السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم جميعًا^^ أتمنى أن تكونو بخير وأن تكونوا قد أنهيتم امتحاناتكم بسلام : ) :tb3: الرواية سوف تقترب من نهايتها صحيح إنها تنزل بوتيرة سريعة جدا لكن هذا لأنها مكتملة عندي أعلم أن هناك الكثير ممن يجب قراءة رواية مكتملة بدلا من قراءة الأجزاء تلو الأخرى وانتظارها حسنا من الأفضل أيضا لمن يريد قرائتها مجتمعة أن ينتظر أسبوعًا إضافيا على الأقل (11) كان عمير يتأكد من رجاله للمرة العاشرة أن عثمان لم يعد بعد! استغرب كثيرًا كيف لم يرجع بعد وهو لديه خطّة مهمة تنتظر التنفيذ الآن؟ هل كل هذا ليُعيد هاتفه المحمول؟ سمع همس أحد رجاله وهو قادم نحوه بخطوات سريعة: أيها المفتش، بهابيهو ظهر وهو يهرب الآن! أأمر الرجال باللحاق به؟ يا إلهي، الوضع يتوتر ويتأزم، إذن خطة عثمان وبهاء ذهبت سُدى، لن يستطيعوا استعمالها الآن فعثمان مُختفٍ وبهاء لا يعرف أحد مكانه من الناس إلا عثمان. قال عمير بحسم: الحقوه بكل طاقاتكم وجهودكم وقواتكم التي أعددتموها لهذا المجرم.. استعينوا بالله واصبروا، الخطة التي أعددناها فشلت والآن سننفذ خطتنا الاحتياطية، حاولوا محاصرته بقوات الشرطة وإياكم والجبن والتراجع! امتلأ الرجال حماسة وهم يسمعون هذه الكلمات، ومضوا بهمة وعزم يلاحقون ويحاصرون بهابيهو المجرم. وعمير رغم قلقه على ابنه الذي ظلّ أكثر من ساعتين مُختفِ، ولكنه استمر في عمله بهمة، يعطي الأوامر ويتابع الوضع بكل جدية واهتمام وحرص على إتقان عمله! ___ رنّ هاتف عثمان بأنشودة راقية، دخلت أم عثمان غرفته وهي تقول في دهشة: ذلك الولد! لقد نسي هاتفه هنا! توقف الرنين، فأمسكت هاتفه وهي تقرأ عن أربعة عشر مكالمة فائتة، من توأم روحي بهاء، وأبي الغالي.. ابتسمت على تسميته لأرقامهم بهذا الشكل، وجدت الهاتف يرن مرة أخرى، ردّت عليه: نعم يا بهاء بني.. _آآ.. أم عثمان؟ _نعم أنا. _كيف حالكِ يا خالتي؟ _الحمد لله بخير جميعا وأنت يا بهاء، وكيف هي والدتك؟ _حمدا لله جميعنا بخير بفضل الله. _آ..هل تسأل عن عثمان؟ _ نعم أين هو؟ لم لا يرد؟ _في الحقيقة يا ولدي لقد ذهب مع أبيه لكي يقبضوا على بهبوهو المجرم. ابتسم بهاء: تقصدين بهابيهو.. _لا بأس يا بهاء لا تدقق هكذا يابني! منع بهاء ضحكته وهو يسألها: حسنا هل نسي هاتفه عندك؟ _نعم لقد نسيه هنا ..! بهاء يقول في نفسه: تبا يا عثمان، كيف تنسى هاتفك هنا وأنت ستُرسل لي رسالة عندما يحين الموعد! كم أنت مهمل! الآن كيف سأتواصل معك؟ "بهاء بني. أنت على الخط؟" انتبه بهاء: نعم يا خالتي.. أرجو أن تُخبريني عندما يتصل عثمان بك من أي هاتف أو أن يرجع! قالت موافقة: نعم بني سأفعل إن شاء الله! ثم أغلقت الهاتف، وبهاء غمغم متوترا: حسنا، بالتأكيد إذا نسي هاتفه فليست مشكلة، المهم أنه يحفظ رقمي وسيرسل الرسالة من أي هاتف لديه حتى لو كان هاتف والده! ولكن.. لقد تأخر الوقت كثيرا، لا حول ولا قوة إلا بالله، أين أنت يا عثمان؟ وماذا تفعل؟ وتنهد وهو يجلس على كرسي خشبي ينتظر الفرج! أما أم عثمان، فقد غمغمت بحيرة وهي تضع الهاتف على مكتب عثمان: ولكن إذا كان عمير مع عثمان فلماذا يتصل على هاتفه؟ أليس هو برفقته؟ أمر غريب.. كان يجب أن أخبر بهاء! ثم تنهدت قائلة لنفسها: لا بأس لا تقلقي عليهما عثمان وبهاء شابّان صالحان، أتمنى لهما من كل قلبي التوفيق في القبض على بهبوهو المجرم ^^! _ استيقظ عثمان فجأة بجزع وهو ينظر إلى ما حوله مندهشا من هذا الظلام، تذكر أنه محبوس في هذه الغرفة الكئيبة الدامسة، حتى أنه لم يرَ يده وهو يُمسك بها رأسه الذي شعر فيه بصداع شديد، غمغم في خفوت: يا إلهي.. هل نمتُ؟ تُرى كم ساعة؟ حاول أن ينظر في ساعة يده فلم يستطع رؤية أي شيء، وبالتأكيد لن يستطيع استخدام هاتفه فقد نسيه في المنزل! غمره القلق والتوتر وقد شعر أنه نام طويلا، ثم أسند رأسه إلى جدار خلفه وهو يمسح قطرات العرق التي على جبينه، وهو يقول مغمغما بتعب: لا أدري.. ماذا سأفعل الآن.. كيف سأخبرهم بحالي؟ ثم دّلك رقبته قائلا بانزعاج: ونمتُ بطريقة خاطئة آلمت رقبتي وظهري.. ورأسي تصدع من هذا الجو الكئيب! ثم قال لنفسه غاضبا: لمَ أنا غبي هكذا؟ كان من المفترض أن أذهب دون أن أبالي بهذا الشرطي، فما دخلي أنا أصلا بشرطي يريد إحضار ملف طُلب منه؟ هداني الله! ثم تنهد: حسبي الله ونعم الوكيل! سكت قليلا ليسمع خطوات شخص يفتح غرفة الأرشيف، شعر بفرحة عارمة وهو يقترب من الباب ليسمع أكثر، لقد كان هذا عامل النظافة يجرّ خلفه أدوات النظافة بعربة صغيرة جدا تمشي على عجلات، إنه يعرفه، عثمان يعرف عامل النظافة، اسمه صابر.. لم يستطع عثمان الاحتمال وهو يصرخ بفرح: عم صابر.. هذا أنا.. افتح لي يا عم صابر. ارتجف صابر وهو يشعر بالرعب، شخص ما يناديه في هذه الغرفة المكتومة، ولكن لا أحد يدخل هذه الغرفة الصغيرة الأرشيفية! من سيدخلها الآن؟ والساعة الواحدة ليلا! وقال بذعر: من يتكلم؟ صاح عثمان: أنا عثمان، افتح لي يا عم صابر أنا محبوس هنا! افتح يا عم صابر أرجوك. تراجع صابر بهلع وهو يتخيل أن عثمان الفتى الثانوي البريء هنا في الغرفة؟ ما الذي أدخله هنا؟ لماذا يأتي؟ من حبسه؟ لا.. لا شك أن هذا شيطان يريد أن يوقعني في فخاخه. كانت هذه الفكرة تراود صابر وهو يتراجع برعب وأطرافه ترتجف وهو يسمع نداءات عثمان عليه، كان يتخيلها كأصوات أشباح! تراجع بعنف أكثر حتى أوقع عربة أدوات النظافة، صاح مقاوما: لا.. هذه غرفة الأرشيف، يجب أن أنظف المكان! جاءت نداءات عثمان: أرجوك يا عم صابر، افتح لي قبل أن تنظف. هرب صابر من المكان كله جزعا، ثم ركض إلى أقرب غرفة بجانب غرفة الأرشيف، كانت غرفة الضابط عبد الرحمن، دخل عليه عم صابر مرتاعا: هناك شبح له صوت في غرفة الأرشيف يا أستاذ عبد الرحمن! تفاجأ عبد الرحمن بهذا العم صابر وهو يدخل عليه بهذه الطريقة ووجهه يفيض من العرق والذعر، قال محاولا تهدئته: لا بأس عليك يا عم صابر اهدأ واحكي لي كل شيء! صاح صابر: هناك شبح غريب يدّعي أنه عثمان وأنه محبوس هناك! كان عبد الرحمن في قمة الحيرة وهو يرى صابر هكذا.. هدأه قليلا ورافقه في الذهاب لغرفة الأرشيف ليثبت له ألا وجود للأشباح! وأن عثمان من المستحيل أن يدخل هذه الغرفة لأنها سريّة! دخل إلى غرفة الأرشيف وهناك سمع نداءات عثمان، اتجه فورا إلى الباب هاتفا بدهشة: عثمان؟ هل أنت حقا هنا؟ جاءه صوته المكتوم: نعم يا أستاذ عبد الرحمن، لقد حُبست هنا، أخرجني بالله عليك. قال عبد الرحمن بحزم: حاضر سأخرجك الآن، سأرى أين المفتاح. أما عثمان فقد سجد شكرا لله وهو يسمع الضابط عبد الرحمن ذاهبا للبحث عن المفتاح، وضحك بسعادة قائلا: حمدا لك يا الله.. لقد توكلت عليك فكنتَ عند حُسن ظني! وجد الباب من خلفه يٌفتح بالمفتاح بعد عدّة دقائق غياب، فابتسم بسعادة وهو يرى الضابط عبد الرحمن يقترب منه قائلا في حيرة وقلق واضعا يديه على كتفيه: عثمان. أنت حقا هنا! كيف؟ قال عثمان باسما: سأحكي لك.. في البداية أريد أن أقول أمرا خطيرا يا أستاذ عبد الرحمن. انتبه عبد الرحمن له باهتمام، فوجد عثمان يقرّب رأسه منه هامسا في أذنه: هناك جاسوس هنا، شرطي خائن! جاسوس من بهابيهو نفسه! ثم ضغط على كتفيه بقوة قائلا بصوت منخفض: لا تجعل ملامحك تدل على فزعك يا أستاذ عبد الرحمن، ربما يكون الجاسوس أي شخص أمامنا؛ لذلك أرجو منك أن تُبدي الأمر عاديا! ثم تابع في جدية: لن أستطيع أن أخبرك الآن بأي شيء حتى في مكتبك فربما يكون الخائن قد وضع أجهزة تنصت! ثم ابتعد عنه عثمان قليلا وهو ينظر إلى عيني عبد الرحمن التي كانت بها نظرات مُطمئنة وواثقة، ثم قال له بصوت خافت جدا: لا تقلق.. أفهم مثل هذه الأمور! ثم قال بصوت جعله أعلى ولكن منخفض لكيلا يثير الشكوك غامزا لعثمان: هكذا إذن.. تريد الذهاب إلى الحمّام! قال عثمان متظاهرا بالحرج: نعم، لذلك اعذرني لا أستطيع أن أخبرك شيئا الآن! اصطحبه عبد الرحمن إلى خارج غرفة الأرشيف بعد أن أمر عم صابر والشرطي الذي جاء قبل ذلك لمساعدتهم في إيجاد المفتاح، أمرهما بإغلاق غرفة الأرشيف، خرج هو وعثمان، خارج قسم الشرطة بأكمله، وهناك قال عثمان لـعبد الرحمن ما حصل معه، فكّر عبد الرحمن قائلا بحيرة والتوتر يأكله: هذه مصيبة يا عثمان، مصيبة كبيرة، هكذا علمتُ كيف أن عمليات بهابيهو سهلة، وبهابيهو يهرب كل مرة! ونفشل نحن كل مرة! اطرق عثمان برأسه قلقا، وهو يغمغم: تبا، لقد كان الشرطي ذاك يخبئ عينيه بقبعة الشرطة، لم أتخيل أنه سيكون خائنا! لم أركز على رؤية وجهه بوضوح، ولكنني أستطيع تحديده إذا كان أمامي. قال له الضابط عبد الرحمن وهو يقف أمامه: لا بأس يا عثمان، سنتكلم في هذا لاحقا، وسأخبر المفتش عمير بهذا في سرية تامة، ثق بي، سنفحص القسم بأكمله من أدوات التصنت، وسنعرفه بالتأكيد، وإن كنت أظن أنه لن يعود إلينا مجددا؛ فقد فضح نفسه أمامك! أومأ عثمان برأسه موافقا على كلامه، فأكمل عبد الرحمن متبسما بحزم: الآن يجب أن تعود لمنزلك فوالدك قلق عليك، هيا عثمان، الساعة الآن الواحدة ليلا! قال له عثمان متبسما: حاضر يا حضرة الضابط ولكن أرجو منك الاتصال بأبي لتخبره أنني بخير حتى لا يقلق علي وأنني سأعود إليه بعد قليل! قال الضابط عبد الرحمن بدهشة وهو يراه ينصرف راكضا: انتظر يا عثمان، ألن تذهب إلى منزلك؟ قال عثمان وهو يلوّح بيديه مودعا ومازال يركض: سأذهب إليه ولكن ليس الآن، أرجوك اتصل بأبي وأخبره بأنني بخير! صاح عبد الرحمن: عثمان. انتظر، إذا سألني أين أنت فماذا أقول له؟ لم يردّ عليه عثمان فقد ابتعد كثيرا ويبدو أنه لم يسمعه، تنهد عبد الرحمن وهو يُخرج الهاتف من جيبه مغمغما: لا أدري حقا ماذا ستكون ردة فعل أبيك؟ ولا أدري إلى أين تذهب في هذا الوقت يا عثمان! انتظر بضع ثوان وهو على الهاتف قبل أن يسمع صوت المفتش عمير الذي بدا متوترا: السلام عليك يا عبد الرحمن. _عليكم السلام، كيف حالك يا أخي؟ _الحمد لله! ما زلتُ لا أعرف شيئا عن عثمان، أنا قلق جدا بشأنه! أين اختفى ذاك الفتى؟ فحتى بعد أن عُدت إلى المنزل لم أجده وأخبرتني زوجتي أنه لم يعد لاستعادة هاتفه حتى! _آ..احم. في الحقيقة إن عثمان بخير، اطمئن يا مفتش عمير. صاح عمير: حقا؟ بالله عليك يا رجل! كيف عرفت؟ قال عبد الرحمن: لقد حبسه شرطي خائن في غرفة الأرشيف. قال عمير مصدوما: خائن؟! قال عبد الرحمن بجدية: نعم، أحتاج أن اجلس معك لنتكلم يا حضرة المفتش ولكن غدا بإذن الله! قال عمير بعد أن ابتلع ريقه والاضطراب والحيرة تأكله: بالتأكيد يا عبد الرحمن.. سنتكلم إن شاء الله.. المهم الآن أين عثمان؟ هل هو بخير؟ قال عبد الرحمن: نعم.. بخير، سيأتي إليك بعد قليل، قال إنه سيفعل شيئا ما ثم يعود.. لا تقلق عليه! سأله عمير منزعجا: سيفعل شيئا؟ ماذا سيفعل في هذا الوقت؟ ألم تسأله؟ _نعم.. لقد انصرف قبل أن يسمع سؤالي.. _حسنا أشكرك يا عبد الرحمن، كنا قلقين عليه، وحسابه عندي بعد أن يعود.. السلام عليكم. ___ فتح بهاء عينيه الغافيتين وهو ينتبه من جلسته على كرسي خشبي بجانب الطريق، كانت المحلات قد أٌغلقت أبوابها وأطفأت أضوائها الصاخبة فبات الشارع هادئا مُظلما إلا من ضوء عواميد النور! غمغم بهاء لنفسه بضيق: لقد غفوت أثناء جلوسي.. يا إلهي، أين أنت يا عثمان حتى الآن، لم لم تتصل أو ترسل أي رسالة؟ لم لمْ تفعل أي شيء. ماذا أفعل الآن، أخاف أن أرحل من هنا فتأتي.. كما أن هاتفك ليس معك. تثاءب بكسل وهو يقوم واقفا، يتمشى قليلا هنا وهناك، وراقب المارّة الذين يمشون بهدوء دون أن يعيروه بالا وإن كان بعضهم ينظر له بشك وهو يمشي بهذا التوتر! جلس مرة أخرى على كرسيه الخشبي وهو يفكر بحيرة عما ينبغي فعله، سمع هاتفه يرنّ برسالة، فرح كثيرا، لا شك أنها من عثمان! ولكنه فوجئ بأنها من والده طارق: "أين أنت بني؟ ما كل هذا التأخير؟ عُد يا بهاء" بعث له برسالة أخرى وفي قلبه خيبة أمل كبيرة من عثمان: "حاضر أبي.. أنا عائد بإذن الله" ثم وضعه في جيبه وهو يستعد للانصراف، قائلا في نفسه بحزن: حسنا يا عثمان، عندما تأتي إلى هنا ولن تجدني فبالتأكيد ستعرف أنني انصرفت لتأخر الوقت.. ثم راح يسير مبتعدا باتجاه منزله، ولكن لهاثا قويا وخطوات راكضة جعلته يتوقف ليرى ما ورائه وفوجئ بعثمان اللاهث الذي يركض، حتى وقف أمامه ثم انحنى راكعا وهو يلهث بعنف، كان يبدو أنه ركض مسافة طويلة دون توقف، سأله بهاء مندهشا: عثمان! أين كنت؟ رفع عثمان وجهه إليه متعرقا، والأسف والألم يفيض من عينيه: بـ.. هاء.. أعتذر كثيرا.. لكنني.. قال له بهاء وهو يُربت على كتفيه بلطف: اهدأ أولا يا عثمان لأستطيع أن أفهم، أنفاسك متقطعة.. ظلّ عثمان لدقائق وهو يتنفس حتى هدأ قليلا، ثم قال له بأسف: صدقني يا بهاء لم أقصد ذلك، لا شك أنني أخّرتك كثيرا.. في الحقيقة أنا مندهش من وفائك لي وانتظارك كل هذا الوقت! كان بهاء مُحرجا من عزمه على الانصراف قبل قليل، فلو كان انصرف قبل مجيء عثمان، لأصيب عثمان بخيبة أمل كبيرة لمغادرة بهاء المكان. حمد ربه في سرّه أنه لم يغادر بعد، ثم نظر إلى عثمان الذي انتظمت أنفاسه، كان يحدُق به ويقول: بهاء لا تظنّ بي شرّا. ثم جلسا بجانب بعضهما على الكرسي الخشبي، وقصّ عثمان ما حصل على بهاء، الذي قال معاتبا عثمان بضيق وإشفاق: كيف لم يخطر ببالك أن والدك سيطلب منك ملف كهذا في وقت كهذا؟ ثم تعال إلى هنا، كيف تقول لي لا تظن بي شرا، هداك الله وهل سأظن بك سوءا يا عثمان؟ قال عثمان مُحرجا: طبعا لا.. ولكنني خشيت أن تنصرف وأنت غاضب مني لأنني أخلفت وعدي.. لو لم أنس هاتفي في المنزل، لكنتُ اتصلت عليك وعلى أبي وأنا مسجون في تلك الغرفة وتمكنتما من إنقاذي في أسرع وقت، ولكن.. قاطعه بهاء بانفعال: بالتأكيد لن يحصل هذا، لكان ذلك الجاسوس الخائن قد انتشله من ملابسك وهو واقف بجانبك قبل أن يحبسك في الغرفة؛ فعلى حسب كلامك لقد كان قريبا منك حتى كاد يلتصق بك. ثم غمغم وهو يجلس على كرسي قريب: إن هدفه واضح من حبسك لكيلا تتمكن من الاتصال بي! تنهد عثمان بألم: تبَّا لذلك الخائن.. لقد فشلت عملية أبي بسبب ذلك، لا شك أن أبي غاضب بشدة الآن. سكت بهاء قليلا ثم قال: ولكن هل كان ذلك الشرطي هو بهابيهو نفسه؟ قال عثمان: لا أعتقد هذا، فقد قال لي بعد أن دفعني إلى الغرفة وأغلق الباب: هذا لكي تتوب من أفعالك السيئة! ولا تطارد بهابيهو مرة أخرى، بهابيهو هذا قضية بهاء وحده فقط، أفهمت؟ كما أن صوته كان مختلفا! قال بهاء وهو يشرد مفكرا: ولكن قوله هذا ليس دليلا على أنه ليس بهابيهو، كما أن بإمكانه تغيير صوته. قال عثمان عاقدا حاجبيه: لكن جسده لم يكن كجسد بهابيهو، لقد قفزت على بهابيهو وجلست عليه، وأعرف قوته جيدا.. لم يكن هذا الشرطي كذلك! تفاجأ بهاء: هل هذا يعني وجود شريك حقيقي لبهابيهو؟ وهذا الشريك شرطي؟ صحيح ألم تقل إن بهابيهو كان شرطيا؟ أليس هذا يعني وجود خائنين في صفوف الشرطة. قال عثمان وقد أرعبته وجود خائن آخر غير ذاك الشرطي: لا أدري ولكن ألم تر أنت بهابيهو؟ أليس بإمكانك معرفته إذا رايته؟ قال بهاء: نعم يا عثمان أستطيع.. ولكنني بالطبع لم أره أبدا في صفوف الشرطة! ربما يكون شرطيا وقد استبعد من عمله أو هو ليس بشرطي ولكنه تدرب على يد شرطي! فهمت. تنهد عثمان موافقا وهو ينزل رأسه وينظر في ساعته مغمغما مهموما: الساعة الآن ستقارب على الثانية، يجب أن نعود يا بهاء! قال بهاء وهو يقف: حسنا إذن.. هيا بنا. قال عثمان وهو يقف بجانبه متسائلا في قلق: وهل سنجد سيارة أجرة الآن؟ أجاب بهاء باسما: بالطبع لا سنذهب مشيا! قال عثمان عابسا: على قدمي مرة أخرى؟ لا إذن انتظر! يجب أن أشرب أي شيء قبل المشي. أنا عطشان بشدة، حلقي جاف من الركض الذي كان قبل قليل.. والرعب الذي عشته في غرفة الأرشيف! قال بهاء بإشفاق وهو يلاحظ تعرقه: أنا عطشان أيضا ولكن من أين سنشتري عصيرا الآن يا عثمان؟ تلفت عثمان يمنة ويسرة قبل أن يقول وهو يتذكر: مقاهي الانترنت أعتقد أنها تكون مفتوحة في هذا الوقت؛ فلنبحث عن أي دّكان مفتوح الآن! سارا في بعض الشوارع، وهما ينظران إلى المحلات.. حتى وجدا منطقة غمرها بعض الضوء، قال عثمان وهو يقترب أكثر: أعتقد أنه مقهى انترنت.. هناك يبيعون فيه بعض المياه والعصائر. تبعه بهاء مندهشًا من كمية الشباب المجتمعين فيه، والذي بدا معظمهم من النوع الذي لا يرتاح بهاء له! وصلا إلى البوابة التي كان هناك عندها لغط كثير من أثر تجمعات الشباب حولهما، وتساءل بهاء: هل تكون مقاهي الانترنت مزدحمة في العادة بهذا الشكل؟ أجاب عثمان وهو يرفع رأسه ليتمكن من النظر إلى الأمام: لا.. ولكن ربما من أجل التخفيضات الهائلة التي يعرضها المقهى للشباب اليوم. حاولا أن يدخلا في هذا الزحام، لكنهما سعلا عندما تقابل مع شابّين يدخنان السجائر وأحدهما ينفث السيجارة في وجهه والآخر يضحك! تجاهلهم بهاء وهو يقول لصاحبه: هيا، سأذهب للشراء. قال عثمان وهو يسير داخلا المقهى: لا بل أنا. قف هنا لأن بالداخل زحام أشد. وقد يعرفون أنك بهاء المتهم. أمسكه بهاء من يده قائلا باعتراض: عثمان بل قف هنا أنت، وجهك يبدو مُتعبا ومُنهكا، سأذهب أنا قلت لك! والشباب هنا لن يهتموا بشخص مثلي، إياك أن تعترض! همّ عثمان بالاعتراض وهو يشاهد الزحام