يملك الجميع مخاوفاً. البعض يخاف حلكة الظلام، البعض يخاف الوحدة، البعض يخاف الفشل. لكن ما أخافه أنا ليس شيئاً يمكن أن يتدارك بإشعال شمعة، أو بأن أبقى مع أحد قريب مني، أو حتى أن أبذل جهدي كي لا أفشل. أنا أهاب من أن لا أملك القدرة على أن أكون أماً. قد يقول البعض بأن هذا ليس شيئاً يُخاف منه، لكنني أختلف في ذلك. أنا أحب الأطفال منذ صغري، و دائماً ما كنت أرجو أمي لتسمح لي بأن أحمل الرُضّع. رؤية رضيع بين يدي تجعل قلبي ينقبض، و لا أحتاج لأن أتحدث عن المشاعر التي تجتاحني عندما يحتاج ذلك الرضيع قبضته كلها ليمسك بخنصري.. ذلك يجعلني سعيدةً حقاً. بالطبع بعض الأطفال مزعجين لكنني أعجز عن فهم من يكرههم. المسؤولية التي ستصير على كاهلك مخيفة حقاً، لكن فكرة أنك ستُحرم من هذه الهبة فظيعة حقاً! بقى هذا هاجساً لي حتى تزوجت. مرت ثلاث سنوات على زواجي لكنني لم أرزق بجنين إلا في السنة الرابعة من زواجي. لا أحتاج أن أصف لكم الفرحة التي غمرتني، خصوصاً و أني أنتظر هذه اللحظة منذ أن كنت في الثانية عشر من عمري! كنت حذرةً للغاية في كل تصرفاتي، لا أحمل ما هو ثقيل، لا أغضب كي لا يؤثر ذلك سلباً على روحي الثانية، منعت زوجي عن التدخين في المنزل، و طلبت من والد زوجي أن لا يُدخن بقربي أيضاً. أردتُ أن يولد هذا الطفل سليماً مئة بالمئة. تلك الفرحة لم تتلاشَ حتى مع غثيان الحمل و تعبه. و على الرغم من كل المشقات التي كانت تواجهني إلا أنني رفضت أن يؤثر أي شيءٍ سلباً على ما سيزيد من سعادة حياتي. مرت الأشهر التسعة بلمح البصر حتى أتى اليوم الذي سقط مني فيه كأس الماء بسبب ألم التقلصات التي أتتني. نُقلت للمستشفى على عجلٍ من أجل الولادة، لا أعرف إن كنت في وقتها أشعر بالألم الذي يكاد يقتلني أم أنني كنت أشعر بالفرحة لأنني سأصبح أماً أخيراً! كنتُ أعرف أنني سأنجبُ ولداً، لكنني فوجئت في غرفة الولادة بصوت الطبيبة و هي تقول لي: مبارك، ابنتك سليمة معافاة! للحظة لم أشعر بأي شيء، كل شيء اختفى. كنتُ أرى طفلتي فقط و هي بين يدي الممرضة تصرخ من ألم دخول الهواء لرئتيها الصغيرتين. كانت صغيرة جداً، كان رأسها بحجم قبضة يدي و ربما أصغر. قطعت الطبيبة حبل أفكاري و هي تقول: استعدي لولادة الطفل الآخر. توأم؟ لم يُخبرني أي أحدٍ بأنني رزقت بتوأم! كان ألم الطفل الآخر أقل من سابقته. لم أكن أفكر بالألم وقتها، كنتُ أفكر كيف أن سعادتي قد أصبحت ضعفاً. كنت أفكر كيف أنني حصلت على طفلين. كنت أفكر كيف أن حلمي تحقق أخيراً. كنتُ أفكر كيف ستكون ردة فعل زوجي عندما يعرف بأنه أصبح أباً لتوأم! قطع أفكاري صراخ طفلي الآخر. هاهو ابني الذي أخبروني عنه، هاهو الذي سيحمل اسم العائلة، هاهو الذي اشترى له الكل هدايا من كل صوب و مكان. أخذته الممرضة لتنظفه، بينما أغلقت أنا عيني متعبةً. فتحت عيني اليوم التالي لأرى العديد من الأسلاك و الأنابيب على جسدي. أزلت قناع التنفس و أنا أسمع صوت جهاز نبضات القلب. رأيت الممرضة التي التفتت لي ما إن سمعت صوتي، لم أفهم كلمة مما قالته قبل أن تخرج من الغرفة مسرعة. هل أغمي علي بعد أن أنجبت توأمي الملائكي؟ دخلت الطبيبة للغرفة و قامت بفحص بعض الأشياء التي لا أعرف ما هي، ثم سألتني عن آخر شيء أتذكره. لم أكن أعرف بأن الولادة تؤثر على الذاكرة هكذا، لكنني أخبرتها بأنني أتذكر ولادة طفليّ ثم إغماض عينيّ. كتبت بعض الأشياء على الورقة التي كانت تحملها ثم خرجت. بعد نصف ساعة تقريباً عادت الطبيبة و معها زوجي، كانت يده ملفوفة بشيء ما، لم أعرف ما هو. قالت لي الطبيبة بأنه في طريقنا للمشفى من أجل أن ألد ارتطمت بنا شاحنة مسرعة و سببت حادثاً شنيعاً نقلوني أنا و زوجي على إثره للمشفى بسرعة ليصدموا بأن الجنين الذي بداخلي قد أزهقت روحه. لم أصدق ما قالته، كانت كذبة غبية، نظرت لزوجي ثم ليده التي كانت ملفوفة بالضمادات، ثم لرأسه الذي كان مجروحاً. طلبت رؤية ملاكيّ مرة أخرى، لكنهم قالوا لي بأن الجنين الذي كنت أحمله بداخلي قد أجهض. بعدها اجتاحت عقلي مشاهد قدومنا للمشفى، كان زوجي يقود و أنا بجانبه، و فجأة رأينا أنواراً قادمة من مفترق الطرق جعلت سيارتنا تطير في الهواء ثم تهوي على الأرض قاتلةً جنيني معها. هل تتخيلون قلبي الذي اعتُصر عندما تذكرت هذا؟ هل تتخيلون أن حُلمي سُلب مني قبل دقائق من تحقيقه و بُدل بأسوأ مخاوفي؟ هل تستطيعون أن تتصوروا حال قلبي و أنا قد فقدت طفلي قبل أن أراه؟ أنا ذاهبةٌ لابني، لن أسمح لأي أحد بأن يحرمني منه. أنا قادمة |