"كذبة تجر كذبة .. ومصيبة تجر مصيبة!"
نظرت بصدمة إلى ذلك المجنون الذي قد وقف على حافة النافذة بالفعل صحت بفزع "هل فقدت علقك؟! لن أقفز أبداً" ليجيب علي بوتيرة صوت باردة مزجت ببعض العجلة:
"اسمع.. حاولت ردعك عن دخول المنزل من الأساس ولكنك لم تستمع لي.. لقد دخلت إلى هنا بسببي لذا شعرت نوعاً ما أنها غلطتي.. الآن وبعد أن بذلت كل ما بوسعي في محاولة إخراجك لم أعد أشعر بالذنب.. المبنى بأكمله سينهار في أي لحظة، ولم يعلم أحد بوجودنا فيه على ما يبدو.. المعذرة .. لا أريد الموت هنا، نسبة نجاتي من القفز كبيرة فنحن لسنا في طابق مرتفع بعد كل شيء، حتى وإن مت.. أفضل ألا تكون جثتي محترقة عندما يتسلمها والدي .. لا تقلق، سأزور قبرك كل يوم، إن نجوت طبعاً.. سلام!"
لم يكد ينهي سلامه حتى قابلني بظهره وسلم جسده للرياح في عجل.. وماهي إلا لحظات حتى تعالت أصوات الصراخ الناس في الأسفل.. أغمضت عيني في خوف.. أنزلت تلك المرأة على الأرضية الساخنة وتقدمت بهدوء إلى النافذة..
لم أتمكن من رؤيته فكثير من الناس تحلقوا حوله على الفور، أخذت نفساً عميقاً ثم صرخت أنا الآخر منبهاً الجميع بتواجدنا "أسرعوا قد ينهار المبنى في أي لحظة..!!" .. تدارك رجال الاطفاء تواجدنا في الطابق العلوي على الفور وما هي إلا لحظات حتى بدأ المنزل بالاهتزاز معلناً ببساطة قرب موعد انهياره!
"أظن أني سألحقه أيـضاً!" عدت أدراجي إلى تلك المرأة .. رفعتها بهدوء عن الأرض واقتربت من النافذة، صرخت بالجميع مرة أخرى ثم أدليتها مع يديها وأفلتها ببرود .. "إنه دوري الآن" كان هذا ما همست به لنفسي بعد رؤيتي لكل تلك الجموع في الأسفل، نوعاً ما أظن أنني قد تجردت من مشاعري الآن .. أدليت نفسي من النافذة أنا الآخر ثم سلمت نفسي للرياح كما فعل رفيقي وماهي إلا لحظات حتى شعرت بذلك الألم الذي اعترى جسدي في غمضة عين فسلمت نفسي لذلك الظلام الدامس لتختفي أصوات كل من حولي بهدوء!
لم يمضِ وقت طويل حتى فتحت عيناي مجدداً .. استقبلتني رائحة المعقمات المزعجة تلك لأستنتج على الفور أنني نقلت إلى المشفى .. بعبارة أخرى .. ما أزال على قيد الحياة!
تنهدت بعمق وجلت بناظري في أنحاء الغرفة، حاولت رفع نفسي بهدوء لأشعر بألم فظيع في ظهري فتخليت عن فكرة الاستيقاظ وعدت إلى النوم .. استيقظت بعدها على أصوات مزعجة أصبحت لدي قدرة خارقة على تمييزها من مسافات بعيدة، قلت بتذمر بعد فتحت عيناي بانزعاج مقاوماً ألم حلقي "أوي، ياشباب.." لم أنهِ جملتي تلك حتى تجمع الجميع حولي بسرعة مع نظرات قلق اعتلت وجوههم جمـيعاً، سأل آلن بغباء وكأن تعبيراته قد خانته:
- ر-روي أنت على قيد الحياة؟!
- أجل.. لحسن الحظ ..
