"أنا ونفسي وأيضــاً... ذاتي!"
لا أعلم كيف انتهى التدريب على خير... ساعتان كأنهما الدهر كله! خرجت من الصالة الرياضية والتقطت أنفاسي أخيراً، أنا متعب للغاية! المدربة صارمة للغاية، لم تسمح لنا بالانصراف حتى نجحنا في إرسال الكرات بشكل صحيح على الرغم من انتهاء وقت المحاضرة، ناهيك عن الجو الخانق الذي تسبب به شجار يوكي وسايمون! "أظن أن عليَّ الابتعاد قليلاً عن هذه المجموعة، فهي لا تجلب سوى المتاعب معها كما يبدو!" لم أنهِ تلك الجملة حتى سمعت صوت آلن من خلفي:
- أوووي! روي سنجتمع اليوم لمشاهدة مباراة (سيريزو أوساكا) ضد (طوكيو فيردي) في غرفة كارل وأسوكا رقم الغرفة 105 سنكون بانتظارك!
- " يا إلهي!"المعذرة آلن، شكراً لدعوتكم ولكن لدي الكثير من الدروس الفائتة والتي يجب عليَّ إكملها... "أنَّى له أن يكون في مزاج جيد بعد كل ما حدث؟!"
- هذا مؤسف، كما تريد إذاً، إن احتجت لأي شيء سأكون بالجوار!
-شكرأً جزيلاً لك...
ودعت آلن وتابعت مسيري فما كان لقدماي إلى أن حملتني إلى السكن مباشرة،أظن أني قد اكتفيت هذا اليوم، لقد حل المساء بالفعل! توجهت إلى غرفتي في الطابق الثاني وفور أن فتحت الباب استقبلني ذلك النسيم البارد من الأمس لأدرك حقيقة وصوله قبلي بفترة طويلة، استجمعت قواي المتبعثرة هنا وهناك وقلت بصوت واثق "لقد عدت" ليجيب ذلك المضطجع على فراشه بلهجة متململة "أهلاً بعودتك"... تنفست الصعداء أخيرًا، فلا يبدو أنه في مزاج سيء... نظرت إلى جهاز التكييف ذاك، أشعر برغبة جامحة في تحطيمه ولكن ما حاجتي للشجار معه، يقولون أن الانطباع الأول مهم جداً في تكوين العلاقات... ولكن... يبدو أن كلانا قد حصل على انطباع سيئ عن الشخص الآخر منذ اللقاء الأول... يالها من بداية رائعة!
توجهت إلى خزانتي وأخرجت ملابس النومِ منها، أخذت حماماً سريعاً ولكن هذه المرة تأكدت من تجفيف شعري جيداً، فمن السيئ أن أصاب بنزلة برد في هذا الوقت! قررت بعدها بدأ معركة حاسمة لتدارك أوضاعي الدراسية قبل فوات الأوان، ابتداءً بجمع أسماء الكتب والمراجع التي يتوجب عليَّ شراؤها وانتهاءً بملء دفاتري التي باتت تشكو الفراغ بين أسطرها...
حسنًا يبدو أنني سأفتتح جولتي بمبادئ الإدارة فقد أعارني آلن كتابه بعد انتهاء المحاضرة. جلست ذلك السجاد الأحمر ووضعت الكتب على طاولة المذاكرة الموجودة على الأرض لآخذ نفساً عميقاً، فهاهي مواجهتي الأولى مع هذا الكتاب قد بدأت!
"بعد نصف ساعة"
يا رجل ،،، أهذه مادة إدارة أم تاريخ، ما دخلي بآراء فلاسفة الإدارة؟! ولمَ عليَّ أن أدرس تكيف الإنسان مع الطبيعة!! وما هذا أيضاً؟ علاقة علم النفس بالإدارة! سأجن عما قريب!! هيا يا روي! تحمل، تحمل! لقد فاتتك الكثير من الدروس وعليك التعويض!
