تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
السلام عليكم ورحمة الله كيف حالكم جميعًا.. الطقم برعاية السكر @ρsүcнσ أولًا أعتذر على تأخر الفصل XD بصراحة كنت أنوي أن أجعل الفصل يوم السبت القادم وأوفر على نفسي فصلًا جاهزًا ههههههه لكن هذا كان سيزيد كسلي في الكتابة إن سمحت لنفسي أن أضع الفصل كل أسبوعين أو ثلاثة كما قالت أكا والشيء الثاني أن ويمي صعبت علي هههه الفتاة لتوها بدأت بمتابعة الرواية وتحدني فجأة أتأخر في الفصول XD لذلك لم أرد تخييب أملها وأملكم جميعًا والشيء الثالث أنني لم أرد أن أخيب أمل ابن اختي أحمد والذي هو متابع للرواية من خلف الكواليس ودائمًا هو أول شخص يقرأ الفصل ويخبرني برأيه ^^ بالمناسبة هو سجّل في المنتدى خصيصًا فقط ليرد على فصول روايتي..>بعد إصرار وإلحاح مني هههه والآن هو في امتحانات آخر سنة من الثانوية دعواتكم له.. وهذا الفصل أيضًا تشجيع له ليقرأه في أوقات الراحة من المذاكرة >آمل ألا تغضب أمه علي ههههه لذلك أحب أن أبلغه شكري الحار.. شكرًا يا أحمد الفصل هذه المرة أقصر من الفصول السابقة ولكن هذا بالطبع أفضل من ألا يكون هناك فصل أبدًا رواية عيون لا ترحم [16] أصبحتُ وحيدة! -1- [قمر] الغضب.. فجّر كل عروقي، تلك الحقيرة التي همستْ لي بذلك ستلقى جزاءها حتمًا.. وما حدث في اللحظات التالية كان مشهدًا تذكره الجميع بعد ذلك! فقد دفعتُ مرفقي بقوة في بطن الفتاة خلفي، تأوهت بألم ويدها ترتخي من على وجهي، فرفعتُ يدها بسرعة ولويتها خلف ظهرها ثم ركلتُها بظهرها لتسقط أرضًا تحت أرجل البنات اللواتي انتبه جزء منهن إلى حدوث مشاجرة، فابتعدن خائفات. ولم يتبق سوى البنات اللواتي كنّ يضربن عائشة بقصد. فوجئت بهن يهجمن عليّ مرة واحدة، تعرفتُ على بعضهن.. كنت أراهن أحيانا في مدرسة فنون القتال! يبدو أنهن عصابة ضرب من الفتيات أيضًا، استأجرهن سمير لضربي وضرب صديقتي عائشة.. من الواضح أن العصابات التي تقلّد عبيدة أصبحت تكبر وتكبر.. مما يزيد كرهي لعبيدة! أمسكتْ إحداهن شعري وسحبتْه بقسوة إلى الخلف، في حين دفعتني إحداهن لأقع أرضًا، هتفت عائشة بقلق: قمر..! لكنني بمجرد سقوطي على الأرض رفعتُ قدميّ الاثنتين ثم وجهتُهما إلى الفتاة التي تقف أمامي ودفعتني قبل قليل، ركلتُها بقوة في صدرها فتراجعت إلى الخلف وسقطت على زميلتها الأخرى لتسقط الاثنتان أرضًا.. في نفس الوقت اعتدلتُ وأنا أقفز دائرة في مرونة نادرة لم أتعلمها سوى من سامي، جعلت بعض الفتيات تشهق بذهول، ودفعتُ بركلاتي الفتيات الثلاث اللواتي كنّ يقفن حولي.. "توقفن!" كان هذا صوت المعلّمة المناوبة في فترة الراحة، في اللحظات التالية كنت أنا وعائشة نقف في مكتب المديرة على جانب ومجموعة الفتيات اللواتي هاجمنني في الجانب الآخر. وقفت أمامنا المديرة بهدوء مخيف ثم قالت بصوت حازم: والآن هل يمكنكن إخباري بما حدث؟ هممتُ بالتكلّم، فسبقتني تلك الفتاة الضخمة وهي تقول للأستاذة بلهجة باكية مشيرة إلى تلك الخدوش الطفيفة في وجهها والتي تسببتُ بها عندما ضربتُها: لا شك أنك رأيتنا يا معلمّة وقمر تضربنا. نحن لم نفعل شيئًا سوى محاولة الدفاع عن أنفسنا. كان الذهول يُوشك أن يظهر على وجهي لكنني تماسكت، طبيعي أن تنكر.. تلك الفتاة النذلة! لا تريد طبعًا عقابًا بالفصل من المدرسة أو حتى بالفصل لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع..! نظرتُ إليها ببرود مستنكرة ذلك الوجه الضعيف الذي ترتديه أمام المعلمة! لكنها تجاهلت نظراتي طبعًا.. نظرتْ إليّ المعلّمة قائلة بصرامة: أهذا ما حدث يا قمر؟ منعتُ نفسي من الانفعال بصعوبة وأنا ألتفت إلى عائشة الواقفة بجانبي وأشرتُ إلى الكدمات الزرقاء في عينيها ووجها قائلة بهدوء: يمكنك تخمين ما حدث يا أستاذة من وجه عائشة.. فهن من بدأن في ضربها ووإيذائها ثم حاولن الاعتداء عليّ عندما هممتُ بالدفاع عنها، فدافعتُ عن نفسي وحسب. زمجرت الأستاذة وهي تنظر إلينا نحن الاثتنين بحدّة وهي تضرب على المكتب: كلاكما تقولان أن ما حدث كان دفاعًا عن النفس، إذن من الذي بدأ بالله عليكم؟ تكلّمت عائشة في تلك اللحظة باندفاع وقالت: كما قالت قمر يا أستاذة، لقد ضربوني وأنا أشتري من المقصف، بل وداسوني تحت أقدامهم.. وكما ترين وجهي.. وجهي مغطّى بالكدمات، وأنا لا أجيد أصلا الدفاع عن نفسي.. كيف أكون من بدأتُ الاعتداء إذن؟ قالت الكلمة الأخيرة بصوت متحشرج، التفتُ إليها لأجد عينيها دامعتين، وبدأت بالبكاء وغطّت وجهها بيديها.. شعرتُ بإشفاق شديد على عائشة فهي فعلًا مسكينة، هي لا تتحمل أصلًا أن يتم الاعتداء عليها ولا تستطيع ضرب أي فتاة، فكيف أن يُوجّه لها اتّهام بذلك؟ طوقتُها بذراعيّ وضممتُها إليّ وأنا أربتُ على رأسها بحنان وعطف، هدأت الأستاذة قليلًا عندما رأت عائشة تبكي وسكتت، نظرتُ إليها بانفعال وقلتُ: كما رأيت يا أستاذة أنا وعائشة ضحيًتان لهؤلاء.. ابتسمت الأستاذة وقالت بلهجة تخفي سخريتها: قد أصدّق يا قمر أن عائشة ضحيّة بالفعل، لكن لا أستطيع تصديق ذلك بشأنك! نظرتُ إلى تلك الفتاة الضخمة فوجدت ابتسامة خبيثة ترتسم على مُحيّاها، فازداد غيظي وأنا أقول للأستاذة بقوة: لا يوجد سبب يدفعني للبدء بالاعتداء على شخص ما سوى أن يكون هذا الشخص قرر إيذائي أو إيذاء شخص قريب مني! اندفعت تلك الفتاة تقول بصوت أجش: لقد كسرتِ يد أحد الأولاد قبًلا بدون سبب، فليس هناك مانع من أن تعتدي على فتيات من مدرستك بدون سبب وجيه أيضًا.. فأنت شخصية مريضة تحبين الاعتداء على غيرك! حدّقتُ إليها ببرود شديد أخفي ذلك الانفعال الخطير الذي بدأ يتكوّن داخلي وأكتم تلك الرغبة الشديدة في صفعها. هذه الفتاة لا شك أن من أرسلها سمير