الإمارة في الأندلس
(138-422هـ/ 750-1031م)
عبدالرحمن الداخل:
لما قامت الخلافة العباسية طارد العباسيون الأمويين، ويشاء الله أن يفلت من أيديهم واحد من بنى أمية : أتدرى من هو؟ إنه عبدالرحمن بن معاوية بن هشام حفيد هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين.
لقد هرب إلى فلسطين، ومنها إلى مصر ثم المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفى عن عيون العباسيين ومكث عند أخواله الذين أكرموه.
ومن هناك راح ينتقل من "برقة" إلى "المغرب الأقصى" حتى وصل إلى مدينة "سبتة" سنة 137هـ/ 755م، وراح يُعِدّ العدة ويلتقط أنفاسه، ويرسم الخطوط العريضة لإقامة دولة يحيى بها مجد آبائه وأجداده الأمويين.
وأخذ يتطلع إلى "الأندلس الإسلامية" ليقيم فيها الخلافة الإسلامية الأموية من جديد، فهى البلاد التى فتحها الجيش الإسلامى بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، زمن الأمويين منذ سنة 92هـ/711م، وإليهم يرجع الفضل فى فتحها!
ولقد استقرت بها طوائف من أهل الشام وجُنْدِه الموالين للبيت الأموى.
وهنا أرسل "عبد الرحمن" أحدَ أتباعه، وهو مولاه "بدر"؛ ليجمع كلمة الذين يدينون لبنى أمية بالولاء والانتماء، ورَحّبَ به أنصارُ بنى أمية، ورأَوْا فيه شخصًا جديرًا بأن يتولى زعامتهم بدلا من ذلك الوالى العباسى، وعبر البحر إلى شاطئ الأندلس، وهناك انضمّ إليه أنصارُ بنى أمية، فقد انتهز عبد الرحمن الداخل فرصة الخلافات بين العرب المُضَريِّين والعرب اليمنيين فى الأندلس، فانضم إلى اليمنيين لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، وهزم المضريين بقيادة يوسف الفهرى فى موقعة "المصارة" فى 138هـ/ 756م، فاستولى على مدن البلاد الأندلسية الجنوبية دون مقاومة، ثم راح يستولى على "قرطبة" عاصمة "ولاية الأندلس" سنة 141هـ/ 759م، بعد هزيمة الوالى العباسي، وأعلن نفسه أميرًا، وأصدر عفوّا عامًا غداة دخوله قرطبة ليمكن لنفسه فى البلاد، وتم له ما أراد بعد بضع سنوات فقط من تولى العباسيين عرش الخلافة فى بغداد، وبهذا انفصلت ولاية الأندلس، عن الخلافة فى بغداد انفصالا رسميّا.
ولكن ماذا كان موقف العباسيين من هذا الذى زاحمهم فى الأندلس، بل وأنهى حكمهم هناك؟
ظل "عبد الرحمن الأموى" يعمل طوال مدة حكمه التى استمرت ثلاثة وثلاثين عامًا على تأمين مركزه فى جميع أجزاء دولته الجديدة، فأخمد الفتن، وأحبط الدسائس، وقضى على تلك المحاولات التى قام بها العباسيون لإخراجه من الأندلس.
صقر قريش:
لقد أرسل أبو جعفر المنصور إليه جيشًا بقيادة العلاء بن مغيث لإخضاع، الأندلس فهزمه عبد الرحمن بن معاوية وقتل العلاء.
فماذا فعل المنصور؟ وكيف كان رد الفعل؟
لم يحاول المنصور العباسى أن يُعيِّن على الأندلس أحدًا بعد هذا الذى قُتل.
ولم يحاول أن يرسل جيشًا لحربه، بل فَضَّل أن يقر بالأمر الواقع ويعترف له بلقب: "صقر قريش"، فقد أطلق عليه أبوجعفر المنصور هذا اللقب لاعترافه بشجاعته وقوته، فيروى أن أبا جعفر قال يومًا لبعض جلسائه: "أخبرونى من صقر قريش من الملوك،؟ قالوا ذلك أمير المؤمنين الذى راضى الملوك، وسكن الزلازل، وأباد الأعداء، وحسم الأدواء (يقصدون أبا جعفر المنصور). قال : ما قلتم شيئًا. قالوا : فمعاوية ؟قال: لا. قالوا: فعبد الملك بن مروان؟ قال ما قلتم شيئًا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين ؟ قال صقر قريش عبدالرحمن بن معاوية الذى عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدًا أعجميّا منفردًا بنفسه فمصَّر الأمصار، وجنّد الأجناد، ودَوَّن الدواوين، ونال ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة شكيمته، إن معاوية نهض بمركب حمله عمر وعثمان عليه وذلَّلا له صعبه، وعبد الملك ببيعة أبرم عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عترته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد بأمره مستصحب لعزمه، فمد الخلافة بالأندلس، وافتتح الثغور وقتل المارقين وأذل الجبابرة الثائرين".
