الجمال
1/ تعريفه : الجمال ضد القبح ،و هو الحسن و الزينة ،و منه الحديث : (إن الله جميل يحب الجمال)
أي حسن الأفعال ، كامل الأوصاف واصطلاحا :حسن الشيء و نضرته و كماله على
وجه يليق به ومعنى ذلك ،أن كل شيء جماله وحسنه كامن في كماله اللائق به
،الممكن له ،فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال، و إن
كان الحاضر بعضهافله من الحسن و الجمال بقدر ما حضر. فالفرس الجميل هو
الذي جمع كل ما يليق بالفرس الكامل، من هيئة وشكل ولون وحسن عدو ،وتيسر كر و
فر عليه. و الخط الجميل هو الذي جمع ما يليق بالخط ،من تناسب الحروف و
توازيها ، و استقامة ترتيبها ،و حسن انتظامها ،فلا يجمل الإنسان بما يجمل
به الحيوان مما هو من خصوصيته ،و لا يجمل الخط بما يجمل به الصوت تخصيصا ،و
لا تجمل الأواني بما تجمل به الثياب خاصة ،و هكذا سائر الأشياء
2/ أهميته : الجمال سمة واضحة في
الصنعة الإلهيه ،و حيثما اتجه الإنسان ببصره، يجد من صنع الله ما يجذبه
بلونه، أو يستهويه بصوته، أو يتملك فؤاده بدقته المتناهية وصنعته المحكمة،
فهو –أي الجمال – بعض آيات الله، التي أودعها في خلقه، وطلب الإنسان أن
ينظر فيه، ويستجلى أسراره، ويستقبل تأثيراته، و يعتبر بعبرته قال تعالى :
((هو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل
شيء، فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا، و من النخل من طلعها قنوان
دانية و جنات من أعناب، و الزيتون و الرمان مشتبها و غير متشابه، انظروا
إلى ثمره إذا أثمر و ينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)) فقد تضمنت
الآية جمالا من الطبيعة و مظاهرها ،ما يدعو المرء إلى النظر و التأمل فيها
، بل إن هذا الجمال ما ذكر هنا ليحفظ و يعلم فحسب ،و لكنه ذكر أيضا كي
يستمتع به الإنسان ،لأن المنفعة المادية ، ليست وحدها هي الغاية من خلق هذه
المخلوقات ، على هذا الوجه، و لكن ((الجمال ))كذلك منفعة معنوية ، لأنه
مما يستمتع به الإنسان لذلك قال الله تعالى في الأنعام (( و الأنعام خلقها لكم فيها دفء و منافع و منها تأكلون و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون
)) فذكر الله تعالى المنافع المادية و أعقبها بالمنافع المعنوية و
المتمثلة في الناحية الجمالية التي تحدثها في نفس صاحب الأنعام أو غيره.
3/ مقومات الجمال : و لكي يكون الشيء جميلا ، لا بد أن يتضمن الأمور الآتية:
أ-السلامة من العيوب : فكل شيء
جميل ،يدرك جماله و حسنه بسلامته من العيوب ،و خلوه من أي خلل و نقص . و قد
لفت القرآن الكريم النظر إلى التأكد من وجود هذه السمة في الجمال ،و ذلك
بعد تسجيله بعض مظاهر الجمال في الكون ، ففي الحديث عن جمال السماء، قال
تعالى : ((أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و مالها من فروج)) فقد نصت الآية على جمال السماء و زينتها ،و أنها سالمة من الشقوق. و ما ذلك إلا نفيا للعيوب عنها ،وتأكيدا على جمالها.
