"أخشى أن يأتي اليوم الذي أفتقد فيه نفسي .. وكل شيء!"
هاهو السوق أمامنا أخيراً .. لم نكد نصل له بسبب إرشادات آلن الفاشلة .. ركنت السيارة في المواقف السفلية ثم نزلنا جميعاً منها، قلت وأنا أعدل معطفي بسرعة "اذاً، ما هو مخططنا بالضبط؟" لتجيب كازامي على الفور "في البداية اريد نتفقد حساب يوكي والمبلغ الذي فيه ومن ثم نذهب الى المطعم وبعدها نبدأ في التسوق" "علينا الذهاب الى جهاز الصراف الالي اولا اذن!" هكذا علق الن فأومأنا موافقين له، دخلنا الى السوق ورحنا نجول بأنظارنا باحثين عن جهاز الصراف الذي لم يكن بعيداً كثيراً عن البوابة، توجهت رينا والن اليه بسرعة وادخلا البطاقة تحت أنظار الجميع، بقيت أعيننا معلقة على الشاشة وفور ان استعلمت كازامي عن الحساب ظهر لنا ذلك المبلغ المكون من ٨ خانات الذي بقينا ننظر إليه وقد أخرستنا الصدمة
- خ- خمسون مليون ين!!
[يعادل اربع مئة وخمسون ألف دولار تقريبًا]
- هذا وأنت لم ترى عدد البطائق في محفظته يا الن، كم يمتلك فقط!
- بجدية ما الذي سيفعله بكل هذا المال؟!
- لا يهم!! لنصرف ما نشاء منه!!
- بالتأكيد سنفعل!!
"مهلا، أيخططان لصرف المبلغ حقاً؟! هذا ضرب من الجنون!!"
ظننت في البداية أنهما يمزحان ولكننا ما لبثنا الا وذهبنا الى قسم المطاعم لنملأ بطوننا التي لم يدخلها شيء منذ الصباح، حرص الإثنين على اختيار أرقى وأغلى مطعم في المجمع التجاري بأكمله، كما أنهما توليا أمر الطلب أيضاً .. نوعاً ما .. أراهن أنهما طلبا قائمة الطعام بأكملها فجميع أصناف المقبلات والاطباق الرئيسة والحلويات والعصائر بلا استثناء كانت موضوعة على الطاولة!
في ظل ضحكات الجميع وأحاديثهم قربت آتسو مني وأعطيته طبقاً من حساء الذرة والكريمة وفور أن هممت بإطعامه قاطعني أيامي برغبته في فعل ذلك، امسك أيامي الملعقة وبدا في اطعام آتسو حتى اخبرنا انه يشعر بالشبع..
مضى الوقت بسرعة كبيرة، فها نحن قد أنهينا طعامنا ونستعد لمغادرة المطعم، استدعت رينا النادل وطلبت منه جمع بقايا الطعام وعندما سألها آلـن عن سبب ذلك اخبرته ببساطة أنه ليوكي، ههه! عجباً .. ناكل على حسابه ونعيد له البقايا ..!
شرعنا بعدها بمهمتنا في التسوق لآتسو، كان الامر مضحكاً بحق، فنحن لا نعلم شيئاً عن قياسات الاطفال او الملابس التي تناسبهم! ولكن كازامي لم تتردد في شراء أي شيء يبدو لطيفاً على آتسو كما هو حال الن، اما انا والبقية فقد اخذنا وضع المتفرجين على كازامي التي ظهرت ملامح الاستمتاع على وجهها وهي تدخل رقم بطاقة يوكي عند المحاسب , وتسحبت تلك المبالغ المبالغ فيها للغاية، فور خروجنا من أول محل استأذنت الجميع في تبديل ملابس آتسو في غرفة تبديل الملابس فقد كان يرتدي ملابس يوكي التي لا تناسبه، توليت هذه المهمة لعدم رغبتي بأن يرى احد كل تلك الندوب التي كانت تغطي جسده، دخلنا تلك الغرفة معاً وبينما أنا ابدل له ملابسه لاحظت تحديقه المتواصل بي، أغلقت أزرار قميصه وجلست حتى اصبح طولي مساوياً لطوله، وضعت يدي على كتفه وبرفق سألت: "ما الأمر؟ أتريد قول شيء ما لي؟" ليجيب علي بعد أن أخذت عيناه تحدقان في الأرض بعمق:
- لا - أريد العودة ..