أخلاق عبدالرحمن:
وقد كان عبد الرحمن جوادًا بسيطًا متواضعًا، يؤثر لبس البياض، ويصلى بالناس الجمع والأعياد، ويحضر الجنائز، ويعود المرضى، ويزور الناس ويخاطبهم، وكان نقش خاتمه "عبد الرحمن بقضاء الله راض " و "بالله يثق عبد الرحمن به يعتصم"، وكان شاعرًا بليغًا عالمًا بأحكام الشريعة.
ولقد اكتفت الخلافة العباسية ببقاء عبد الرحمن الأموى بعيدًا عنها فى إمارته.
النهضة العمرانية:
وراح عبد الرحمن يبنى، ويعمر، ويُعيدُ الحياة الآمنة الهادئة إلى ربوع الأندلس أكثر من ثلاثين سنة.
ولقد قابلته صعوبات وعقبات، منها تلك الفتن التى نشبت بين المضرية واليمنية، وهما من العرب، وكان هناك خطر جاثم يتمثل فى "دولة الفرنجة" (فرنسا الآن)، وكانت هناك أسبانيا النصرانية التى استطاعت أن تكون مملكة فى الشمال الغربى من شبه جزيرة أيبيريا (أسبانيا).
ولقد استطاع أهل مدينة سرقسطة مع واليهم أن يصدوا هجوم شارلمان سنة 161هـ/ 778م.
وقد استطاع عبد الرحمن أن ينافس العباسيين فى بغداد، وفاقت حضارة بلاده حضارات الدولة الأوربية المعاصرة لها، وقد أعاد عبد الرحمن بناء مسجد قرطبة
(138-422هـ/ 750-1031م)
عبدالرحمن الداخل:
لما قامت الخلافة العباسية طارد العباسيون الأمويين، ويشاء الله أن يفلت من أيديهم واحد من بنى أمية : أتدرى من هو؟ إنه عبدالرحمن بن معاوية بن هشام حفيد هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين.
لقد هرب إلى فلسطين، ومنها إلى مصر ثم المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفى عن عيون العباسيين ومكث عند أخواله الذين أكرموه.
ومن هناك راح ينتقل من "برقة" إلى "المغرب الأقصى" حتى وصل إلى مدينة "سبتة" سنة 137هـ/ 755م، وراح يُعِدّ العدة ويلتقط أنفاسه، ويرسم الخطوط العريضة لإقامة دولة يحيى بها مجد آبائه وأجداده الأمويين.
وأخذ يتطلع إلى "الأندلس الإسلامية" ليقيم فيها الخلافة الإسلامية الأموية من جديد، فهى البلاد التى فتحها الجيش الإسلامى بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، زمن الأمويين منذ سنة 92هـ/711م، وإليهم يرجع الفضل فى فتحها!
ولقد استقرت بها طوائف من أهل الشام وجُنْدِه الموالين للبيت الأموى.
وهنا أرسل "عبد الرحمن" أحدَ أتباعه، وهو مولاه "بدر"؛ ليجمع كلمة الذين يدينون لبنى أمية بالولاء والانتماء، ورَحّبَ به أنصارُ بنى أمية، ورأَوْا فيه شخصًا جديرًا بأن يتولى زعامتهم بدلا من ذلك الوالى العباسى، وعبر البحر إلى شاطئ الأندلس، وهناك انضمّ إليه أنصارُ بنى أمية، فقد انتهز عبد الرحمن الداخل فرصة الخلافات بين العرب المُضَريِّين والعرب اليمنيين فى الأندلس، فانضم إلى اليمنيين لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، وهزم المضريين بقيادة يوسف الفهرى فى موقعة "المصارة" فى 138هـ/ 756م، فاستولى على مدن البلاد الأندلسية الجنوبية دون مقاومة، ثم راح يستولى على "قرطبة" عاصمة "ولاية الأندلس" سنة 141هـ/ 759م، بعد هزيمة الوالى العباسي، وأعلن نفسه أميرًا، وأصدر عفوّا عامًا غداة دخوله قرطبة ليمكن لنفسه فى البلاد، وتم له ما أراد بعد بضع سنوات فقط من تولى العباسيين عرش الخلافة فى بغداد، وبهذا انفصلت ولاية الأندلس، عن الخلافة فى بغداد انفصالا رسميّا.
