مرحبا أعزائي القرّاء >هما فين أصلا؟ XD سوف يأتون لاحقا أنا واثقة هههههه عموما هاقد اقتربنا من نهاية الرواية وأعتذر للمرة الثانية على تأجيل الجزأين ليوم الأحد لكن بالفعل كانت ظروف صعبة لم أستطع بسببها وضع الجزء _ (24) "تريدُ أخذ أجرة يومية؟" قلت بتأكيد: أجل، كما أنني أريد غرفة صغيرة للسكن، أختي معي. قال الرجل باهتمام وهو يسحب ورقة فارغة من فوق مكتبه وينظر نظرة عابرة إلى أختي: هكذا إذن، لك ما تريد. أجرتك اليومية ستكون خمسون جنيها، الغرفة التي ستُعطى لك مقابل إيجار خمسة جنيهات في اليوم الواحد، رجاء اذهب لاستلام ذلك ثم تعال إلى هنا حتى أشرح لك طبيعة العمل. جلستُ في الغرفة الصغيرة، كان الغبار يغطي كل شيء، والعناكب تغلّف السقف بشكل مقزز. صلّيت الظهر وسجدتُ على معطفي، بعد أن نظفت جزءًا صغيرا لتجلس أختي فيه، ذهبت إلى مدير المصنع. بدأت العمل من أول اليوم، كان التعامل مع الآلات سهلًا، بالنسبة لي على الأقل، أما بالنسبة لغيري، فقد لاحظت أن معظمهم مسنّون...! بما أن أجرة اليوم الواحد ستكون خمسون جنيها فعلى الأقل ينبغي لي أن أعمل أسبوعًا، سوف أعطي مبلغا أيضا لتلك الجارة قبل أن نغادر القرية! في اليوم الخامس، كنتُ أمسح جبيني وأنا ألهث، ثم التفتُّ لأتجه إلى آلة أخرى فانزلقتْ قدمي لأسقط فوق منشار كهربائي. وقف قلبي لثواني قبل أن أجد نفسي بين يدين قويتين تمسكان ذراعيّ! نظرتُ إليه بذهول وأنا لا أستطيع أخذ أنفاسي، قال بجدّية: انتبه أيها الفتى، هذا المصنع غير مؤمّن بما فيه الكفاية لسلامة العمّال، وهذا سبب قلّتهم هنا! كُن حذرًا.. ابتلعت ريقي باضطراب وأنا أقف مغمغما بامتنان: أشكرك جدا.. أشكرك. ابتسم وهو يُربت على كتفي: لا بأس عليك.. فجأة، وقفت قلوبنا جميعا ونحن نسمع صرخة عالية رجّت أنحاء المصنع كلّه، انطلق أحدهم لاستطلاع الأمر بينما أنا كنتُ أشاهد من مكاني، إضافة إلى ذلك الرجل الذي أنقذني. كان مشهدًا مُريعًا، رجلٌ علقتْ يده في إحدى آلات النشر، ظلّت يده تُنشر وهو يصرخ دون أن يتمكن من فكاكها، يا للهوْل! لقد كنتُ أرتجف وعلى وشك الموت. حتى أوقف أحدهم الآلة بعد أن التهمت نصف ذراعه، وذهبوا به ليسعفوه.. انتبهتُ إلى ذلك الرجلُ يُمسك يدّي قائلا بقلق: ما بك؟ استوعبتُ أنني جثيتُ على ركبتي بانهيار ولم أعد قادرًا على الوقوف، لم أردّ عليه لأنني كنت أرتعش بطريقة منعتني من تحريك فمي كما ينبغي! ساندني الرجلُ هاتفا: تماسك أيها الفتى. ابتعدت عنه قائلا برعشة: أشكرك. أنا بخير. لكنني لم أكن بخير أبدًا! كنتُ أفيض عرقًا غزيرًا رغم برودة الجوّ ونحن نأكل خبزًا مع الجبن، عندما حاولت تغميض عيني ورأسي في حجر رقيّة قالت بقلق: بلال.. ما سبب كل هذا! قلت بتشنج: هل تعتقدين أنني.. أننا.. السبب.. في موت عدنان! قالت متفاجئة: ماذا تقول؟ أنت؟ بالطبع لا! إن السبب هما أبي وأمي.. أغمضتُ عيني وقلت بألم: لكننا لم ننقذه من الموت! قالت بإشفاق: ولكنك على كل حال لست السبب، لم يكن ليموت لو لم تُقطع يده! لكن ماذا تقول عن جبنهما.. آه سامحهما الله! تماسكتُ قليلا وأنا أقوم جالسا، تنهدت بحرارة وأنا أقول بحزن: معك حق، مهما يكن، إنني مطمئن إلى حد ما، أنه مات...! التفت لي رقية بدهشة فقلتُ بابتسامة باهتة: على الأقل ارتاح من هذه الدنيا، وعلى الأقل أيضا سوف نتقابل بإذن الله في الجنّة. نظرتْ إليّ بألم مفعم بأمل، فهززتُ رأسي قائلا بتأكيد: أجل.. هذا حقيقي. ابتسمت ابتسامة جميلة وهي تقول بحنين: أعتقد أنك تغيرت كثيرا يا بلال بعد هاتين السنتين، والأرجح أن الدكتور بكر الذي عشت معه هو السبب الأكبر في هذا. كنتُ قد حكيتُ لها عن الدكتور بكر وعن عبير، وعن عبد الله أيضا! بل إنني أقنعتها بالحجاب في خلال هذه الأيام القليلة. حقا، ما أسرع اقتناع الفتيات بكلام من يُحبِبْن. _ عندما أنهيت اليوم السابع في العمل لدى المصنع، كنت قد جمعت مبلغًا جيدًّا للرحيل. جهزنا حاجياتنا البسيطة، بعد صلاة العشاء، ثم اتجهنا بحذر إلى تلك الجارة لنردّ لها الدين. في البداية لم تقبله، وراحت تُقسم بالله أنها إن فعلت فستعتبر هذا الأمر عارًا عليها! لكن نظرتي الباردة لها مع لهجتي الجافة وأنا أقول: إذن أنتِ بالفعل تعتبريننا مساكين يجدر بك ألا تأخذي منهم أي مال؟ اضطربت مع نظرتي الحادة التي أوقفتها في الحال عندما تذكرتْ نصيحة الدكتور بكر وهو يضحك: بلال صدقني بنظرتك هذه فقط ستُخضع أي إنسان على وجه الأرض، لذا أرجوك لا تستخدمها إلا على أعدائك. برغم أن النظرة لم تتجاوز الثانيتين لكنني وجدتها تأخذ المال بصمت وهي تقول بأسف: أنا متأسفة، أتمنى أن تعذراني، وأن تتجها إلي عند طلب أي مساعدة. قالت رقية بلطف: أشكرك كثيرا يا سيدة مُنى، لكننا سنرحل عن القرية الآن! غبية يا رقية حقا! لمَ أخبرتْها؟! لم أكن أنوي إخبار مخلوق من هذه القرية القذرة عن رحيلنا، لكن لا بأس، يبدو أن علاقة أختي بها قوية.. فقد خاضت تجارب قاسية معها. ما أخافني هو ردة تلك الجارة المتفاجئة حين قالت بذهول: ماذا؟ سترحلان عن القرية؟! إلى أين ستذهبان؟ كادتْ رقيّة أن تنطق لولا أنني نظرت إليها نظرة ذات معنى، فاضطربت ملامحها قليلا وهي تقول بتوتر: لا.. أعلم، سنرى ظروفنا. اقتربت تلك الجارة بملامح الشفقة والخوف ثم قالت: هكذا إذن، تعالي أودعك. أعطيت ظهري لهما، كانت رقية بدأت بالدموع حين راحت تلك الجارة توصيها بنفسها، يا إلهي، ما زلتِ كما أنتِ يا رقية، رقيقة القلب بشكل مُضحك ومؤلم. - قلتُ لها بحزم: سوف ننتظر هنا في منزلك القديم هذا حتى تسكن القرية تماما، فمازال الناس يمشون في الشوارع، والأجدر بنا التخفي أثناء رحيلنا. ما زلتُ أسمع شهقاتها.. يا إلهي، التفتُّ إليها، همستُ: رقية.. أنتِ لا تبكين بشكل طبيعي! هذه ليست دموع رحيلك عن القرية بالتأكيد! اقتربتُ منها وضممتُها إلى صدري بحنان حتى تهدأ، كانت تقول بكلمات متقطعة ولاهثة بين دموعها: ليس من أجل.. سيدة منى.. أنا.. لا أصدق.. أننا، أصبحنا.. وحيدين.. أنا.. لا أعلم، أشعر أنني في حُلم! مسحت على شعرها برفق: حسنا هدّئي نفسك الآن، أنا حقا لم أفهم ماذا يُبكيك؟ أهي الجارة أم القرية أم كوننا وحيدين! ضحكت ضحكة قصيرة عليها، لكن عندما استمرت في بكائها كما هي، شعرتُ بألم كبير. لا شك أنها كانت تعوّض، رقية قاست أيامًا صعبة جدا، ربما لا تُقارن بقسوة أيامي! خصوصا أنها بنت. ولأنها أيضًا.. لم تُقابل شخصًا كـالدكتور بكر! رفعتْ رأسها أخيرًا وهي تمسح دموعها قائلة بابتسامة: أنا آسفة، لقد أقلقتُك، لكن.. نظرتُ إليها لتُكمل فقالت وابتسامتها تتسع: أنا مسرورة لأنني لم أنتحر قبل مجيئك! اتسعت عيناي على أشدّها، وهي تكمل ببساطة لا تناسب الموضوع: كنت أنوي الانتحار حقا، قبل مجيئك بيوم، لكن السيدة منى أوقفتني...! وعندما ودعتني قبل قليل، أوصتني بأن حياتي غالية جداً، قلتُ لها أن مادام أخي معي فلن أفعل شيئا مجنونا كهذا! لم أستطع النطق، ولم أستطع الإعراض، فماذا أقول وأنا كنت مثلها؟!! بل أسوأ! يا إلهي، الطف بي، أنا من يُوشك على قتل نفسه من شدة إحساسه بالذنب! _ عندما انتصف الليل، بدأت الحركة تختفي، تحركت أنا وأختي باتجاه مخرج القرية الذي خرجتُ منه قبل سنتين، حين هربت لأنتحر. كنت أعيد شريط ذكرياتي وأنا أسير بجانبها بحذر وهدوء، أختي كانت ترتدي الحجاب وأنا أغطي رأسي بواقي الرأس الخاص بالمعطف، كما أن القرية شديدة الظلمة الآن، لذا لا داعي للمبالغة في الحذر. "لقد تأخرتم" فوجئت بصوت غليظ من أمام بوابة القرية، عندما نظرت وجدتُ مجموعة كبيرة من الرجال يترأسهم أحد ما، هو الذي قال هذه الجملة. نظرت بذهول إليهم، كنت أعتقد أننا تخفّيْنا بما فيه الكفاية! كانت أختي في المقدمة، بينما قال ذلك الرجل بخبث: إذن ستهربين مني، رقيّة؟ صرخت بقوة وغضب وأنا أركض لأحميها بذارعيّ: إيـــــــــاك ولمسها! لهثتُ قليلا بينما أنا أحدق إليه بانفعال، سألته بحدّة: كيف عرفت أننا سنذهب أيها الوغد؟ رأيت ذلك الرجل ابتسم بسخرية رغم الظلام مغمغا: هه، الوحيدة في القرية التي تعرف ذلك هي.. شهقت أختي من خلفي وهي تهمس: سيدة منى! قلتُ أنا بغضب: لقد خانتنا وأخبرتهم! ظهرتْ عندئذ السيدة منى بجانب مجموعات الرجال، وقال الرجل باعتزاز: هذه القرية قطعة لحم متماسكة تماما يا عزيزتي رقية! أتظنين أنك كنتِ تأخذين منها المساعداتِ دون علمنا؟ ثم ضجك بقوة قائلا: لقد كنت أنا.. من آمرها بمساعدتك! قالت أختي بذهول: هذا الصوت.. إنه.. عمدة القرية! رفعت نظري إليه بحدّة وعدوانية، وهو يُكمل بهدوء واثق: لقد أمرتها أن تساعدكِ في الحياة حتى لا تموتي، فقد كنتُ واثقا أنه سيأتي يوم وتيأسين، ثم آخذك أنا كما خططت! صرخت فاقدًا لأعصابي: اخرس.. أنت آخر من ينطق هذه الكلمة عن أختي أيها الحقير. أشار العمدة إلى بقية الرجال إشارة إلي قائلا بهدوء: أبعدوا هذا المزعج! هجم علي الرجال جُمعة واحدة، صرخت أختي: بلال.. حاولتُ المقاومة بكل جهدي.. لم أفلح، وانتهى أمري مقيدا على الأرض، أقدامهم تضغط على جسدي وتمنعني من الحراك! نظرتْ رقية بانهيار إلي، ثم إلى السيدة منى الحقيرة، التي قالت بندم وأسف: آسفة يا رقية، ولكنني كنت أعمل لأجل مصلحتك، فلا نفع للفتاة إن عاشت كمتشردة، نهايتها أن تكون في بيت زوجها مصونة ومكرّمة! قالت أختي بثورة: كاذبة! أنا أفضل التشرد مئة مرة على أن أرتبط بذلك القذر.. ابتسم العمدة بسخرية وهو يرفع يده بإشارة ما، فانطلقت أياديهم تضرب كل مكان في جسدي. بينما قال لها بحزم: رقية، نجاة أخيك بيدك، تستطيعين منع ذلك بكلمة واحدة منك، أنك موافقة على البقاء معي، وهذا الجرذ أيضا سيبقى على قيد الحياة وسأسمح له بزيارتك من فترة لأخرى! ثم حدّق إليها بنظرة مُرعبة قائلا: هذا إذا وافقت، أما إن رفضتِ، فسوف يظل يُضرب حتى الموت ثم لا تجدين لك ملجأ أيضا فنأخذك نحن! أكمل ببرود: في كل الأحوال مردّك إلي، هذه عقوبة أبيك لك! بدأت أختي بالانهيار وجثت على ركبتها، بدأت تبكي بعنف وهي تقول: لا يُمكن! لمَ حرمتموني من الحلم السعيد الذي بدأت أعيشه حقيقة؟ قال العمدة بابتسامة لزجة: كفي عن البكاء، لن يُجدي نفعا، ولن يلين قلبي لك، أخبريني عن قرارك سريعًا. توقف الرجال عن ضربي، ساد المكان هدوء تام تقطعه أصوات نحيب أختي وتأوهاتي وأنا أحاول الجلوس بصعوبة شديدة! فجأة قامتْ رقية صارخة بغضب: أنت عديم الشرف، أنـت لسـت برجل! احلق شاربك هذا لتكون كالمرأة الجبانة، تماما كالسيدة منى! ثم راحت تلهث بقوة بعد أن قالت تلك الكلمات، واعترى المكان سكون مخيف مرة أخرى، نظر العمدة بذهول إليها، أمسك شاربه بغضب وزمجر: كيف تجرئين! أخذ عصا حديدية من أحد الرجال واتجه إليها وهو يخور، فتحت عيني عن آخرها وأنا أنظر إلى ذلك الوحش يركض ليضرب أختي بالعصا الحديديّة! التي سقطت بالفعل وضربت الرأس...! _ |