السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم جميعًا^^ بما إن اليوم يبدأ عندي مبكرا فالفصل سينزل مبكرًا أيضًا أرجو أن يكون فصلا خفيفًا ظريفًا عليكم :tb3: (8) تعاون طارق وعثمان في نقل بهاء إلى سريره، وهما محتاران في الشيء الذي يخفيه بهاء، هل يمكن؟ بهاء يخفي شيئا عن أبيه؟ وصديقه كذلك؟ لماذا؟ إن بهاء يثق في والده ثقة عمياء وكذلك والده، وعثمان وبهاء صديقان مخلصان لم يضحكا على بعضهما أبدا أو يخدعا! شعر عثمان بإحباط شديد وهو يتأمل وجه بهاء الذي بدأ يفيق، ثم قال بلهفة: ها هو ذا قد أفاق! فتح بهاء عينيه بصعوبة وهو ينظر لعثمان ويحاول تذكر ماذا كان يفعل، وبمجرد أن تذكر، حتى انتفض وهو ينظر إلى والده يخرج من الغرفة، سمع طارق صوته: أبي! توقف طارق دون أن يلتفت له، وهو يسمعه راجيا بصوت مُنهك: أبي أرجوك اسمعني الآن! سأحكي لك كل شيء. قال طارق بعد نفسٍ عميق: لا بأس يا بهاء استرح الآن وأخبرني بكل شيء لاحقا! قال بهاء في إصرار: كلا، أريد أن أقول الآن كل.. قاطعه طارق وهو يخرج من الغرفة: اسمعني بنيّ، أنت متعب وأنا لا أمانع أن تؤجل هذا الحديث إلى.. قام بهاء جالسا بسرعة مُستندًا إلى يد عثمان الذي نظر إليه بدهشة بالغة، وهتف بإنهاك: أبي.. أنا أحتاجك الآن بجانبي! توقف طارق مرة أخرى فكرر بهاء قوله متوسلا: أبي، أنا بخير، فقط أحتاج إليك لأحكي لك كل شيء وأستريح من الهمّ الذي يعشعش فوق رأسي. سكت طارق بعض الوقت، وعثمان يراقب الوضع دون فعل أي شيء، فقد شعر بأن هذا الموقف يشبه موقفه مع أبيه عمير عندما كذب عليه، ولكن طارق أكثر تفهما ولطفا مع ابنه بهاء. التفت طارق ونظر نظرة طويلة إلى عينيي بهاء، ثم جلس على الأريكة بجانب سريره، قائلا بتنهّد: هيا! ابتسم بهاء براحة بعد أن جلس طارق، ثم أشار لعثمان بعينيه فجلس صامتا هو الآخر. قال طارق بهدوء: أولا فسّر لي هذا الزر المحطم الذي وجدتك تقبض عليه بيدك! ثم تكلم عثمان مترددا: كما أنك يا بهاء.. سقطت عن عمد، أليس كذلك؟ قال بهاء وهو يلتقط الزر المحطم: إن هذا الزر يا أبي.. في حقيقته، كان أداة تنصت! _أداة تنصت؟ _نعم. _وكيف عرفت ذلك بنيّ؟ قال بهاء وهو يرفع وسادة ورائه ليستند عليها متنهدا: لقد عرفت الكثير.. في هذه الأيام! انتبه له طارق، فرآه شاردا وهو ينظر إلى الأعلى قائلا: أبي، أنا عرفت.. عرفت من هو بهابيهو المزيف! نظر إليه طارق وعثمان مندهشين وفرحين، قائلين في نفس واحد: حقا؟ ابتسم بهاء ابتسامة باهتة قائلا: نعم. ثم أكمل: لقد كانت البداية كما قلتُ لكم، ذهبت إلى مبارك وأخبرته بالحقيقة وأشعرته وكأنني ألجئ إليه، وعندما قدّم لي طعامه لم أتناوله البتّة، لسببين: أولهما أنني أشك في ماله أهو حرام أم حلال، ثانيهما: أنني شككت بوجود شيء ما! كنت أخذ بعضا منه للطيور التي تأتي على شرفة غرفتي التي أعطاها لي مؤقتا، وأُطعم الغداء لقطة كانت تقفز إلى