السلام عليكم ورحمة الله^^ إن شاء الله هذا آخر جزء سأستطيع وضعه في هذين الأسبوعين كنت قد قررت وضع 6 أجزاء لكنني وجدت السادس والسابع مرتبطين ببعضهما وكذلك قصيرين فقررت وضعهما اليوم (7) استيقظتُ بعد مدّة طويلة جدا، كان الألم فظيعا في جسدي، لكنني تحملتُ وحاولت الجلوس في الغرفة المظلمة، لا أعلم إذا كانوا قد قطعوا يدي أم لا، فالمكان دامس. ولكن فجأة فُتح الضوء، فغطيتُ وجهي بيديّ الاثنتين تلقائيا! لحظة.. إنها يدي.. لم تُقطع، لم تُقطع! أبعدتُ يدي في ذهول وأنا أراهما.. إنهما اثنتان! والله إنهما يدان اثنتان.. لم أفقد يدي! لا أصدق، لماذا؟ كيف؟ هل استطاع أخي عدنان أن... انتبهت للشخص الذي فتح الضوء، التفتُ إليها، إنها رقية، أختي الصغيرة.. كان على وجهها علامات كآبة وتعاسة لم أرها من قبل على وجه أحد. عندما رأتني ركضت إلي، ثم ارتمت في أحضاني وبكت بكاءً هستيريا.. رقية تبلغ من عمرها اثني عشر عاما. دون أن أفهم أي شيء، شعرتُ بأسى عليها، حاولت أن أربت على ظهرها، وأقول بصوتي المبحوح: رقية.. ماذا حدث؟ قالت لي بحزن: الحق عدنان.. سيموت! شهقتُ بفزع: لم سيموت؟ ماذا فعل هذا الظالم له؟ هززتُها بعنف: ماذا حدث؟ وأبعدتُ رأسها برفق وأنا أقول بحيرة وألم: أخبريني يا رقية، ماذا حصل منذ غبتُ عن وعيي؟ لقد كان أبي يريد قطع يدي فماذا جرى؟ زادت في بكاءها وقالت من بين شهقاتها: نعم.. سأخبرك.. فهمتٌ منها.. أنه عندما جاء عدنان صارخًا وتوسل لأبي أن يتركني.. رفض أبي رفضا قاطعها وضربه بيده مهددا، ولكن عدنان أغراه قائلا برجاء: أبي أرجوك.. بلال ما زال في الخامسة عشرة من عمره، أمامه مستقبل مشهود، أما أنا فأنا في السابعة عشر من عمري، وإذا أردت التعويض فاقطع يدي أنا، ولن آخذ منك الألف كما سيأخذه منك بلال.. بل اقطع يدي وخذ الألف أيضا، أرجوك يا أبي.. ظهر الطمع على وجه أبي، وقال بتردد: لكن.. لقد أعطيتُ بلال الحقنة المخدرة، وإذا قطعت يدك فلن أشتري مخدرا لك، بل سأقطعها وأنت واعٍ.. تردد عدنان وتلعثم وهو يفكر بالآلام المهولة التي سيلقاها أثناء قطع يده وهو واعٍ! ولكنه قطع الحيرة بسرعة عندما رأى أبي يغمغم وهو قادم نحوي: يبدو أنك غير موافق.. إن بلال جاهز تماما للقطع الآن، واتفقنا على كل شيء. بدأ أبي بوضع السكينة عند مفصلي، أما عدنان فقد ألقى نظرة أخيرة علي وأنا فاقد لوعيي ووجهي المملوء بالكدمات والجروح والدموع.. ولكن أمي قالت هذه المرة: انتظر يا فتحي، عدنان لن يأخذ منك أي ألف...! فسكت أبي ونظر إلى عدنان، فقال الأخير بجنون وهو يغمض عينيه: نعم يا أبي أنا موافق على قطع يدي بدون مخدر! ظهرت الفرحة على وجه أبي فقد وفّر المال! ثم أشار لأمي لكي تمسك عدنان بدلا مني، وعلى هذا الاتفاق المُخزي.. تمت العملية البشعة! وعلى مرأى ومسمع من أمي، التي كانت تهدّئ عدنان بكلمات حنونة لا تليق إطلاقا مع موقفها.. يا لعدنان.. لقد ظل يصرخ بألم تارة، ويتجلّد بكتم صرخاته تارة أخرى خوفا من استيقاظي فأرى هذه المذبحة البشعة تحدث أمام عيني! وبعدها تم