فعلًا.. يريد الانتقام منّي! فإن استطاعو الاعتداء عليّ سينتقم لنفسه، وإن لم يستطيعوا وطرحتُهم أرضًا – كما حصل قبل قليل – سيظهر للجميع أنني من اعتديتُ عليهم وستزداد سمعتي تشويهًا! وبهذا ينتقم لنفسه أيضًا..! ذلك الجبان، لماذا لا يأتي بنفسه للانتقام منّي؟! وفي لمحة نادرة لم أعتدها على نفسي نظرتُ إلى الأستاذة متجاهلة تمامًا كلمات تلك الفتاة وقلتُ بثبات: أعتذر يا أستاذة ولكن أرجو أن تسمحي لنا بالذهاب إلى غرفة المشرفة الطبيّة لتضميد وجه صديقتي عائشة، وأنا مستعدة لتلقي العقاب الذي تريدينه.. المهمّ ألا تتورط عائشة معي! تنهدت الأستاذة وهي تنظر إلى وجه عائشة المحمّر ورموشها المبللة من إثر الدموع، ثم أشارت لي بيدها قائلة: تفضلي. وسنبلغ ولي أمرك بذلك. تسمّرت في مكاني وأنا أهمّ بالخروج، وليّ أمري؟!! في العادة عندما يحدث استدعاء لوليّ أمري، كانت أماني.. هي من تحضر، الآن.. أظنّ أن زوجة عمي هي المُخوّلة بذلك! رغم أنني لا أتقبلها كثيرًا.. لكن أن تأتي هي أفضل من قدوم عمّي بأية حال.. آه تبًّا! الوضع سيتأزم أكثر.. لكن لا شك أن زوجة عمّي طيبّة جدا وستصدّق ما حدث معي.. ورغم شعوري بالتضايق الشديد لكنني غمغمتُ وأنا أخرج مع عائشة بيأس: فهمتُ..! -2- [نور] وضعتُ رأسي أضغط على صدغي على أمل أن يخفّ الصداع قليلًا، لم أنم أي لحظة منذ الساعتين اللتان نمتهما البارحة..! الهمّ والألم يفتكان برأسي. كنتُ مستلقيًا على سرير إيلين بتعب وأنظر إليها وهي تلعب بالمكعبات، ثم تأتي وتضع المكعبات على صدري وتضحك..! إنها إنسانة خالية من الهموم فعلًا..! آه تتساءلون لمَ أنا نائم على سريرها؟ لأنني كنت أدعوها إلى النوم، فالساعة على وشك أن تصل إلى السابعة مساءً وأنا لحدّ الآن لم أنم، فمنذ عدت من عند بيت فيتال وأنا مصدوم تمامًا.. حاولتُ النوم ولكن على الرغم من إرهاقي لم أستطع.. أفكر بكل شيء.. المافيا الإيطالية..أمّي.. بوارو.، وازدادت تساؤلاتي بشكل مُلح. ما علاقة أمي بالمافيا الإيطالية؟! وقمتُ إلى جهازي المحمول وبحثت عنهم. وحصلتُ على عدة معلومات يتناقلها روّاد الإنترنت. وكم فوجئت بأن المدينة التي نسكن فيها من بين المدن التي تُعد فيها المافيا منتشرة، وإذا كانت المافيا الإيطالية هي من خطفت فيتال.. إذن، أمي من المافيا؟؟ لا أستطيع التصديق.. بل لا أريد التصديق! فماذا سيكون دافعها؟ دافع أم طيبة وهادئة مثل أمي للانضمام لهم والمشاركة بجرائمهم..؟! فوجئت حينها أن الساعة قد شارفت على الثانية ظهرًا وأنا لم أنم بعد! واضطررت إلى إحضار إيلين من الحضانة. ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أقنعها بأن تنام حتى الغد لترحمني. فلن أستطيع النوم مع وجودها مستيقظة! لكن إيلين نامت بعمق في الليل كما أن حضانتها يسمحون لها بنوم قيلولة لمدة ساعتين، مما يعني أنها ستظل مستيقظة حتى الساعة التاسعة على الأقل! ولا يوجد في المنزل أحد غيري.. كدتُ أتصل بأمي وأتوسل إليها أن تجعل الخادمة إيليت تأتي لتعتني بها وأرتاح.. لكنني أكره إيليت حقا! أفضّل أن أبقى أنا مع إيلين على أن تأتي هي حتى لو كنتُ سأرتاح..! كدتُ أهتف فرحًا عندما سمعتُ طرق الباب، وركضت إيلين إليها وهي تدخل في الصالة، كانت أمّي على غير عادتها تبدو ذابلة ومُرهقة. وفي عينيها الجميلتين حلّ الحزن العميق والغم! سكتتُ واقفًا وأنا أراها تحتضن إيلين بحنان بعد أن أعطتها قطعة حلوى مغلفة وتلك الأخرى تشتكي مني كالعادة أنني لم ألعب معها بما يكفي! لكنّ أمي ابتسمت قائلة وهي تداعب شعرها: لقد ظلّ معك نور طوال اليوم.. عليك أن تشكريه يا إيلين! يا للغرابة، لأول مرة تأمر أمي إيلين أن تشكرني..! قامت أمي واقفة ونظرتْ إليّ بلطف حزين وقالت: شكرًا لك يا نور على العناية بإيلين طوال اليوم..! توردت وجنتاي للهجتها الجدّية الشاكرة، وتمتمتُ وأنا أشيح بوجهي: لا.. لا شكر على واجب! ثم تطلعتُ إليها متسائلًا: لماذا لم يأتي بوارو معكِ؟ أهو بخير؟ أطرقتْ برأسها في حزن وهي تفتح الحلوى لإيلين التي لم تستطع فتحها: بوارو بدأ أولى جلسات علاجه اليوم، ونظرًا لحالته الصعبة سيبقى في المستشفى لحاجته للعناية في كل لحظة، ولأنني لن أستطيع المبيت معه لأجلكم قررت زيارته فقط في الصباح.. صمتتُ وأنا أرى وجه أمّي المرهق يكسوه الأسى، جلستْ إيلين على الطاولة وهي مشغولة بالتهام الحلوى في نهم طفولي.. شردتُ في منظرها، كم كنت أتمنى أن يتغير مزاجي إلى الأفضل بسبب قطعة حلوى مثل إيلين! فوجئت بأمي تقترب منّي حتى وقفتْ أمامي، نظرتُ إلى وجهها، كانت تريد قول شيء لي.. وأنا أيضًا، تذكرتُ ما حدث اليوم، فيتال كان مخطوفًا. أنت خطفتِه يا أمي! كانت مشاعري متناقضة ما بين الإشفاق على أمي التي تبدو حزينة بما حدث لبوارو، والتوجس منها بسبب خطفها لفيتال وعلاقتها مع المافيا.. المشاعر المتناقضة جعلتني أقف بصمت حائرًا، ولولا إرهاقي أولًا ووجود إيلين بجانبنا ثانيًا لصرختُ في وجهها الآن مطالبًا إياها أن تخبرني بالحقيقة. فوجئت بأمي تنحني لتصبح في مستواي، ثم.. تضع يدها على وجنتي برفق. رفعتُ حاجبيّ بتوتر، وتصلبّت عضلات وجهي. ابتسمتْ قائلة وهي تنظر لي: نور.. توترتُ أكثر وأنا أغمغم: ن..نعم! كان وجهها قريبًا مني، أمي في العادة لا أرى وجهها إلا على بعد أميال..! ولهذا لاحظتُ تلك الهالات تحت عينيها، والشحوب الذي يكسو وجهها. عقدتُ حاجبيّ بقلق.. اختفت الحيوية من وجه أمي في خلال يوم واحد! لا أصدق أن هذه هي نفسها أمي التي كانت تضحك عليّ بمرح بعد مقالبها السخيفة! همستْ هي بنبرة غريبة: إذا حدث شيء ما لي أو لبوارو.. فأنا أوصّيك على أختك! اتسعت عيناي بخوف، ماذا تعني بهذا الكلام؟ انعقد لساني وأنا أحدق إليها بذهول. وهمستُ بخوف: أمي.. أهناك شيء؟ أنزلتْ أهدابها الحزينة على عينيها وهزّت رأسها نفيًا بابتسامة، ثم أحاطتني بذراعيها.. وضمتني إلى صدرها بقوة! لا أدري.. أمّي.. تصرفاتها غريبة جدا اليوم! شعرتُ بقلق غريب يكتسحني.. أمّي لا تضمني إلى صدرها في العادة! دومًا تفعل هذا مع إيلين.. عندما أشكو لها ذلك تقول أنها حضنتني كثيرًا وأنا صغير! وبصراحة كان الشك يراودني أحيانًا في أنها تكرهني! لكن ها الآن أجدها تتعامل معي بهذه الطريقة..! ابتعدت عنّي ووقفت ثم مدّت يدها إلى وجهي ثانية برقة وبعينين دامعتين قالت: والآن اذهب للنوم واترك إيلين معي.. يبدو وجهك ناعسًا يا عزيزي! سكتتُ وأنا أومأ برأسي، أبعدت يدها عن وجهي وأنا توجهتُ لغرفتي بصمت. ما حدث منها قبل قليل جعل أفكاري تتشتت عن كلّ شيء.. كل شيء الآن تبعثر داخل عقلي.. أو ربما لأنني أريد النوم الآن؟! لا أدري. -3- [قمر] ركبت في سيارة العم سعد برتابة وأنا ألقي التحية بصوت خافت، ثم أسند رأسي إلى زجاج النافذة كالعادة دون أن أنظر إلى دانة الجالسة بجانبي أو أرد على تحية باسل المليئة بالحيوية! أنا اليوم أشعر بإحباط حانق، وحزن كئيب.. إن كان يظن سمير أنه يستطيع الانتقام مني بهذه الطريقة فهو واهم حتمًا! فالغضب ملأ أنفاسي لما فعلته مجموعته لضرب عائشة ولن أهدأ حتى أعلمه الأدب.. لكن مشكلتي معه ليس أنني لا أستطيع ضربه أو شيء كهذا.. بل أن أمه تمتلك ذلك المركز المهم، ولأنني كسرت يده سابقا، فلو اعتديت عليه ثانية ستكون كل تلك التهم التي حذرني منها عمي من نصيبي حتما! لكن أنا لم أعد أحتمل.. منظر وجه عائشة المتألم دمر ما تبقى من طاقة الصبر لدي! يا الله، ماذا أفعل؟ آه.. هل يمكنني استخدام نفس الوسيلة التي استخدمها هو؟ بمعنى أنه إذا أرسلت شخصا ما ليمزقه إربا، هل هناك مشكلة؟ لن يعرفو أنني من أرسلت ذلك الشخص، ولن يستطيع سمير إثبات ذلك.. وسآخذ حقي دون أية مشاكل! هذه تبدو .. فكرة ممتازة! لكن لماذا أشعر أن هذه الفكرة جبانة قليلا؟ صحيح أنني كنت أريد أن أكسر يده الثانية بنفسي كما وعدته وأرى بعيني نظرات الألم والندم على وجهه المستفز.. لكن لا يوجد حل آخر فأي مخاطرة بنفسي قد تجلب علي مشاكل لا حصر لها في مستقبلي! لا أدري لماذا خطر وجه عبيدة على بالي فجأة..! هل أستأجره لهذ المهمة الانتقامية؟! كلا.. كلا يا قمر! أنت من كنت تذمينه دوما وتنتقدين فعله في ضرب المساكين مقابل المال.. تأتين الآن وتطلبين هذا منه وتستخدمينه لضرب سمير بكل بساطة؟!! أنت تناقضين نفسك! آه.. لكن سمير ليس مسكينا! إنه مجرم..! حتى ولو.. من المستحيل أن أفعل شيئا كهذا! شعرت برأسي يرسل لي إشارات استغاثة أنه سيبدأ الصداع الآن.. أمسكت رأسي بألم وأغمضت عيني لأحاول نسيان كل هذه الأفكار والراحة قليلا.. كنّا قد وصلنا إلى المنزل، فخرجت بسرعة