ولكن ماذا كان موقف العباسيين من هذا الذى زاحمهم فى الأندلس، بل وأنهى حكمهم هناك؟
ظل "عبد الرحمن الأموى" يعمل طوال مدة حكمه التى استمرت ثلاثة وثلاثين عامًا على تأمين مركزه فى جميع أجزاء دولته الجديدة، فأخمد الفتن، وأحبط الدسائس، وقضى على تلك المحاولات التى قام بها العباسيون لإخراجه من الأندلس.
صقر قريش:
لقد أرسل أبو جعفر المنصور إليه جيشًا بقيادة العلاء بن مغيث لإخضاع، الأندلس فهزمه عبد الرحمن بن معاوية وقتل العلاء.
فماذا فعل المنصور؟ وكيف كان رد الفعل؟
لم يحاول المنصور العباسى أن يُعيِّن على الأندلس أحدًا بعد هذا الذى قُتل.
ولم يحاول أن يرسل جيشًا لحربه، بل فَضَّل أن يقر بالأمر الواقع ويعترف له بلقب: "صقر قريش"، فقد أطلق عليه أبوجعفر المنصور هذا اللقب لاعترافه بشجاعته وقوته، فيروى أن أبا جعفر قال يومًا لبعض جلسائه: "أخبرونى من صقر قريش من الملوك،؟ قالوا ذلك أمير المؤمنين الذى راضى الملوك، وسكن الزلازل، وأباد الأعداء، وحسم الأدواء (يقصدون أبا جعفر المنصور). قال : ما قلتم شيئًا. قالوا : فمعاوية ؟قال: لا. قالوا: فعبد الملك بن مروان؟ قال ما قلتم شيئًا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين ؟ قال صقر قريش عبدالرحمن بن معاوية الذى عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدًا أعجميّا منفردًا بنفسه فمصَّر الأمصار، وجنّد الأجناد، ودَوَّن الدواوين، ونال ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة شكيمته، إن معاوية نهض بمركب حمله عمر وعثمان عليه وذلَّلا له صعبه، وعبد الملك ببيعة أبرم عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عترته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد بأمره مستصحب لعزمه، فمد الخلافة بالأندلس، وافتتح الثغور وقتل المارقين وأذل الجبابرة الثائرين".
أخلاق عبدالرحمن:
وقد كان عبد الرحمن جوادًا بسيطًا متواضعًا، يؤثر لبس البياض، ويصلى بالناس الجمع والأعياد، ويحضر الجنائز، ويعود المرضى، ويزور الناس ويخاطبهم، وكان نقش خاتمه "عبد الرحمن بقضاء الله راض " و "بالله يثق عبد الرحمن به يعتصم"، وكان شاعرًا بليغًا عالمًا بأحكام الشريعة.
ولقد اكتفت الخلافة العباسية ببقاء عبد الرحمن الأموى بعيدًا عنها فى إمارته.
النهضة العمرانية:
وراح عبد الرحمن يبنى، ويعمر، ويُعيدُ الحياة الآمنة الهادئة إلى ربوع الأندلس أكثر من ثلاثين سنة.
ولقد قابلته صعوبات وعقبات، منها تلك الفتن التى نشبت بين المضرية واليمنية، وهما من العرب، وكان هناك خطر جاثم يتمثل فى "دولة الفرنجة" (فرنسا الآن)، وكانت هناك أسبانيا النصرانية التى استطاعت أن تكون مملكة فى الشمال الغربى من شبه جزيرة أيبيريا (أسبانيا).
ولقد استطاع أهل مدينة سرقسطة مع واليهم أن يصدوا هجوم شارلمان سنة 161هـ/ 778م.
وقد استطاع عبد الرحمن أن ينافس العباسيين فى بغداد، وفاقت حضارة بلاده حضارات الدولة الأوربية المعاصرة لها، وقد أعاد عبد الرحمن بناء مسجد قرطبة