أخرجت الدفتر من حقيبتي وبدأت تلخيص الدروس بهمة عالية
"بعد عشر دقائق"
(يغلق الكتاب بعنف) وأنا الذي ظننت أن تخصص الإدارة سهل!! لتذهب إدارة الأعمال إلى الجحيم! استلقيت على ظهري بملل ورحت أحدق بيوكي، كان مستلقياً على بطنه واضعاً جهاز الآيباد أمامه مربوط بسماعات الأذنين... يبدو مندمجاً للغاية، رن هاتفه المحمول فجأة ليخلع سماعات الأذنين خاصته ويجيب على تلك المكالمة:
-أجل أنا براون...أجل أجل عند البوابة الخلفية للكلية.. سأكون عندك في لحظات
نزل من سريره وارتدى معطفه الأسود في عجل، أخذ محفظته من على مكتبه وخرج من الغرفة مسرعًا... لم يستغرق الأمر طويلًا فها قد عاد يوكي حاملاً في يده اليمنى أربعة علب من البيتزا ذات الحجم الكبير، أخذت رائحة الطعام تنتشر في أجواء الغرفة... وكأنه يعرف أني جائع للغاية! لم ينته الأمر هنا، فقد قام بتشغيل شاشة التلفاز الكبيرة تلك بعد أن قام بتوصيلها مع مشغل الـ DVDخاصته، ليكشف الستار عن مخططاته لهذه الليلة!!
" لا بأس فقد كنت أخطط لإيقاف المذاكرة هنا على كل حال" هذا ما قلته لنفسي، لذا قمت بترتيب أغراضي المبعثرة هنا وهناك وأتممت استعدادي من أجل تلك الغفوة الهانئة التي أحلم بها!
صعدت إلى سريري واستلقيت على جنبي الأيمن لأحدق بذلك الفتى الذي قد صنع جواً لا مثيل له في مشاهدة الأفلام، غرفة باردة ومظلمة، شاشة تلفاز كبيرة، أفلام ذات دقة عالية، ووجبات تغنيه عن طعام اليوم كله! إنه مستعد تماماً!! بدأ الفيلم أخيرًا، إنه للممثل الشهير ليو، أفلامه قد غزت السوق خلال السنوات الأخيرة، رغم صغر سنه فشهرته تصنف تحت كلمة "عالمية"، لست مهتماً كثيراً بالأفلام، ولكني تابعت فيلماً له مع أخي وقد كان ممتعاً، بدأ الفيلم بأحداث متسارعة، فهنا شاب يركض في وسط الغابة، تلحق به ظلال غريبة لتستوليَّ على روحه ليظهر اسم الفيلم فجأة "تائه في الظلام" ... مهلاً؟! أليس هذا هو الفيلم المنتظر لهذه السنة؟! ظننت أنه لن يعرض في السينما إلا بعد ثلاثة أشهر!! ر...ربما يكون مجرد إعلان عنه...
"بعد عدة دقائق من بداية الفيلم"
يبدو أن الأمر خلاف ما توقعت... أتساءل كيف حصل على نسخة الفيلم قبل أن يعرضَ حتى؟! ... بقيت أتابع الفيلم معه بصمت حتى أتاني النوم يطرق ببابي فاستقبلته بكل سرور...
"ريييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييين"
حاولت تغطية أذناي بالوسادة ولكن دون أية جدوى، الصوت عالٍ ومزعج للغاية! ما هو الذنب الذي ارتكبته بالضبط؟ لمَ لا يمكنني نوم ليلة واحدة بسلام؟ وفوق ذلك كله، أهو ميت أم ماذا... لمَ لا يستيقظ؟! أراهن أن الصوت قد وصل إلى الشارع! حسناً... لقد حذرته U__U أستطيع تحمل جهاز التكييف ذاك ولكن... لن أسمح لأي كان بالوقوف أمام نومي الهانئ! رفعت الغطاء عني ونزلت بخطوات ثابتة من على السرير اقتربت منه وبصوت عالٍ قلت:
- أستستيقظ من نومك أم ماذا؟!
لم أجد منه أي استجابة كما توقعت، لذا مددت يدي على هاتفه الموضوع بجوار وسادته وأغلقته بكل بساطة وعدت إلى سريري مجدداً، ولكن بعد عشر دقائق بالضبط وبصوت أعلى وأقوى من سابقه
"ريييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييين"
قمت من نومي فزعًا! ماذا الآن؟! هدأت قليلاً وبدأت بتدارك ما يحدث حولي، أراهن أنه يستمتع بإثارة غضبي! نزلت إليه لأجد على الأرض تلك الساعة الغريبة، حاملة فوقها تلك المطرقة التي تقرع الجرسين موجودان بجوارهما، قلبتها بين يدي بسرعة باحثاً عن زر يخرس صراخها المزعج، ضغطت عليه وتنهدت بعمق "أخيراً" بقيت أحدق بها في استغراب، "من أين اشتراها يا ترى؟ أتباع أشياء كهذه في السوق؟!" رفعت عيناي تجاهه... وقلت بصوت هامس: "لم يتحرك شبراً واحداً حتى!" أعدت الساعة إلى مكانها وصعدت السلم لأفاجئ بصوتها مجدداً، انزلقت قدمي وسقطت على ظهري فأطلق فمي صوتاً متضجراً "أقسم هذه الليلة لن تنتهي على خير!!" أمسكت تلك الساعة بغضب ورميتها على الجدار لتتناثر قطعها في أرجاء الغرفة، وقمت مسرعاً فاقتربت من ذلك البشري المتخلف، رفعت الغطاء عنه بعنف، وأمسكت قدميه لأسحبه من سريره بكل ما أوتيت من قوة، لأتلذذ بعهدها بسماع صرخته المتألمة! إنه النعيم بِحد ذاته!