الشرفة، ولاحظت أنها كثيرة النوم بشكل غريب فتأكدت أكثر من ظنوني، كنت أمثل النوم أمامه عندما يدخل إلى غرفتي، وبالطبع كان يتكلم على راحته أثناء تمثيلي للنوم، في الحقيقة أنا لم أنم ساعة واحدة منذ ثلاثة أيام، خشيت غدره لي في أي لحظة! في اليوم الثالث، أصبحت قدرتي على مقاومة النوم ضعيفة جدا، لم أكن قد تعافيتُ تمامًا من إصابتي وهذا سبب لي ضعفًا بالغًا في جسدي، وكذلك لاحظت الدوار والغثيان الذي يُصيبني لعدم تناولي لقمة واحدة من طعام ذاك الرجل! وأثناء مقاومتي لأن أدخل في نوم حقيقي، دخل بهابيهو المزيف مع مبارك. ومبارك يقول له في نشوة: لقد لجأ لي هذا الفتى معتقدا أنني أحد أصدقاء أبيه المخلصين، قدمت له منوما في طعامه، وها هو أمامك الآن! افعل به ما تشاء. سمعت ضحكة بهابيهو الساخرة، وأحسست بأنفاسه تقترب من وجهي، فعرفت أنه يراقب ملامحي ليعرف أنا أمثل أم أنا نائم حقا، شعرت بتوتر كبير يسري في أطرافي، ولكنني رغم ذلك لم أحرّك ساكنا، فقد كنتُ متعبا بحق وغير قادر على تحريك عضو واحد من جسمي! قال بهابيهو: قتله سهل جدا الآن. فضحك مبارك قائلا: إنه مغفل، والدليل أنه ذهب لهذه الشركة بكامل إرادته بسبب خدعة رسالتنا وهو يعلم أن سمعة بهابيهو قد تشوهت، ووقع في الفخ الذي رسمناه له.. ولكن قتله الآن لن يفيدنا بشي، سنستفيد منه أكثر إن تركناه حيَّا، ولكن حيّا تحت سيطرتنا بالطبع. قال بهابيهو: ولكن هل تظنه سيظل حيّا معنا؟ انظر، تبدو عليه الحمّى! عليك الاعتناء به أكثر. ثم رفع قميصي عن جانبي الأيمن، قائلا بسخرية: جرح الرصاصة التي أصبته بها لم يلتئم بعد، ولكنه سيتحسن قريبا جدا! بعد ثوان من الصمت، شعرتُ بأصابعه تفكّ أحد أزرار قميصي، ثم يبدله بزر آخر، عرفت فورا أنه وضع أداة خطيرة، وتأكدت من كوني مراقبا منذ تلك اللحظة حين قال هامسا بصوته الحاد لمبارك: هذه الأداة لأتأكد حقا إذا كان يدري بحقيقتك يا مبارك أم لا، فعندما يستيقظ سيهرب بالتأكيد لأنه شعر بخداعك له بوضع منوم في طعامه، ولكنه لن يعلم أني سامعٌ لكل حديثه من خلالها! بعدما تأكدت من خروج بهابيهو المزيف من الغرفة، جاهدت لكي أقوم من السرير وأراقب الشارع من شرفتي بشكل سري تماما، فرأيت شكل بهابيهو المزيف وهو يُخفي عينيه بقبعة سوداء، لكنني عرفت صوته ونصف وجهه! وبعدها قفزت من الشرفة مثلما فعلت في المستشفى، ولكن هذه المرة كان تحت الشرفة مباشرة أحد السيارات فلم أحتج حبالا. وطبعا بذلت كل قواي التي في جسمي لكي أصل للمنزل بسلام! فقال عثمان متبسما بسعادة: رائع يا بهاء، لقد فعلت هذه التمثيلية أمامنا لكي تُقنع بهابيهو المزيف الذي كان يستمع إليك سرّا، بأنك حقا كنت نائما ولم تعرف خططهم وأسرارهم.. والآن تأكدنا من هوية المجرميْن حقًا! تنهد طارق متبسما: وحاولت إسقاط نفسك على صدرك لكي تتحطم أداة التصنت، فإنك إن حطمتها بنفسك قاصدا سيفهم بهابيهو ذلك خطتك! ولكنه هكذا