"شيء من الحسرة"
مضت بضع ساعات على ذلك الحال، ويوكي لم يهدأ أبدًا بل بدأ صوت شهقات بكائه تطغى على المكان، حاولت مناداة اسمه بضع مرات ولكنه لم يرفع رأسه لي ولم يتظاهر بسماعي حتى، بعد أن يئست جلست أمامه ثم لففت ذراعي حول رقبته وحاولت ضمه إلى صدري بهدوء والتحدث معه، هدأ قليلًا ولكنه لم يتحدث معي مطلقًا .. لحظتها كان ذلك أكثر من كافٍ بنظري.
مرت الدقائق والساعات دون حدوث أي شيء، نظرت إلى يوكي الذي انخفض كتفاه بارتياح بعد أن هدأ قليلًا ثم سألته:
- أنت بخير؟َ
- أ – أحتاج دوائي .. أ- أشعر أن رأسي سينفجر!!
- أ .. ألا تحمله معك بالعادة؟!
- لم أعثر عليه في جيبي، شيجيرو ماذا أفعل؟ كل جسدي يؤلمني بشدة، أشعر أني أريد النوم ولكني لا أستطيع!!
- لا تقلق، ستهدأ قريبًا، حاول الاستلقاء وإغماض عينيك على الأقل!!
أومأ يوكي برأسه واسند نفسه على الجدار ثم أغمض عينيه بهدوء، سألني حينها بصوت طغى عليه اليأس:
- آتسو بخير .. صحيح؟!
- لا أعلم .. ولكني أشعر أنه كذلك ..
- آمل ذلك .. وإلا فأنا آمل أن يموت وهم يجرون له العملية كي لا يتألم ..
لم أستطع التعليق على جملته الأخيرة، جمعت الهواء داخل صدري وأطلقته محاولًا الارتياح قليلًا ثم قلت:
- يوكي، ليس أمامنا إلا الدعاء ..
- م- معك حق ..
- ............
- اسمع شيجيرو .. أنا آسف ..
- لماذا تعتذر؟!
- لأنك تعرفت علي شخص ذو حظ سيء مثلي! لطالما قال آلن أني نذير شؤم .. والآن أدركت أن هذا صحيح
- لا – لا تقل هذا ..
- إنها الحقيقة، لو أني لم ألتقِ بآتسو وخالتي ذلك اليوم لربما كانا يعيشان بسعادة وقتها، ولو أنك لم تلتقيني لكنت ما تزال في أحضان سكن الجامعة الآن، تنام على ذلك السرير الوفير ولا تفكر إلا بالدراسة!
- همم .. لا أتفق معك، لقد كانوا يستهدفونني مع عائلتي منذ الأساس وهو أمر لا علاقة لك به، أما آتسو فهو لم يكن يعيش حياة هانئة حتى .. وبالنسبة لآلن فقد أخبرنا أنه تسبب بسقوطك من السلالم مما يدل على أنه من أصابك بالحظ السيء
- |ضحكة مكتومة|
لم أتوقع سماع صوت ضحكة في مكان ووضع كهذا، بالأخص من يوكي نفسه، ابتسمت بهدوء ثم أكملت:
- أتعلم، أراهن أن آتسو يحبك وهو ممتن للقائك
- حقًـا؟!
- أجل .. أنا متأكد .. لقد كان ذلك واضحًا في عينيه مؤخرًا، خصوصًا بعد موت أمه
- آمل ذلك
- أخبرني يا يوكي، إن حدث ونجونا، ماذا ستفعل عندما تلاقيه؟
- إن .. تمكنت من لقائه سأعانقه بشدة .. بشدة حتى يعجز عن التنفس .. أقسم لك إن نجونا أني سأجعل هذا اليوم آخر يوم سيء في حياته ..
عدنا للصمت مجددًا بعد أن تحدثنا لبضع دقائق، مرت بضع ساعات بالفعل دون أن يطرأ أي جديد، قمت عدة مرات وحاولت فتح الباب أو إيجاد مخرج لنا لكن دون فائدة، ما لفت نظري فعليًا أننا لم نسمع أي صوت لأولئك الرجال منذ أن غادرونا ، كنت آمل من أعماق قلبي أن يكون تم الإمساك بهم أو ما شابه، ولكن رواية يوكي بما حدث لهم سابقًا عندما بقي مكانهم مجهولًا حتى ماتوا أثارت الرعب في نفسي، قاطع تدفق أفكاري السوداوية حديث يوكي: "اسمع شيجيرو، إن حدث وأن دخل علينا أحد -حتى وإن كان معه سلاح- سأهجم عليه وأنت حاول الهروب من هنا"
اتسعت عيناي في صدمة ثم التفت له وقلت:
- ما – ما الذي تقوله؟!