- أنت! ما الذي فعلته؟!
- استيقظتَ أخيرًا!!
- هاه؟!
- ما الذي فعلته!! أنا الوحيد هنا الذي يحق له طرح هذا السؤال!! يا أخي، أجبني ما هو الذنب الذي اقترفته في حقك!! لم أقتل أحداً من عائلتك، ولم أسرق مالك، أو أعبث بممتلكاتك!! لمَ تستمر بإزعاجي هكذا، هاه؟! - قلتها وأنا أشعر بشيء قد سدَّ حلقي وبدأ يمنعني من متابعة الكلام! ولكني قاومته وتابعت- أخبرني ما هي المشكلة بالضبط؟! ألم تقل أن من الأفضل لكلينا ألا نتدخل في شؤون بعضنا، رجاءً لا تزعجني مجدداً!! أشعر أن عقلي سيتبرأ مني عما قريب ويجعلني أرتكب جريمة في حقك! لقد أتيت إلى هنا وكلي أمل في إيجاد مكان هادئ، لا أريد الوقوع مشاكل أنا في غنى عنها أصلاً!
ياللراحة! لقد قلت ما أريد قوله الآن، أيًا كان رده فقد جهزت قائمة طويلة من قنابل السب والشتم... ليحدث ما سيحدث فلم أعد أهتم بعد الآن، ولكن رده البارد قد قاطع تفكيري:
- حسنًا، حسناً، لقد فهمت، المهم أني استيقظت، لا حاجة لأن تبكي أيها الطفل الرقيق -__-
- لا تنادني بالطفل الرقيق، أنا...
- فهمت، فهمت! عد إلى نومك فحسب!
تجاوزني بهدوء واتجه إلى دورة المياه، "لمَ عليه الاستيقاظ في هذا الوقت أصلاً؟!" تنهدت بعمق" الكلام معه يتلف الأعصاب فعلاً!" عدت إلى سريري لأحاول اللحاق بنومي الذي هرب مني، ولكن ياللأسف فكل محاولاتي قد باءت بالفشل... بقيت أحدق في ذلك المتجمد الذي بدأ بالدراسة حتى شعرت بالنعاس وعدت إلى النوم.
إنها السادسة والنصف الآن، بدلت ثيابي وذهبت لتناول الإفطار في الكافيتيريا على أمل ألا ألتقي أي أحدٍ منهم اليوم! وقد تحققت تلك الأمنية فعلاً، اتجهت إلى صف الإحصاء بعد أن أنهيت إفطاري وأنا أهمس لنفسي "لست جيداً في الرياضيات آمل ألا تكون هذه المادة عثرة في طريقي!"
-صباح الخير روي!!
" الأحلام الجميلة لا تدوم طويلاً" : صباح النور آلن!
- هذا رائع جميعنا مجتمعون في هذا الصف أيضاً...
- جـ-جميعنا ... ><"
"لم أنهِ تلك الكلمة حتى أبصرت ذلك الرباعي يتجه نحونا، وعلى بعد أمتار منهم رأيت ظل يويكي قادم أيضًا!!، ما القصة؟ لمَ علي أن ألتقيهم في كل مكان؟!"
- أوه! إنه يوكي!!
- آلن... أرجوك لا تفعل!
"قلتها بتوسل بعد أن رأيت ذلك البريق في عينيه، ولكنه لم يلتفت لي، ركض مسرعاً وتخطى ذلك الرباعي ليعانق يوكي بخفة وسط ذلك الحشد الكبير من الطلاب وصاح بصوت عالٍ (حمدا لله أنك بخير)..."
