السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كيف أحوالكم؟ إن شاء الله بخير لن أطيل عليكم لكن فقط أنبهكم من جديد... من الأفضل قراءة الفصل قبل رؤية الشخصيات التي تظهر ~ كالعادة جزيل الشكر لـ آكا-تشين على تدقيق الفصل بياتريس. الحيادية، هذا هو الموقف الذي اختار الفيلق أن يتخذه من الحرب. كونه منظمة مستقلة عن الحكومة بهدف تخليص العالم من الوحوش الخارجة عن السيطرة، قرر القادة و بعد عدة اجتماعات في مختلف المناطق أنهم لن يتدخلوا في الحرب القادمة بين الـ فان و النبلاء. اعترض العديد من الأعضاء على النتيجة النهائية، إلا أن أصواتهم لا تقارن بالكلمة الأخيرة للقادة الثلاثة العليا. -"إذن إما أن نعصي الأوامر، مما يجعلنا متمردين... أم نقف مكتوفي الأيدي بينما يعاني سكان العاصمة." كان المتكلم هو جاك الذي جلس مقابلا إياها في زاوية المطعم المحلي، بقعة في القرية التي سافر الاثنان إليها لحضور آخر اجتماع، و التي تبعد بضعة ليال عن العاصمة. أثار حنق بياتريس أنها قريبة للغاية مما يجب أن تفعله، إلا أن الخيار قد سُلب منها من طرف الفيلق... الخطوة التالية واضحة إن توقفتُ عن التردد، فكرت بينما تدير ملعقتها وسط طبق البطاطا المهروسة خاصتها. -"هنالك خيار آخر." قالت أخيرا بعد فترة صمت، عيناها ملتصقتان بطبقها. -"بياتريس—" -"هنالك خيار آخر." كررت رافعة بصرها لتلتقي عيناها بعينيّ جاك الكهرمانيتين. الأخير طوى يديه و رفع حاجبا في ترقب ساخر، و رغم أن تريس شعرت برغبة في صفع تلك النظرة المتعجرفة من على وجهه، إلا أنها تمالكت نفسها، رفعت ذقنها، أمالت رأسها للجانب، ثم أفصحت: -"يمكننا الإطاحة بقيادة الفيلق." -"علمتُ ذلك!" نطق جاك بانزعاج. ترك مرفقيه يستريحان على الطاولة أمامه فاتحا كفيه ليضيف: -"التصرف من وراء ظهورهم و مواجهتهم مباشرة مسألتان مختلفتان!" تركت تريس ملعقتها تسقط في الطبق قبل أن تقول مقطبة حاجبيها: -"نتصرف من وراء ظهورهم؟ أنا و أنت؟ و من؟ سنكون محظوظين إن وجدنا بضعة أشخاص إضافيين! لكن يا جاك، إن تغيرت القيادة فسيتصرف الفيلق بأكمله، كلنا نحو الهدف الذي وُجدت لأجله هذه المنظمة منذ البداية: حماية الناس !" رغم جلسته العنيدة، إلا أن عينا جاك قد استحالتا ناعمتين، و حينها عرفت بياتريس أنها تمكنت من اختراقه، كل ما عليها فعله هو الضغط عليه أكثر بقليل، لذا أمالت وجهها نحوه و سألت بصوت خافت: -"لمن يعود ولاؤك، جاك وايفرن؟ أهو للفيلق؟ أم لمبادئك؟" حدق فيها جاك مطولا دون أن يرمش له جفن، ثم تنهد أخيرا و اتكئ على مقعده قبل أن يجيب و عيناه مغلقتان: -"ولائي لكِ أنتِ، بياتريس باكستر." وضعت وجهها بين يديها في إحباط، أو على الأقل هذا ما أملت أن يعتقده جاك الذي فتح عينا واحدة من مكانه لينظر إليها، أملت أن لا يتمكن من رؤية محاولتها الفاشلة في قمع ابتسامتها و محو الاحمرار من على وجنتيها. -"كان عليك قول ذلك منذ البداية..." تمتمت بين أصابعها قبل