السلام عليكم ورحمة الله ^^ كيف حالكم متابعيّ الأعزاء؟ أتمنى ألا تشغلكم الامتحانات عن قراءة الرواية >> وربما العكس صحيح لكن في الحقيقة لأجل الامتحانات فهذه الأجزاء قصيرة (7) شعر طارق بثقل بهاء على يديه، شعر بقلق مُفاجئ وهو يُمسك وجهه ليرى عينا بهاء على وشك الإغماض، وقد شحب وجهه وتكاثرت قطرات العرق على جبينه، كان واضحًا أنه يعاني من حمّى ما. ناداه مرارًا بقلق، ثم ساعده على الجلوس إلى الأريكة القريبة، وهو يسأله بلهفة: بهاء.. ما بك؟ فتح بهاء عينه المُتعبة لينظر إلى أبيه المُضطرب، ولكنه لم يستطع إجابة سؤاله، كانت شفتاه ترتعشان، اقترب طارق منه أكثر وهو ينادي باسمه ويسأله مرة أخرى في قلق شديد، تأمل مليا في وجه بهاء الشاحب المصفرّ، كانت مئات الأسئلة تدور بعقل طارق، لم بهاء عاد بعد ثلاثة أيام؟ ماذا فعل فيها؟ كيف رجع؟ لماذا هو مريض بهذه الطريقة؟ تركه مُستلقيا إلى الأريكة وذهب إلى المطبخ ليجلب ماءً، جلس بجانبه وأحاط رأسه بكتفه ثم هتف: بهاء، اشرب. لم يستطع بهاء الاستيعاب إلا بعد أن غسل طارق وجهه بقليلِ من الماء، جعله يشهق ويفتح عينيه على أشدّها، ثم استوعب ما يريده والده فشرب قليلًا وأغمض عينيه مُسندًا رأسه إلى كتف أبيه، الذي سأله بعد دقائق هدأ فيها بهاء وأصبح تنفسه منتظما: بهاء أجبني، بم تشعر؟ تكلّم بهاء أخيرا بعد جهد جهيد: دوار.. وبرد شديد! قام طارق عاقدا حاجبيه في توتر: إذن هيا إلى غرفتك لتستريح يا بهاء.. تحمّل قليلا لتقف على قدميك. جمّع بهاء كل قوته ووقف بجانب أبيه الذي ساعده حتى يصل إلى سريره، فارتمى عليه منهارا، وطارق ينزع حذاءه من قدميه، ويسارع بتغطيته بأكثر من غطاء، وهو يقول لبهاء محاولا طمأنته: لا تقلق سأحضر لك بعض الحساء ودواءً لارتفاع الحرارة، استرخِ أنت فقط.. ثم ذهب لكي يحضر له بعض الملابس النظيفة ويضعها على منضدة قريبة، وهو يراقب ملامح بهاء بتوتر وخوف عليه، التي دلّت ملامحه أنه مُغمى عليه أو ما شابه، عاد بعد عشر دقائق وهو يحمل صينية عليها عصير ليمون وطبق صغير من الحساء، وضعها بجانب سريره، فتح بهاء عينيه، فقال والده مُشجّعًا: حاول الجلوس، هيا، سأحضر الدواء! جلس بهاء بصعوبة وهو يستند إلى وسادة وضعها طارق وراء ظهره، وقال وهو يئنّ بألم: أبي.. كان والده قد أحضر الدواء ودخل، وضع كأس الليمون بين يديه وهو يقول له بحزم: اشربها الآن! أومأ بهاء برأسه ببطء، ثم قال وهو يرفع رأسه بإعياء: هل أمي.. هنا؟ أجابه طارق: لا يا بني، لقد أوصلتها إلى والدتها قبل أن تأتي. حاول بهاء الابتسام بإرهاق مُغمغما: لو كانت هنا، فلن ترحمني من أسئلتها المتلهفة! ضحك طارق على جملته الأخيرة، ثم قال: الحمد لله أنها غير موجودة الآن، ستحكي أنت لي كل شيء ولكن بعد أن ترتاح. ابتسم بهاء وهو يُكمل شرب الليمون، وضعه بيد مرتجفة على الخزانة بجانبه، ثم تناول بعض الحساء بصعوبة، وكان من الواضح أنه يجاهد نفسه ليستطيع البقاء واعيا! بعد أخذ الدواء تمدد على سريره وعلى الفور نام دون مقدمات، راقبه طارق وعلى وجهه ابتسامة عطوف، اقترب منه وقبّله على جبينه هامسا بحب أبوي: الحمد لله الذي أعادك إلي سالما يا بهاء.. الحمد لله! ورحل قبل أن يرى الابتسامة الممتنة على شفتيه. _ يمشي بخوف شديد، ويتعثر بشيء ما، فيسقط أرضا، يلتفت خلفه ليجد جسدا مُسجى خلفه، يقترب منه، ومن بركة الدم التي حوله ليجد أحدهم قد طُعن في صدره، وترُك ينزف حتى الموت! وجد مادة سائلة تسيل من وجهه، تحسسه فإذا هي دموع! دموع؟ على وجهه؟ هل يبكي؟ يبكي على من؟ لحظة، الجثة اختفت! وفتح عثمان عينيه وهو يرتجف من الحلم الذي رآه، نعم لقد كان حُلما، حُلما مزعجا وغريبا، تنفس عثمان الصعداء بعد أن ردد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. تنفس بعمق وهو يتذكر حلمه، خطر على باله بهاء، عقد حاجبيه بحزن قائلا: أين أنت يا بهاء؟ لماذا اختفيت كل هذه الأيام؟ هذا هو اليوم الرابع! لا يدري عثمان ما هذا القلق الغريب الذي يسكنه. نظر إلى ساعة هاتفه فوجدها الثالثة فجرا، لقد أذّن الفجر لكن لم تُقم الصلاة بعد، أسرع بالوضوء والذهاب إلى المسجد، ولم ينس أن يوقظ والدته ووالده، بعد الصلاة، راح يتمشى ببطء في الشارع ويراقب السماء المشرقة بزُرقتها الرائعة ويتنفس بعمق، وقد أعاد له هواء الفجر انتعاشه وحيويته، رن هاتفه فرد عليه، كان الأستاذ طارق: _كيف حالك يا عثمان اليوم؟ _بخير ولله الحمد يا أستاذ طارق. _ما رأيك بالإفطار عندي اليوم؟ _إفطار؟ _ أم بهاء عند والدتها، وأنا وحيد في منزلي، هل تأتي لتشاركني الإفطار؟ _آه طبعا.. على الرحب والسعة! سأسعد بالجلوس معك. _ وأنا كذلك يا بني، هيا انتظرك. _سأستأذن من أبي وآتي، إلى اللقاء. __ "لم أتوقع أنك تُعد بيضا بهذه الشهية" ضحك طارق وهو يحمل الأطباق مع عثمان إلى المطبخ، قائلا: البركة في زوجتي، تُجبرني على تعلم الطبخ أنا وبهاء وهي تدّعي أنه علم ثمين يجب أن تعلمنا إياه، وتنظم لذلك حصصا كل أسبوع. ازداد عثمان وطارق ضحكا، وعثمان يقول: أمي ولله الحمد لا تعلمني فنون الطبخ.. بل فنون الخياطة والتفصيل فقط! ضحك طارق مرة أخرى، وهو يبدأ بغسل الأطباق، بينما ذهب عثمان ليُحضر ما بقي من أطباق الإفطار، وأثناء ذلك، سمع عثمان صوتا صادرا من مكان ما في المنزل، أشبه بالسعال، لم يكن من المطبخ بل كان من غرف المنزل.. عقد عثمان حاجبيه في استغراب وهو يحمل الأطباق ويذهب للمطبخ قائلا لـطارق في حيرة: لا أدري لماذا خُيّل لي أنني سمعت صوتا غريبا في إحدى هذه الغرف! نظر طارق إلى وجهه البريء المحتار، ثم ابتسم وهو يعيد وجهه إلى المواعين، قائلا في تردد: عثمان.. سأخبرك بشيء.. انتبه عثمان له، فأكمل طارق: لقد عاد بهاء بالأمس إلى هنا، إنه في غرفته الآن، ما رأيك أن أصنع بعض الشاي ونذهب معا إليه في غرفته؟ لم يجد ردّا من ورائه، فالتفت ليرى عثمان قد اختفى تماما، نظر بدهشة فعلم أن عثمان طار إلى غرفة بهاء منذ جملته الأولى "لقد عاد بهاء" فضحك طارق حتى بدتْ نواجذه وهو يُكمل غسل الأطباق. أما عثمان، فلم يستطع أن يتحمل طارق حتى ينتهي من كلامه، بل أسرع إلى غرفة بهاء وقلبه ينبض بالشوق والحماس، توقف عند غرفة بهاء وأخذ نفسا عميقا ثم طرق الباب، سمع صوتا: تفضل أبي. فتح الباب متبسما وهو يرى وجه بهاء المندهش هاتفا: عثمان؟ ضحك عثمان في سعادة وهو يتجه إلى بهاء الذي كان جالسا يشرب مشروبًا دافئًا، عانقه بحرارة وهو يقول في سرور: بهاء، أخيرا عُدت! ابتسم بهاء وهو يرى عثمان يتركه بعد عناق طويل هاتفا بقلق: يا لك من فتى، لماذا رحلت؟ ولماذا أنت ساخن وشاحب الوجه هكذا؟ هل أنت على ما يُرام؟ قال بهاء بصوت منخفض مبحوح: سأحكي لك كل شيء يا عثمان ليس الآن! قال طارق الذي وقف عند الباب لتوه: بالتأكيد ليس الآن لأنني لم آتِ بعد.. عثمان هل تريد بعض الشاي معي؟ أومأ عثمان برأسه قائلا: من فضلك يا أستاذ طارق. ذهب طارق لصنع الشاي، أما بهاء فنظر بحنين إلى عثمان الجالس بجانبه على السرير، ثم قال: أتعلم أنني من طلبتُ من والدي أن يدعوك؟ ابتسم عثمان في داخله لكنه ادّعى العبوس قائلًا: وهل كنت تريد ألا تدعوني مثلًا! ضحك بهاء ضحكة خفيفة وهو يقول: لا والله، ولكن أبي كان مُشفقا أن تأتي وأنا ما تعافيتُ بعد فأكلّف نفسي فوق طاقتي، ولكنني أعلم أن معافاتي ستكون سريعة بعون الله إذا رأيتك. ضحك عثمان وهو يقول: ما شاء الله أراك تعلّمت الكلام الحلُو، أكنتَ تأخذ دورة تعليمية فيه خلال غيابك؟ لم يستطع بهاء منع الضحك خصوصا أنه كان يهم برشف كوبه الساخن، وحين ضحك تناثرت بضع قطراتٍ منه على عثمان فأبعد وجهه وهو يتظاهر بالقرف قائلًا: ويبدو أنك لم تأخذ دورة في كيفية الشرب المؤّدب بوجود صديقك العزيز! انطلقت ضحكة عالية من بهاء حين دخل طارق الذي قال مبتسما لعثمان: ما شاء الله أراه قد تعافى بك، لو كنتُ أعلم لدعوتك منذ الليل. ضحك عثمان وخدّيه يحمران من الخجل وهو يأخذ كوب الشاي من طارق، والأخير يمد يده إلى بهاء بكأس عصير طازج، وهو يقول في دهشة: أبي، لقد شربت ما يكفي، منذ جئت وأنت تغرقني بهذه المشروبات. قال طارق بأسلوب مخيف ألجم بهاء: اشرب بهاء. لا أريد اعتراضًا. أخذ بهاء العصير بصمت وإن كان بدا على وجهه الاعتراض، وعثمان يقول له في أذنه: كم شربت من مشروب لحد الآن؟ تمتم بهاء في إحباط: حوالي عشرين كأسًا في تسع ساعات فقط! شهق عثمان شهقة قصيرة وهو يغمغم: يا للهول! والدك لا يرحم المريض أبدا! قالا ذلك وهما يعيدان النظر إلى طارق بحذر، وهو يرتشف رشفه من كوب الشاي، ثم ينظر لهما بحدة، ويقول في هدوء: فيم تتهامسان أيها الوغدان؟ ارتجف بهاء وعثمان معا وهما يتخيلانه قد سمع نجواهم! وعثمان يقول في اضطراب: لا أبدا.. أبدا! قال طارق بصوت ثابت: أرجو أن يكون هذا صحيحا، هيا بها، ابدأ بحكاية ما حصل منذ اختفت! قال بهاء بسرعة: حاضر أبي! ثم بدأ يحكي قائلا بهدوء: لقد هربت لأنني وجدت هذا الحل الأمثل لما أواجه من مشاكل، في الحقيقة بالنسبة لبهابيهو المزيف، فهو مرتاح إن بقيت في غرفتي، وبعد أن أتماثل للشفاء وأقدم للمحاكمة وأحاسب على جرائمه هو، فهو لن يعاني من أي مشاكل، ولن يستطيع أي شخص بعد ذلك أن يقدم دليلا على براءتي. أما إذا هربتُ، بهابيهو سيعاني من مشاكل حقيقية، فهذا معناه أنني سأطارده وسأحاول بكل قوتي إيجاد أدلة ضده، وأحاول التحقيق بشأنه! ولن يرتاح إلا بعد أن يُثبت التهمة علي ويضعني في يد الشرطة! وهو بالتأكيد لا يعرف مكاني، فأمثل طريقة حينها هي. "أن يخرج هو بهيأة بهابيهو مرة أخرى ليجذبك وتقع في الفخ" قال بهاء: نعم، بالضبط يا أبي.. بالرغم من أنني أعرف أنه فخ، لكن هذا ما كنت أريده من بهابيهو، أن يجعل لي فخا! ثم أوقعه أنا في فخه الذي صنعه! ولذلك قلت في نفسي أن أبدأ بخط البداية، في الحقيقة الوحيد الذي عرف أنني بهابيهو هو صديقك مبارك يا أبي! لذلك ظللت يوما كاملا وأنا أراقب منزله، لم أجد أي شخص يدخل إلى منزله هذا اليوم، فقررت المجازفة والدخول عليه من الشرفة، رغم أنه تفاجأ بي لكنه رحب بي بشدة، وحكيت له قصتي وبالطبع هو يعرف أنني هارب، وعدني بأنه لن يرشد الشرطة إلى طريقي، فهو في مقام والدي، وقال إنه سيساعدني في إيجاد حل، وسيبذل ما بوسعه لكي نعثر على ثغرة لبهابيهو المزيف، وأعطاني غرفة في منزله، فقد كانت عائلته مسافرة لنزهة بحرية، وبعد أول وجبة طعام قدمها لي، بدأ الشك يتزايد فيه حتى أصبحت 95% أشك في علاقته بهابيهو المزيف! تساءل عثمان: ولماذا بعد أول وجبة بالضبط؟ أجابه بهاء منزعجا: لقد وضع لي فيها منوّم، نمتُ لثماني ساعات، وفي اليوم التالي شكوتُ له ذلك، فقال إن تعبي وإصابتي هي السبب. اقتنعت بذلك مؤقتا أمامه. حاولت استدراجه في الحديث ولم أنجح، ولم أحصل منه أية معلومات، فقد كان يؤكد لي أنه لو يعرف خيطًا يوصلني إلى بهابيهو المزيف لن يقصّر، وظلّ يعرض عليّ أن أجلس معه حتى أجد المعلومات التي تلزمني، ويرحّب بضيافتي، وشعرت بصدقه فقبلت المبيت لليلة أخرى، لكنه وضع لي منومًا أشد، جعلني في حالة صعبة وكأنها غيبوبة، حتى أنني استيقظت بصعوبة شديدة في اليوم التالي، وبمجرد أن تأكدت من خداعه فقد قررت الهرب، وجئت، هذا كل شيء! قال عثمان في دهشة: أتعني أنك لم تعرف أية معلومات تساعدنا في البحث عن بهابيهو المزيف؟ قال بهاء حزينا محبطا: لا لم أعرف! وسأله طارق في نفس دهشة عثمان: هل قضيت كل هذه الأيام الثلاثة نائما عنده؟ أومأ بهاء رأسه إيجابا وهو يتحاشى النظر إلى عيني طارق الذي قال باستياء بعد دقائق ذهول: حسبتك عدت بشيء مهم يا بهاء! قال بهاء بحزن دون أن يرفع عينيه ليواجه طارق وعثمان بهما: آسف يا أبي لإحباطك، ولكنني لن أيأس من محاولة واحدة! قاطعه طارق في هدوء: لا تتعب نفسك يا بهاء، فقط شعرت بالصدمة! حاول بهاء أن يرفع عينيه لينظر إلى أبيه ولكنه أنزلهما سريعا، فقد كانت عينا طارق جامدتين، وهاتين العينين، لم يكن طارق ينظر بهما إلى بهاء إلا لو فقد ثقته بابنه! ثم تنهد طارق وهو يحاول إخفاء مشاعره المصدومة من ابنه، خرج من غرفته صامتا، بينما عثمان نظر إلى بهاء المكتئب بإشفاق: بهاء.. أنا.. لا أصدق، أنك.. قضيت كل هذه الأيام بدون فائدة تُذكر! ثم سكت عثمان وهو يشاهد بهاء ينظر له برجاء مقطبا حواجبه، بعينين رماديتين مدفونتين في الحزن والألم، فنظر له باستغراب وبهاء يبتسم بعينين دامعتين! لم يستطع عثمان فهم بهاء، وهو يضع يده على كتفه هامسا: بهاء، تصرفاتك تبدو غريبة هذا اليوم.. هل أنت بخير؟ وجد عثمان بهاء يمد يده الدافئة ويضعها على فمه مشيرا له بالصمت، فارتفع حاجباه في دهشة كبيرة! أبعد بهاء يده ثم جلس على سريره قائلا بصوت مبحوح: سأذهب إلى الحمام! وقف عثمان تلقائيا ليساعده، ولكن بهاء منعه قائلا: ابق يا عثمان! أستطيع المشي وحدي.. أنا بخير! جلس عثمان وهو في قمة ذهوله، لا يدري لماذا جلس، كان من المفترض أن يساعده حتى لو امتنع، ولكن نبرة صوت بهاء وهو يقول ذلك، جعلته ينفذ كلامه! راقبه وهو يقوم متحاملا على نفسه، وجهه يتعرق، بخطوات بطيئة، يستند إلى الجدران، ولكنه تهاوى على وجهه وسقط فجأة أرضًا! اصطدم صدره بالأرض بقوة جعلت بهاء يتأوه من الألم، وفي مكان آخر، حيث رجل في الثلاثينيات من عمره يجلس بسماعات صغيرة في أذنيه، بعيْنيْن حادتين خبيثتين، قال منزعجا: تبا! لقد تحطّمت إشارة التنصت! ثم أردف بسخرية بعد وقت قصير: لا بأس، فقد سمعتُ كل ما أريد! __ تقلّب طارق في فراشه بإرهاق، فقد ظل طوال الليل ساهرا على راحة بهاء، وهو يفكر مهموما كيف يساعد ابنه بهاء على تخطي هذه الأزمة، وأثناء ذلك سمع صرخة عثمان: أستاذ طارق، أسرع إلى هنا! قفز من فراشه وهو بقمة فزعه، ودخل إلى غرفة بهاء ليجده ممدا على الأرض ووجهه في حجر عثمان الذي التفت له قائلا بارتياع: لقد سقط فجأة هائمًا على وجهه ولا أدري ما السبب؟ انحنى طارق ليقلب بهاء على ظهره، فوجده قد أغمي عليه، نادى عليه بلطف وهو يضرب خده برفق، ثم قال لعثمان: هيا قف لنعيده إلى سريره، ربما أُغمي عليه من الإعياء. وهو يمسك بمعصم بهاء، وجد يده قابضة على شيء ما بقوة، انتبه لها باهتمام وهو يفتحها برفق ليعرف ماذا يُمسك بهاء؟ شعر بالدهشة وهو يرى زر قميص محطم، في داخله بضعة أسلاك رقيقة جدا، قطّب طارق حاجبيه في تفكير عميق وهو يلتفت إلى عثمان الذي يراقبه في تساؤل، قائلا: عثمان...! رفع عثمان وجهه في ترقب لما سيقوله عن هذا الزر المحطم، فقال طارق في شرود وهو يتأمل عيني بهاء المغمضتين وشعره القصير المتناثر على جبهته: يبدو أن بهاء يُخفي علينا شيئا مهما.. جدا! |