ب-التناسق و التنظيم: و هو سمة
أخرى للجمال تقوم أساسا على التقدير و الضبط و الإحكام و تحديد نسب الأشياء
بعضها إلى بعض ، في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت، وقد تحدث القرآن
الكريم عن هذه السمة، مقررا اعتبارها في أصل الخلقة والتكوين ،قال تعالى:
((و خلق كل شيء فقدره تقديرا )) سواء كان
صغيرا أو كبيرا، ناطقا أو صامتا ، متحركا أو ساكنا. إننا لو ألقينا نظرة
فاحصة على الإنسان ، لأدركنا التناسق الذي يتجمل به هذا المخلوق الصغير ،و
لعل قوله تعالى : ((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك
)) إضافة إلى دلالته على الإحكام و التقدير و التسوية و التعديل، فانه
يشير إلى دقة التناسق بين عقل الإنسان و روحه وجسده ،و التناسق بين أعضاء
جسمه وبين الأعضاء الأخرى، و التناسق بين أجهزة عضو من أعضائه ،و بين سائر
الأجهزة
ج-النص و التعيين : ليس كل جمال
في هذا الكون الفسيح ، مما يدركه الإنسان ، دون أن يساعده في تعينه وحي من
السماء ، فإن الكون أوسع من أن يحيطه الإنسان بعقله المحدود، و قد يخفي
عليه وجه الجمال في شيء من الأشياء لا لخلل يرجع إلى الشيء نفسه، أو كونه
فاقدا للتناسق و التنظيم، و لكن لكون الإنسان عاجزا عن إدراكه، و قاصرا عن
الإحاطة به، و لعل مجال الجمال المعنوي أكبر دليل على ذلك، إذ لو لم يتم
النص عليه و التعيين له بالوحي، لما أدركه الإنسان، و لظل جاهلا دهرا طويلا
بمجال رحب للجمال الذي لا غنى له عنه .وسيأتي تفصيل ذلك في الفقرة
التالية:
4/ أنواع الجمال : الأشياء التي
تنتظم هذا الكون الفسيح ، إما أن تكون أجساما ، لها طول و عرض و عمق
كالإنسان و الحيوان ، و السمماء و الأرض ، و الشمس و القمر ، و نحوها ، و
إما أن تكون معان ، كالأقوال و الأفعال و الأسماء و الصفات و نحوها و على
هذا ، يمكن تقسيم الجمال إلى قسمين:-
أ-جمال حسي: و هو الذي يدرك
بالحس، كجمال الطبيعة في سمائها وأرضها و شمسها وقمرها و ليلها ونهارها
وبرها وبحرها ، وكجمال الإنسان من حيث تكوينه، وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا
من مظاهر الكون مشيرا إلى جمالها الحسي، كي ينتفع به الإنسان، ويشكر ربه
الذي سخر له الكون وما فيه، قال تعالى عن الأنعام : ((و
الأنعام خلقها لكم فيها دفء و منافع كثيرة و منها تأكلون ، و لكم فيها
جمال حين تريحون و حين تسرحون ، و تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه
إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم، و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و
زينة و يخلق ما لا تعلمون)) و قال تعالى عن الإنسان : ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) ثم فسر قوله ((أحسن تقويم )) بقوله تعالى : ((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ))
فهذه الآية و تلك ، تعبران عن الهيكل الجمالي الذي بني عليه الإنسان.
فالجمال سمة بارزه في الإنسان ، مثلما هو مبثوت في الأعيان الأخرى ، و هو
في الحقيقة آية عظيمة ، تدل على قدرة الخالق سبحانه و تعالى و إبداعه ، إذ
إنه لم يخلق الخلق فحسب ، و لكنه خلق فأحكم ، و برأ فأبدع ، و صبغ فأحسن ، و
لا يستطيع أحد – و لو أعانه أهل الأرض جميعا – أن يأتي بمثل خلقه في
الجمال و الإبداع.
ب – جمال معنوي : و يتمثل في أمور
كثيرة ، لا تدرك بالحس و الرؤية ، و لكنها تدرك بالعقل الواعي ، و البصيرة
المفتوحة . و يمكن تصنيفها كالأتي:-
- الأقوال : فالجمال المعنوي موجود في الأقوال الحسنة ، و الألفاظ الطيبة، قال تعالى : (( و من أحسن قولا ممن دعا الى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين
)) فقد جعل الله الدعوة إلى الإسلام ، و النطق بكلمة الشهادة من أحسن
الأقوال و أجملها ، فدل ذلك على أن الجمال موجود في الأقوال التي يقولها
الناس ، و في الألفاظ التي ينطقونها لا من حيث تركيبها اللفظي و صياغتها
البلاغية، و لكن بالنظر إلى ما تحمله من المعاني و المدلولات.
- الأفعال : و الفعل قرين القول ،
بل إن القول إذا لم يقترن بالفعل ، لا يبلغ الكمال في الحسن ، و لهذا ذكر
الله تعالى في الآية السابقة قوله : (( و عمل صالحا
)) ، إذ القول وحده – مهما كان جميلا – لا يكفي صاحبه ، لاعتباره مسلما ،
ما لم ينضم إليه فعل و لهذا أورد أهل العلم تعريفا جميلا عن الإيمان فقالوا
: (( هو نطق باللسان ، و عمل بالأركان ، و تصديق بالجنان)) و على العموم ،
فان الجمال يوجد في الفعل كما يوجد في القول.