- التقيته صحيح؟
- أ- أجل!! لكن أقسم لك أنه أجبرني على فعلها!! لم أكن لأؤذي سورا أبدًا! ما غايتي من ذلك أصلًا؟!
- وكيف أجبرك؟! ألست إنسانًا مثلنا لديه إرادة! أنت لست ملكًا لأحد أيها الأحمق! لقد ولَّى زمن العبيد وانقضى!!
لم أتلقى أي جواب منه حينها ولكني لم أكترث له البتة، والآن بعد أن حصلت على مرادي لا حاجة لي بالبقاء في ذلك الزقاق أكثر، تنهدت بعمق وأخرجت من محفظتي مبلغًا يكفي لشراء هاتف جديد كهاتفه بل أحدث ثم مددته له، لتظهر علامات الاستفهام على وجهه:
- سآخذ هاتفك فأنا بحاجة إليه، أما أنت اشتر لنفسك هاتفًا جديدًا وخذ رقمي من كين .. سأرسل لك أرقامك المهمة لاحقًا!
- لكن ...
- لست أستشيرك .. انسَ أمر هذا الهاتف وإياك أن تتواصل مع ذلك الرجل مجددًا! كين لنذهب!
- ح – حسنًا ..