«ديانا!» هتف الصوت الأجش باحثًا عن من لم تعلم أنها قد أسرت وجدانه و روحه «أين اختفت هذه الفتاة؟» وجدها أخيرًا، كانت تجلس على رمال الشاطئ واضعة رأسها المغطى بقبعة القش على ركبتيها بينما تراقب الشمس تودع العالم عند الأفق، حركت قدماه رمال الشاطئ وهو يتجه نحوها ليجلس معانقًا إياها من الخلف، مثبتًا رأسه على كتفها كي يشد انتباهها. «ما الذي يدور في عقل جميلتي؟» سألها سامحًا ليده أن تقربها من جسده. «إنني أفكر» أمالت رأسها قليلًا تسنده على صدره «لقد انقضت سنةٌ أخرى من حياتي لكنني لم أفعل شيئًا جيدًا بعد» مد الشاب ساقيه حتى تجلس ديانا بينهما بينما تمد هي الأخرى ساقيها لتضع ثقل جسدها الكامل على حبيبها «ما الذي تقصدينه بكلامك هذا؟» - هل تعتقد أنني شخصٌ جيد؟ - بالطبع أفعل، و هل هذا سؤال؟ - لم أقدم لهذه الحياة ما يجعلني شخصًا جيدًا، فلِم بنظرك أكون كذلك؟ أبعد الشاب حبيبته عنه قليلًا و نهض من مكانه نافضًا ذرات التراب عن ملابسه، ثم مد يده للفتاة التي تنظر له باستغراب حاثًا إياها على النهوض معه ليسيرا على طول شاطئ البحر. «إلى أين المسير؟» سألته بينما تؤرجح يدها التي غرقت بكفه «هل يُعقل أنك قد أعددت لي مفاجأة يا فيكتور؟» ضحك الحبيبُ، و ابتسمت بسبب ضحكته العاشقةُ، لكن ضحكته لم تفصح عن جواب أرادته معشوقته الفاتنة، و لم تفصح شفتاه عن سببٍ بعد أن شد قبضته على يد فتاته. استمرت أقدامهما تنسج آثارًا خلف الرمال، يمحوها مد البحر ليوضح لنا جزْرُه رطوبة الثرى إثره، غابت الشمس و غاب معها صبر الفتاة التي دامت تراقبها أثناء انتظارها لحديث حبيبها، لكن هيهات فلم يبدُ على حبيبها أي نيةٍ للحديث. - ألن تخبرني؟ - أخبركُ بِمَ؟ - تخبرني بما نفعله غير السير بلا هدى تحت حلكات الظلام. - آه، جميلتي عجولة. - لقد غرق الصبر عندي كما غرقت تلك الشمس خلف البحر، ما بك لا تقول لي ما تخطط له؟ - يقالُ أن الصبر مفتاحُ الفرج. - لقد صبرت كثيرًا! - كل تأخيرةٍ بها خيرة. - لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. ضحك من قبلت الشمس جسده و حطت النجوم بعينيه «لن يحل الغدُ من أجل هذا العمل، اصطبري قليلًا بعد فلم يبقَ الكثير على موعد الوصول» أطلقت ما بجوفها من أفٍ لكنها عملت بما أراده منها و سألت نفسها السُلوان بينما تُلهي نفسها بتآلف ألحان أمواج البحر التي تصطدم بنفسها، و بينما تحرك رأسها مهمهمةً لحن أغنية في ذهنها مغمضة العينين معتمدةً بالكامل على الذي يمسك بيدها. كانت قد نسيت ما فكرت به بينما تجلس وحيدةً على رمال الشاطئ، و زال عن عقلها ما سألته حبيبها في بادئ الأمر. شد فيكتور على كفها «افتحي عينيكِ يا بهجة قلبي» ضحكت «إن الرومانسية تموت» - إنها حية في قلبي طالما قلبك ينبض للحياة. ضحكت خجلًا بينما تحاول أن تشتت انتباهها، لم ترَ أي شيءٍ غير كوخ مظلم بعيد «ما الذي أردت أن تريني إياه؟» وقف خلفها بينما تحاوط ذراعاه خصرها ليهمس في أذنها «راقبي ذلك الكوخ جيدًا و أنتِ تجيبين على أسئلتي» - حسنًا. - متى تقابلنا؟ - في الرابع عشر من فبراير. سطع ضوء مصباح صغير يضيء الجانب الأيسر من الكوخ، فتقدم فيكتور ليحث ديانا على التقدم ناحية الكوخ أكثر. - كم سنةً مضت على علاقتنا هذه؟ - سنةٌ واحدة؟ بهت الضوء الذي اشتعل و عاد الظلام يكسو المكان «كان جوابكِ خاطئًا» ضحك بلطف «الجواب الصحيح هو: سنة و نصف» - أوه هذا ليس عدلًا! - إنه الإنصاف بعينه، السؤال التالي: كم هديةً أعطيتك منذ بداية علاقتنا؟ - كنتَ تعطيني وردة كل يوم جمعة، و ابتعت لي ثلاثة دببة محشوة، كما أنك أهديتني لوحةً رسمتها لي.. - إذًا كم العدد؟ - هل تتوقع أنني سأحسب عدد الورود التي أعطيتني إياها؟! ضحك الشاب ثانيةً «أعطيتك ثمانين وردةٍ و سبع» تقدم بها نحو الأمام قليلًا فورما أضاء المصباح الذي أطفئ قبلًا «سأسامحك هذه المرة لكنني لن أسمح لك بالغش مجددًا» «آه» همست الفتاة «أكمل الأسئلة، أريد أن أعرف ما سيحدث حين أجيبها» - كم أخًا لي؟ - هذا سهل، لديكَ أخٌ واحد و أختٌ واحدة. - هذا صحيح. اشتعل مصباح آخر في الجهة اليمنى من الكوخ و خطى معه الشابان، ظل فيكتور يسأل ديانا، عندما تُصيب يُضء مصباحٌ و يتقدمان، و عندما تُخطئ ينطفئ مصباحٌ و يتراجعان، حتى أشعلت أغلب الأنوار حول الكوخ و بدأ يتضح للفتاة شيءٌ منه. كانت ترى المصابيح الملونة ملتفةً حول ذلك الكوخ، و كان يبدو لها أن الكوخ قد زُيِن ببالونات بعضها أحمر و الآخر أبيض، لكنها كانت ترى خيال شيءٍ اكتسحه السواد و لم تصله إضاءة المصابيح لتنيره لها، حاولت أن تخمنه لكن كل محاولاتها باءت بالفشل بسبب بعدهما عنه. «انظري لي عزيزتي» خاطبها فاستدارت له لتراه ممسكًا بثلاث ورداتٍ اتشحت بتلاتهن بالبياض و تماسكت سيقانهن بشرائط حمراء قاربت لون حمرة خديها التي أخفاها ظلام الليل «حصلتِ الآن مني على تسعين وردة» أردف لها مكملًا ضحوكًا. أمسك بيدها مجددًا متأملًا وجهها الذي فُتن به، و خصلات شعرها التي قيدته «انظري للأرض بينما تسيرين» سارا قليلًا حتى لمحت ديانا شيئًا على الأرض، انحنت لتجلبه و إذا هي وردة أخرى تماثل شقيقاتها، ابتسمت و هي تمسك بهن كباقة عروس و بدأت تتخيل نفسها تسير و هي ترتدي الفستان الأبيض الطويل بينما ينظر لها الموجودون من عائلتها و أصدقائها، ذلك حتى قطع تفكيرها الفتى الذي سرق قلبها «ألا يشتهي قلبك مداعبة الرمال بقدميك؟» أومأت له و جلست القرفصاء لتخلع نعليها