- لمنزل يوكي؟
لم يرد علي بل اكتفى بإيماءة بسيطة تدل على الإيجاب، حسناً.. يمكنني تفهم موقفه رغم أن ذلك الأهوج لم يفعل شيئا حتى الآن، انا نفسي أشعر بهالة خطيرة تنبعث منه أحياناً ولكن .. أياً يكن رأيه، يوكي هو الوصي عليه حالياً شئنا ذلك أم أبينا .. بعثرت شعره بهدوء في محاولة مني لطمأنته لأجده قد رفع عينيه باتجاهي مجدداً فقلت:
- اسمعني آتسو .. يوكي لا يكرهك حقاً، فقد كان الشخص الذي بحث عنك عندما خرجت من السكن وكان الذي اخرجك من النهر عندما وقعت .. لو كان يكرهك فعلياً أسيفعل ذلك؟
- ......
- إن كنت خائفاً من تعامله القاسي معك فهو يعاملنا جميعاً بنفس الطريقة، لذا لا تكترث لأمره، أصلاً يستحيل أن أدعك لوحدك معه لذا لا تقلق!
- ح- حسنا ...
- هيا ، لنعد للآخرين ..
جمعت ملابس يوكي في الكيس الذي كان معي وأمسكت بيد آتسو ثم خرجنا من غرف تبديل الملابس، انتبه الينا آلن الذي لم يلبث إلا وأن أبدى إعجابه بمظهر آتسو كما فعل البقية، كان يرتدي بطالاً باللون البني الفاتح مع كنزة صوفية باللون الأزرق الغامق بدت ملائمة تماماً له، تابعنا بعدها رحلة تسوقنا الطويلة، في الواقع كانت كازامي قد أعدت قائمة مسبقة بكل ما سنشتريه.. بدءاً بالملابس العادية، الداخلية، المعاطف والأحذية والجوارب .. أراهن أنها لم تنسَ شيئاً أبداً .. حس التسوق لدى الفتيات عجيب!
بعد أن سيطر التعب علينا وأنهينا دخول نصف المحلات في المركز التجاري توجهنا إلى ذلك المقهى المفتوح لنأخذ قسطاً من الراحة، طلب كل واحد منا كوباً من القهوة التي يفضلها ورحنا نتجاذب أطراف الحديث .. وبالتأكيد لم يفوت آلن فرصة سؤال كازامي عن علاقتها بيوكي .. أصدقاء طفولة أو شيء كهذا، لم تكن تلك الفتاة واضحة في إجابتها على سؤال آلن .. وكأنها تقول لنا بتهذيب الا نسأل عن ذلك .. ظننت أننا أنهينا تسوقنا بالفعل، ولكن بعد أن ارتشف آلن رشفته الأخيرة وقف بحماس وقال "هيا .. لنكمل!" فما كان من كازامي الا وجمعت قوة التسوق لدى نساء العالم أجمع في عينيها ووقفت هي الاخرى مؤيدة لآلن، بقيت أحدق بهما باستغراب شديد، رفعت يدي ولوحت بها أمام عيني آلن:
- ألووو .. آلن!
-ماذا هناك روي؟
- هل فقدت عقلك أم ماذا؟! نحن هنا منذ أربع ساعات، وما زلت تريد المواصلة؟!! هذا يكفي، كلما متعبون وآتسو ايضاً..!
- مستحييييل!! لم نمر على قسم الماركات العالمية بعد!
- الماركات العالمية؟!
- أجل، لطالما كان حلمي أن يأتي اليوم الذي أتسوق فيه هناك واشتري كل ما أرغب به!
تنهدت بعمق ونظرت الى يوكي بإمعان ثم قلت له بعد ان نفذت اغلب الكلمات مني:
- يبدو أنك نسيت سبب تواجدنا هنا اليوم، أتينا لنتسوق لاتسو لا لك!
- هذا لا يشكل فرقاً، لا يهمني ما ان كنت اشتري الاغراض له ام لي، المهم ان اجرب شعور الشراء من هناك فقط !!
- يا إلهي ارحمنا، هذا فقط!! وانتِ يا آنسة؟
- اريد التسوق من هناك أيضًا ! إنها فرصة لن تتكرر ~
- هياا يا شباااااب! اتركوا عنكم الكسل ولنذهب!
وقف كارل مؤيدا لهم أما انا فقد ألقيت نظرة على وجه آتسو ونظرة أخرى على ايامي وأسوكا اللذان لم تكن لديهما أدنى رغبة في إكمال هذا الجنون:
- حسناً، اذهبوا انتم الثلاثة ونحن سننتظركم هنا .
- أنت متأكد، روي؟!
- أجل، آتسو سيبقى معي لذا خذوا قياسات ملابسه التي جربها قبل أن تذهبوا ..
