"لا يسقط الطغاة إلا بيد الدُّهاة!"
شددت على قبضتي بتوتر وانطلقت نحو النافذة أراقب تحركاتهم، للأسف اثنان منهم توجها بسرعة لداخل المبنى فأدركت أنها مسألة وقت قبل أن يعثروا علينا، بقلق سألت يوكي الذي كان ما يزال على نفس وضعيته:
- برأيك كم سيصمد الباب؟
- طلقة واحدة مكان المفتاح كفيلة بفتحه ..
- اللعنة! أعطني السلاح الذي معك!
- لا فائدة ..
- هاه ..
- لا ... ذخيرة فيه..
- ما – ماذا؟!
- لقد أدركت ذلك للتو ..
- ولكن ذلك الرجل استسلم فور أن وجهتَ المسدس نحوه!
- الأرجح أنه لم يدرك ذلك ..
- آخخ .. أعطني إياه، سنهددهم به فحسب، كيف لهم أن يعلموا أنه غير محشو؟!
- .................
- يوكي!! ما بالك؟! أيئست بعد أن وصلنا لهذه المرحلة؟! ألا تريد حتى أن تنتقم لهيروتو منهم؟!
- أ – أخي .. أنت بخير؟
رفع يوكي رأسه ونظر لنا بعينيه الباردتين ثم وقف بهدوء وهمس "أنت تابع مراقبة النافذة وأنا سأحمي الباب" أومأت موافقًا له وأخذت أراقب بصمت، لم تمضِ لحظات حتى سمعنا أصواتهم داخل المبنى يتعاونون في البحث عنا، حينها تلوت صلواتي بألا يكتشف مكاننا سريعًا.
اقتربت أصواتهم شيئًا فشيئًا دون أن يظهر أي أثر للشرطة، وبعد بضع لحظات سمعنا الصوت الذي كنا نتوقعه .. صوتهم وهم يحاولون فتح الباب وينادون علينا من خلفه.. لحظتها شعرت بالرعب قد تسلل لأعماق قلبي وغرس خناجره فيه، بقيت صامتًا بينما اقترب آتسو مني وتشبث بمعطفي بكل قوته .. أما يوكي فقد ارتعد جسده وأمسك بمسدسه متوقعًا أسوأ ما قد يحصل.
بدأ أولئك الرجال ضرب الباب بكل ما أوتوا من قوة بينما أخذت أنا ويوكي نترقب اللحظة التي يدخلون فيها بصمت .. قاطع تفكيري صوت إنذار سيارات الشرطة فالتفت نحو النافذة بسرعة لأتحقق مما يجري بالضبط، فور أن سمع بقية الرجال في الخارج الشرطة دخلوا إلى المبنى مباشرة، مما يعني أن المسألة تعقدت أكثر!
لم يبد لي أن رفيقي قد انتبه لذلك لذا توجهت نحوه بهدوء شديد وهمست في إذنه:
- وصلت الشرطة ..!
- أ .. أعلم ..
بدا لي أن عقله قد نسج أسوأ السناريوهات ولا أحد يستطيع لومه، أنا وهو محبوسان داخل غرفة لن يطول الوقت حتى يقتحموها، كما أنهم مسلحون وقد يقتلونا قبل أن تصل لنا الشرطة حتى، هذا إن لم يهددوا الشرطة بنا!
- أوي!! أنتم في الداخل!! بوجود الشرطة من عدمه .. أنتم "ميتون"!
- أسمعتم ما قاله، من الأسهل لكم أن تفتحوا الباب بهدوء
قاطع محادثتهم المستفزة صوت مكبرات الشرطة وهم يدعونهم لتسليم أنفسهم بهدوء مقابل عدم إصابتهم بمكروه، بعد ذلك الإنذار بلحظات سمعنا صوت إطلاق متتالي للنار، عدت للنظر إلى النافذة مجددًا لأجد الشرطة قد تراجعت بضع أمتار فهمست في نفسي "اللعنة! أطلقوا النار على الشرطة فكيف لا يطلقون علينا!"
وبالفعل لم تكن إلا لحظات حتى تحطم الباب الذي أمامنا ودخلوا الغرفة على حين غرة، كان يوكي قد رفع السلاح في وجههم آنذاك دون أن يعطيهم أدنى فرصة في التحرك، ولكن شخصًا مألوفًا قاطع ذلك المشهد بضحكته ثم قال "محاولة جيدة يا فتى، ولكني تذكرت أن مسدسي لا يحوي غير رصاصة واحدة، لذا عبثًا تحاول!"
اتسعت عينا يوكي بصدمة بعد رؤية ذلك الرجل ثم أنزل يديه بيأس لترتخي قبضته ويسقط المسدس أرضًا، اتكأ ذلك الرجل على الجدار الذي أمامنا ثم قال باستهزاء "والآن، ماذا أفعل بكم بعد أن أصبتم رفيقي واستدعيتم الشرطة، هاه؟! لقد جعلتم الأمور معقدة حقًا!"