و تنهض مجددًا ممسكةً بهما في يدٍ و باقة الورود في يدٍ أخرى، مدّ الشاب يده لها فأمسك بنعليها بيده اليسرى و عانق كفه الأيمن كفها الأيسر مجددًا. سارت و هي تجمع الورود التي قد أنتج القمر أظلالها من على الرمال، تأتي مياه البحر حينًا و تلاطف قدمها ثم تتوارى خجلةً من جمالها، أو على الأقل هذا ما كان يقوله حبيبها لها. «إنها ظاهرة المد و الجزر فحسب!» علقت ضاحكة على ابتذال حبيبها. «بل البحر يخجل من لقائك» ضحك لها «متى كذبتُ عليكِ حتى لا تصدقينني في ما أقول؟» سارا قليلًا بعد حتى أوقفها و أشار برأسه لباقة الورود «كم وردة صار عندك؟» «إن حسبتها مع التي أعطيتني إياها سابقًا فهي مئة» أجابته بعد عدها فأومأ لها ثم طلب منها أن تستدير مواجهةً الكوخ مجددًا. - انظري للكوخ جيدًا عزيزتي؛ فقد عملتُ جاهدًا من أجل أن يظهر بأبهى حلة. - هل توجد مفاجأة أخرى متعلقة بالكوخ؟ - هذا يعتمد على إجابتكِ لسؤالي التالي. - و ما هو سؤالك؟ - هل يمكنك أن تحزري ما يدور في عقلي الآن؟ همهمت الحسناء ضاحكةً «دعني أفكر قليلًا» - بيدك كل الوقت الذي تحتاجينه يا دانتي. - هل تفكر في كم تحبني؟ - أوه لقد اقتربتِ كثيرًا، لكن هذا ليس الجواب الصحيح. - هل تفكر في حياتِنا معًا في المستقبل؟ - إنكِ قريبةٌ من الجواب للغاية! «هل..» فكرت قليلًا «هل تفكر بالزواج مني؟» فجأةً أنير ما تبقى من مصابيح لتُظهر ما عجزت ديانا عن رؤيته، كانت لوحةً و كم كانت تعشق الفن، نظرت لحبيبها و أومأ لها لتنطلق مسرعةً نحو الكوخ تُمسك باللوحة و تتأمل تفاصيلها. ظلت تتأمل انحناءات الألوان على تلك اللوحة راسمةً ديانا و هي ترتدي فستانًا صيفيًا، تذكرت الوقت الذي التقطت فيه صورةً مشابهةً لهذه التي باللوحة، لكن قبل أن تفكر في الموضوع أكثر أدركت شيئًا ما غفلت عنه للحظة، كل جوابٍ صحيح كان يضيء مصباحًا، و قد أنيرت المصابيح المتبقية عندما أجابت على السؤال الأخير، إذاً فهذا يعني.. «ديانا انظري لي» ناداها فيكتور بعطف. - لا أريد. - و لِمَ لا؟ - لأنني لا أستسيغ ما أبدو عليه عندما أبكي. - و أنا أحبك و احب احمرار أنفكِ عندما تبكين، انظري لي أرجوكِ. هزت رأسها نافية و هي تضع اللوحة مكانها كي لا تُفسدها بدموعها التي حاولت كفكفتها بعد أن تدحرجت على وجنتيها. «حسنًا إذًا سأتحدث أنا حتى تنظري لي» ابتسم فيكتور باستسلام ثم بدأ يتحدث «سألتِني عن السبب الذي يجعلني أراك فتاةً جيدة، سأجيبك عليه الآن» استنشق الهواء و ارتاح قلبه لصوت الأمواج «أولًا: أنتِ طيبةٌ مع الجمع يا ديانا، لا يهمُ إن كنتِ تحبين ذلك الشخص أو إن لم ينصفكِ، ستبقين طيبة القلب معهم جميعهم.» «علاوةً على طيبتكِ كرمكِ الذي يصل الجميع.» أكمل حديثه «لم يكن كرمكِ مقتصرًا على عائلتك، أو أصدقائك، أو معارفك، بل شمل جميع المؤسسات الخيرية في هذه الدولة، ليس هذا فقط بل وقد تبرعتِ بمالكِ لحفر الآبار الخيرية في الدول النامية.» استدارت ديانا قليلًا بعد أن جفت دموعها بعض الشيء فابتسم لها مُعجبها مقتربًا منها و هو يكمل «دائمًا ما تؤثرين الآخرين على نفسك، و دائمًا ما تفدين بنفسك لأجل من تحبين» اقترب منها أكثر و أبعد خصلة سقطت من شعرها أمام عينيها ليضعها خلف أُذنها «و هل عليّ أن أتحدث عن ابتسامتك؟ تلك الابتسامة هي ما أسرت وجداني، ألا ترأفين لحالي و تريني إياها ثانيةً؟» ابتسمت الفتاة، وهل تستطيع ألّا تبتسم بعد كل ما قاله و فعله لها؟ هيهات. أمسك بكفيها بكلتا يديه بينما يُخفض نفسه لتستند إحدى ركبتيه على رمال الشاطئ بينما ينظر هو لعينيها التي عكست الأنوار الموجودة بجانبهما «ديانا» نبست شفتاه بسهولة «جميلتي ديانا» ضحك لها بينما تنساب الحروف من شفتيه «يا آسرة قلبي يا ديانا» لم تستطع الفتاة حبس ضحكتها على حبيبها الأخرق «ما بالكِ تضحكين؟ إنك تخربين جو الرومانسية هنا» قهقه معها. - أنا آسفة أكمل. - ديانا يا ذات العينين الجميلتين.. توقفي عن الضحك! بدأت ديانا تقهقه بقوة و أصيب فيكتور بعدوى الضحك أيضًا و لذلك وقف و هو يحتضن الفتاة حتى توقف كلاهما عن الضحك أخيرًا، حل الهدوء و لم تُسمع إلا نغمات البحر و حورياتِه بينما يؤرجح فيكتور الدانة التي يحتضنها «ديانا» همس لها. «أجل؟» أجابته بالهمس ذاته. «لقد أغرمت بكِ، بعينيكِ، بقلبكِ، بذاتكِ» أكمل خطابه هامسًا «أنتِ من ساعدتني على تخطي المصاعب في حياتي، و أنتِ من ساعدتني على أن أكون شخصًا أفضل» أغمضت ديانا عينيها بينما تضع رأسها على صدره تستمع لنبضات قلبه و هو يرتل عليها آيات حبه. «لا أريد أن يخلو مستقبلي منكِ، أريدكِ أن تكوني زوجتي، أريدكِ أن تكوني أم أطفالي..» أبعد نفسه قليلًا عنها ليتمكن من تأمل طلعتها بصورة أحسن، ترك كفها ثم أخرج علبةً حمراءَ مخملية من جيبه و أخفض نفسه ليثني ركبةً واحدة على الأرض مجددًا استعدادًا لنطق أهم أربع كلمات ستغير مستقبله بالكامل «ديانا.. هل تقبلين الزواج مني؟» أغرورقت عيناها بالدموع مجددًا «و هل سأكون بكامل قواي العقلية إن رفضت؟» سألته بينما تمسح أناملها الدمعة التي سقطت من عينها اليمنى «أوافقُ بالطبع» آمل أن تكون القصة هذه قد أعجبتكم بالنسبة لي فأنا أرى أن أسلوبي بها جميل على الرغم من أنني كتبت كثيرًا إلا أن هذه هي القصة الوحيدة التي أعجبني أسلوبي بها أعتقد أن القصة ستروق لويمي لأنها من محبي الرومانسية و الأحداث اللطيفة + ساكو: لا تتعبي نفسك، عدد كلمات هذه القصة هو 1580 كلمة أراكم لاحقًا |