(27) فتحتُ عيني على سقف غرفة المستشفى مجددا. يا لله! ألن ننتهي من هذه المستشفى؟ لماذا نمتُ أصلا؟ هذا صحيح، لقد شعرت فجأة بثقل شديد في رأسي وجفني وعندما حاولت مقاومته سقطتُ في الظلام. لقد كان السرير مستقيما لهذا لم أتمكن من الجلوس، لكنني نظرتُ بصعوبة إلى ذلك الرأس الذي يُجاور وسطي، لقد كانت رقية نائمة بجانبي وتضع رأسها على السرير. مددتُ يدي لأمسح على رأسها بحنان حزين، لا بد أنها استهلكت طاقتها وأنا في هذه الحال، كم هذا مُخزٍ، كنت أظن أنني سأُريحكِ يا رقية من الألم والهمّ، لكنني للأسف جعلتُك تذوقين الألم أضعافًا! بحثت عن عبير بعينيّ لأجدها نائمة فوق الأريكة أيضًا لكنني لا أستطيع رؤيتها بوضوح بسبب المسند. بينما الدكتور بكر كان غير موجود. كم الساعة الآن؟ تلفتُّ حوْلي بحثا عن أي مصدر لمعرفة الوقت، فوجئت بأشعة الشمس الباهتة التي تقترب من الغروب، يا للفاجعة، هل أوشكت صلاة المغرب، أنا لم أصلّ العصر ولا الظهر. يجب عليّ القيام، يا رب أعنّي. أخذت نفسًا عميقا وأنا أبذل كل ما لدي من طاقة، لمحاولة الجلوس فقط! بعد جهدٍ مضنٍ لمدة خمس دقائق، رحتُ ألهث وأنا أبتسم بنصر، لقد جلست ولله الحمد. مددتُ يدي لأسحب الغطاء الذي عليّ وأغطّي به أختي، شعرتُ برعشة برد لكنني لم أُبال وأنا أبتسم بحب لعينيْها المغمضتين. صلّيتُ ما فاتني وأنا جالس، ثم التفت حولي بحثا عمّا سأفعله الآن، فوجئت بورقة بيضاء تبدو كرسالة فوق الخزانة التي بجانبي. فتحتها باهتمام وأنا أقرأ ما كُتب فيها: "إذا قرأت رسالتي يا بلال فهذا معناها أنك استيقظت، وأنني غالبًا غير موجود. أتمنى أنك بخير، لا أعلم بالتحديد الوقت الذي استيقظت فيه، لكن إذا احتجت أي مساعدة فهناك هاتف صغير بجانبك تستطيع من خلاله طلب الممرضة أو الطبيب، وهناك فطائر وعصائر معلّبة بجانبك على الخزانة، لا تأكل من الأكل الذي يُقدّم لك، متأسف كثيرا يا بنيّ على رحيلي المفاجئ، هناك مريض اتصل بي يحتاجني، اعتنِ بنفسك. أحبّك كثيرا." لقد كانت من الدكتور بكر، ابتسمتُ رغمًا عنّي وأنا أُعيد الرسالة وأتأمل ما وضع من أشياء على الخزانة، ظللتُ مدة قصيرة، أحاول تذكر السور التي حفظت منها، لأكررّها، فقد بقي لي كثير من الوقت لم أقرأ فيه وِرْدي، لم يلبث أذان المغرب أن أذن كما توقعت، ما أقصر النهار في الشتاء! ولقد نمتُه كلّه لسوء الحظ. على أذان المغرب استيقظت رقية وهي تفرك عينيها، ابتسمتْ لي بنعاس وهي تقول: إذن لقد استيقظت! قلتُ لها بعتاب لطيف: رقية، لمَ نمتِ على هذا الكرسي القاسي؟ لا شك أن ظهركِ يؤلمك الآن! انتبهتْ هي أن الغطاء من فوقي مُختفٍ، فنظرتْ بدهشة إلى الغطاء الذي انزلق من فوق ظهرها ليسقط أرضا، فقالت بلوم: ماذا فعلتَ؟ هل تريد أن تمرض؟ قلتُ أنا بهدوء أخفى انفعالي: بل أنت من تريدين ذلك، رقيّة، أرجوك، لا أريدك أن تُهملي في نفسك، لا أريد أن أشعر أنني عديم المروءة وأنا أشاهد أختي تضحّي بنفسها لأجل شخص تافه مثلي! توقفتْ عن نظرات اللوم التي تملأ عينيها ونظرتْ بتأثر شديد، ثم ابتسمتْ بحزن وهي تعيد الغطاء عليّ رغم اعتراضي، ثم قامت لتُخرج غطاء آخر من الدولاب ففهمتُ غرضها، لفّت نفسها بالغطاء مبتسمة وهي تقول بلهجة منزعجة: أولا: لا تقل عن نفسك شخص تافه، ثانيًا من قال إني أضحي بنفسي؟ لم أكن أعلم أنني سأنام، لقد نمتُ دون أن أشعر وأن أجلس بجانبك. ثم مطّت شفتيها وهي تُطرق أرضًا بصمت، بدا وكأنني ضايقتها بحديثي، لم أعلم كيف أرضيها، حاولت أن أشغلها قائلا باهتمام: رقية هل أنت جائعة؟ هزت رأسها نفيا في شرود، ثم قالت وهي ترفع رأسها بهدوء: لم تسأل هذا السؤال؟ قلتُ ضاحكًا: لأن الإنسان الجائع يكتئب بسرعة! نظرتْ إلي بغيظ وهي تمنع شفتيها من الابتسام استجابة لمزحتي، ثم قالت بتحد: لستُ جائعة، ولا عطشى، اطمئن! قلتُ لها بصدق: رقيّة، إذا احتجتِ شيئًا أرجوك لا تتردي في طلبه، خصوصا منّي. نظرتْ إليّ بتردد فقلتُ أحثُّها على الطلب: أرجوكِ اطلبي ما تريدين. ثم ابتسمتُ مشجعًّا فأشاحت بوجهها مُحرجة وهي تقول: بصراحة أنا أحتاج.. دُهشت من حُمرة خدّيها وهي تتوقف عن جملتها، قلتُ باهتمام: تحتاجين ماذا؟ قالتْ باضطراب: أنا أحتاج.. بدا عليّ الانتباه الشديد والتركيز، ولكنني أصبتُ بخيبة أمل وبضحكة كبيرة احتشرت داخل فمي حين قالت: أحتاج كأس شاي أسود! ثم ابتسمت بإحراج هاتفة: هذا طلبي الوحيد. لم أمنع نفسي من الضحك وأنا أقول لها متعجبًّا: هذا طلب غريب حقا.. لكن لا تقلقي سألّبيه لكِ يا عزيزتي. قالتْ وإحراجها يزول شيئا فشيئا: في الحقيقة منذ يومين لم أشرب شاي وهذا كثيرٌ عليّ، إذْ أنني كنتُ مدمنة شاي، فلم يكن هناك طعام غيرُه عندي. تحولت ضحكاتي إلى ألم غصة في حلقي، ونظرتُ بشفقة حزينة أزلتُها بسرعة حين نظرتْ إلى مبتسمة بحماسة: أريده بالنعناع من فضلك! ابتسمتُ وأنا أهزّ برأسي موافقًا، وأنا أشير لها بيدي كي تقترب، فاقتربتْ مُتطلعة لتُفاجئ عندما قبّلتُها على جبينها قائلًا بابتسامة واسعة: أمرُك...! لم أدقق كثيرا في ملامحها المتفاجئة وهي تقول بدهشة: بلال! ففي الحقيقة تقبيل الجبين كان منظرًا متكررًّا في منزل الدكتور بكر، كان يقبّل ابنته وأخته وأمه على جبينهنّ، حتى أصبحتُ أشعر بأنه أمر اعتيادي جدا، بل إنه كان يقبّلني أنا أيضًا! لذلك لم أشعر بالغرابة حين فعلتُ ذلك، بل إنه نوع من تعويض الحنان الذي لم تذق أختي طعمه يومًا من أبويّ! تناولتُ الهاتف وأنا أضغط عليه، لا أعلم حقيقة كيف أستخدمه، لكنني ضغطتُ على الزر الوحيد الموجود فيه، فأضاء لي نور أحمر، ودخل على الفور شاب يرتدي زيًّا أمنيًّا مهندمًا، قال بتهذيب: نعم سيد بلال، ماذا تحتاج؟ قلتُ بتردد: شاي أحمر بالنعناع. واختفى من الغرفة على الفور، التفتً إلى رقية المسرورة متسائلا: هذا غريب! كنت أظنّه سيسألني عن سبب إرادتي له، فعلى علمي أنهم سيمنعون عني الشاي، لكنه لم ينطق. توترت رقية وهي تتلفت حوْلها، سألتُها مستغربًا وهي تحدّق في السقف وترفع رأسها بخوف: ما الأمر يا رقية؟ تنهدتْ بحرارة وهي تعود إلى جلستها الطبيعية: لا شيء، ظننتُ لوهلة أننا مراقبون. ولكنني كنت مخطئة. حدّقت في السقف بحدة لأرى أي علامة تدل على ذلك، لكنني لم أجد أي شيء فعدتُ أقول لها بهدوء: نعم، لا يوجد شيء. بينما عقلي يفكر بجنون عن كيفية ترابط هذه الأحداث الغريبة ببعضها البعض. _ استيقظتْ عبير ببطء وهي تفتح عينيها بدون تركيز، ظهرها يؤلمها من النوم الخاطئ على هذه الأريكة، تشعر أنها متعبة لأنها نامت بعد العصر حتى اقتراب المغرب، حاولت القيام جالسة ولكنها أجفلتْ وهي تنظر إلى بلال الذي يسحب غطاءه ليغطّي رقية وهو يمسح على رأسها برقة، كانت عينيه مليئة بمعانٍ لم تعتد أن تراها فيها. ظلّت في مكانها تمثّل النوم، لأنهّ لا خيار آخر بالنسبة لها، فبالتأكيد لن تستيقظ وبلال لوحده جالس ورقية نائمة. سمعتْ قراءته لورده بصوت خافت وهي تحاول قراءة الأذكار أيضا حتى تستيقظ رقية، شعرتْ بالأسى كثيرا عندما سمعتْ رقية تتحدث عن كونها لا تجد طعامًا غير الشاي، ثم شعرتْ بالإحراج وهي تغمض عينيها عندما قبّل بلال أخته. إنها لأول مرة في حياتها ترى هذا الجانب الرقيق من بلال مع أخته، لقد أصبح حنونًا بشكل غير مصدّق منذ لقيها. صحيح أنه كان لطيفًا هادئ اللهجة معها ومع بكر في مرّات كثيرة، لكن جانبه الأخويّ الحاني مختلف تمامًا، وبمجرد معرفة أحدٌ ما جانبه العنيد وشدة اهتياجه حين يلمّح له أحدهم بإشفاقه عليه، فإنه لن يتصور مطلقا وجود الجانب الأول لديه. شعرتْ بالتوتر حين سمعت صوت بلال يقول: ألن توقظي عبير؟ فانتظرت حتى هزّتها رقية برفق وقامت على الفور تدّعي النعاس والكسل، ابتسم بلال قائلا: مساء الخير يا عبير، آسف على تعذيبي لكما بالنوم بهذه الطريقة المزعجة للظهر. قالت وهي تتهرب بوجهها: لا.. عليك.. لقد كانت نومة مُريحة! _ بعد عودة الدكتور بكر إلى المستشفى، قُبيل العشاء، سألته عما إذا كان قد قابل رئيس المستشفى فأجابني بالنفي، وعللّ ذلك أنه كان مشغولًا، ولكنه وعدني أن يقوم بتكرار الزيارة في الغد. انتبهتُ إلى دخول وجبة العشاء، وتذكرتُ وصية بكر بعدم تناولها، فاستفسرتُ منه عن السبب، فاجأني بهدوء: ألم تنم فجأة بعد تناولك وجبة الإفطار؟ أجبتُ: بلى، فقال بجدّية: لقد كانت تحتوي على منوّم. اتسعتْ عيناي بدهشة وأنا أقول بغضب: هذه المستشفى لا تريد لي خيرًا بالتأكيد! تنهد بكر مغمغما: حسنًا على كل حال نحن لن نتناول وجباتهم ثانية، ريثما تستطيع الحركة وتقدر على المشي، ونغادر فورًا منها. هممتُ بالاعتراض والثورة لكنني توقفت حين رأيت نظرات عبير ورقيّة، إن كل ما أفعله يؤثر عليهما بدرجة كبيرة. ضغطتُ على أسناني غيظًا وأنا أقول: موافق. ابتسم بكر براحة بعد رؤيته لردة فعلي الهادئة، تناولتُ ما أحضره من طعام في حين أنه أمسك الصينية ووضعها على حجره وهو يجلس على الأريكة، قال: بسم الله. نظرت له بذهول وأنا أهتف: ماذا تفعل دكتور بكر؟ ظهر على وجهه الضحك وهو يُمسك كوب العصير قائلا: سأجرّب حظي. قلتُ بدون وعي: أرجوك لا تفعل، سوف تقع نائمًا لثمان ساعات! ابتسم لي مهوّنا وهو يشرب العصير جُرعة واحدة، لم أزد على أن نظرتُ إليه بانفعال، وعبير ورقية كذلك فعلتا، الجميع ينظر له بانتباه شديد، وهو ينظر إلينا بانتباه أيضا! كان المنظر داعيًا للضحك، لكننا لم نكن نضحك.. فقط بكر هو الذي ضحك ضحكة قصيرة قائلا: من يرى وجوهكم يظنّ أنني تناولتُ سمًّا! هدأتْ ملامحنا قليلا وأنا أقول له بضيق: لماذا فعلت هذا يا دكتور بكر؟ قال: لكي أتأكد من وجوده على المنوّم! قالت عبير باحتجاج: لكنّك تأكدت بالفعل حين نام بلال في الصباح. قال بكر متنهدًّا: هناك شيء ما أريد اكتشافه. سألتُه باهتمام: ما هو؟ ابتسم بغموض دون أن يردّ، هممتُ بسؤاله مرة ثانية في غيظ لكن الباب فُتح وظهر الطبيب الخاص بي وهو يسأل بنفس نبرة اليوم: كيف حال مريضنا العزيز؟ غمغمتُ بتهكم: مريضكم العزيز يريد الهرب من أبين أيديكم العزيزة! ألقى ضحكة عالية مستفزة وهو يقول: كل المرضى يريدون الخروج من المستشفى بأسرع وقت. ثم قال وهو يقترب من وجهي بطريقة أفزعتني: الليلة سنجري أول تدريب بسيط لتحريك قدميك. عقدتُ حاجبيّ وأنا أنظر بصبر شديد إلى يديه تحمل الغطاء وتُبعده عن قدمي، أحسستُ برعشة البرد مجددًّا! مدّ يده إليّ وهو يبتسم قائلا: هيا قف، سأساعدك. التفتُ بوجهي إلى الدكتور بكر الذي يُراقب الموقف، ونظرتُ له نظرة راجية ذات معنى. ثم التفت بثقة إلى ذلك الطبيب الذي يمدّ يده وينظر لي بدهشة على تأخري في الاستجابة، كدت أن أهتف: لم أكن لأقبل مساعدتك. لكن بكر سبقني وهو يقول بسرعة: آ.. أعتقد أنني سأساعده يا دكتور لترتاح أنت، فبلال عنيد نوعًا ما مع الغرباء. ثم ابتسم مجاملة لهذا الطبيب الذي أعاد يده إلى جانبه قائلا بتفهم: لا بأس. ساعده رجاء يا دكتور بكر. حصل نفس ما حصل في المرّة الأولى لكن كنت هذه المرة قادرًا على تثبيت نفسي في الأرض، قال الطبيب بهدوء: هل وقفت بشكل جيد؟ قلتُ ببرود: نعم. فقال ملتفتا للدكتور بكر بحسم: اتركه! سأل بكر بدهشة خفيفة: أتركه؟ أكّد الطبيب كلامه قائلًا بثقة: نعم، اترك بلال ليقف وحده. نظر الدكتور بكر إليّ نظرة قلقة، فابتسمتُ إليه قائلًا بقوة: سأقف وحدي رغمًا عن هذا الطبيب! ابتسم بكر ضاحكًا وهو يترك يديّ برفق، وبفضل الله ظللتُ واقفا. آه كم شعرتُ بالنصر وأنا أرى ذلك الطبيب يُدهش من ثباتي. رغم أنني فوجئت من ثقل جسمي، لكنني تحاملتُ لئلا يهزأ بي هذا الطبيب الوغد. انتقل إلى الخطوة التالية وهو يقول كاشفًا عن ابتسامة صفراء: الآن، جرّب المشي حتى تصل إلى منتصف الغرفة بالضبط! يا إلهي، إنه يزيد من قوة تحدّيه، نعم، أنا أعتبر العلاقة بيني وبين هذا الطبيب علاقة تحدّي، لا تستغربوا ذلك -__- ! بدأتُ المشي أولى خطواتي وأنا أتذكر خطواتي الأولى في سن الطفولة، ابتسمتُ بسخرية بيني وبين نفسي، مشيت أول خطوة، ببطء، ثاني خطوة، بصعوبة، ثالث خطوة، كان تنفسي يزداد سرعة وشدّة، لاحظتُ خفقان قلبي السريع! لن أستسلم، هذا الرجل المستفز الواقف أمامي، سأنتصر عليه، لن أدعه يهزمني. بالفعل وصلتُ إلى منتصف الغرفة بعد جهد كبير شعرتُ به أن جسدي يحترق، هل هذا العلاج الطبيعي الذي يدّعونه؟ إنه علاج تعذيبيّ! صفق ذلك الطبيب بيديه قائلا يهنئني: هذا رائع يا بلال، أنت بالفعل قويّ الإرادة، الآن عليك أخذ قسط من الراحة لتُكمل بعد ربع ساعة وتعود إلى سريرك! قلتُ بعناد أدهشني أنا شخصيًا: بل سأذهب إلى نهاية الغرفة، إلى الباب! رفع حاجبيه بدهشة سرعان ما أنزلهما وهو يبتسم ببرود قائلا: لا حاجة لأن ترهق نفسك و.. قاطعتهُ بحدة: أنا أريد المشي بسرعة لأخرج من عندكم، ولو استطعتُ لفعلتُ ذلك اليوم قبل غد! هدأتْ ملامحه وهو ينظر إلي بعينين مُبهمتين، ثمّ هزّ كتفيه قائلا بقلة حيلة: لا خيار آخر، إذن حاول فعل ذلك أيها البطل! لقد كانت في جملته ملامح السخرية واضحة، وهذا ما زادني قوة وإصرارًا لتحقيق ما عزمتُ عليه، رغم نظرات الجميع القلقة وهي تراقب هذا الجوّ المشحون بالتوتر. بدا وكأنني ألفظ أنفاسي الأخيرة حين وصلت إلى باب الغرفة الذي يقف الطبيب بجانبه، قلتُ بأنفاس متقطعة مبتسمًا بانتصار: لقد فعلتها! ابتسم ابتسامة لزجة وقرّب وجهه إليّ: هذا مذهل! لقد انتصرت، لكنّك الآن لسوء الحظ.. ثم أكمل بأسف: سوف تهوي أرضًا دون حراك! أتبع ذلك بالفعل سقوط جسدي حتى استليقتُ أرضًا وأنا أنظر بذهول إلى السقف، السقف؟ مرة أخرى؟ سمعتُ صوته الجدّي وهو يقول: لقد وصلت لأقصى حدّ طاقة يقدر عليه جسدك. ابتسمتُ بسخرية وأنا أغمض عيني: هذا صحيح، جسدي.. لم يعد قادرًا على الحراك. |