لم نعلم ما نفعله تلك اللحظة، ولكن لم يكن أمامنا غير اتباع أوامرهم وتسليم الأمر للشرطة التي قد تتمكن من مساعدتنا بطريقة ما، قادونا نحو غرفة مخنوقة أخرى وأجلسونا فيها بعد أن قاموا بربط أيدينا ببعض الحبال وجلس ذلك الرجل أمامنا برفقة رجل مسلح آخر ..
طغى الهدوء الشديد على المكان، لم ينطق يوكي بأي حرف بينما أخذ يحدق بهم ببرود، كنت أجلس على يمينه أحاول جاهدًا تجنب التواصل البصري معهم أما آتسو فقد غاب عن وعيه فور أن اقتحموا الغرفة لسبب أجهله، بالرغم من اليأس الذي خيم علينا إلا أن ذلك الرجل أخذ يتأملنا بعين حاقدة ثم تحدث موجهًا كلامه ليوكي:
- يا ذا الشعر الأسود، أتعلم، لقد أعجبت بك حقًا! لقد أطلقت النار بلا تردد .. أحسنت ! لابد أن تربية والدك قد أثرت فيك .. فلطالما تعامل ذلك الرجل مع الجثث طوال حياته !
- ..............
- أتعلم أن رفيقي مات بسببك؟
- ..............
- لمَ لا ترد عليَّ ؟
- وماذا أقول بالضبط؟ أنت تعلم أن السيد براون ليس أبي بالفعل! وتعلم أني أطلقت النار على رفيقك متعمدًا قتله! ما الذي ترجو سماعه مني؟ لا أفهم!
- هووووووووووووووه ~ بعد أن عشت في ثرائه الفاحش كل هذه السنين تقول هذا عنه! يا لك من عاق! لقد كنت تعيش في مبنى خرب وانتقلت للعيش في قصر بفضله..! أوه وبالحديث عن رفيقي سأنتقم له اليوم، لا داعي للقلق!
- حسنًا، افعل ما تشاء
- همم، أخبرني، أهذا الذي برفقتك أخ لك حقًا؟!
استعت عينا يوكي في صدمة ونظر له بغضب:
- ماذا تريد منه؟!!
- هووووو .. ما بالك غضبت!
- ما الذي تريده مني بالضبط؟
- لا شيء .. أريدك أن تموت فقط!
- ولمَ لا تقتلني أيها اللعين وتريحني من النظر إلى وجهك!
- همم .. لا أريد .. لقد أنقذك اللعين براون من الموت جراء الجفاف وأريد أن أثبت له أنه لن يتمكن من فعل ذلك مرة أخرى
- اصمت ودعني أموت في هدوء إذن!
- كنتُ أخطط لذلك، ولكنك هاجمتنا وهربت بمحض إرادتك، أتذكر؟
- هممف .. اللعنة!
تحولت أنظار ذلك الرجل نحوي بعد أن ملَّ من محادثة يوكي لأشعر بخوف شديد ولكنه ما لبث إلا وأن سأل:
- يا لها من مصادفة لطيفة، صحيح؟
- هاه؟
- أعني .. من كان يظن أنك تدرس مع براون في المكان ذاته .. التقيتما بظروف كهذه سابقًا وشاءت الأقدار أن تدرسا مع بعضيكما!
- لا – لا أعلم عن ماذا تتحدث!
- أخبرني، أتتغابى أم أنك لا تذكر شيئًا بالفعل؟!
لا أعلم عن ماذا كان ذلك الرجل يتحدث بالضبط .. ولا يخطر ببالي غير منزل مهترئ في غابة ما .. وظلام موحش لطالما ظهر في أحلامي، بقيت أحدق بذلك الرجل دون أن أنطق بأي كلمة ليتنهد هو ويكمل:
- هذا لا يصدق! كيف لا تذكر شيئًا؟!
- لا – أعلم، ولكن ما علاقة يوكي بذلك ..؟!
- هـه، أتساءل ما إن كنت ترغب حقًا بمعرفـ -
- الشرطة اقتحمت المكان!!
هكذا صرخ أحد الرجال في الممر، وقف ذلك الرجل بحزم ثم همس بصوت شبه مسموع "حمقى! أيظنون حقًا أن بإمكانهم إيقافي؟!" ثم أمر الرجل الذي كان برفقته أن يذهب ليساعد البقية بينما ينهي حياتنا، أمام أعيننا حشى مسدسه ببضع رصاصات كانت في جيبه ثم صوبه نحو يوكي الذي لم يظهر حتى أدنى علامة للخوف تلك اللحظة:
- عجبًا، ألم تقل أنك ستجعلني أموت من الجوع والعطش؟
- غيرت رأيي، عندك مانع؟
- لا .. ولكـ -
قطع حديثهما صوت أشبه بصوت الانفجار تبعه اهتزاز شديد في المبنى، لم أضيع تلك الفرصة الذهبية كما هو حال يوكي الذي ابتعد سريعًا عن مرمى المسدس، وأعطى الباب ظهره أما أنا فقد اتجهت نحوه محاولا ضربه كما فعلت سابقًا ولكنه انتبه لي ووجه المسدس نحوي وبلا سابق إنذار أعلن صوت إطلاق النار نهاية هذه الحادثة المأساوية.