- لقد كُتب لي الموت مع أخي تلك الليلة، ولكن الحظ ابتسم لي مشفقًا وتركني أعيش بضع سنوات أخرى، بالنسبة لي فهذا أكثر من كافٍ
- أوي!! ما الذي تتفوه به!! ألم تقل أنك إن نجوت فـ -
- الأرجح أنه مات ..
- يوكي! كف عن التفكير بسلبية هكذا! لنصلي من أجل نجاته فقط
- صدقني، إن قضيت ساعة أخرى في هذا المكان سأجن! كل دقيقة تمر أشعر فيها أن أجلي قد حان بالفعل!!
- ألا توجد طريقة نخرج بها؟!!
- أتمنى لو كانت هناك!
أراح يوكي رأسه على ركبتيه كما كان وضعه، أما أنا فقد أخذت أمشي هنا وهناك أتفحص الجدران باحثًا عن أي أمل، بفضل الصمت الذي استحوذ على المكان تمكنت من سماع صوت شهقات بكاء مكتومة جعلتني ألتفت إلى يوكي وأقوله له بيأس:"يوكي! بالله عليك حاول التماسك والتوقف عن البكاء!"
"هاه؟"
رفع يوكي رأسه لأجد وجهه اليائس يحدق بي باستغراب:
- ألم تكن تبكي؟
- عن ماذا تتحدث؟
- لقد سمعت صوت شهقاتك
- هاه؟ أنا لم –
بدا وكأن صوت الشهقات تحول إلى بكاء خافت لذا وقف يوكي في حالة استنكار وسأل:
- من أين يأتي هذا الصوت يا ترى؟!
- كأنه .. صوت طفل!
- أيعقل أن يكون –
أومأت برأسي موافقًا لما يدور داخل عقل يوكي، ثم أخذنا ندور في أرجاء الغرفة نحاول الإنصات لمعرفة اتجاه مصدر الصوت، وبالفعل وقف يوكي طويلًا أمام الجدار الأيسر من ناحية الباب ووضع أذنه اليمنى عليه لأدرك أنه نجح في المهمة، بقبضة هادئة ضرب الجدار محاولًا تنبيه من كان يقطن خلفه وسأل بصوت خافت خوفًا من أن يسمعنا أحد "آتسو .. آتسو .. أنت هناك؟"
استمر صوت البكاء فما كان من هذا الأخر إلى وأن أعاد المحاولة عدة مرات مكررًا اسم أخيه حتى عاد صوت البكاء وتحول إلى شهقات تخللتها أنفاس مكتومة، بصعوبة رد الفتى عليه: "أ – أخي ..؟!" لتتهلل أسارير يوكي ويجيب على الفور:
- أجل، هذا أنـا! هل أنت بخير؟!
- المكان مظلم هنـا!
- أعلم .. هل أنت بخير؟ هل أصابك شيء؟!
- أنا - أنا خائف! أخي، تعال!!
قالها ثم أجهش بالبكاء مجددًا، ولكن يوكي بقي محافظًا على ابتسامته، لقد زال عنه كابوس موت آتسو والآن لم يبقَ إلا كابوس بقائنا هنـا
- لا تخف يا حبيبي! اسمع، هل دخل عليك أحد أو ما شابه؟
- لا .. استيقظت وأنا وحدي
- وهل .. يمكنك الوقوف والجلوس؟
- هاه ..؟!
- قف لثانية ثم اجلس
- ح – حسنًا
- تمكنت من فعلها؟! أيؤلمك شيء؟
- لا .. لا شيء يؤلمني ..
ارتخت ركبتا يوكي ليجلس بارتياح بعد أن تلاشت كل قواه ثم تنهد بعمق "الحمد لله، يبدو أنه بخير!"
- غريب .. ألم يقل ذلك الرجل أنه ..؟
- بلى، مؤكد أنه قد طرأ أمر ما عليهم، لم نسمع أي صوت لهم!
- محق! أتساءل ماذا جرى؟!!
- آخخ .. عسى أن يكون خيرًا لنا لا لهم!
قاطع محادثتنا الصغيرة صوت آتسو الخافت:
- أ – أخي ..؟!
- همم .. ماذا هناك؟
- ألا يمكنك المجيء إلي؟!
- مع الأسف لا .. ولكني سأفعل! أعدك ..
- ح – حسنًا ..
- أنت لم تعد خائفًا صحيح؟
- أجل ..
- تريدني أن أخبرك بقصة؟!
- نعم أريد!