أن تتنهد و تترك وجهها. لينا. لأول مرة منذ قرارها بالتورط في هذه المسألة، أدركت لينا مدى ضخامة ما تواجهه. كل صورة رسمتها فتاة القرية البسيطة في داخلها قد تلاشت عندما رُفع الستار عن الجمال الحقيقي لعاصمة مملكة زورميث، العاصمة المُسماة جيراسي. [ هنا ] من البنايات الأنيقة على طراز لم تستطع أن تسميه حتى، إلى الجسور التي تصل بين أجزاء الأرخبيل و المياه التي تحيط بها. بما أنها لم تلمح القلعة الملكية من مكانها فقد افترضت أنها تتمركز في جزيرة أخرى من جزر الأرخبيل. بالتفكير بأن مثل هذا الفن قد اختبئ وراء أقرب جبل إليها طوال الوقت بينما جلست في بيتها تأبى زيارة العاصمة في كبرياء أحمق... أيا كان ما سيواجهونه من الآن وصاعدا، على الأقل يستحق عناء أن تُذهل ببهاء هذه البقعة الخيالية من المملكة التي سكنتها طوال حياتها لكن لم تعرفها قط. ابتلعت صدمتها و استجمعت قواها أمام الإدراك المهوّل أنها على وشك الدخول في نزاع بين أقوى مخلوقات الأرض. ليس لديها الوقت للإصابة بأزمة وجودية، ليس و الليلة الماضية كانت ليلة تحولها، حيثُ قام رايلي، بشكل أو بآخر، بالسيطرة على هيئة الذئب التي تركتها خائرة القوى هذا الصباح. كيف؟ لم تسأل و لم ترد أن تعرف. تفرقت سبلهما مع آيرنديل بعد إنقاذه لهما، و قد لاحظت لينا أن هنالك ما تغير بوالد غيلاد في النهاية، و كأن الغضب القاسي الذي أظهره نحو إيليا ناش قد خمد، أو ربما دُفن مؤقتا لينفجر لاحقا أقوى و أكثر شرا. لينا أقنعت نفسها أن الأمر لم يعد مشكلتها، على الأقل ليس مع ما وجدته عندما دخلت العاصمة برفقة رايلي. لم تعرف ما الذي كانت تتوقعه بالضبط، لكن ليس هذا. لم تتوقع أن تجد الناس يتمشون في الشوارع و الطرقات بكل حرية، يتاجرون و يضحكون و يلعبون و يتغازلون، لم تتوقع أن تجد اسم الـ فان غير معروف خارج إطار حكايات الأطفال المرعبة، لم تتوقع أن تجد الأمور طبيعية لهذا الحد. بينما تجولت و رايلي في إحدى الأسواق، صوت صراخ التجار عن مدى جودة سلعتهم يعم المكان، مالت نحو رفيقها و سألت من تحت عباءتها: -"أترى ما يحفز ذاكرتك؟" -"كلا." هز رايلي رأسه نافيا. -"إما أن الإنذار بخصوص الـ فان كاذب، و ذلك مستحيل بما أنني أقف هنا معك، و إما هؤلاء الناس من حولنا لا يدركون الخطر الذين هم فيه." -"أو أن الـ فان ليسوا هنا، ربما لم يقصدوا العاصمة من الأصل..." -"العاصمة عبارة عن أرخبيل، هذا ليس المدخل الوحيد." -"لكن إن كان هدفهم القصر، و إن كنا فعلا أقوى المخلوقات، لماذا لم يتحركوا بعد كل هذه المدة؟" -"ماذا لو..." توقفت لينا عن المشي و رفعت رأسها نحو رايلي قبل أن تقول بنبرة غير واثقة: -"ماذا لو أن الحرب ليست كما نعتقدها؟ ماذا لو—" -"معذرة !" التفتت لينا لمصدر الصوت الغريب، كانت تمسك بعباءتها فتاة صغيرة لا تتجاوز الحادية عشرة، الأخيرة نظرت إليها بعينين كبيرتين و استأنفت: -"أيتها الآنسة. أيها السيد ! هلّا ساعدتماني رجاءً؟" كم تعشق لينا الأطفال المهذبين. للحظة غزت صورة غيلاد أفكارها، متبوعة بابتسامة روكو المشرقة، لكنها دفنتهما من جديد مركزة على الطفلة التي أمامها. انحنت لينا قليلا بحيث وضعت يديها على ركبتيها، و سألت بابتسامة دافئة: -"ماذا هناك يا صغيرة؟" قطبت الفتاة حاجبيها عابسة. آه، لا يحب الأطفال أن يُطلق عليهم بالصغار. -"لقد فقدتُ شيئا ما..." كان ذلك كل ما تفوهت به الصغيرة قبل أن تشد على عباءة لينا و عباءة رايلي بلطف ثم تأخذ في الركض باتجاه أقرب ساحل. كانت لينا لتنطلق وراءها مباشرة لولا اليد التي أسرت كتفها، استدارت نحو رايلي الذي قطب حاجبيه في حيرة و قلق بينما تمتم: -"لينا؟" -"علينا مساعدتها !" قالت مشيرة برأسها نحو الفتاة. تخلصت من يد رايلي، ثم تبع كلاهما الفتاة. كانت سريعة بشكل مزعج، لدرجة أن لينا واجهت صعوبة في اللحاق بها بينما تتسلل وسط الحشود بخفة. ربما كانت تعرف المنطقة و حسب، و لذا التحرك فيها سهل بالنسبة لها. توقفت الفتاة أخيرا بعد عدة قفزات خارج السوق، بعد أن حطت أمام الساحل الذي يُطل على جزيرة أخرى من جزر الأرخبيل، القوارب التجارية الكبيرة تطفو بعيدا في المياه التي تقود لميناء الجانب الآخر. افترضت لينا أن ميناء هذه الجزيرة موجود في الناحية الأخرى من الجانب الذي تغطيه البنايات، بما أن هذا الساحل خالٍ. وقفت الفتاة بحيث تكاد المياه تلمس قدميها، ثم قالت مشيرة بإصبعها إلى قاع البحيرة: -"قلادتي في مكان ما داخل المياه، و لا أجيد السباحة، هلّا قمتما باستعادتها لأجلي؟" -"كيف سقطت قلادتك هناك؟" سأل رايلي بهدوء مميلا رأسه. أجابت الفتاة مقطبة حاجبيها في استياء، عيناها على عينيّ رايلي بحدّة: -"لقد تشاجرت مع أخي سابقا، فقام بانتزاعها من عنقي و الإلقاء بها في البحيرة !" كانت قبضتاها مشدودتان الآن، شفتاها مطبقتان في غضب و عيناها لم تتركا رايلي. الأخير تنهد عندما التفتت لينا إليه رافعة حاجبيها و معوّجة فمها، و ترك حقيبته، ثم تخلص من عباءته و قميصه قبل أن يقفز في الماء. تساءلت لينا إن كان يمكن للـ فان التنفس تحت الماء، أم أنهم سيختنقون ثم يعودون للحياة مرارا و تكرارا... أخذت نفسا عميقا طاردة تلك التساؤلات عديمة الفائدة. حينها تجمدت في مكانها. رائحة التراب و الصخر و الماء و الخشب من حولها واضحة و نقية، بالإضافة إلى رائحتها هي و... لا شيء آخر على الإطلاق. لا أثر لرائحة الفتاة التي تقف على بعد بضع خطوات عنها. -"رايلي !" صرخت بكل قوتها. لكن رايلي قد اختفى تحت سطح الماء بالفعل. التفتت نحو الفتاة، و قفزت للخلف غريزيا عندما لمعت عينا هذه الأخيرة بلون أحمر دموي. لا بد أنك تمازحني! قبل أن تتمكن لينا من التصرف، رفعت الصغيرة ذراعها و وجهتها نحو البحيرة، و إذا بما بدا كصاعقة برق يتصاعد إلى سطح الماء، متبوع بصوت احتكاك حاد. لم تر لينا شيئا مماثلا لهذا من قبل، لكن الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يأتي إلى ذهنها الآن هو أن