السلام عليكم ورحمة الله كيف حالكم جميعًا.. الطقم برعاية السكر @ρsүcнσ حزينة أن هذا آخر طقم من أطقم رين، لكنني استمتعت جدا باستخدامهم كل مرة سلمت يداها حقًّا.. أترككم مع الفصل الهادئ نوعًا ما رواية عيون لا ترحم [17] عقوبة مضاعفة! -1- [قمر] غطّى الصمت الغرفة وأنا أقف عند الباب أنظر لعمّي بخيفة وهو ينظر لي بشفتين توشكان على الابتسام.. تلك الابتسامة المستفزة التي تغطّي وجهه في معظم الأوقات! لماذا جاء..؟ ما الذي جاء بهذا الشخص في مثل هذا الوقت؟ ملأ الاستفهام وجهي. رأتني المرشدة مستمرة بالوقوف عند الباب فأشارت بيدها قائلة: تفضلي يا قمر بالجلوس. عقدتُ حاجبيّ وأغلقتُ الباب خلفي واقتربتُ أكثر منهما لكنني لم أجلس..فضّلت الوقوف عن قرب. نظرتْ إليّ المرشدة باستغراب مرددة: اجلسي.. رفع عمّي يده وقال لها: لا بأس.. دعيها على راحتها. أومأت المرشدة برأسها في تفهم رغم نظرات الاستنكار في داخلها ثم قالت لي بهدوء: قمر.. لقد استدعينا وليّ أمرك للنظر في مشكلة الشجار التي وقعت بينك وبين مجموعة البنات في الأمس. سكتتُ بضيق ظاهر على وجهي، تبًّا! لم أرغب لعمّي أبدًا أن يكون موجودًا في مدرستي بل ويشهد موقفًا كهذا..! هذه أول مرة أرى عمّي فيها يأتي لمدرستي على الإطلاق! كما أن لي عدّة أيام لم أر عمّي في المنزل، لا يجمعنا أي حديث أو حتى اجتماع على الطعام، لذلك أشعر أنني تفاجئت جدا بوجوده هنا.. وها أنا ذا متورطة أكثر أمام هذه المعلمة التي ستطالبني الآن بتفسير ما حدث أمام عمّي. أظنّ أن حادثة الأمس قد عوقبت عليها أكثر من مرّة.. مرة عندما رأيت عائشة تبكي أمامي، ومرّة ثانية عندما أنهت صداقتها معي! وها هم يقررون عقابي للمرة الثالثة.. بأن يستدعوا عمّي حتى هنا! والآن يريدون تحديد العقوبة الرابعة! ألا يكفيهم ما عوقبتْ حتى الآن؟! -2- [ياسر] تلقيتُ رسالة على هاتفي في الأمس، كانت رسالة استدعاء لوليّ أمر الطالبة قمر.. شردتُ في الأوراق التي كانت بيدي، ماذا فعلتْ قمر هذه المرة؟! ولا أدري لمَ شعرتُ بقلق غريب، خفتُ أن يكون للأمر علاقة بما أخاف حدوثه..! في السابق كانت تأتيني دومًا رسائل دعوة لولي أمرها لحضور حفل آباء أو مناقشة مستواها الدراسي. كنت بلا استثناء أطلب من أماني دومًا الحضور. ليس هربًا من المسؤولية وإنما لأن أماني هي من كانت تعرف عنها كل شيء. الآن لا أستطيع فعل ذلك! جوهرة تحضر فقط لمدرسة دانة أو باسل.. أحيانا نحضر معًا إن كانت حفلة يحضر فيها الوالدان، لكن في حالة قمر.. هي ابنة أخي، وجوهرة لا علاقة لها بها. وأظن أن هذا ما ستقوله لي، إنها مسؤوليتي قبل كل شيء. قاطعني باسم مدير مكتبي بطرقه للباب، فانشغلتُ به، لكنني عزمتُ في اليوم الثاني.. أن أذهب! لي عدّة أيام منشغل جدا في العمل.. وفي المنظمة! الأحداث التي حصلت مؤخرا أخذت كل تركيزي.. لدرجة أنني لم أعد أعود باكرًا إلى منزلي لتناول الطعام مع أطفالي، في الحقيقة لم أعد أقضي أي وقت معهم.. فقط أرى وجوههم كل مساء عند العودة من العمل وحينها قمر تكون نائمة.. وبالتالي أشعر أنني مقصر جدا مع قمر. دخلتُ إلى المدرسة وقادني الحارس مشيرًا إلى مكتب المديرة، ألقيتُ عليها