- لـ- لقد فعلها!
*صمت*
- بففففف *ضحكات مكتومة كسرت ذلك الجمود *
التفت حولي لأرى بعض الفتيات يتهامسن ويضحكن بصوت مسموع ... تعابير صادمة اعتلت وجه كلاً من سايمون، كارل، أسوكا و أيامي، وبالطبع لم أكن أحسن حالاً منهم... ولكن صاحب أسوأ حظ فينا قد احمر وجهه بسرعة، أهو الإحراج أم الغضب يا ترى؟ شعرت برغبة شديدة في الضحك لدى رؤيتي لوجهه ولكني لست في وضع يسمح لي فيه بفعل ذلك! شد يوكي قبضته وأغمض عينيه وقال بصوتٍ هادئ يملؤه الغضب:
- آلن...
- همم...؟
- ابتعد عني قبل أن أمسك بسكين وأقطعك إرباً إربا ، وألقيك في بركة من مستحضرات التنظيف المركزة!!
- *يبتسم ويعانقه بقوة" لماذا هل تشعر بالإحراج؟! XD
نوعاً ما أشعر أن يوكي سينفذ ما قاله حرفاً حرفاً، لذا هممت بالتوجه نحوهما إلى أن ظهر ذلك الرجل الضخم من خلفهما... نظر إليهما مستحقرة وبلهجة صارم قال:
- أنتما، ابتعدا عن الطريق!
التفت ذلك الثنائي إليه لتتسع عينا آلن بصدمة:
- د... دكتور!!
حرر آلن يوكي من أحضانه وانحنى إلى ذلك الرجل: أنا حقاً آسف، إنها غلطتي... تقدم يوكي وفعل مثلما فعل آلن... لا بد أنه أستاذ هذه المادة، بقي ذلك الوغد يحدق بهما في استحقار... تجاوزهما وقال بلهجة متذمرة "سحقاً، أطفال هذه الأيام!" تقدم وأخرج بطاقته ليفتح ذلك الباب الإلكتروني... دخل وبدأنا بالدخول من بعده، ألقيت نظرة خاطفة على يوكي الذي أخذ آخر كرسي في الصف وراح يتمتم بتمتمات غريبة... أنا لا ألومه!
- احم، قبل أن أبدأ بشرح محاضر هذا اليوم ... أود إخباركم أني انتهيت من تصحيح الاختبار القصير الذي أعطيتكم إياه في الأسبوع الماضي... "يصمت لبرهه ثم يصرخ" فاشلون!! إن كان هذا هو مستوى ذكائكم فأعدكم ألا ينجح أياً منكم هذا العام!! ( أخرج الأوراق من حقيبته وألقاها في الأرض بغضب وتابع) " درس اليوم صعب للغاية على أمثالكم... لن أسمح بأي مقاطعة من أي أحد حتى نهاية المحاضرة وآضح؟!
- حسناً في البداية............................................................................................... مفهوم؟!
................................................... واضح؟!
.................................................. وهكذا انتهى الدرس!!
(جميع الطلاب: @__@)
- لنرَ الطالب شيزورو روي! أهو هنا؟!
- وقفت متفاجئاً: أنا حاضر ...
- لديك اختبار قصير الأسبوع القادم في هذه المحاضرة! مفهوم!!
- أ-أجــل!
- الحاضرين اليوم هم ............ يمكنكم الانصراف الآن!
قام ذلك الدكتور المختل من على كرسيه وخرج من الصف، ليقوم الطلاب من بعده ويبحثوا عن أوراقهم المشؤومة! ظل يوكي يحدق بهم في برود حتى فرغوا من بحثهم وقام فجمع باقي الأوراق ليعثر على ورقته ببساطة من بينها وخرج من الصف بصمتٍ تام....
- روي ما الذي تحدق فيه... لنخرج من الصف هيا!
- أوه، حسنًا! " أتساءل إن كان يوكي سيجعل الأمر يمر على خير" بالمناسبة يا شباب، أين أجد القاعة 390 ؟! محاضرتي القادمة فيها...
- إنه في القسم C أتذكر الطريق إلى قاعة مادة الإدارة يوم الأمس...
- أجل...
- لقد كان رقم تلك القاعة 380 ، ستجد قاعتك في نفس الممر...
- شكراً لك سايمون، أراكم لاحقاً يا شباب...
ودعتهم واتجهت بخطوات سريعة إلى المبنى C يجب ألا أتأخر!
يتبع