كوي يده وهو مُغمى عليه، حتى لا تظل تنزف، وبعد عدة ساعات عندما استيقظ، ذهب مع أبي إلى تلك الوزارة، مع صديقه مدير المصنع الذي زوَر الأوراق.. فبدا كأن عدنان عامل قد أصيب في المصنع.. وأخذوا المكافأة.. وتمّ لأبي ما أراد، ولم يحصل عدنان على قرش واحد.. أخبرتني رقية ودموعها تُغرق عينيها، أنها قد رأت المشهد بأم عينها لكنها كانت خائفة حد الرعب، من أن تفعل أي شيء! سألتها في لهفة وحسرة: ماذا حدث بعد ذلك؟ ولكنها هزت رأسها بأسى قائلة: لقد مرض عدنان مرضا شديدا، وأصيب بالحمّى المُهلكة، ربما بسبب التلوث في دمائه لأن أبي لم يستخدم سكينا معقما، ولم يقم بالعمل وكأنه يقطع يد إنسان، بل كأنه يذبح حيوانًا! سقط قلبي أرضًا، وارتجف صوتي فزعا من أن تُكمل رقية لي الحديث بأنه مات من المرض! ولكنها أمسكت بثيابي قائلة بتوسل: أرجوك يا بلال.. الحقه، سوف يموت.. أبي لم يقبل أن يذهب به إلى المستشفى ليعالجه، بل انشغل بعدّ ماله ووضعه في خزانته، وأمي فقط وضعت عليه بعض الكمادات.. ولم تشجع أبي ليذهب إلى المستشفى؛ فإن العلاج بالتأكيد سيغرمهما المال.. وهما لا يقبلان بأن يخرج من جيبهما قرش واحد.. قالت الجملة الأخيرة في غضب.. استندتُ عليها لأقوم بصعوبة ثم قلتُ بغضب: أين هما.. والله سأريهما.. سآخذ المال منهما لمعالجته حتى لو اضطررتُ لقتلهما. سبقتها إلى باب الغرفة، ولكن حدث شيء متوقع! فقد دارتْ بي الدنيا وسقطت على الأرض.. إن كل شيء حولي يدور! أمسكتُ رأسي بألم وأنفاسي تتباطأ، ورقية هتفت: ما بك يا بلال؟ غمغمتُ بانخفاض: لا أدري، ربما من عدم الأكل لثلاثة أيام متواصلة! ثم نظرتُ لها بإعياء: هل لك أن تساعديني على الذهاب إليه؟ غمغمت بحزن وهي تبتلع ريقها: نعم.. استندتُ إليها في إنهاك، وأنا أغمض عيني لكيلا أرى شيئا يدور.. ظلت تمشي قليلا ثم همست لي: بلال.. ها هو عدنان! فتحت عيني على صالة المنزل المهترئة، كان نائما على الأرض كما هي العادة فلا مراعاة حتى لمرضه، وجهه محمّر بشدة من الحرارة وقد خرجت على وجهه عدّة حبوب...! هرولتُ إليه وجثوت على ركبتي، تملكني الغضب والألم وأنا أمد يدي على وجهه، ثم ألمح يده اليُسرى...! انتابني الفضول لأمسك بكمّه المنتفخ.. فلم أجد شيئا تحته! يا إلهي.. لقد قُطعت وانتهى الأمر! ناديته وهناك غصة في حلقي وبحّة موجعة في صوتي: عدنان.. استيقظ، أنا بلال.. ولكنه لم يهمس ولم يتحرك ولم يحصل له أي شيء، إنه يُحتضر. ويحك يا بلال، يضحي بيده لأجلك، ويضحي بحياته أيضا، ها هو أمامك.. افعل شيئا لتنقذه ولو كان على حساب حياتك أنت! على أن أذهب إلى أبي وآخذ منه المال بأي ثمن، ثم أذهب بعدنان إلى أقرب مستشفى. دارت الدنيا برأسي فأمسكته قائلا في داخلي: ولكن يجب علي استعادة شيء من صحتي أولا وإلا لن أستطيع إنقاذه! ثم رفعت يدي لرقية وقلت لها: أعيديني إلى الغرفة التي كنت فيها، هل لديك أي طعام يا رقية؟ ساندتني رقية مرة أخرى، عدنا إلى الغرفة، أجلستني ببطء، ثم همست: نعم يا بلال. لديّ وجبة أعطانيها أحد المارّة الذين سألتهم الطعام، وقد خبأتها في هذه الغرفة...! ثم قامت سريعا وأنا أحاول ألا أغيب عن الوعي بسبب الدوران الذي أشعر به.. وحاولت التحديق في جدار الغرفة.. ولكن شيئا ما.. شيئا ما.. جعلني أسقط أرضا بالفعل، ليس من التعب، ليس من الألم، بل من الغثيان.. فقد كانت الأرضية، أرضية الغرفة، مليئة بالدماء.. الحمراء القانية.. وأنا أعرف هي دماء من! إنها.. دماء عدنان! __ لقد كان هذا المنظر، شبيها بالأرضية التي أجلس عليها الآن، ولكن الفارق هي أن هذه دمائي.. ولا يوجد أحد اعتدى علي، وإنما أنا السبب هذه المرة. قمت مستندا إلى الباب وفتحته قليلا، ثم اتجهت إلى سريري وأنا أشعر بالنعاس الشديد والغثيان، ارتميتُ عليه، وأغمضت عينيّ لأنام. _ قبل الفجر بنصف ساعة، خرجت عبير من غرفتها والنعاس يسيطر على عينيها فتغمضها ثم تفتحها ثم تفركها بيديها، انتبهت إلى شخص قائم في الصالة بخشوع وسكينة، يتلو آيات بصوت عذب منخفض، لقد كان والدها، أفاقت من نعاسها فورَ رؤيتها لهذا المنظر، ثم ركضت إلى الحمّام وتوضأت على عجل، ثم لبست إسدال الصلاة الخاص بها، الذي كان ذو منظر بهي بديع الألوان، وتجانس رهيب بين الأزرق والسماويّ والأبيض والرصاصي، كانت تحبّ هذا الاسدال كثيرا إذْ أنه هدية من والدتها. صفّت وراء والدها وأنفاسها متسارعة من إثر العجلة، ومضى والدها في صلاته الطويلة التي كانت عبير تتحملها بكل صبر ورضا بسبب ما قال لها والدها ذات مرة عن فضل قيام الليل، وثماره التي يجنيها العبد إذا داوم عليه، ثم أوتر ثلاث ركعات.. وسلّم، وجلس يستغفر الله بهدوء، والتفت لها متبسما، فابتهجت بذلك وأقبلتْ لتجلس في حضنه، فزادت ابتسامته وقال: كيف حالك يا عبيري؟ قالت بفرحة: بخير يا أبت، وأنت؟ هزّ رأسه وهو يقبلها: بخير ما دمتِ لي يا صغيرتي. سمعا أذان الفجر بصوت عال يصدح بين أجواء السكون، فرددا مع المؤذن حتى انتهى، ثم استأذنها وهو يقوم: أودّ أن أرى بلال وماذا حلّ به! عندما سمعت اسمه تكدّر خاطرها وتذكرت ما حدث البارحة وأطرقت برأسها وهي تراقب والدها يذهب إلى غرفته ويطرق بهدوء، ولكن لا أحد استجاب لطرقه، ففتح الباب بحرص شديد، ووقف قليلا قبل أن يدخل بعينين متسعتين، فقد رأى المنظر الذي تركه بلال، الدماء التي جفت على الأرضية، تتبع آثاره حتى وجده نائما على فراشه بإهمال دون غطاء.. وقد تلوثت نهاية السرير بدماء قليلة من قدميه. شعر بكر بالشفقة عليه، واستغرب في داخله كثيرا كيف يتحمل بلال أن تنزف قدمه على الأرض وعلى السرير دون أن يتألم أو يفعل شيئا لجرحه! تنهد بحرارة وهو يعدل الغطاء عليه، ولاحظ على إثر النور الخفيف الصادر من الصالة، خطين جافين من الدمع يهبطان من أهداب عينيه السوداء، فهمس قائلا بحزن: يا ربي.. إن هذا الفتى قد حيرني من حالة اكتئابه الفظيعة التي لا أدري ما سببها.. ثم تذكر أنه الآن بعد الأذان، والدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب كما أخبر النبي _صلى الله عليه وسلم _، فرفع يديه باتجاه القبلة قائلا بصدق: اللهم اهدِ بلال على يديّ! |