[تتناول القصة شخصيةً انتحارية، أرجو عدم القراءة إن كان بهذا الموضوع إزعاج لك.] «ماذا لو سنحت لك الفرصة لأن تعودي بالزمن للوراء وتنقذيه؟» كانت عبارة بسيطة خُطت من حبرٍ على ورق بدا كما لو أنه سافر عبر التاريخ والشك الذي راود جولين عندما قرأته تلاشى تمامًا بعد أن قلبت الورقة ورأت صورة صديقها ليام الذي انتحر دون سابق إنذار بصيف السنة العاشرة بعد الألفين. مرت عشر سنوات على انتحاره لكن منظره معلقًا من غصن الشجرة بفناء منزله الخلفي لم تغِب عن عقل جولين ولو للحظة خلال هذه السنوات. «افتحي باب الغرفة ألفين وعشرة فور أن تدق عقارب منتصف الليل إن أردتِ إنقاذ صديق طفولتك.» هل كانت ستعبر الباب حقًا؟ هل ستعود للزمن الذي كانت به بالرابعة والعشرين من عمرها كي يبقى ليام بجانبها؟ كانت عقارب الساعة تتحرك بلا انتظار، وشيئًا فشيئًا تقترب من الرقم المنتصف بأعلى الساعة. كلما تحرك عقرب الثواني أكثر كلما تسارعت نبضات قلب الفتاة. كان ليام شابًا حيويًا يحب لعب كرة القاعدة، كانت ضحكته تسبقه عندما يخرج من المنزل حاملًا مضربه متجهًا للملعب ليتدرب، لكن كل هذا تحطم بعد أن رحلت والدته ورحلت ابتسامة ليام معها. هل ستصدق رسالةً رأتها على طاولة الفندق الذي ذهبت له؟ ما الذي ستخسره جولين لو عادت لذلك الصيف؟ لن تخسر شيئًا بل سيعود لها صديقها مرة ثانية، صديقها الذي لامت نفسها لعدم مساعدته بكل سنة. حطت عقارب الساعة على الرقم إثنا عشر، وتغير التاريخ للسابع عشر من أغسطس، وفتحت جولين الباب ألفين وعشرة لتنقذ صديقها. كانت جولين تتوقع أنها ستعبر بفضاء معتمٍ لا نور به، كانت تتوقع أنها ستقع بفوهة صيقة لا نهاية له، كما أنها كانت تتوقع أن هذه ليست إلا مضايقة تخلو من التعاطف من أحدٍ ما، لكنها لم تتوقع أنها سترى نفسها بغرفتها قبل عشر سنواتٍ بعد أن تعبر الباب ولم تتوقع أن ترى هاتفها فوق طاولة دراستها يعلت أنها الساعة الرابعة عصرًا بالسابع عشر من أغسطس لسنة ألفين وعشرة. كانت تتذكر جيدًا أنها بهذا اليوم كانت تبحث عن مكان لتعمل بدوامٍ جزئي، فتكاليف جامعتها كانت بلا رحمة. كانت تتذكر أيضًا أنها قررت أن تفاجئ ليام بالذهاب لمنزله بمساء ذلك اليوم، لكنها عندما ذهبت لم يفتح لها الباب. كانت تتذكر التساؤل الذي جال بذهنها آنذاك، ذلك التساؤل الذي زال عندما رأته مُعلقًا اليوم التالي بفناء منزله. عليها الآن إذًا أن تذهب لمنزله وتمنعه من الانتحار، هذا بسيط للغاية صحيح؟ أجل… لكن أين يقع منزله؟ إن لم تخُنها ذاكرتها فقد كان منزله على بعد شارعين من منزلها حيث أن كلاهما لم ينتقلا ليسكنا ببيت غير الذي عاشا طفولتيهما به. لم تنظر لأي شيء بغرفتها غير هاتفها الذي أخذته من فوق الطاولة لتخرج مسرعة، لم تكن تعلم متى بالضبط انتحر صديقها، لكنها أُخبرت أن سبب انتحاره كان الاكتئاب الذي أصابه بعد أن توفيت والدته، وخطتها الآن هي أن تبعد أي فكرة سلبية عن عقله كي ينسى الانتحار. وصلت للمنزل، كانت قلقة من أنها إن قرعت الباب لن يُفتح لها لكنها طرقته على أية حال. مرة… مرتان… ثلاث… شعرت بالخوف يعتريها، ماذا لو كان قد انتحر منذ الصباح الباكر ولم تُكتشف جثته إلا بعد غياب الشمس عن المدينة؟ لكن ذلك لن يكون معقولًا صحيح؟ «جولين!» فتح الباب ورأت صديق طفولتها أمامها، بشعره الأشقر وعينيه الزرقاوين وابتسامته التي لم تُظهر ما يُفكر به «مرت فترة منذ- ما الخطب؟» لم تشعر جولين بأن مشاعرها تمكنت منها وأن دموعها تسابقت على وجنتيها فور رؤيتها لليام يقف أمامها، لكن من يلومها؟ فالفتاة كانت تعيش كل يوم مقتنعةً بأنها لن تراه قط حتى أتتها هذه الفرصة «أنا بخير، كيف حالك؟» «أشعر أنني بحالٍ أفضل اليوم، تفضلي بالدخول.» كان مبتسمًا، ولو لم تعرف جولين هذا مسبقًا لما توقعت أنه سينتحر نهاية اليوم. كان منزله يبدو طبيعيًا أيضًا، غير أنه يفقد روح والدته المرحة ورائحة طهيها الزكية. كانت قد توفيت أواخِر شهر يوليو الماضي لأسباب طبيعية وتركت لابنها كل ما ملكت «ماسبب مجيئك اليوم؟ ظننتكِ مشغولة بالبحث عن مكانٍ لتعملي به.» قاطع سؤاله تفكيرها ولم تجبه فورًا ، فكيف تخبره أنها أتته من المستقبل لتمنعه من الانتحار؟ «لقد شعرت أنني اشتقت لك فجأة.» كانت الضحكة المتوترة التي أطلقتها مليئة بالزيف، فجولين لم تكن قادرة على الضحك الآن «ما رأيك أن نخرج قليلًا؟» كان ليام بصدد مدِّ كوبِ شاي مثلجٍ لها، فلطالما أحبت جولين مذاقه « أين تودين الذهاب؟ » «هل تتذكر الحديقة التي كنا نذهب لها عندما كنا بالمدرسة؟ تلك التي إلى جانب متجر المثلجات.» أومأ لها مبتسمًا، فكيف ينسى هذه الحديقة التي شهدت على بدء صداقتِهما؟ «أنهي ما بكأسِك لنخرج، أشعر برغبة كبيرة بتناول شيءٍ من مثلجاتهم الصفراء تلك ما كان اسمها؟» كان متجر المثلجات ذاك المتجر المفضل لهذين الشابين، وعلى الرغم من كثرة ذهابهما إلا أن ليام كان دائمًا ما ينسى أسماء نكهات المثلجات هناك. «شمسُ الصباح.» لم تنسَ جولين ذلك النوع من المثلجات أبدًا؛ فذلك النوع كان المفضل لدى ليام على الرغم من أنه دائمًا ما ينسى اسمه. لم تأخذ جولين وقتًا طويلًا أثناء شربها لكوب الشاي المثلج ذاك، وخرجت مع ليام يسيران على الرصيف باتجاه متجر المثلجات حتى بانت لهما لوحته. (شتاءٌ بكوب) كان اسم المتجر، كان بابه زجاجيًا ونافذته تمتد على طوله. كان اللون الأزرق يغلب على ما بداخل المتجر، فالطاولات كانت زرقاء، والجدران كانت زرقاء، والأرضية كانت زرقاء. لكن الكراسي كانت بيضاء كما ملابس صاحب المتجر الذي ابتسم للصديقين فور سماعه قرع الجرس فوق الباب. «كيف حالكما؟» كان صاحب المتجر العجوز يُدعى فرانك، وكان متزوجًا من امرأة تُدعى واندا. كانا يديران المتجر معًا صباحًا حتى تأتي ابنتَهما وتديره مساءً. «بخير، لقد أتينا لأننا اشتقنا لمثلجاتك!» أجابه ليام بسعادة ثم باشر بطلب كوب مثلجاته. كانت السعادة تفيض من عينيه وابتسامته، وللحظة شكَّت جولين بحقيقة كونه شابًا يُفكر بالانتحار، لكنها رأت صورة جثته معلقة والحبل يلُف على رقبته، رأت الصورة بأم عينها بمركز الشرطة، فكيف يبدو الآن طبيعيًا للغاية؟ «ماذا عنك جولين؟» أعادها صوت العجوز للواقع مرة ثانية. «أنا سأختار لها!» لم يترك ليام لها مجالًا لتعترض على قراره، فقد أخذ يشير لأكثر النكهات حموضةً بالمتجر بسرعة البرق ثم أعطاها الكوب «تفضلي كوب الحوامض خاصتك.» خرج كلاهما من المتجر ليجلسا بالحديقة المجاورة ليتناولا مثلجاتهما، كانت جولين تفكر بطريقة لتسأله إن راودته أفكار انتحارية أم لا لكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك. ما كان عليها أن تعبر الباب دون خطة، سيصبح وجودها من عدمه واحِدًا إن لم تُفكر بشيءٍ سريعًا. - قد زرت قبر أمي بالأمس. - ماذا؟ - زرت قبر أمي بالأمس، لم أزُره ولو لمرة منذ رحيلها… كنتُ خائفًا من الذهاب. - ما سبب خوفك؟ - لم أكن أريد أن أصدق أنها لم تعد بجانبي. - وما الذي جعلك تغير رأيك؟ - شعرت أنها ستبقى معي حتى لو رحلت عن هذا العالم، شعرت أنها تراقبني من السماء. لم تكن جولين تؤمن بهذا، كانت تعتقد أنه إن مات شخصٌ فهو ميت للأبد لا يسمعك ولا يراك، لكنها قد تغير رأيها؛ فهي الآن إلى جانب شخصٍ دُفن قبل عشر سنوات «أعتقد ذلك أيضًا.» «حقًا؟» كانت عينا ليام حمراوان بسبب تجمع الدموع بهما، كان يحاول ألّا يبكي بالحديقة هنا وأمام الجميع. «أعتقد بأنه بعد أن يموت شخصٌ ما...» مدت يدها لتُمسك بكفه «تصعد روحه للسماء ويطمئن على من يُحب، أعتقد أن أرواحهم تحمينا أحيانًا من بعض الأمور.» - أتظنين ذلك حقًا؟ - أجل، لقد قلت أنك كنتَ تشعر بتحسنٍ اليوم… أعتقد أن ذلك لأنك زرت قبر والدتك بالأمس، لا شك أنها رأتك حزينًا وفعلت شيئًا لإسعادك. - أظن هذا أيضًا. كانت الدقائق تمضي والعقارب تدق، ومشاعر الارتياح تحث خطاها لقلب جولين. كانت الساعة الآن تشير للسادسة والنصف، ليام بمنزله وجولين جالسةٌ على مقربة منه كي تصل سريعًا في حال شعرت بحلول أي خطبٍ ما. طلبت الشابة منه أن يتصل بها إن حدث أي شيء قبل ذهابها، لكنها ما تزال قلقة قليلًا. بالمرة الأولى لم تكن إلى جانب ليام، كانت تعلم أنه يتألم لوفاة والدته لكنها بذلك الوقت ظنّت أن الحل الأفضل هو تركه وحده كي يفرغ مشاعره وآلامه حتى يرتاح، أما الآن فهي لا تعتقد ذلك. بالمرة الأولى فقدت ليام بسبب انتحاره، أما الآن فهي لن تسمح بذلك. بينما كانت تراقب أضواء المنزل لمحت جارة ليام تدخل لمنزلها، يبدو أنها قد عادت من العمل للتو. كان تلك الجارة تُدعى مارغريت، كانت هي من طرق باب جولين صباح الثامن عشر من أغسطس لتخبرها انتحار ليام. كانت مارغريت إلى جانب جولين بذلك اليوم كما كانت هي من أخذها لمركز الشرطة لتعرف تفاصيل موت صديقها. كانت مارغريت حينها بالسادسة والثلاثين من عمرها، لكنها كانت تعيسة الحظ فلم تجِد لنفسها عملًا دائمًا إلا بعد ميلادها السابع والثلاثين، كانت قد دعت جولين كي ترفه عنها قليلًا بعد أن قضت شهرين كاملين منغلقةً على نفسها بعد موت صديقها. بذلك اليوم أعطت مارغريت رسالةً مطبوعةً لجولين قالت أنها قد وجدتها بعد أن أخرجت مقتنيات ليام من المنزل ليُباع. «ما الذي يحصل؟» قطبت جولين حاجبيها بعد رؤيتها لمارغريت تخرج من منزلها وتدخل بيت ليام دون طرقِه. عندها تذكرت جولين شيئًا مهما؛ رسالة الانتحار التي قرأتها كانت رسالة مطبوعة، وكان ليام يُفضل الكتابة بخط اليد على كل شيء. كانت رسالة الانتحار تقول على لسان ليام أنه قد قرر الانتحار لأنه لم يعُد يطيق العيش دون والدته (جوزافين)، وليام -على الرغم من أنه كان ينادي والدته باسمها أحيانًا- كان يكره ألّا يكتب اسم والدته (جوزفين). وأخيرًا: لم يتحدث ليام إلا عن والدته وجولين بالرسالة، لم يتحدث عن أي