التحيّة وجلستُ أمام مكتبها هناك نظرتُ إلى وجهها المتفاجئ برؤيتي. كانت المديرة سيدة في الأربعينات ترتدي ملابس فاخرة طويلة الأكمام وحجابًا أسودًا قد لُفّ على وجهها البيضاوي وثُبّت بالدبايس بارزة الرأس. شخصية تصلح لأن تكون مديرة مدرسة فتيات فعلًا! تمالكت نفسها وبدأت حديثها قائلة باحترام: مرحبًا بك يا سيد ياسر، إنها ثاني مرة تأتي إلينا المدرسة.. أول مرة كانت لأجل أن تسجّل قمر في الصف الأول الابتدائي! أومأت برأسي قائلًا بأسف: آه نعم.. أعتذر على تقصيري. قالت بسرعة: لا أقصد أبدًا، بالعكس نحن نعلم قدر انشغال شخصية شهيرة في عالم المقاولات مثلك. لكن عندما استدعينا وليّ أمر قمر توقعنا أن.. قلتُ بهدوء: أماني.. نعم، إنها مربّيتها، لقد تزوجت منذ أسبوعين، لم تعد مسؤولة عن قمر بعد الآن. قالتْ بوجه يعلوه الأسف: آه.. لم نكن نعلم ذلك. مضت عدّة ثوان صامتة قبل أن تبتلع ريقها بتوتر ثم قالت وهي تشبك يديها: بخصوص قمر.. لقد أثارت مشاجرة في الأمس! رفعتُ حاجبيّ بدهشة وأنا أردد: مشاجرة؟ هل تشاجرت قمر؟ نظرتْ إليّ بجدّية ثم قالت: ليس فقط الأمس، بل إن قمر لها فترة كبيرة تثير المشاكل هنا وهناك.. الموضوع أثار اهتمامي لأقصى درجة فسألتُ: مثل ماذا المشاكل التي تثيرها؟ دخلت في هذه اللحظة شابّة ثلاثينية بعد أن طرقت الباب، كانت ترتدي حجابا ورديا طويلًا وملابس أنيقة بسيطة، نظرتْ إلى المديرة نظرات استفهام فقالت المديرة وهي تشير إلي: السيد ياسر يا أستاذة ياسمين.. إنه وليّ أمر الطالبة قمر. _أهلا وسهلًا بحضرتك. _أهلًا بك. ثم قالت المديرة موجهة حديثها إلي: بخصوص سؤالك السابق يا سيد ياسر، فستجيبك عنه الأستاذة ياسمين، المرشدة الطلّابية.. ستشرح لك مشكلة قمر بالتفصيل وتعطيك بعض النصائح بخصوص معاملتها في المنزل وما إلى ذلك! أومأت برأسي بهدوء رغم أن تلك الجملة الأخيرة لم ترق لي.. نصائح بخصوص معاملتها في المنزل؟! ماذا تظن أننا نفعل بها؟ تبعتُ الأستاذة ياسمين التي اصطحبتني حتى مكتبها في ترحاب، وهناك ابتسمت قائلة: ماذا تحب أن تشرب؟ قلتُ ببرود: لا شيء. أريد فقط أن أفهم ماذا فعلتْ قمر. هلا شرحتِ لي ذلك باستفاضة من فضلك؟ أومأت برأسها على الفور قائلة: آه. طبعًا. ثم سكتت قليلًا وكأنما تُهيئ نفسها للكلام، وقالت: بصراحة قمر منذ فترة وتصرفاتها مختلفة، انتشرت عنها أقاويل أنها كسرت يد طالب في المدرسة المجاورة، نحن كنا نعلم سابقًا أنها من ضمن الفتيات اللواتي يتعلمن في مدرسة الفنون القتالية القريبة فقد سجلنا أسماء جميع من دخل فيها، وبالتالي نعلم أنها ماهرة في الدفاع عن نفسها، لكن الولد الذي اعتدت عليه من أضعف الأولاد في المدرسة، يعني لم يكن يعتدي عليها، ولذلك ظنّ الجميع أن قمر هي من اعتدت عليه بدون سبب. وأنها أصحبت فتاة متوحشة وبلطجية، منذ هذه الحادثة وجميع فتيات المدرسة كنّ يتجنبنها، وجاء لي الكثير من أهالي الطالبات يطلبون نقل بناتهم لفصل مختلف عن فصل قمر! وذهبت بنفسي إلى مدير مدرسة الأولاد المجاورة وتأكدت من الخبر، وعقدنا اجتماعًا طارئًا نحن المدرسات لنقرر طريقة التعامل معها. إلى هذه النقطة وأنا كنت أنظر لها بدهشة شديدة، وأشعر بدمائي تغلي من الغضب، أفعلتْ قمر شيئًا يستحق كل هذا؟! أكانت قمر تتعرض كل هذه الفترة السابقة للتجاهل وربما التنمر أيضًا بدون علمي وبدون أن تخبرنا أي شيء!؟ كان وجهي يفصح مشاعري فتوقفت أستاذة ياسمين عن الحديث وهي تنظر لي باضطراب، وتوقفت عن الحديث وكأنها نسيت كل شيء، فنظرتُ إليها بهدوء قائلًا بلهجة فيها قليل من السخرية: وماذا قررتم من هذا الاجتماع؟ ابتلعت ريقها ثم قالت: بالطبع لقد كان قرارنا لصالح الطالبة قمر، أن تستمر معلمات فصلها بإرشادها مع وضعها تحت الملاحظة، فهي من الفتيات المتفوقات بعد كل شيء، وقد كانت ممثلة الفصل في الفصل الدراسي الأول، فلو كنّا استجبنا لمطالب أولياء الأمور بنقلها لأحدثنا شرخًا أكبر بينها وبين بنات فصلها، وتسببنا في مشكلة أخرى غير المشاكل الموجودة، لكن بعد آخر مشكلة حدثت.. مشكلة تشاجرها مع مجموعة فتيات أمام المقصف، قررنا أن نعطيها عقوبة بالفصل من المدرسة لمدة ثلاثة أيام. حلّ على وجهي علامات الاستغراب والاستنكار: هل تشاجرت قمر فعلًا مع مجموعة فتيات؟ هزّت رأسها إيجابًا، فسألتُها بضيق: وماذا كان دافعها لذلك؟ لا أستطيع تصديق أنها تشاجرت معهم بدون سبب! قالتْ أستاذة ياسمين باهتمام: لقد قالت أنهم بدأوا بضرب صديقتها عائشة، ولذلك هي دافعت عن صديقتها.. وجدنا عائشة فعلًا مصابة بكدمات وخدوش في وجهها، وثلاث بنات منهم مصابات بخدوش في وجوههن، وقد قالوا أن قمر هي من بدأت بضربهم هي وصديقتها عائشة فدافعوا عن نفسهم، ولأن عائشة لم تستطع الدفاع عن نفسها فقد أصيبت في وجهها أما قمر فقد استطاعت ردّ الضربة بمثلها وأكثر. قلتُ مدافعًا: إذن هم اعتدوا على صديقتها أولًا..! فقالت وهي تعقد حاجبيها: ولكنّ البنات الخمسة خالفوا أقوالها يا سيد ياسر، هل نكذبهن جميعًا ونصدقها؟ لم يعجبني أنهم وقفوا في جانب البنات الأخريات، فقلتُ بامتعاض: ولكن عليكم وضع احتمال أن تكون هي الصادقة.. ابتسمت الأستاذة ياسمين قائلة: بالطبع، ولذلك سنعاقب الفتيات الخمسة أيضًا بالفصل لمدة 3 أيام. أراحني ذلك قليلًا.. فسكتت، ثم قلت: إذن هل تم استدعائي لإخباري فقط عن ذلك؟ هزّت رأسها نفيًا وقالت وهي تتراجع في كرسيّها: ليس ذلك فقط، كنت أريد صنع اجتماع ثُلاثي معها، بمعنى أن نتحدث عن هذا الأمر في وجودها ووجودك، فهناك كثير من الطالبات يعترفون بالحقيقة أمام أولياء أمورهن، وأحيانًا يحدث العكس.. يغيرّن أقوالهن. لكن في كل الأحوال يكون الاجتماع مفيدًا لي حيث أستطيع معرفة نفسية الطالب بشكل أفضل وبناء على ذلك أقرر طريقة التعامل معه. لم أجد ما أعلّق عليه، إذن يودّون عقد اجتماع ثلاثي بي مع قمر؟ بدأتُ أشعر بالتوتر في داخلي وأنا أتذكر كل مرات الاجتماع "الثنائي" التي كنتُ أعقدها في مكتبي دائمًا فتنتهي بالفشل.. وبأن تزداد علاقتي بقمر توترًّا! واليوم.. ماذا سيحدث في هذا الاجتماع المريب؟ بدأت الأستاذة ياسمين تشرح فاعلية الاجتماع لمّا رأت ترددي: الطالبة قمر لم أستطع إيجاد مبرر لتصرفاتها العدوانية التي حدثت مؤخرًا.. كالمشاجرات وكحادثة كسر يد أحد الطلاب، فقمر كما يصفها المعلمات متفوقة ومثالية دائمًا في كل شيء.. أريد أن أفهم لماذا تتعامل مع الطلّاب والطالبات بهذا العنف؟ هل من المحتمل أن يكون هذا بدايات إجرام.. قاطعتُها ببرود: هل جئتِ بي إلى هنا يا أستاذة ياسمين لتُخبريني أن ابنتي ستكون مجرمة؟!! اضربطت الأستاذة وظهر على وجهها الإحراج وهي تقول: أوه.. كلا بالطبع، لا تفهمني خطأ يا سيد ياسر، إنما أردت أن أوضّح، أن قمر نفسيًّا ليست مستقرة، ولهذا نحتاج جميعًا أن نعرف الأسلوب الأمثل لاحتوائها وجعلها تستقر نفسيًّا فقد يكون من دوافع هذا العنف في تصرفاتها عدم الإشباع العاطفي و... استمعتُ إلى كلامها بصبر شديد وهي تتكلم بحماسة مستخدمة مصطلحات علم النفس، والكثير من الجمل المركبة المعقدة.. "ما أعنيه يا سيد ياسر، أن قمر قد دخلت فترة المراهقة، وإن لم يكن هناك في منزلها من يقوم بدور الأم والأب بشكل كافٍ فسيكون تمردها وعنفها أمرًا طبيعيا للغاية، وأنا أريد تجنب حدوث ذلك.. سواء في المدرسة أو في المنزل!" سكتت لبضع ثوان ونظرتْ إلى عينيّ الباردتين قائلة بوجه مهموم: أعلم أن الحمل عليك ثقيل بصفتك عمّها، وقد لا تتقبل الفتاة في هذا السنّ النصح والإرشاد ممن هم في مثل سننّا.. أخذت نفسًا عميقًا وأنا أنظر إلى ساعتي، لأفاجأ بأنه قد مضت نصف ساعة منذ دخولي إلى المدرسة، رفعتُ نظري إليها وقلت: أرجوك يا أستاذة ياسمين، لدي عمل.. هل يمكنك إحضارها لنبدأ ذلك الاجتماع الثلاثي الذي تقولينه؟ ابتسمت ابتسامة مُجاملة وقالت بسرعة: آه طبعًا، معذرة على أخذ الكثير من وقتك! وقامت من مكتبها وخرجت من الغرفة، ثم عادت بعد دقيقة وجلست وهي تقول: إنها قادمة بعد قليل.. أغمضتُ عيني بهدوء وأنا أحاول السيطرة على مشاعري، الحقيقة أنني متوتر جدا! ماذا إن اتهمتني قمر أمام الأستاذة أنني قاتل أو شيء كهذا؟! كيف سأتصرف حينها؟ لا لا.. قمر ثابتة الأعصاب بالتأكيد أمام الأغراب.. أما أمامي.. فهي تنهار دائمًا! ابتسمتُ وأنا أتذكر كل المرات السابقة التي كنت أواجهها فيها، التحدي في عيونها لا يلبث أن يتحول إلى حزن حقيقي واستياء جارف.. على أية حال، سأحاول التركيز.. سأركز حتى أستطيع أن أعرف منها الحقيقة.. فقد كذبت قمر علي كثيرًا حتى صرت أحفظ ملامح وجهها عندما تكذب! لم يلبث الباب أن طرق ثم ظهرت قمر من خلفه بعد أن سمحت لها أستاذة ياسمين بالدخول.. فوجئت بمظهرها الذابل ووجهها الشاحب، كانت عيناها الرماديتان خامدتان.. يبدو اليأس قد نحت فيها ملامحه، اتسعت عيناها تفاجأً بوجودي، وترددت في التقدم.. طالبتْها الأستاذة بالجلوس لكنها اكتفت بالوقوف على مضض قريبة منّا! كانت هذه أول مرة أتأمل وجهها عن قرب منذ ما يقارب الأسبوع!.. هل تغيرت قمر إلى هذه الدرجة؟! لقد تحوّلت هالتها إلى هالة كئيبة أستطيع الإحساس بها من مكاني. "قمر.. لقد استدعينا وليّ أمرك للنظر في مشكلة الشجار التي وقعت بينك وبين مجموعة البنات في الأمس، والتي قررنا فيها فصلك من المدرسة لثلاثة أيام" خاطبتْها بذلك الأستاذة ياسمين فأطرقت قمر برأسها، ثم نظرتْ إلي نظرات غير مفهومة المعنى، أدركتُ أنه حان دوري لأسألها من نظرات الأستاذة، فابتسمتُ قائلًا بلطف: قمر.. أخبريني ما حدث بالأمس حقا في المدرسة، هل تشاجرتِ؟ ولماذا.. لم تُخبريني عن ذلك؟ سكتت قمر وكأنها خائفة من أن تتكلم في حضوري، حتى أنني شعرتُ بإشفاق عليها.. لكنني فوجئت بها ترفع رأسها وقد امتلأت عيونها قوة وعزمًا، ثم قالتْ بثقة: نعم.. لقد كنتُ أراقب البنات وهنّ يشترين من المقصف، وعائشة بينهن، ووجدت من يضربها مستغلّا الزحام، فدخلتُ بينهن أمنعنهن من ضربها، فحاولوا ضربي وإسقاطي على الأرض لكنني ضربتهم! ثم نظرتْ ببرود مخيف إليّ، يا لطيف! لقد تغيّرت نظراتها 180 درجة في خلال دقيقتين! أعرف هذه النظرات، لكن.. لا أدري حقا.. أهي كذب أم صدق؟ كل ما أشعر به الآن، أن عيونها جادّة جدا.. وأنها كذلك.. تبدو صادقة جدّا! ابتسمتُ ثم التفتّ إلى أستاذة ياسمين وأنا أقول: هم من بدأوا يا أستاذة ياسمين.. إذن عليكِ مدّ فترة الفصل من المدرسة إلى 5 أيام على الأقل! ظهر على وجه أستاذة ياسمين الورطة، فيبدو أنها لم تستطع فهم قمر وإدراك أهي كاذبة أم صادقة! هيهات.. هل تريد أن تفهمها هنا في ربع ساعة.. في حين أنني أحاول فهمها منذ عدّة أعوام!؟ قالت أستاذة ياسمين متلعثمة: لا نستطيع زيادة العقوبة عليهن دون زيادتها على قمر، فأقوالهن مختلفة عن قولها.. وليس هناك دليل على صدق أي جانب منهن،حتى البنات اللواتي كنّ موجودات وقت المشاجرة قالوا أن قمر توجهت فجأة داخل الزحام وبدأت تضرب مجموعة بنات في الداخل.. أي أن شهادة الشهود ضدّها، وهذا ما جعل الموضوع يتأزم.. لكنني شعرتُ بصدق هذه الفتاة فعلًا، أشكركِ يا قمر على صدقك! نظرتْ الأستاذة ياسمين مبتسمة إلى قمر، لكن الأخيرة لم تزد ملامحها إلا جمودًا واستياءً! حاولتُ تلطيف الجوّ بقولي: يا أستاذة ياسمين.. هذه المشاجرات تحدث كل يوم بين البنات، وكذلك الأولاد.. لا داعي للمبالغة في تقييم هذه الحادثة! ضحكتْ أستاذة ياسمين بتوتر قائلة: آه نعم أفهم ذلك، لكننا نحاول تطبيق العدل دومًا مع طالباتنا حتى نأخذ حق كل طالبة. فكما تعلم سمعة مدرستنا تصل الآفاق، وإن انتشر أننا نتساهل مع المشاجرات في مدرستنا.. فقد تتحول المدرسة إلى وكر عصابات دون أن ندري! ثم ضحكتْ ضحكة خفيفة ملتعثمة وقد احمّر وجهها، ابتسمتُ لها مجاملاً وقد شعرتُ بمدى إحراجها، بدأت أظن أن الاجتماع الثلاثي قد انتهى وعليّ الرحيل الآن.. لكن هل آخذ قمر معي بما أن عقوبة فصل الثلاثة أيام ستبدأ من الغد ولا معنى لعودتها للفصل أم ماذا أفعل؟ يبدو أن أستاذة ياسمين أدركتْ حيرتي فأخرجتْ ورقة من ملف على مكتبها وأعطتْها لي قائلة: هذه ورقة أرجو أن توقّع عليها.. أمسكتُ القلم وقرأت الورقة وأنا أوقّع، ورقة تثبت أنني سألتزم بالعقوبة وأن المرة القادمة إذا حدث نفس الشيء من قمر ستكون العقوبة بالفصل لمدة أسبوع، أما إن تكرر الأمر لمرة ثالثة فسيكون الفصل من المدرسة كلها! وقعتُ على مضض وسلّمتها الورقة فأخذتْها مني بامتنان ثم سلمتْني ورقة أخرى قائلة: وهذه لقمر لتوقّع عليها.. تعهد بعدم التعرض بالضرب لأي طالبة في المدرسة.. مددتُ الورقة لقمر قائلًا: تعاليْ.. تقدمت قمر ببطء وأمسكتْ القلم بيد مرتجفة كانت تحاول إخفائها، ثم وقعتْ توقيعًا ركيكًا أظن أنها ألّفته للتو، ووضعتْ القلم وتراجعتْ حتى الباب وكأنها ستخرج.. قلتْ لأستاذة ياسمين: هل ستعود قمر لفصلها؟ رتبت الأستاذة الأوراق في ملف بلاستيكي وقالتْ: آه نعم يمكنها العودة للفصل، ويمكنك أخذها للمنزل أيضًا كما تشاء. حتى لا تضطر للعودة ثانية في نهاية الدوام. لمعتْ عيني عند ذلك.. هي لا تعلم أن السائق هو من يذهب بها ويعيدها، لكن شعرتُ أن هذه فرصة لي لأعيدها معي إلى المنزل ونتكلم قليلًا في السيارة.. المهم أن أقضي معها بعض الوقت! والتفتُّ إليها بسرعة وناديتها قبل أن تخرج: قمر.. انتظري! التفتْ قمر إليّ بهدوء ونظرتْ إليّ عابسة، فقلتُ بسرعة: هل تناولتِ إفطاركِ؟ ظهر على وجهها الانزعاج ثم قالتْ: هذا ليس من شأنك! أوه.. ما بالها غضبتْ فجأة؟ رغم أنني شعرت بالإحراج أن تقول لي ذلك أمام الأستاذة، إلا أنني كنت معتادًا على ردات فعلها، وهممتُ بالاستسلام للأمر الواقع.. فيبدو أنها تريد العودة لفصلها! لكنّ الأستاذة ياسمين ظهر على وجهها الاستنكار الشديد، وقالت موجهة حديثها لقمر: كيف تردّين على عمك بمثل هذه الطريقة يا قمر؟ نظرتْ إليها قمر نظرات تحدّي، فزاد ذلك غضب أستاذة ياسمين التي غمغمت: يبدو أنك فعلًا تحتاجين إلى إعادة تعديل السلوك..! سكتتْ قمر لثوان قبل أن تقول بلهجة هادئة: أرجو ألا تتدخلي بيني وبين عمّي يا أستاذة ياسمين..! تحول لون أستاذة ياسمين إلى اللون الأحمر بالكامل، فنظرتْ إليّ بحنق: هل تعاملك دومًا هكذا يا سيد ياسر؟ لم أردّ على سؤالها وقلتُ بجدّية وأنا أشير إلى الباب الذي خرجتْ منه قمر للتو: لعلها منزعجة الآن مما حدث، المهم شكرًا لك يا أستاذة ياسمين.. سأذهب لأحاول إقناعها بالعودة معي! لم أنتظر لأرى ردة فعل أستاذة ياسمين وإنما خرجتُ مباشرة خلفها، وجدتها تمشي بخطوات مسرعة في الممر، فقلتُ بصوت عال: قمر.. أحضري حقيبتك من الفصل! التفتت إليّ ونظرت بعينين ناريّتين..جعلتني أبتسم.. هذه قمر التي أعرفها! لكنني قلق مما إذا كانت ستأتي بحقيبتها حقا أم لا! دخلت قمر إحدى الفصول، فوقفت أمام غرفة الأستاذة ياسمين أنتظر.. وأراقب باب الفصل الذي دخلتْ فيه، سأقف هنا لعدة دقائق.. وإن تأخرت أكثر من ذلك فسأفترض أنها رغبتْ في إكمال يومها الدراسي! طال الوقتْ فأصابتني خيبة الأمل، وهممتُ بالمضي.. لكنني سمعت صوت باب يُفتح فالتفتّ بفرح لأجدها قد حملت حقيبتها المدرسية على ظهرها وعلى وجهها وجوم كئيب.. كانت تمشي بخطوات سريعة متجهة إلى السلّم، فخطوتُ خطواتي أنا كذلك متجها إلى نفس الوجهة.. لولا أن خرجت أستاذة ياسمين وأشارتْ إلي لتقول لي كلمتين، اقتربتُ على مضض ونظرتُ بقلق إلى قمر التي تجاوزتني ونزلت السلمّ.. لا بأس.. لا شك أنها ستنتظرني في الأسفل! فلن تستطيع قمر الخروج من المدرسة الآن إلا بإذن المديرة..! اطمأننتُ إلى حدّ ما واستمتعتُ إلى نصائح أستاذة الياسمين التي كانت تقولها بعصبية، عن أهمية احتوائها وإرشادها وأحيانًا الشدّ عليها.. حتى لا تنفلتْ أخلاقها! ظلّت تعطيني بضعة نصائح شعرتُ أنها أخذت الكثير من وقتي، إلا أنني عندما نظرتُ إلى ساعتي وأنا أنزل السلم باستعجال اكتشفت أنها لم تأخذ سوى خمس دقائق..! أسرعتُ إلى بوابة المدرسة، وجدت حارس المدرسة يقف متحفزَّا، ألقيتُ عليه التحيّة بسرعة وهو بمجرد أن رأى وجهي حتى هتف: آه سيد ياسر، تلك ابنتك؟ لقد أخبرتني أنها ستنتظرك في السيارة! ولهذا سمحتُ لها بالذهاب.. التفتُّ إليه بضياع لاهثًا.. سيارة؟ قمر تنتظرني هناك؟ أومأت له بالشكر وركضتُ مسرعًا.. لكن السيارة كانت خالية..! تلفتتُ حولي بجنون، لا تخبروني رجاء أن قمر قد هربت من المدرسة؟! تلك الحمقاء.. تظّن أن بإمكانها الذهاب متى شاءت، من كنتُ أنتظر إذن؟! ولماذا أوحتْ لي أنها قادمة معي؟! لماذا تعشق قمر الهروب منّي دائمًا! تبًّا.. شعرتُ بغضب عارم يكتسحني.. أشعر أنني إذا وجدتُها بعد قليل فسأفرغه فيها بكل سرور! قررتُ ركوب السيارة والدوران بها حول المدرسة وشوارعها، فلا شك أنها لم تبتعد بما يكفي بعد! -3- [سامي] كنتُ جالسًا أمام مكتب السيد هيثم، الذي كان يضع عينه على مجموعة أوراق بانتباه شديد، كنت أراقبه بسكون وعلى وجهي خيبة أمل، بمجرد أن رفع رأسه لي حتى تبادلنا نظرات الإحباط، فقال هو بأسف: للأسف يا سامي.. كانت تلك القائمة كذبًا! باختصار.. كل أسماء الأعضاء الذين كُتبوا فيها غير موجودين في الواقع! عبارة عن أسماء مركبّة عشوائيًّا بشكل يظهر أنها حقيقية جدًّا! حتى العناوين المكتوبة موجودة بالفعل لكنها تنتمي لأشخاص آخرين.. أنزلتُ رأسي بأسى وأنا أشعر بأن الخيط الذي كنّا نأمل أن يجعلنا نعرف قاتلي السيد آسر قد قُطع.. للأبد! كنت أعلم تلك النتائج التي يقصّها السيد هيثم عليّ فقد أشرفتُ على عمليات التحقيق بنفسي.. ورغم ذلك فقد استمعتُ إليه وهو يقول بوجه ينضح بالمرارة: رغم كل ما تكبدناه من عناء لنصل إلى هذه النتيجة.. إلا أن هذا كان غرضهم من البداية! أن نصل إلى قائمة مليئة بالأسماء المزيّفة.. باختصار أن نقع فريسة للطعم! أطرقتُ برأسي مليًّا وأنا لا أجد أي كلمات في قاموسي لأواسي بها السيد هيثم، ماذا يمكنني قوله الآن؟ سمعتُ تنهيدة حارّة من صدره وهو يُسند رأسه إلى ظهر كرسيّه الجلديّ الفخم ويغمض عينيه بهدوء، ران علينا الصمت لبعض الوقت ثم رفعتُ رأسي قائلًا: ولكن ما زال هناك خيط يصلنا بهم يا سيد هيثم.. فتح السيد هيثم عينيه باهتمام فقلتُ بجدّية: إنه جابر الطيّب! سنختطفه إذا تطلب الأمر ونستخرج منه المعلومات! ولشدة دهشتي لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه، أشعرتني بالحرج، هل قلتُ شيئًا سخيفًا أو مبالغًا فيه بعض الشيء؟ تخيلتُ أن يقول السيد هيثم شيئًا كـ "لا نستطيع استخدام أساليب كهذه في زمننا الحاضر يا سامي.. ألا زلت تفكر كالأطفال؟" إذا قال هذه الجملة سأشعر بحرج أكبر، يا إلهي.. لكنّ السيد هيثم أتبع ابتسامته الساخرة بقوله بلهجة مُحبطة: بالطبع، كان يمكننا فعل ذلك! لكن جابر الطيب قد هرب.. الجبان! اتسعت عيناي دهشة وأنا أردد: هرب؟ كيف؟ قال السيد هيثم: نعم.. بقية أعضاء المنظمة كلفتهم بمراقبته في أثناء تحقيقك أنت وجاسم عن القائمة، وفوجئوا بأنه سافر إلى أمريكا في اليوم التالي بعد أن غافلهم جميعًا! يبدو وكأنه كان يتوقع شيئًا كهذا. لقد أعدّوا عدّتهم جيّدا لهذه اللحظة. يا لهم من أوغاد! سكتتُ بصدمة وأنا أشعر بالذهول، وفي داخلي عادت تلك الفكرة تسيطر عليّ.. الآن فعلًا خسرنا طرف الخيط للوصول إلى المنظمة الجاسوسية تلك! والآن بدأت أقتنع بأن الحرب أصبحت جدّية وخطرة أكثر. وأنهم أكثر ذكاء مما ظننّا! -4- [نور] مرّ أسبوعان كئيبان جدا على منزلنا، أمي في المستشفى مع بوارو أو في العمل، الخادمة إيليت أصبحت مسؤولة عن أختي إيلين، فهي من كانت تذهب بها إلى الحضانة وأنا آتي بها عند عودتي من المدرسة.. أعود إلى المنزل دائمًا فأجدها هناك قد صنعت الطعام ورتبت المنزل، تضع لنا الطعام على المائدة وترحل على المساء بعد أن تلعب مع إيلين قليلًا.. كنت أشعر بضيق شديد عندما أتذكر ما حدث مع أمي، في كل مرة أهمّ بالحديث معها يمنعني من ذلك رؤية وجهها المرهق دائمًا من العمل ومن حمل مسؤولية بوارو، كما يمنعني كذلك خوف غريب أن تعترف أمي بحقيقة أكرهها.. لطالما تساءلتُ كيف يمكن لأمي أن تكون في المافيا؟ بالطبع لن تجد وقتًا لفعل أي شيء.. فها هي الآن مشغولة جدا! لا شك أنني أفهم كل شيء بصورة خاطئة.. لكن ماذا إن كنت أفهم كل شيء بشكل صحيح؟! ما ينقصني فقط هو الشجاعة للمواجهة، أريد أن آخذ خطوة حازمة.. تبدد عني الشكوك وتجعلني إما أستعيد صورة أمي الرائعة في خيالي أو تسقط أمامي إلى الأبد! وكانت هذه الخطوة الحازمة متمثلة في.. كلا، ليس أن أواجه أمّي.. فإن كانت أمي تخفي عني الحقيقة لن أستطيع معرفتها مهما فعلتُ، بل أن أذهب لأتواصل مع.. المافيا نفسها! ولكن كيف؟ هذا كان السؤال.. ومرة أخرى كان السبيل إلى الجواب هو عن طريق البحث في الإنترنت، وجدت الكثير من الأخبار هناك، إنه عالم واسع جدا ومذهل حقا.. العديد من الأخبار عن المافيا وحوادثها.. بالفعل كانت منتشرة في مدينتنا! من ضمن ما قرأت عنهم أنهم يملكون عدّة "حانات" و"محلّات للقمار" وكان هناك محلّ مشهور جدا في مدينتنا.. بل وإنني أعرف طريقه! فهو قريب من مدرستي. تخيلتُ نفسي أذهب إليه وأسألهم مباشرة وأنا أريهم صورة لأمي: هل هذه تعمل معكم لو سمحت؟ هززتُ رأسي بقوة، لن تكون الأمور بهذه السذاجة طبعًا يا نور.. ولن يعترفوا على الفور بانضمامها إليهم بهذه السهولة! آه.. إذن ماذا أفعل؟ هل أذهب لأسألهم: هل اختطفتم طفلًا اسمه فيتال قبل أسبوعين؟ ابتسمتُ بضحكة داخل نفسي.. لماذا أفكر بهذه الطريقة المضحكة؟ لا شك أنهم لن يجيبوا على أسئلتي بمثل هذه البساطة التي أتخيلها..! ماذا أفعل إذن؟ ماذا أقدّم لهم كي يعطوني جوابًا حقيقيًّا صادقًا؟ شعرتُ بحيرة عظيمة، كما أنني لا أستطيع نسيان نقطة مهمة وهي أنهم من الممكن أن ينكروا ذلك.. ينكروا أنهم مافيا، ويدّعوا بكل بساطة أنهم مجرد محل للقمار.. ولن أستطيع الحصول على أي أجوبة حينها! بالطبع لن أستطيع محاجّتهم حينها "أنا رأيت اسم هذا المحل مكتوبًا على الإنترنت أنه ينتمي إليكم"! عليّ فعل حيلة مبتكرة، للاحتيال عليهم.. وفي نفس الوقت الحصول على ما أريد من أجوبة! ورغم خوفي الداخلي من الإقدام على خطوة كهذه.. إلا أنني جلستُ أفكر بجديّة بالغة، وأبني داخل عقلي.. تلك الخطة التي ستظهر الحقيقة.. حقيقة أمي.. والآن ما هي توقعاتكم للفصل القادم,, بخصوص نور وقمر ^^ حاولت أن أقحم فقرة لسامي ف الفصل عشان أكا ههههه آمل أن تكونوا قد استمتعم به |