والأغاني الصاخبة وجو المرح والإزعاج بداخل المقهى، ولكن نظرات بهاء الصارمة جعلته يقف مُرغما بجانب الحائط مُنتظرا بهاء الذي دخل إلى المقهى وغاب عن عينيه، أسند رأسه إلى الحائط مغمضا عينيه المُرهقتين. أما بهاء فقد دخل دون تردد وهو يمشي بهمة إلى مكان البيع، قال بهدوء: من فضلك أعطني علبة مياه وعلبتين من عصير التفاح. كان الرجل المختص بالبيع مشغولا بتلبية طلبات أخرى قبل بهاء، فاضطر الأخير إلى انتظاره، وأثناء ذلك نظر إلى الشباب المنتشرين هنا وهناك؛ يتشاركون في الجلوس على أجهزة الحاسب وفتح مواقع الانترنت، ذَهل بما يفتحونه ويتشاركونه معا.. وخفض بصره خجلا عندما وقعت عيناه على شاشة فاضحة من إحدى الأفلام التي كان أحد الشباب يشاهدها بلا حرج هو وصديقه ويتشاركان في أكل البطاطس المقلية باستمتاع! شعر بضيق شديد في صدره، وأخيرا انتهى البائع من تسليمه الحاجيات فأعطاه بهاء النقود واستدار ليعود ويخرج بسرعة من هذا المحل الخانق! حتى وصل إلى الباب وهو يتنهد براحة، ولكنه اصطدم بأحدهم فتراجع مغمغما: آسف! وجد شابّين يقفان أمامه يسدان المخرج، خاطبه أحدهم باستهتار: لمَ تغض بصرك يا فتى؟ ألا تستطيع الرؤية؟ قال بهاء بضيق: قلت لك آسف، أفسح لي الطريق من فضلك! حدّق الشاب الأول إليه بحدة، ثم قال بعد تفكير: انتظر.. إنني أعرفك! رفع بهاء نظره إليه ليتأمله، وصُدم بكونه هو تامر أحد الطلاب في مدرسته، بقصة شعره الغريبة، وقميصه الملوّن الذي رُسم عليه صورة لممثل أجنبي مشهور أصابت بهاء بالغثيان! وبنطاله الممزق، لا فقرا.. ولكن ليحاكي "الموضة"! وجد تامر يقول متفاجئًا: أنت بهاء.. بهاء الذي في صفنا! لم يرد عليه بهاء وإنما انتظر ماذا سيفعل تامر له بعد أن اكتشف ذلك، هل سيسمح له بالمرور أم ...؟ سأله تامر بحذر وهو يضيق من عينه ويقرّب وجهه منه: لمَ غبت عن المدرسة أسبوعين حتى الآن؟ تسهر في هذه المقاهي وتدّعي الصلاح.. يا فاسد! شعر بهاء بالغضب من اتهاماته وهمّ بدفعه والخروج رغما عنه، ولكن تامر دفع كتفه ثم وضع يديه الاثنتين على الحائط الذي خلف بهاء. مما جعل بهاء واقفا بحيرة واضطراب وأمامه وجه تامر، وعلى يمينه وشماله يديه الممدودتين.. صاح بهاء غاضبا: لا شأن لك بي. دعني أذهب يا تامر! وجده يقول باستفزاز وشماتة: إذن.. أنت هو بهابيهو المتهم بالسرقة! اتسعت عينا بهاء دهشة مع قليل من الخوف، فقد قال جملته بصوت عال جعل الشباب يلتفتون إليه بأنظارهم! وهم ينتبهون له. فقال تامر شامتا: بالتأكيد هو أنت. وقد غبت عن المدرسة لأنك مجرم! ثم رفع يده ليُمسك ذقنه رافعا وجه بهاء ليُجبره على النظر إليه قائلا: أليس كذلك؟ أنا مُصيب. استغل بهاء أن تامر رفع يده اليمين عن الحائط فدفع يده عن ذقنه وانحنى ليمر سريعا متغافلا تامر، وخرج من المقهى بسرعة، وجد عثمان يفتح عينه ناظرا إليه متسائلا: هل اشتريت؟ هتف بهاء راكضا: أسرع يا عثمان! نظر له عثمان بحيرة واستغراب، وزالت حيرته عندما رأى تامر يُمسك بيد بهاء وصديق تامر يُمسك بيده الأخرى ويُقيدانه بعنف، حتى سقط منه كيس المشتريات، وبدأ الشباب ينتبهون ويتجمعون حول تلك المشاجرة.. وبعضهم قد عرف أن بهاء هو المتهم ببابيهو، ففاضت عينه كٌرها وغلّا، وهو يقول بغضب: هذا إذن من سرق شركة خالي! دعني أنتقم منه بنفسي يا تامر. ضحك تامر مرددا: لا بأس ستفعلون ما يحلو لكم.. المهم أن تساعدوني في تقييده ثم نتصل بالشرطة لتقبض عليه، ونكون بهذا أبطالا! ضحك بقية الشباب وهم يكتفون بالمشاهدة، استوعب عثمان ما يحصل لبهاء، فكر بتوتر ماذا بإمكانه أن يفعل أمام جموع الشباب تلك؟ بينما بهاء يقول بألم وتامر يمسك بيديه الاثنتين ويلفهما وراء ظهره: يكفي يا تامر. أنت لا تفهم شيئا! بفعلك هذا ستسبب المتاعب! قال تامر وهو يظن نفسه ذكيا: هه.. هل ستنطلي علي حيلتك؟ تريد الهرب يا حبيبي. فجأة هجم عثمان على تامر ودفعه بكلتي يديه بقوة جعلته يرتد للوراء مصدوما، ثم أمسك بيد بهاء وشدّه وراءه وهو يهرب راكضا، صائحا ببهاء: أسرع بالركض كي لا يلحقوننا. حمل بهاء كيس المشتريات وهو يركض بكل قوته مع عثمان. قام تامر سريعا ومجموعته تركض خلفهما، لكن شتّان ما بين عثمان وبهاء المدرّبان في صفوف الشرطة والنوادي الرياضية، وبين مجموعة هواة لا يعلمون عن الرياضة إلا قليلًا. وبسهولة استطاع الصديقان أن يهربا من أيديهم، وتنحيا في شارع جانبي أيمن، ومنه إلى شارع أيمن آخر، ثم شارع رئيسي، ثم دخلا منه إلى شارع فرعي آخر؛ لكي يتأكدوا من أن كل من يلحقهم قد اختفى أو ضل طريقه. وقفا راكعين وهما يلهثان بعنف، وبهاء يقول من بين أنفاسه اللاهثة وهو يمسح جبينه المتعرق: أخيرا. هربنا منهم! بالنسبة لي لقد تعبت من الركض المفاجئ هذا، ماذا عنك يا عثمان. وجد عثمان لا يرد عليه فالتفت له ليرى وجهه مصفرّا، وهو يلهث بألم، وكأنه يُجاهد ليلتقط أنفاسه، وجده يتشبث بملابسه كالطفل الغريق، قائلا في اختناق: بهاء! جلس بهاء على الأرض بجانبه قلقا وهو يقول: ماذا بك يا عثمان؟ أأنت بخير؟ تباطأ تنفس عثمان وهو ينظر إليه بعينين متراخيتين، وهو يتأوه بخفوت، وجده يستلقي ممددا على الأرض بإعياء، وقد شعر بالأرض تميد من تحت قدميه، وداور شديد يُباغت رأسه دون أن يقدر على مقاومته. اقترب بهاء من وجهه صائحا في فزع: عثمان، ما بك.. أخبرني بمَ تشعر؟ لم يستطع عثمان الرد، كانت نظراته الضائعة الشاردة قد جعلت بهاء يرتجف صدمة وخوفا عليه، وهو يهزّه بلطف ويضرب خدّيه برفق متسائلا في اضطراب مُرتاع: عثمان.. ردّ علي.. كّلمني. لم يجد أي تجاوب منه، وخفق قلبه بوجل وهو يُراقب عينيه اللتين بدأتا تتراخى وتُغلق بهدوء وهو يفقد وعيه حقا! قرّب بهاء وجهه منه فوجد تنفسه قد بدأ بالانتظام ولكنه يفقد وعيه الآن، تأوه عثمان فعرف بهاء أنه مازال واعيا، سكت قليلا ثم اتسعت عيناه بصدمة وهو يصيح: لا.. عثمان! جلس قرب رأسه ثم رفعها إلى صدره، وأمسك بكتفيه مستخدما يديه الاثنتين، وسحبه إلى جانب الرصيف، ولحسن حظه فقد كان الرصيف المجاور تمتلئ أرضيته بالعشب.. استمر بهاء في سحبه حتى وضع ظهره عند جذع شجرة، ثم عاد إلى منتصف الشارع مرة أخرى ليجلب كيس المشتريات ويعود سريعا إليه. لكنه حدّق ذاهلا إلى تلك الزجاجة الصغيرة التي سقطت من جيب عثمان عندما سحبه. ابتلع ذهوله بسرعة وانطلق إلى جانب عثمان ليسعفه. شعر عثمان بماصّة تدخل فمه، فحاول فتح عينيه بصعوبة لينظر إلى بهاء، الذي قال بحدة: اشرب الآن هيا! لم يستوعب عثمان أوامر بهاء تلك، كان يشعر بالألم والصداع، وبالارتجاف يسري في جسده المُنهك، وبتراخي قدميه ويديه وعدم المقدرة على تحريكهما. وجد بهاء يصرخ فيه بقوة: اشرب يا عثمان أسرع. فهم عثمان أخيرا عندما ضغط بهاء على عبوة العصير فاندفع العصير إلى فمه مُرغما، ظلّ هكذا يشرب بدون أن يشعر بما يفعل أو بما يحصل له.. حتى أنهى العبوة، فابتعد