السلام عليكم ورحمة الله ^^ كيف حالكم يا أعزائي القراء أرجو أن تستمعوا بهذا الفصل وبانتظار آرائكم ونقدكم (10) استسلم عثمان وهو يركب بجانب والده، متجهين إلى إحدى المستشفيات، وهناك ضمد عثمان جرح يده الذي توضح فيما بعد أنه قد احتاج غرزتين خياطة، وفي قسم الشرطة في مكتب المفتش عمير، انطلق صوته يهز أركان الحجرة: تهورك هذا ستُعاقب عليه يا عثمان، أيّ عقل هذا الذي لديك يجعلك تراقب لصّا خطيرا وحدك، دون أن تُخبر أحدا بما تفعل، بل وتواجهه أيضا دون معرفة العواقب المترتبة على صنيعك! افرض أنه قد أصابك بجرح خطير لا قدر الله، فتركك تنزف حتى الموت.. افرض أنه قد فعل لك أي شيء آخر! حسنا فلنقل إنك قد قبضت عليه بنجاح، فهل تظن نفسك بطلا أمامنا؟ سكت عثمان محترما عتاب والده وغضبه الذي يفرغه فيه، وهو يجلس على كرسيّ صغير أمام المكتب، وعمير واقف يمشي في الغرفة كالليث الحبيس، عادته عندما يغضب أنه لا يجلس أبدا! وجده عثمان يقترب منه حتى يقف أمامه مباشرة، ويقول زافرا بحنق: لمَ لم تُخبرني أنك ستفعل هذا؟ قال عثمان متنهدا: لقد قلتُ إنه استنتاج فردي، ولستُ متأكدا منه، وعندما أحوّل ترتيبات الشرطة إلى جانب استنتاج لا أجزم بصحته، فهذا تهور بالطبع يا أبي! قال عمير بجفاء وقد هدأ قليلا: نعم هذا تهور، ولكن عندما تفعل ما فعلته دون إعلام أي أحد حتى والدك فهذا تهور أكبر! خفض عثمان رأسه بندم قائلا: أنا آسف، لن أفعلها مرة أخرى! جلس عمير خلف مكتبه وهو يُمسك بعض الأوراق ليكتب فيها، ثم رفع رأسه إليه متسائلا: أخبرني كيف واجهته وكيف أصابك بهذا الجرح؟ قال عثمان: أخرج من جيبه مدية صغيرة وعندما حاولت المقاومة جاءت في يدي، طبعا هذا بعد ضربات متعددة حاولت توجيهها له، لكن مستواه رفيع في القتال، وأسلوبه شبيه جدا بالشرطة! ردد عمير باستغراب: الشرطة؟ قال عثمان: نعم، هناك شيء فيه جعلني أعتقد أنه من الشرطة! قال عمير عاقدا حاجبيه: بالتأكيد هو ليس شرطيا! وإلا فسيكون هذا خيانة في صفوف الشرطة، هذه قضية كبيرة، هل تدرك مخاطر قولك ذلك؟ قال عثمان بإصرار: نعم يا أبي، ثم ألا تذكر ذلك الشرطي الذي سُرق مسدسه، ثم استُخدم في إصابة بهاء، لم تجدوا له وجودا في الشرطة، أبي أرجوك فكّر بهذه النقاط وصِلها ببعضها.. ستفهم أن صديقي بريء من تلك التهمة التي ترمونها به ظلما! سكت عمير متنهدا بينما قال عثمان وهو ينظر له نظرات عميقة: أبي هل ما زلت تعتقد أن بهاء هو بهابيهو؟ لم يجب عمير بل ظل ينظر إلى ابنه، فقال عثمان وقد بدا عليه الانفعال بمشاعر مكبوتة: أبي أرجوك أجبني! فلطالما زارني في بيتي وتبادلت معه الكثير من الأحاديث، هل تعتقد أن بهاء صديقي العزيز سيصيبني بمثل هذا الجرح؟ سيسرق مالا دون أن يحتاج له؟ سيفعل كل هذه الجرائم؟ قال عمير: بالتأكيد لا، لكن يا عثمان، الأمر محيّر، أرجو أن تفهمني! فمن الممكن أن يجرحك بهاء لنقول عنه أنه من المستحيل أن يكون بهاء هو بهابيهو.. أفهمت الأمر؟ تراجع عثمان في كرسيه مصدوما وهو يُسبل أهدابه السوداء على عينيه، شعر عمير بالألم وهو يراه يُطرق رأسه بكل ذلك الهم فقال حتى يهوّن عليه: حسنٌ يا عثمان، لقد فعلت ما طلبه مني الأستاذ طارق، وحللت كل الصور والفيديوهات بمساعدة رجالي ولجنة البحث الجنائي، وجدتُ ما يُثبت كلامك، في الصور المأخوذة لبهابيهو، هناك صور مختلفة، وقد أدى هذا البحث والتحليل، إلى تقسيم عمليات بهابيهو إلى مجموعتين كما قال طارق تماما، المجموعة الأولى تُثبت بوضوح أنه جسم شاب لم يبلغ العشرين من عمره، كما أن عينيه هي نفسها عينا بهاء، أما المجموعة الأخرى فهي عينان تشبهان عينا بهاء ولكنها ليست هي، جسمه متين قليلا، يبدو شابا أكبر من بهاء بكثير! رفع عثمان عينيه بسعادة ناظرا لوالده، فلم يبتسم عمير وإنما تابع بجدية: وهذا يعني بوضوح أن هناك شخصين قد ظهرا في شخصية بهابيهو! الشخصية الأولى هي بهاء والشخصية الثانية... صرخ عثمان فرحا وهو يقفز على والده ليعانقه في جنون، وعمير يقول محاولا إخفاء ابتسامته: مهلا يا عثمان ما هذا التهور! وعثمان يصيح في سرور: أخيرا عرفت يا أبي حقيقة ما أقول.. أخيرا فهمتني. حمدا لله، ظهرت براءة بهاء! قال عمير منزعجا: لم تظهر بعد فليس هناك دليل قاطع! يكفي عناقا فقد اختنقت! ضحك عثمان وهو يتركه برفق، ويقبّله على جبينه، قائلا: حسنا يا أبي سأعود إلى منزلي لأرى أمي التي تُمطرني برسائلها، أرجو ألا تغضب مني! أومأ عمير برأسه موافقا وهو يرى عثمان يخرج من مكتبه في حماس، فابتسم بحنان وهو ينظّم الفوضى التي أحدثها عثمان في مكتبه حين عانقه، ثم قال بعينين شاردتين وكأنه يكلمّ ابنه: هل تظنني مغفلا؟ لقد كان بهاء معك بالتأكيد! __ كانت غدير تُكمل سترة بهاء التي تصنعها من الكروشيه بعد أن صنعت كأسا من العصير الطازج لزوجها طارق، الذي جلس على أريكة مقابلة لها وهو يتصفح بعض الكُتب، قدمته له بدون أي كلمة وعادت إلى عملها لتُكمله بصمت، سألها: أين بهاء؟ أجابت دون أن تنظر له بلهجة جامدة: في غرفته! نظر إلى ما بين يديه بشرود، شرب العصير دفعة واحدة، ثم قام واقفا وانتقل إلى الجلوس بجانبها، ولكنها تجاهلته وهي تحرك يديها بسرعة وانتظام لتصنع صفا جديدا من الكروشيه، ظلّ ينظر لها ثم سألها باهتمام: غدير.. ما بك؟ أجابت بهدوء: لا شيء! ظلّت منشغلة بيديها المتحركتين، وضع طارق يده عليهما هامسا: أما زلتِ غاضبة مني لأنني قلتُ قولي هذا لبهاء؟ أشاحت بوجهها بغضب ففهم فورا أنها ما زالت غاضبة، قال لها في لطف: غدير أخبريني إذا كنتُ مخطئا! لم ترد عليه، فمدّ يده ليسمح على شعرها قائلا: غدير! التفت له بحده ففوجي بشفتيها المرتجفتين وهي تقول بصوت متهدج: ماذا يهمك من غدير التي إذا فرحت تبكي ويُغمى عليها، وإذا حزنت تبكي ويُغمى عليها أيضا، وإذا غضبت تبكي.. وإذا خافت تبكي! حياتها بكاء في بكاء، أنت لم تكن كاذبا عندما قلت لبهاء ذلك عني، هذا صحيح.. أنت لم تكذب! أنت فقط مللتَ مني وكنت تريد أن تشكو قليلا لبهاء.. لماذا أغضب منك؟ ثم انهمرت دموعها على خديها الجميلين، وهي تنظر له بمشاعر محطمة، ثم أخفضت رأسها بألم وهي تغمغم بكلام غير واضح مع بكائها: أعلم أنني حساسة جدا لأي شيء، وأي كلمة، وأعصابي رقيقة لا تتحمل أي شيء! لقد أصبحتم تخبئون عني أكثر الأخبار خوفا علي.. أعلم أنه.. أنه، أنك يا طارق، تشعر بالاشمئزاز مني ومن دموعي الساقطة دوما! أليس كذلك؟ والتفت له ناظرة بخيبة أمل لترى وجهه، ولكنها فوجئت به مبتسما بحنان، ثم أمسك يدها ليمسح دموعها قائلا: من قال هذا الكلام؟ دموعك هذه أجمل ما فيك يا غدير.. أنتِ بحساسيتك ورقتك هذه، تبدين في عيني أجمل امرأة! مهما تخيلتني أكره دموعك، فأنا أكرهها فقط لأنها تجعل عينيك الجملتين حمراويتين، وإلا فعينيك مثل السماء الغائمة التي تجلب الغيث لنا! شعرت غدير بفرحة صغيرة تغمر قلبها وهي تنظر له، فابتسم طارق بحب وهو يقبّل جبينها، وقد علت خديها حُمرة خفيفة.. و. "أبي" دخل بهاء فجأة عليهما وهو يطلب أمرا، ثم قال بتوتر واضطراب: آ..أسف، تذكرت شيئا يجب عمله! ثم هم بالخروج مرة ثانية، ضحك طارق على وجنتيه المحمّرتين خجلا ويقوم واقفا بسرعة ويسحبه من يديه قائلا: تعال إلى هنا أيها الوغد! أجلسه بينهما، وبهاء يلتزم الصمت التام بينما خدّاه يلتهبان احمرارًا، لم يتماسك طارق من الضحك على شكله، ثم قرصه من خده قائلا: لمَ حاولت الخروج عندما رأيتنا.. ها؟ ابتسم بهاء مضطربا: ظننتكما مشغولين! ضحكت غدير هذه المرة وقد تناست دموعها التي على وجهها، وهي تربت على كتفه في سعادة، قائلة: يا لفتايَ الخجول! كم أحب براءتك هذه! ضحك بهاء وهو يرى والدته، بينما غزّه طارق قائلا: مشغولين بماذا؟ ها.. أجب يا فتى! ضحكت غدير على منظر بهاء الخجل وهو يفكر بشكل محموم بمَ يجيب والده، ثم قالت: كفى طارق، لا تُحرج بهاء، مازال صغيرا! قال بهاء بحرج أكبر هامسا لوالدته: كفى يا أمي أنتٍ، لا تعامليني كفتاة خجولة! قالت غدير مازحة: ماذا أفعل؟ لم أُنجب إلا ولدا، يجب أن تتحمل معاملتي لك كفتاة إذن! هيا يا بهاء، عليك تحضير العشاء هذا اليوم! _احم احم.. أمّي! بالأمس كان عليّ أيضا! _ماذا أفعل بنيّ.. أنت يجب أن تُعاقب على ما قلتَ عني! _ولكنك عاقبتني عليه أكثر من مرة ولم تُعاقبي أبي.. أطلقت غدير ضحكة طويلة متجاهلة بهاء الذي ناداها بخيب أمل: أمّــــــاه! __ "بهاء، أبشّرك، لقد اقتنع والدي أخيرا أنك شريف ولست كاللص بهابيهو" قام بهاء من سريره بعد استلقائه عليه وهو يكلّم عثمان بالهاتف، وصاح في فرح: كيف حصل ذلك؟ قصّ عليه عثمان ما حصل البارحة معه، ثم أكمل في سعادة: بهاء أخيرا برأت في نظر والدي. ابتسم بهاء ببهجة وهو يقول: إذن والدي هو من طلب ذلك؟ سأشكره بالتأكيد.. صحيح كيف حال يديك؟ _لقد كلّفتني خياطة غرزتين! _يا لك من متهور يا عثمان! بوّدي لو أضربك حقا! ضحك عثمان على غيظ بهاء منه، ثم قال له مفكرا: _بهاء.. أتعلم ما هي الخطوة الأخيرة ليقتنع أبي اقتناعا تاما أنك بريء؟ _ما هي أيها الذكي؟ _أن تظَهر أنت وبهابيهو المزيف في نفس الوقت في نفس المكان أمام أبي! _وكيف سنفعل ذلك؟ _ لا أدري حقا ولكن بإمكاننا استدراجه لفخ ما، ثم يظهر هو أمام أبي وكذلك أنت! اسمع، سنفكر فيه لاحقا المهم أننا سنستدرجه. _وكيف سنستدرجه للمكان الذي نريده؟ بعد عمليته يكون الهروب هو هدفه الوحيد! _معك حق، سوف نخطط لهذا عندما نعرف مكان عمليته القادمة! _ نعم. _لا تنس أن العملية القادمة مختلفة قليلا ففيها أبي سيساعدني. وسأتفق معه على كل شيء! _هذا حسنٌ، الحمد لله على ذلك، لنرى إذن كيف ستسير الأمور. _بمجرد أن أعرف أي معلومات أخرى سأخبرك بها. _إذن إلى اللقاء يا أخي. _السلام عليك. _وعليك السلام ورحمة الله. __ بعد أيام، اتفق عثمان وبهاء على خطة ممتازة لاستدراج بهابيهو للمكان الذي يريدانه، أمام المفتش عمير، وهذه المرة عندما يُمسكونه فسيكون نجاحا موفقا حقا! كانت خطة الاستدراج قد وُضعت بعد أن عرفوا المكان الذي سيسرقه بهابيهو الليلة، إنه يتحداهم بالفعل، فلقد بعث لهم هذه المرة بمكانه ووقته! الساعة الحادية عشر ليلا. وفي الرسالة جُملة شديدة السخرية "ضربتماني بلطف أيها الفتيان، أرجو أن يكون هذا درسا لكما بعد أن رددت لكما لُطفكما" وطبعا تأكد عمير أن بهاء كان مع عثمان في المرة السابقة ولكنه لم يعلّق على ذلك، فقد بدأ يقتنع بنظرية عثمان بوجود شخصين اثنين من بهابيهو. _ نظر عثمان في ساعة يده، تٌشير إلى العاشرة مساء، وهو ينزل سلالم قسم الشرطة لكي يلحق بوالده في سيارة الشرطة.. هذه المرة، لن يُخفي أي شيء أبدا عن والده! سيخبره بما يفعل بغض البصر عن بهاء.. ولكنه لاحظ من والده تفهما لذلك فقد اطمئن إلى مرافقته وشعر بسعادة وهو يقفز على درجات السلّم. سيُمسكون به هذه المرة بإذن الله! كان مبتهجا وهو يعدّل أحد أزرار قميصه التي نسيها، وجد أحد رجال الشرطة صاعدا على السلالم.. ألقى عليه السلام بسرور وهو يُكمل مشيه ولكن هذا الشرطي أمسك يديه قائلا في توتر: أنت عثمان أليس كذلك؟ هناك ملفات طلبها مني المفتش عمير! وهي في مكتبه، لابد أنك تعرف أكثر مني عنها! عقد عثمان حاجبيه في استغراب قائلا: ملفات؟ وأبي يطلبها في هذا الوقت؟ وأين هي؟ أمسكه الشرطي في توتر وتلعثم كبير ، وهو يرجوه أن يساعده لأنه شرطي جديد هنا ولا يريد أن يخسر مكانته منذ بداية توظفه، شعر عثمان بالشفقة عليه وهو يسير معه مراقبا قطرات العرق التي تسيل على جبينه وأنفاسه اللاهثة، دخل إلى غرفة مكتب والده المظلمة وفتح الضوء، ثم اتجه إلى خزانة الملفات متسائلًا: ما اسم الملف المطلوب؟ أخبره الشرطي بالاسم، ومرّر عثمان عينيه بنظرة سريعة على جميع الملفات المرتبة أبجديّا ولم يجد شيئا، وتوتر وهو ينظر إلى ساعة الحائط، ثم قال للشرطي بضيق: أأنت متأكد أنها هنا؟ سوف أتأخر على أبي هكذا! تورّط الشرطي وتعرّق وجهه أكثر وهو يقول بشحوب: أرجوك ساعدني في العثور عليها فأنا لا خبرة لي في البحث مثلك.. أغلق عثمان الخزانة وهو يقول بإشفاق: إذن أأنت متأكد أن أبي أخبرك أنها هنا؟ هتف الشرطي فجأة كأنما يتذكر: آه نسيت.. صحيح، لقد أخبرني بأنها في الأرشيف. زفر عثمان بحنق وهو يقول: كان عليك من البداية أن تذكر ذلك، والآن أستأذن فليس لي خبرة في الأرشيف. همّ بالمضي لولا أن الشرطي أمسكه من يده بطريقة مثيرة للريبة، وهو يقول متوسّلا: أرجوك، انتظر قليلًا، فلنساعد بعضنا في البحث، أنا أيضًا ليست لي أي خبرة. أثار الشرطيّ شفقة عثمان وفي نفس الوقت ريبته، احتار في أمره كثيرًا ولكنه قرر مساعدته، فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه. زفر زفرة حارة وهو يقول: حسنا، لنسرع إلى غرفة الأرشيف. خرجا سريعًا والشرطي يتقدمه، حتى اقترب من غرفة كُتب عليها "الأرشيف": لا شك أنه هنا، فلنتعاون بالبحث ولا شك أننا سننتهي سريعًا. أومأ عثمان برأسه موافقا وهو يدلف معه للغرفة الكبيرة التي بدت هادئة مُظلمة، بها مكتبات بنية غامقة تمتلئ بالملفات وأدراج كثيرة مُغلقة، وبداخلها غرفة أصغر منها، لم يبدو منها إلا بابها الرمادي الغامق المغلق! سمع عثمان اسم الملف المطلوب مرة أخرى وهو يفكر بهمّة لكي يُنهي البحث سريعا ويلحق بأبيه، والشرطي اتجه إلى مكتبة أخرى وهو يبحث أيضا، مرت عشر دقائق وعثمان لا يجد أي أثر لهذا الملف الغريب الذي يطلبه والده، لذلك فالتفت إلى ذلك الشرطي الذي يرتجف توترا قائلا بضيق: أأنت متأكد أن الملف هنا؟ قال الشرطي متلعثما: نعم أرجوك، لقد أخبرني المفتش أنه في الأرشيف أرجوك ابحث معي! زفر عثمان بضيق وهو يُكمل البحث قائلا: حسنا ألا تملك تلميحا لمكانه هنا، الرفوف هنا بالمئات والأدراج أكثر! كيف تريدني أن أبحث بهذه السهولة وألحق بأبي.. اقترب الشرطي من الباب الرصاصي الغامق قائلا: ربما هنا الملف! استدرك عثمان: ولكن هذه الغرفة معروفة بسرّيتها الشديدة! كيف سنجد مفتاحها؟ أنا شخصيا لم أرها أبدا! قال الشرطي: لا بأس فأنا معي مفتاحها، إنها ليست سرية كما تتصور! شعر عثمان بدهشة كبيرة وقلق غريب وهو يرى الشرطي يُخرج مفتاحها ويفتح الباب لتظهر غرفة أشد ظُلمة! لم يرها عثمان قبلا، شعر بفضول لكي يٌلقي نظرة واحدة عليها، لن يدخلها فهو لا يملك الحق بذلك، فقط سيقف عند الباب.. شهق بخفوت وهو يرى غرفة صغيرة، بها مكتبان صغيران ورفوف قليلة لملء الملفات.. كان جوها باعثا على الخوف والرهبة! قال بحيرة وهو ينظر إلى الشرطي الواقف بجانبه بتطلع إلى الغرفة بدهشة مثله: ولكن كيف أحضرت مفتاحها؟ ابتسم الشرطي بسمة خبيثة من جانب واحد وهو يهمس: هذا سر! حاول عثمان الالتفات لهذا الشرطي ليرى ما سر تغير صوته بهذه الطريقة، لكن الشرطي دفعه بقوة فجأة على ظهره، جعلت عثمان يهوي على وجهه متفاجأ ومذهولا، وقبل أن يُدرك ما حصل قام واقفا ليرى ذلك الشرطي قد أغلق الباب بسرعة رهيبة، ضرب عثمان الباب غاضبا وقد أدرك خدعته صارخا: أيها الوغد.. ماذا تفعل؟ لمَ تٌغلق علي الباب؟ سمع صوته من وراء الباب ساخرا: هذا لكي تتوب من أفعالك السيئة! ولا تطارد بهابيهو مرة أخرى، بهابيهو هذا قضية بهاء وحده فقط، أفهمت؟ صرخ عثمان بثورة أكبر: أيها الحقير إذن أنت جاسوس بهابيهو الوغد! لا دخل لك فيما أفعل مع صديقي، افتح هذا الباب قبل أن أكسر عظامك، سترى، أيها الخائن قبّحك الله! همس ذلك الشرطي قبل أن يُغادر غرفة الأرشيف بأكملها: تكسر عظامي؟ هذا إذا استطعت الخروج أصلا يا فتى! هتف عثمان بحدة: سوف أخرج غصبًا، فلا شك أن أبي سيلاحظ اختفائي عندما أتأخر عليه. ضحك الشرطي ضحكة قوية وهو يقول: والدك يا عزيزي ذهب دونك عندما أخبرتُه أنك عدتَ إلى منزلك لتُحضر هاتفك المحمول الذي نسيته هناك. اتسعت عينا عثمان على أشدّها بذهول وهو يتفقد جيوب بنطاله، وشهق بفزع عندما لم يجد هاتفه المحمول، لقد نسيه بالفعل في البيت! ضغط على أسنانه غيظَا وألمًا وهو يضرب الباب بقبضتيه، وهتف بيأس: أخرجوني...! سمع صوت الباب الخارجي لغرفة الأرشيف يٌغلق بمفتاحه، ثم يغرق المكان في سكون تام وظلام دامس! صرخ بأقوى صوته: أخرجوني من هنا، أبي وبهاء ينتظرانني! وجد صدى صوته يتردد في الحجرة دون أن يرد عليه أحد، حاول كسر الباب! لكنه لم يستطع، جلس مُنهكا بعد المجهود الذي بذله مغمغما في خيبة أمل كبيرة: أبي.. بهاء.. سامحاني...! ثم تأمل الظلام الذي حوله، ليس هناك نافذة هنا، ليس هناك مخرج! ولا أحد سيسمعه إذا صرخ لأن عثمان يعرف أن غرفة الأرشيف الداخلية التي هي بداخل غرفة الأرشيف الكبيرة، مستقلة بنفسها وبعيدة عن الباب الخارجي للغرفة الأرشيفية بعُدا لا يمكن معه سماع أي صوت! أي صوت أبدا.. إضافة إلى أنه يعلم جيدا، أنه لا أحد يأتي ليبحث في غرفة الأرشيف إلا نادرا! هذا يعني أن احتمال قدوم أحدهم لإنقاذه، أقل من واحد بالمائة! تنهد عثمان وهو يأخذ نفسا عميقا، ويتذكر بهدوء قصة الثلاثة رجال من بني إسرائيل الذين حُبسوا في كهف مُظلم، فنجاهم الله عندما دعوه بأعمالهم الصالحة، وتذكر أيضا قصة يونس عليه السلام، عندما وجد نفسه وحيدا في بطن الحوت! لا شك أن الإحساس بشعورهم في الواقع يكون مُختلفا عن مجرد سماع قصصهم! هدأ عثمان وهو يذكر الله ويترنم ببعض الآيات التي يحفظها، ويحاول طمأنة نفسه بهذا، رغم أنه في داخله قلق على مصير بهاء وأبيه.. ماذا سيحصل يا ترى؟ |