- حسناً~
فعل الن ما طلبته منهم واتجه ثلاثتهم الى الدور الثاني حيث اسواق الماركات العالمية! أما أنا وأيامي وأسوكا فقد بقينا في ذلك المقهى نتحدث ونضيع بعض الوقت على هواتفنا، طلبت من آتسو أن يتكئ علي ويأخذ قسطاً من الراحة، وها هو ذا يغط في نوم عميق، مضت ساعتان تقريباً حتى عاد الثلاثي حاملين معهم عدداً كبيرا من الأكياس، "فقط، ما الذي اشتروه بحق خالق الجحيم!!" هكذا همس ايامي بصوت شبه مسموع، تنهدنا كلنا بعمق ثم وقفنا جميعا وتقاسمنا حمل باقي الاكياس وغادرنا السوق على الفور..
كان الجميع خائر القوى في السيارة، فلا اكاد اسمع همسة واحدة، خاصة من كازامي وآلن الذين بذلا كل جهدهما في انفاق كل ذلك المال بلا جدوى، بهدوء كسر أيامي حاجز الصمت ثم قال: "روي، خذنا الى السكن اولاً قبل أن تغلق الأبواب" فأضاف الن "ولكي نرتاح من نوبة غضب ذلك المتجمد بسبب نقوده!" فما كان من كازامي الا وان طلبت ان اوصلها لبيتها بالسيارة ايضاً .. لوهلة تداركت ما يجري حولي وقلت: "مهلا! هل استنتج من كلامكم انكم ستتركونني لذلك المتجمد وتحملونني المسؤولية؟!"
كازامي: أحسنت الاستنتاج!
أيامي: لم اتوقع ان تكتشف ما كان يدور في رأسي بسرعة
آلن: برافوووووو ~
- تشيييه! أياً يكن!!
أنزلت الجميع في السكن وتوجهت بعدها الى بيت كازامي الذي لم يحن يبعد عن بيت يوكي شيئاً، ودعتني بلطف ثم توجهت أنا بدوري لبيت يوكي، ركنت السيارة امام المنزل وفتحت باب الراكب الخلفي لأوقظ آتسو، استجاب هذا الاخر لي فنزل من السيارة ودخل البيت مع الباب الامامي الذي قد تركه يوكي شبه مفتوح على ما يبدو، هممت بأخذ الاغراض من السيارة فاذا بآتسو يخرج إلى الحديقة ويغلق الباب بسرعة وخوف على الفور..
- همم، ماذا هنالك يا آتسو ..؟
- إ .. إنه ..
أنزلت الأكياس على الأرض بسرعة وتوجهت نحو المدخل، اقتربت من آتسو صاحب الأنفاس المضطربة وسألته عن الذي رآه إلا أنه كان عاجزاً عن الإجابة .. "ما الذي فعلته هذه المرة يـا يوكي!!" هكذا قلت في نفسي بعد أن ابتعدت عن آتسو وتوجهت نحو الباب لأتفقد ما وراءه .. فتحته بهدوء وجلت بناظري في المكان .. لم يكن هنالك شيء غير ذلك الظلام الدامس .. فتحت الباب أكثر ثم أخذت خطوتي الأولى إلى الأمام فإذا بي أستشعر يد آتسو الخآئفة تمسك بقميصي .. تنهدت براحة فور أن تأكدت من عدم وجود شيء وماهي إلا لحظات حتى استشعرت حركة خفيفة من ورائي.. إلتفت بسرعة لأرى تلك العينين تحدقان بي في غضب .. تجمد جسدي لوهلة فما كان من ذلك الكلب الأسود إلا وأن أطلق العنان لقدميه لأدرك أنا بدوري أن وقت لعبة الهرب قد حان .. بحركة سريعة خطفت آتسو من على الأرض وركضت نحو السلالم المؤدية للدور العلوي ومن حسن حظي وجدت ذلك المتجمد مستلقياً على الأريكة في الصالة العلوية، بكل ما أوتيت من قوة رفست بطنه بقدمي ليتعالى صوت صراخه بنفس اللحظة التي دخل فيها الكلب وهم بالقفز علينا "أوقف كلبك أيها الوغد!!" هكذا صرخت في رعب ليمسك يوكي بتلك الوسادة الصغيرة ويرميها على رأس ذلك الكلب ثم يمسك بأخرى ويرميها باتجاه وجهي بكل ما أوتي من قوة فما كان من جسدي إلا وأن خر ساقطاً على الأرض! وقف يوكي بعدها وأشار للكلب بيده فما كان منه إلى وأن جلس استجابة لأوامر صاحبه .. توجه بعدها بهدوء ليشعل إضاءة الغرفة كاملة بعد أن كانت مضاءة بضوء التلفاز لا غير ثم عاد إليَّ وبدون قول أي كلمة رفع قدمه لأدرك على الفور ما سيحل بي ..