بهاء عنه قليلا وهو يضعها في كيس بجانبه ومازال يراقبه في حذر، أغمض عينيه فاقترب بهاء مناديا: عثمان! قال عثمان بعد دقائق سكوت وبصوت شديد الانخفاض: لن.. أفقد وعيي.. لا تقلق! تركه بهاء بهد تنهيدة راحة، وهو يرى عثمان يغفو قليلا ليرتاح، استند إلى نفس الشجرة وهو يبتسم بإرهاق، رفع رأسه إلى السماء المظلمة، وتزينها النجوم المضيئة، كان مشهدا رائعا، ظل بهاء منشغلا بمراقبته وهو يسبح الله بهدوء، حتى سمع آهات عثمان وهو يفتح عينيه، أسرع بهاء بجلب العصير الآخر وهو يُسلّمه إياه آمرا بحزم: اشرب هذا أيضا، يجب أن نُسرع بالعودة. هز عثمان رأسه رافضا ولكن بهاء أمره بعتاب، ولا يدري عثمان لماذا شعر بالخوف من طريقة بهاء في أمره، اختلس نظرة إلى وجهه وهو ينظر إلى السماء سارحا وقد اطمئن إلى شرب عثمان. كان عثمان قد بدأ يعي ماذا يحصل له، فقد عرف أنه سقط في الشارع وسحبه بهاء إلى هذه المنطقة العشبية، وها هو يشرب العصير.. إنه مشوش التفكير، فاقد التركيز، مضطرب الحواس، لا يدري ماذا يجب عليه فعله الآن! لا شك أن بهاء غاضب لأنه عرف بذلك. عرف بحقيقة مرضه! شرب العصير دٌفعة واحدة، وهو يحّرك رأسه بصعوبة من شدة الصداع ونظر إلى بهاء الهادئ الذي يُخفي وراء هدوءه الكثير من المشاعر المضطربة العنيفة! بعد عشر دقائق وهما صامتان تماما، عثمان يحاول استعادة وعيه وتركيزه، وبهاء بجانيه ينظر إلى السماء بشرود تارة وإلى عثمان ليطمئن عليه تارة أخرى! استطاع عثمان أن يتكلم بوضوح رغم صوته المُنهك: بهاء.. نظر له بهاء نظرة مُعاتبة ثم خفض رأسه بصمت، ثم رفع رأسه إلى السماء قائلا بهدوء: لماذا أخفيت ذلك عني؟ ابتلع عثمان ريقه بتوتر مضطربا: لماذا تسأل.. بهذا الغموض؟ قال بهاء دون أن يُبعد نظره عن السماء: أنت تعرف ما أعني.. أشاح عثمان بوجهه في ضيق، وهو يغمغم في حذر: وإن كنت لا أعرف؟ قال بهاء بابتسامة ليس لها معنى: ولكنك تعرف.. زفر عثمان بحزن: نعم أعرف.. ماذا تريد الآن؟ التفت له بهاء وهو ينظر له باهتمام: منذ متى يا عثمان؟ أغمض عثمان عينيه مُسندا رأسه إلى جذع الشجرة: منذ أسبوع ونصف تقريبا! قال بهاء بحذر: ولمَ لمْ تُخبرني! تنهد عثمان: لم يكن الوقت مناسبا.. كما أن الأشياء التي حصلت لك، منعتني من أن أقول ذلك وأنا أشعر بأنني سأثقل عليك بهمّ فوق همّك. نظر بهاء إلى السماء شاردا مرة أخرى، وهو يكظم غيظه قائلا بهدوء: حقا؟ هل هذا عذر مقبول؟ قال عثمان متضايقا: نعم هذا عذر.. وستقبله أيضا لأنني ليس لدي عذر آخر! التفت له بهاء بحدة وهو يجلس مقابلا له: لن أقبله.. قل عذرا آخر غير هذا! لماذا لم تخبرني يا عثمان؟ هل تعلم لو أن الذي أصابك كان ارتفاعًا لم أكن لأدري كيف سأتصرف؟ لأنني ببساطة لا أعرف كيف تُؤخذ الحقن التي وجدتها في جيبك! نظر عثمان إلى كيس المشتريات قائلا يُخفي توتره: لماذا جعلتني أشرب عصيرك؟ ألم تشرب أي شيء. قال بهاء غاضبا: عثمان لا تغير الموضوع بشيء تافه، قل لي الآن! ثم صاح بعينين دامعتين: كيف لم تخبرني بأنك مريض بالسكر؟ همّ عثمان بالقيام وهو يقول بهدوء: لقد تأخر الوقت كثيرا ويجب علينا العودة. أمسك بهاء يديه وشدّه إلى الأسفل بعنف وهو يقول محاولا أن يمسك أعصابه: لن تذهب أبدا الآن. جلس عثمان مُرغما وهو يٌقابل وجه بهاء الهادئ نسبيا لكنه غاضب في داخله، سكت وقد ارتجف من مشاهدة عيني بهاء الحادتين الحزينتين! واندهش عندما بدأ بهاء العتاب! |