سيعتقد أنك سقطت من شدة التعب وهي تعطلت بسبب ذلك. أومأ بهاء برأسه إيجابا، فتنهد طارق براحة، وهو يشدّ أذنه قائلا: لقد أفزعتني يا أحمق عليك، لوهلة شعرت بأنك خيبت آمالي وثقتي فيك. ضحك بهاء وهو يتأوه قائلا: آآه أبي اترك أذني! لن أكذب عليك مجددا! ضحك عثمان هو الآخر، وهو يرى طارق ما زال يشد أذن بهاء، وبهاء يتألم بصوت عال، فقال عثمان مازحا: إياك أن تصدقه بعد ذلك يا أستاذ طارق، فمن حديثه علمت أنه ممثل بارع، سيمثل عليك الألم لتتركه! ضحك بهاء وقد ترك طارق أذنه، ثم شد هو الآخر أذن عثمان قائلا: لا تحرّض أبي ضدي أيها الوغد! __ بعد خروج طارق من الغرفة سعيدا بالضحك والمزاح الذي استغرق فيه لأول مرة منذ أسبوع على الأقل، مع ابنيه الاثنين _فهو يعتبر عثمان ابنه الثاني _، اتجه على غرفته مرتاحا لينام، أما عثمان، فقد بقي مع بهاء يثرثران، وبهاء يقول: صحيح ماذا حصل مع أبيك؟ هل اعتذرت له؟ أخبرني.. أخبرني.. ضحك عثمان وهو يحكي له كل شيء، وبهاء فرح كثيرا بتصالحه مع والده، كان بهاء يحب عمير كوالده، وقد شعر بالحرج والحزن بشدة، لأنه عرف أن عمير يعتبره مجرما! ولكنه بإذن الله سيكشف الحقيقة، ليس لعمير فقط ولكن لكل الناس. نعم سيكشفها ويثبت للجميع أنه بريء من تهمة السرقة. مضى الكثير من الوقت على حديثهما، حتى بدأ عثمان يلاحظ إرهاق بهاء الظاهر على وجهه، فرجّح أنه يجب عليه الراحة الآن، فبالنسبة لما عاناه بهاء هذا الأسبوع، فهذا حمل كبير على فتى في الثانوية مثله ولكنه أثبت أنه قادر على التحمل، وعلى التصرف بذكاء. قال: حسنا بهاء هل تحتاج أي شيء قبل خروجي؟ فوجد بهاء يقول وهو مغمض العينين: عثمان.. سأله عثمان: ماذا؟ فقال بهاء: بقي لي ثلاثة أيام لم أسمع صوتك بالقرآن، وكنت معتادا على تسميع القرآن لي، هل بإمكانك قراءة ما حفظته في غيابي علي الآن؟ شعر عثمان بالسعادة وهو يجلس مرة أخرى ليرتل على بهاء القرآن، الذي نام على صوته مُطمئنًّا! __ في المساء أخرج طارق هاتفه الجّوال من جيبه ليرد على المتصل، قائلا: السلام عليكٍ يا حبيبتي.. كيف حالك؟ سمع صوت غدير الباكي: وعليكم السلام.. قال طارق باستياء: ما الأمر هذه المرة؟ سمعها تقول بصوت مهزوز: اشتقت إلى بهاء، لم أعد أتحمل الجلوس مع أمي، ستكتشفني قريبا، فأنا دموعي تنزل بلا شعور مني كلما.. قاطعها طارق ضاحكا بحنان: وماذا بيدي أن أفعل يا أم بهاء؟ سكتت بضع دقائق ثم قالت: أريدك أن تأتي لأخذي! لقد مللت! أخواتي يقولون لي كلاما غريبا يضايقني.. سألها متنهدا: ما هو هذا الكلام الغريب؟ قالت متضايقة: إنهن يقلن إن لبهاء ابني علاقة بهابيهو، ويبدو أنهم يتهمون ابني بأنه بهابيهو نفسه! يا لسخافتهن! كيف يكون ابني هو بهابيهو وقد أصابه بهابيهو؟ سألها طارق في حذر: وكيف عرفن ذلك؟ أجابت: يقلن لي أنهن قرأن في الأخبار عن هروب بهابيهو من المستشفى، وبهابيهو الحقيقي لم يكن موجودا في المستشفى ولكن بهاء فقط، مما يعني أن بهاء هرب وأنه بهابيهو.. آآه لقد جُننت من كلامهم يا طارق أرجوك.. تعال! أخذ طارق نفسا عميقا ليتغلب على قلقه قائلا: حاضر، سآتي الآن، استعدي! ___ سمع بهاء صوت باب المنزل يُفتح وهو على سريره، ثم خطوات والده إلى غرفته، وجده يحمل حقيبة العمل السوداء بيد واليد الأخرى يخلع بها سترته ويلقيهما معا على الأريكة بجانبه قائلا: كيف حالك يا بهاء؟ ثم اقترب منه متبسما على الرغم من إرهاقه: آسف لأنني تركتك منذ الظهيرة وحدك حتى الآن! وضع يده على جبهته هامسا: أأنت بخير؟ شعر بهاء بالامتنان وهو يقول: لقد زالت الحرارة تماما، لقد تحسنت كثيرا يا أبي ولله الحمد، وقد أكلتُ الوجبتين اللتين أعددتهما لي قبل ذهابك، أرجوك لا تُرهق نفسك للعناية بي.. قال طارق معاتبا: أرهق نفسي؟ إذا لم أُرهق نفسي للعناية بابني الوحيد فلمن أرهقها إذن؟ سكت بهاء وهو ينظر بحب عميق لأبيه، الذي اتجه إلى الباب خارجا، ثم توقف قائلا: سأذهب الآن لأحضر والدتك من بيت جدتك! ثم همّ بالسير ولكن بهاء ناداه قائلا: أبي! التفت له طارق متسائلا فقال: إذا سألتني أمي عن.. حقيقة اختفائي فبمَ أخبرها؟ تنهد طارق وهو يقول بحيرة: لا أدري حقا يا بهاء.. أنا شخصيا لا أدري! ثم قال بعد تردد: قل لها أي شيء، المهم ألا تكذب عليها أبدا! ثم أغلق الباب خلفه، تاركا بهاء وراءه في حيرة كبيرة، وهو يقول لنفسه في توتر وقلق: أقول لها أي شيء؟ ماذا أقول يا أبي ماذا أقول؟ __ تنهدت غدير وهي تعلق عباءتها في خزانتها، ثم تربط شعرها المتناثر بربطة عشوائية وهي تكلّم طارق المستلقي على سريره: طارق حقا أنا لا أدري.. كيف لم تعرف الشرطة الآن أي شيء عن بهاء! نظرت إليه نظرات راجية ليقول لها جوابا شافيا يُطمئن قلبها، ولكنها وجدته مغمض العينين باسترخاء، فقالت معاتبة: طارق أنت حتى الآن لم تطمئن قلبي! لماذا تحب أن تزيد من قلقي بهذا الشكل بسكوتك؟ أخذ طارق نفسا عميقا وهو يقوم مفتوح العينين، ثم ينظر إلى الخزانة التي بجانبه، ويشير إلى مقص عليها، قائلا: لقد أخذت هذا المقص من مكتب بهاء ونسيت إعادته، هل بإمكانك ذلك؟ قالت له وقد بدأ ينفد صبرها: لماذا لا تُجيب على أسئلتي بشكل واضح؟ ثم.. لماذا لا تذهب أنت بنفسك؟ استلقى مرة أخرى وهو يقول: أنا مُتعب! نظرت له بغضب، وهي تتجه له في عدوانية، فرفع رأسه في حذر ليتفادى أية هجوم! ولكنه وجدها تأخذ المقص بضيق ثم تخرج من غرفتها نحو غرفة بهاء، وهو ابتسم هامسا لنفسه: أرجو أن تعجبك مفاجأتي لك يا غدير! فتحت باب غرفته بعصبية، وهي تتجه إلى مكتبه، كان المكان مُظلما، لذلك لم تلاحظ ذلك الجسم الذي يرقد على السرير، وضعته على المكتب بضيق، ثم وقفت بصمت لبعض الوقت، وبهاء من خلفها يجلس على سريره بدون أي حركة، لاحظ تسارع أنفاسها، ثم صوت دموعها وبكائها، وهي تغمغم في قلق حزين: أين أنت يا بهاء؟ أين؟! لم لا تعود لي يا بني؟! ابتسم بهاء وقلبه ينبض بشوق كبير لدموع والدته التي تذرفها كل يوم عليه، قال بصوت هادئ: أنا هنا أمي! توقفت متفاجئة بعض الوقت، ثم التفت بخوف وهي تتخيل نفسها قد هذتْ بسبب حزنها المستمر عليه، لقد وصل الأمر بها إلى الهذيان وتخيل سماع الأصوات! كان بهاء واقفا ورائها مباشرة، وقال بصوت حنون: أمي، لا تفزعي، أنا هنا حقا! لقد عدت إليك ِ.. شهقت بصوت منخفض وهي تلتفت لتواجهه خلفها تماما مبتسما في سعادة، أما هي فقد ارتجفت شفاهها وهي تمد يدها لتتأكد من حقيقة هذا المجسم الذي أمامها، تحسست شعره، ثم وجهه، ووضعت يدها على صدره قائلة بدهشة: أنت حقيقي؟ ضحك بهاء قائلا: أقسم لك أنني لستُ خيالا! أغمضت عينيها بعدم تصديق ودموعها غزيرة على وجنتيها، ثم دفنت رأسها في صدره وهي تهتف باسمه، وهو كذلك حضنها برفق وهو يستمع لأسئلتها المعتادة التي تقولها بصوت باكٍ: لمَ لم تخبرني قبل أن تذهب؟ لم تأخرت كل هذا الوقت؟ كيف جئت يا بهاء؟ ماذا حصل معك أرجوك أفهمني! بهاء.. إياك أن تخدعني.. إنني أشتم رائحة إخفائك لأمور كثيرة عني! ضحك بهاء على كل هذه الأسئلة المتلاحقة فقد كان يتوقعها، وسمع صوت طارق الواقف على الباب قائلا بضحك: إذن فقد اكتشفتما بعضكما في نفس الغرفة، لقد تخيلت اللقاء سيكون أحرّ من ذلك! ابتسم بهاء وهو يشعر بصدره قد تبلل من كثرة دموعها، نظر لها بحنان ورفق، وهو يمسح على شعرها قائلا: أمي.. هل هدأتٍ الآن؟ لم ترد عليه فأعاد السؤال، فلم يلاحظ منها إلا سكونها، رفع وجهها فوجدها مغمضة العينين، نظر إلى أبيه بقلق: أبي.. أمي لا ترد! اقترب طارق قائلا في هدوء: هذا طبيعي، لقد أُغمي عليها! إنها حساسة لدرجة مزعجة! تُهلك نفسها بالبكاء، يحصل هذا معها كثيرا.. قام بهاء واقفا وهو يقول ممسكا بيدها: سأنقلها إذن إلى سريري! منعه طارق لأجل إصابته، وهو يحمل غدير المغشي عليها حتى السرير، لم تمض يضع دقائق إلا وهي تفتح عينيها بتعب، وجدت أمام وجهها طارق، فتساءلت ببراءة: هل كان هذا حلما يا ترى؟ هل عاد بهاء إلي يا طارق؟ ابتسم طارق: لم يكن حُلما، فبهاء الآن بجانبك حقا! التفت سريعا له، فوجدته أمامها متبسما، تنهدت براحة وهي تردد في سرّها: الحمد لله.. الحمد لله! استندت على وسادة خلفها، كان بهاء يستند إليها أيضا، فقالت في لهجة حنونة: أخيرا عُدت! قل لي ما حصل معك هيا. خرج طارق ذاهبا إلى النوم بعدما اطمئن عليهما، أما بهاء ووالدته، فقد ظلّا يتكلمان، ومع الوقت انفعلت غدير وهي تسأله أسئلة يتهرب منها، قالت له مهددة: بهاء.. أجبني بصراحة ولا تحاول الإنكار! قال بهاء مضطربا: علامَ أجيبك يا أمي؟ قالت بحدة: أين كنت طوال هذه الثلاث أيام؟ ولم هربت من المستشفى؟ قال بهاء وهو يلتصق بظهره في الوسادة أكثر: كـ.. كنت مشغولا أمي.. ولم أعد إلا بعد ثلاثة أيام! قربت وجهها من وجهه في تحدّ بينما تراجع هو أكثر، وهي تصرخ: كنت مشغولا بماذا؟ أجب إجابة واضحة! تأتأ بهاء وهو يتكلم: أت..نا ..آه ، بعـض أعـ..مال الـ .. قاطعته في عصبية: قل جملة مفيدة! تنهد وهو يقول: ماذا أقول يا أمي؟ قالت بغيظ: قل لي، لماذا نٌشر خبر هروبك من المستشفى على أنك بهابيهو؟ هل هربت بإرادتك؟ أجبني أيها الأحمق! سكت بهاء قليلا وهو ينظر لها بإحباط، وقد شعر بأن أمه لو سألته سؤالا واحدا آخر سيستسلم ويقول لها الحقيقة كاملة من شدة ضغطها عليه. همّت بسؤاله بصوت عال مرة أخرى، وهي تشد أذنه بعنف: هيا بهاء لن أسامحك إذا أخفيت عني شيئا، أنا لست حمقاء كما تعتقد.. قال بهاء في تألم وهو يمسك يدها: لا.. ليست أذني ثانية أرجوك.. سأخبرك كل شيء يا أمي! تركت أذنه وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها في عزم وتقول بصرامة: هيا إذن! تنهد وهو يدّلك أذنه، ثم بدأ بالحديث كله، من بدايته وحتى نهايته، وهي بعد كل خمس دقائق تقاطعه بأسئلة مشككة مرتابة. وقالت له ذاهلة بعد ما عرفت الحقيقة: ماذا؟ ولماذا والدك لم يخبرني بهذه القصة من قبل؟ لماذا لم تخبرني؟ تردد بهاء وتلعثم وهو يقول: لقد ..قـ.. ال.. قال لي.. أن.. أنه، هتفت بحدة: أنه ماذا؟ أكمل بنفس الارتباك: لقد قال لي أنك حساسة وعاطفية بشكل غبي ولا.. ولا تصلحين لمعرفة مثل هذه الأسرار التي ستنقلينها إن عرفتها! لمعت عينا غدير بغضب وعنف وهي تقول بعدوانية: قال عني هذا.. ذلك الـ.. هتف بهاء في توتر: لا يا أمي أرجوك.. لا تخبريه! نظرت له نظرة ناريّة ثم صغرت من حدقتي عينيها وهي تقول: حسنا.. سأنتظر بعض الوقت حتى يستيقظ عند الفجر، وسأصبر! ثم نظرت له متوعدة: أما أنت فحسابك عندي، بعد أن أحاسب هذا المحتال الذي في الغرفة الأخرى! شعر بهاء بالدوار بعد استجواب أمه القاسي، وهو يلتقط هاتفه لينظر إلى الساعة، وجدها الثانية فجرا.. يا إلهي، هل ظلّت أمه تستجوبه ليلة كاملة! اضطر للانتظار حتى الفجر ليصليه حاضر فلو نام الآن لن يستطيع القيام، وجلس يقرأ بعض الكتب، حتى ملّ منها ولم يستطع فهم شيء لتعبه وإرهاقه، أذن الفجر، فصلّاه وجاء لينام، دخل عليه طارق وهو يريد إيقاظه للصلاة، فقال له بهاء مطمئنا: لقد صليت يا أبي. قال طارق بعد تأمل طويل في وجهه: لماذا تحت عينيك هالة سوداء؟ هل أرهقت نفسك بالمذاكرة؟ قال بهاء بإعياء وهو على وشك البكاء: إنها أمي.. لقد ظلت تستجوبني، سامحني يا أبي، لقد قلت لها كل شيء، لم أستطع التحمل أمامها. ضحك طارق بشدة وهو يهدِّئ بهاء، ويربت على صدره ويغطيه في سريره، قائلا: لا بأس يا بني لو كنت مكانك لفعلت نفس صنيعك.. نم الآن! أتمنى فقط أنك لم تخبرها عن جملتي.. أخذ بهاء نفسا عميقا وهو يغمض عينيه مستعدا للنوم دون أن يرد على والده فهذا ما كان يخشاه، انتظر حتى خرج فقام سريعا وأغلق الباب بالمزلاج، ثم تنفس الصعداء وعاد للنوم العميق وهو يغمغم: هذا ما ينقصني، أن يأتي أبي للانتقام مني بعد ما عرف أنني أخبرتها! |