هذه الفتاة من الـ فان، لديها قوى صاعقة مرعبة، و هي تهاجم رايلي لسبب ما. لينا انقضت عليها، لكن وجه الصغيرة اليافع لم يسمح لغرائزها بأن تهاجم بكل قوتها. ليس و كأن فعل ذلك كان ليفيدها، فقد رفعت فتاة الـ فان يدها الأخرى باتجاه لينا لتصعقها و تسقطها على ركبتيها بأكثر من حرق واحد. -"أحضره، موريت." رفعت لينا رأسها، كان وجه الفتاة خاليا من التعابير بينما حدقت ناحية البحيرة، يدها مرتخية على جانبها الآن. تبعت لينا نظرها، و رأت المياه تفترق و تتلوى بينما تشق طريقا و كأن هنالك من يسير بداخلها. اختفى ذلك الطريق، و بعد لحظات وجيزة انبثق رايلي من تحت الماء، كالجثة الهامدة بين ذراعي رجل لم تر لينا مثيلا له في حياتها، رجل بملابس غريبة، شعره الرّمليّ الشائك يتجاوز كتفيه، عيناه تبرقان في ألوان لم تستطع لينا تسميتها، و فوقهما حاجبان أكثر كثافة من حاجبي مستذئب. ابتسم الرجل مظهرا أنيابا حادة، و لمعت عيناه بالأحمر عندما ثبت بصره على رايلي: -"لم أتوقع أن أراه مجددا بهذه السرعة ! أوه، رايلي ~ " صوته كان كمقطوعة موسيقية ألفتها الطبيعة. سأل بينما يخرج من الماء: -"كيف وجدتِه، آني؟" أجابت آني مشيرة نحو لينا التي التقطت نفسها من الأرض و وقفت في وضعية استعداد: -"كنت أتجول في السوق حتى لمحته برفقة هذه الآنسة." الـ فان الآخر، موريت، هكذا نادته آني. سأل مجددا بينما يضع جسد رايلي على الأرض بلطف: -"ماذا تريدين أن نفعل بها؟" عبست آني كالأخت المنزعجة من قلة لباقة أخيها ثم قالت: -"لا تتحدث عنها و كأنها ليست هنا." التفتت نحو لينا و صرحت باعتدال: -"لا أعرف ما الذي تفعلينه مع رايلي، أو ما تعرفينه و لا تعرفينه، لذا عليّ أخذك معنا." -"إلى يايث إذن." قال موريت مبتسما، ثم اختفى. بالكاد التفتت لينا يمينا و يسارا بحثا عنه حتى شعرت بحضوره خلفها، ثم ضربة على مؤخرة عنقها جعلت قدماها تفقدان قوتهما و العالم من حولها يتلاشى بينما أحاطت ذراع بخصرها لتمنعها من السقوط. -"موريت، أيها الأحمق !" كان صوت آني بعيدا للغاية. "لن أحمل أيّا منهما ! ستحمل رايلي و الفتاة بمفردك—!" العالم أصبح ظلاما دامسا. -"—أمحي ذاكرتها..." صوت رجولي هادئ. -"لِمَ العجلة؟ دعني أعرف ما يجري معها أولا." صوت حريريّ ينتمي لامرأة بلا شك. استعادت لينا وعيها تدريجيا، تسمع من الأصوات ما هو مألوف و ما هو غير مألوف. كانت ممددة على أريكة مريحة للغاية، لدرجة أنها كادت تستسلم للنوم من جديد، لكنها دفعت نفسها لتنهض و تعتدل في جلسة. الأصوات هدأت كلها. في الغرفة الرخامية الفخمة التي استيقظت لينا لتجد نفسها فيها، تواجد ستة أشخاص، من بينهم آني و موريت... الـ فان. شخصيات ظهرت في الفصول السابقة : لم أجد فائدة من التمطيط غير الضروري لذا دخلت في صلب الموضوع مباشرة جاك و تريس سينشغلان بينما تقابل لينا أقوى المخلوقات هاه المهم متشوقة لقراءة آرائكم عن الفصل لا تحرموني من مروركم الجميل في أمان الله و رعايته |