خيم صمت فظيع عليهم قبل أن يقطعه أيامي سائلاً بهدوء " كيف تشعر؟" لأجيبه بصوت أجش " بخير على ما أعتقد.." ازداد ألم حلقي أكثر.. بدأت بالسعال المتواصل ليتدارك كارل الأمر ويخرج بسرعة ثم يعود حاملاً معه علبة ماء صغيرة، ساعدني أيامي على الجلوس بهدوء وشرب ذلك الماء كما قام بالتعديل من وضعية تلك الوسائد الموجودة خلفي.. لقد أنقذني الماء بالفعل، شعرت أن حلقي قد عاد لسابق عهده، شكرته أيامي بلطف ثم سألته:
- لسبب ما أشعر أنني لست في كامل وعيي ..
- هذا طبيعي فقد خرجت من غرفة العمليات قبل ثمان ساعات فقط ..
- غـ-غرفة العمليات!!
- ليس بالشيء الكبير، لقد كسرت يدك اليمنى وأصبت في رأسك فقط ..
- كل هذا وتقول "فـــــقــــط!!"
- أجل، مقارنة مع أم ذلك الصبي التي رميتها فهي ما تزال في العناية المركزة حتى الآن!
- وماذا عنه؟
- عنــه؟ أتقصد يوكي؟!
- ومن غيره.. المتسبب في كل مصائب هذا العالم!
نظروا جميعاً إلى بعضهم بهدوء قبل أن يجيب سايمون بحزن:
- تخيل، رمى نفسه بطريقة جنونية ولم يصبه أي شيء!! ولا حتى ارتجاج في الدماغ أو كسور في العظام!! وأنت يامن كنت تتصرف بحذر قد دخلت غرفة العمليات.. كسرت يدك وأحرقت ظهرك وأصبت في رأسك إضافة إلى كل تلك الرضوض المنتشرة في أنحاء جسدك!!
- حقاً، لم يصبه شيء، ولا حتى جروح عميقة أو ماشابهه؟!!
- صدق أو لا تصدق، مجرد خدوش طفيفة للغاية، وفوق ذلك أدخل نفسه إلى المشفى مدعياً الإصابة، لا بل وأخذ غرفة في جناح رجال الأعمال مع إجازة مرضية من المشفى طوال الأسبوع القادم.. ومنع زيارتنا عنه منعاً باتـاً ~!
- يا حبيبي! وهو المتسبب بكل هذه المصائب!!
- يكفي يا شباب، لا تتحدثوا عنه بالسوء هكذا .. المهم أنكما بخير .. لا تعلمان كم قلقنا عليكما ..
- آسف يا ... لحظة .. ماذا كان اسمكِ؟!
- كوباتشي أكيمي ..
- أجل .. أجل .. تذكرت الآن .. المعذرة يا شباب، بدأت أشعر ببعض الدوار..
رد علي كارل وهو ينظر إلى ساعة يده:
- ربما من تأثير المسكنات، لقد انتهى وقت الزيارة على كل حال.. سنغادر جميعاً الآن وسيبقى أيامي هنا لمرافقتك ..
- مرافق؟ لا حاجة لأن تتعبوا أنفسكم بذلك!
- ههههه ما الذي تقوله .. حسنا، سنأتي لزيارتك غداً ..
- آسف على إقلاقكم يا شباب، تصبحون على خير ..
- وأنت من أهل الخير روي ..
خرج الجميع من غرفتي وبقي أيامي فقط .. أراهن أن سبب بقاءه هنا أنه الأكثر هدوءً بينهم جميعاً، سحب كرسياً قد وجده بالقرب من باب الغرفة وقربه نحو سريري، جلس عليه بهدوء وقال "الأفضل أن تخلد للنوم الآن" تبعت نصيحته وأمغصت عيناي لأسقط نائماً على الفور.
استيقظت للمرة الثالثة في هذا اليوم، وما يزال الدوار يلعب في رأسي، التفت إلى جانبي الأيمن لأرى أيامي على نفس وضعيته السابقة يتصفح هاتفه بهدوء حتى انتبه لي:
- أتشعر بتحسن الآن؟!