من أصدقائهما الآخرين، لم يتحدث عن أي من الأصدقاء الذين لم تعرفهم مارغريت. أسرعت جولين ناحية الباب، مارغريت قد قالت أنها حصلت على وظيفة ذاتِ دخل جيد بيوم ميلادها لكنها زعمت أنها قد توظفت قبل شهرين من ذلك، مارغريت كانت من اشترى منزل ليام بعد انتحاره قبل أن يُعرض بالسوق، ومارغريت كانت تعلم أن جوزفين قد تركت لابنها بذلك البيت ما يستطيع بيعه ليجلب له الخير. فتحت جولين الباب وأسرعت خطاها للداخل، رأت كوب ماءٍ على الطاولة وتجاهلته لتسرع ناحية الجلبة بالأعلى، فتحت باب غرفة ليام ورأت مارغريت تقف أمامه مشهرةً سكينًا بوجه ليام الذي كانت أوصاله ترتعد خوفًا من المرأة. «ما الذي تفعلينه!» صرخت بها، كان كل شيء يجري بسرعة ولم تعرف جولين كيف تتصرف، لكنها كانت تعرف أنها إن لم تفعل شيئًا الآن فستُسلب روح صديقها للمرة الثانية. «لقد هددتني أن أنتحر وإلا ستقتلكِ.» أخبرها ليام دون تردد. ودون تردد أيضًا أمسكت جولين بالمضرب الخشبي الذي تجمع فوقه الغبار بزاوية الغرفة، وضربت به مؤخرة رأس مارغريت التي حاولت تفاديه عبثًا. فور أن وقعت مارغريت على الأرض فتحت جولين عينيها. كانت مستلقيةً على الأرض عند الطاولة بغرفة معيشتها، كان ذلك منزلها الذي انتقلت له بعد موت ليام قبل عشر سنوات، فما الذي تفعله هنا؟ رفعت نفسها عن الأرض ولمحت الساعة على الحائط، كانت تشير للرابعة فجرًا. أمسكت هاتفها الذي تموضع فوق الطاولة، كان يضيء معلنًا الساعة والتاريخ، كان ذلك اليوم هو الاثنين الموافق السابع عشر من شهر أغسطس لسنة ألفين وعشرين. عندما فتحت هاتفها رأت أمامها مقالًا نُشر قبل عشر سنوات بالتحديد. «امرأة تحاول دفع شاب للانتحار لأجل الاستيلاء على ممتلكاته.» المتهمة م.ر. أرادت أن تستولي على أملاك الشاب ل.آ.، كانت قد طلبت من شخصٍ أن يقتله ويجعل مقتله يبدو انتحارًا لكن ذلك الشخص رفض تنفيذ المهمة لاحقًا، فحاولت م.ر. أن تدفع الشاب للانتحار بنفسها وفشلت بعد أن أتت صديقته لإنقاذه منها. كان رأس جولين يؤلمها لكنها كانت تريد أن تتأكد إن كان ليام حيًا أم ميتًا الآن، فتحت قائمة جهات الاتصال بهاتفها وبحثت سريعًا عن اسمه الذي كان موجودًا عكس ما كان عليه سابقًا. نقرت زر الاتصال ورفعت الهاتف لأذنها تسمع رنينه. ماذا لو لم يرد؟ ماذا لو فشلت بالمهمة؟ ماذا لو كان مصير ليام هو الموت وكان سيموت لا محالة مهما فعلت جولين قبل عشرِ سنوات؟ ماذا لو- «من بكامل قواه العقلية يجري اتصالًا بالرابعة فجرًا؟ سأعود للنوم.» ليام على قيد الحياة، نجحت جولين بإنقاذه. بدأت الدموع تتسابق على وجنتيها فرحةً فهي لا تطيق الانتظار حتى الصباح لتراه مجددًا. نامت جولين ذلك الفجر سعيدة وبمعلومة لن تخبرها لأي أحدٍ عمّا قد حصل بالفعل قبل كل تلك السنين: ليام لم يمُت منتحرًا، ليام مات مقتولًا. كيف حالكم جميعًا~ هازو تعود إليكم من جديد فجأة وحصريًا لأجل الحرب فقط لا غير كنتُ أخطط لكتابة هذه القصة منذ فترة؛ وذلك لأن صديقتي طلبت مني أن أكتب لها قصة. لم تكن هناك نهاية محددة ببالي، كل ما أردت كتابته هو قصة تتحدث عن العودة بالزمن للوراء لإنقاذ ضحية انتحار ثم فجأة حولتها لجريمة قتل على كلٍ، آمل أن القصة قد أعجبتكم، أراكم في وقت لاحق~ |