- نوعاً مــا ..
- .............
- .............
- أتحتاج شيئاً ما؟!
- كلا، أود سؤالك فقط
- ماذا تريد أن تعرف؟
- الذي حدث بالضبط بعد أن قفزنا
- همم .. حسناً، سأختصر الأمر لك .. لقد انهار المنزل مباشرة بعد قفزكم، بالنسبة ليوكي، عندما قفز سقط على كتفه، لذا لم يصب بأي إصابات بالغة، بعكسك أنت وتلك المرأة التي رميتها فقد تم نقلكم جميعاً بالإسعاف مباشرة إلى المشفى، بدأت الشرطة تحقيقها مع جميع المتواجدين ثم ذهبنا بعدها إلى المشفى لنتفقدكم ..
- ألم تتحدث الشرطة عن كون المصابين من عائلة يوكي أو ماشابه؟
- بلى، لقد حققوا مطولاً مع آلن عندما قال لهم أنه يعرف عائلة يوكي.. عموماً ستأتي الشرطة غداً للتحقيق معكما بدون أدنى شك ..
- آخ .. يومي طويل إذاً ..
- أتعلم أي شيء عما حدث ..
- سأكذب إن قلت لا أعلم، وسأكذب إن قلت أني لا أعلم!
- إذاً لتلتزم الصمت فحسب!
استغرقت بضع ثوان لأحلل صوت ذلك الواقف أمام باب الغرفة، دخل ذلك بهدوء وأغلق الباب خلفه .. بدا منظره غريباً للغاية، خاصة بشعره القصير ذاك، حاولت جاهداً كتم ضحكتي كما هو حال أيامي الذي أعطانا ظهره بسرعة!
- يـ .. يوكي، ما الذي حدث لشعرك؟ بففففت ~
- واصل سخريتك وسأرسلك إلى قسم قريب من هنا يدعى بالعناية المركزة!
- هههههههههههههههههه، الشعر القصير لا يلائمك أبداً، لمَ فعلت ذلك ..؟! تبدو كما لو كنت جندياً في العسكرية!
- لقد احترق لذا اصمت .. لست في مزاج جيد لتحملك!
توقفت عن الضحك بعد رؤية ملامح يوكي الجادة تلك، لابد أن هنالك أمراً مهماً يود قوله وإلا لما أتعب نفسه بالمجيء إلى هنا، تبادل يوكي نظرات حادة مع أيامي الذي وقف بصمت وخرج من الغرفة ليتنهد الآخر بعمق قبل أن يقول بوضوح:
- ستأتي الشرطة للتحقيق معنا في الصباح، أياً كان ما سيسألونه، قل أنك لا تعلم وأنا من سيتحدث!
- توقعت أنك ستقول شيئاً كهذا .. لم أكن لأخبرهم شيئاً على كل حال ..
- شكراً لك ..
- بالمقابل، ستخبرني قصتك بالتفصيل الممل ..
- هاه، أي قصة .. ولمَ سأفعل ذلك؟!
- تعرف ما أقصده، إنه ثمن أتعابي يا هذا.. لا تنتظر مني تحمل تصرفاتك الغريبة دون معرفة شيء عنك حتى!!
- سنتفاهم بخصوص هذا فيما بعد.. المهم أن تساعدني غداً..!!
- سأفعل إن وعدت بإخباري ~
- همففف .. حسناً أعدك! لكن إن لم تساعدني فسترى ما سأفعله بك!
- أهذا ما جئت لقوله فقط ..
- أجل ..
- ألن تسأل عن صحتي أو ما شابه؟
- مادام لسانك المزعج بخير فأنت بخير.. تصبح على خير ..
- =="
عاد أيامي بعد خروج يوكي من الغرفة، لم نتحدث كثيراً، فقد غططت في نوم عميق محاولاً التأهب ليومي الطويل غداً، سألتزم الصمت وسنرى ما الذي سيفعله عبقرينـا..