من السيارة وبخطوات سريعة دخلت إلى غرفتي.. متجاهلة أصوات دانة وباسل وهم يستقبلون أختهم براءة مع زوجة عمي التي نادتني لأتناول الغداء لكنني قلت لها بانخفاض: لست جائعة! ارتميت على سريري بعد أن وضعت الحذاء والحقيبة جانبًا دون أن أغير ملابسي.. أشعر بانسداد في شهيتي وبعدم الرغبة في فعل أي شيء..! تحملت الكثير لحد الآن في المدرسة من تجاهل جميع البنات لي ونظراتهم الكريهة وتلميحاتهم المستفزة، كنت أتجاهل كل هذا وأتظاهر بأنني لا أرى شيئًا.. كنت في المقابل أجلس مع عائشة ونسرين ونضحك معا بعلو صوتنا لكي نريهم أن كل هذا لا يؤثر بنا! لكن اليوم تحطم قلبي أمام منظر وجه عائشة المليء بالكدمات وخديها المبللين بالدموع، كنت حزينة جدا لأجلها وقد فوجئت بكمية النظرات الشامتة من البنات على حزننا عندما عدنا للفصل..! أنا آسفة يا عائشة.. صدقيني هذا ليس بيدي! أعلم أنني السبب في كل ما يحدث لنا من تنمر، وقد صبرتم معي كثيرا وتحملتم كل شيء ولم تشعروني ولو للحظة أنني السبب فيما يحدث!! وقد ظننت بسذاجتي أن الأمور لن تزيد عن كونها نظرات أو جمل وقحة، أما الآن فقد تطور الأمر إلى تطاول بالأيدي.. وهذا ما لا أستطيع السكوت عنه! آه.. الصداع مجددا عاد بشكل أقوى! وكأنه يقول لي توقفي عن التفكير.. تقوس فمي للأسفل بحزن وأنا أنظر إلى السقف.. أحتاج أحدًا بجانبي الآن! أحتاج شخصًا أشاركه هذا الهم، بل حتى ولو لم أشاركه.. يكفي أن يفعل لي كما تفعل أماني.. تحضنني دون قول أي شيء وتربت على ظهري بحنان حتى أهدأ بعد تفريغ كل الدموع في حجرها! كلا.. لا أحتاج إلى شخص يفعل كما تفعل أماني، بل أحتاج إلى أماني نفسها..! بدأت الدموع تسلك طريقا مائلا من عينيَّ إلى خدي ثم تنزل إلى الأسفل بسبب استلقائي حتى تسقط على الوسادة فتتشربها بصمت. لا أدري لماذا أبكي الآن؟ أهو بسبب ما لاقيته اليوم؟ أم بسبب شوقي لأماني.. أم بسبب الصداع؟ على أية حال، قد يكون كل تلك الأسباب مجتمعة!! تبا! الصداع زاد أكثر بسبب البكاء.. أشعر أن رأسي ستنفجر! توقفت عن التفكير في كل شيء واستسلمت للنوم هربًا من ألم الصداع، نمتُ بعد فترة بسبب التفكير، واستيقظتُ مساءً، كان يبدو من ضوء الشمس المنتشر في الغرفة أن الشمس على وشك الغروب.. قفزتُ من سريري فزعة وصليتُ ما فاتني، كان الصداع معظمه قد زال ولكن ما زال هناك ألم.. ورغم شعوري بالجوع الشديد إلا أنني استلقيتُ على سريري لأكمل النوم..! بعد ثوان من إغماض عيني سمعتُ طرق باب، كان صوت ريهام، سمحتُ لها بالدخول فدخلت بابتسامة واسعة ونظرتْ إلي بدهشة: آنستي.. أما تزالين نائمة؟ قلتُ بابتسامة باهتة: رأسي تؤلمني.. أريد النوم! ظهر على وجهها القلق فاقتربتْ مني: هل أنت بخير؟ قلتُ بخفوت: نعم.. سأنام وحسب. عقدتْ حاجبيها: أنتِ لم تتناولي غداءك بعدُ يا قمر، أنا متأكدة من أن هذا الصداع بسبب الجوع..! سكتتُ لثوان ثم هززتُ رأسي نفيًا برجاء: لا شهية لي، أرجوك يا ريهام دعيني أنام.. فقط أريد كوبًا من الماء. ظهر على وجهها الغضب وابتسمت ابتسامة مخيفة: لن أسمح لك بالنوم قبل تناول طعامك.. ثم رقّ صوتها وهي تقول: أنسيتِ أن أماني قد أوصتني عليكِ؟ آه صحيح، لقد تذكرت..! أماني وريهام كانتا صديقتان، كانت أماني تقضي الوقت برفقتها دومًا عندما أكون غير موجودة، ريهام هي أكثر من يعرف عني في هذا البيت، فأماني تحكي لها عني كثيرًا.. أنا أحب ريهام حقا، ريهام بالمناسبة هي الموّكلة بالاعتناء بالمنزل والأطفال خاصة براءة.. أما صفية فتخصصها في الطبخ وإعداد الطعام في الغالب. "أوه يا عزيزتي.. لماذا تبكين الآن؟" انتبهتُ إلى أن الدموع أغرقت عيني بمجرد ذكر أماني..! قمتُ جالسة وأنا أخفي الدموع بكمّي وأهمس: لا شيء.. أحاطتني ريهام بذراعيها بحنان واحتضنتني.. لثوانٍ لم أستطع الاستيعاب.. حضن ريهام يشبه حضن أماني كثيرًا! هذا ما جعل الدموع تستمر.. وأنا أسمع صوت ريهام تقول بعطف: أنا أعرف أنك تعانين يا قمر من غيابها.. ولكن عليك أن تتذكري أنني هنا! ثم أكملتْ وهي تُربت على ظهري برفق مازحة: وأنني سأزعجك دومًا أكثر منها. ابتسمتُ بامتنان وسط دموعي، فها هو قليل من الأمل أراه في ريهام.. خليفة أماني! -4- [قمر] في اليوم التالي كنتُ قد اكتسبتُ بعض الأمل والشجاعة لمواجهة المعركة الشرسة التي شنّها علي سمير عن طريق مجموعة الفتيات التي استأجرهنّ وعن طريق جميع بنات المدرسة اللواتي صدّقن الشائعات وبدأن بالحرب الباردة ضدّي! أشعر بعزيمة أقوى اليوم للدفاع عن صديقاتي، ومواجهة الأمر الواقع بكل شجاعة وبسالة، لن أهرب.. لن أتعامل مع الأمر بعنف، لن أجعل الأمور تسوء مرة أخرى.. سأحاول إصلاح كل شيء.. ليس عن طريق القوة، بل عن طريق اللين والرفق..ما أخبرني به سامي سابقًا.. أن أكون دومًا السبّاقة في مساعدة بنات فصلي، والنظر في حاجاتهن من شرح للدروس أو حل للواجبات وما إلى ذلك.. حينها سأكسبهم إلى جانبي، وشيئًا فشيئًا سأكسب جانب جميع بنات المدرسة.. وليحترق سمير غيظًا وحقدًا..! فقد فهمتُ وجهة نظره في أنه يريديني أن أواجه الأمور بالعنف، فتزداد سمعتي سوءًا ووحشية، فيزداد التنمر والتجاهل.. فتحتُ باب الفصل بحيوّية نشيطة وتقدمتُ إلى مكاني المفضّل بجانب عائشة ونسرين التي لم تكن قد أتت بعد.. كانت عائشة تجلس بهدوء على طاولتها وهي تخرج بعض الكتب من الحقيبة وتبري بعض الأقلام، ألقيتُ عليها التحيّة ببهجة وجلستُ بجانبها.. لكنها.. ظلّت صامتة! أو ربما ردّت التحية دون أن أسمع.. ألقيتُ نظرة على كدمة عينها وفكّها التي تورمت بشكل أبشع من البارحة، شعرتُ بإشفاق نحوها، لا شك أنها غاضبة منّي إذن.. قلتُ لها بلطف وأنا أضع يدي على يدها: عائشة.. هل أنت بخير؟ أما زالت الكدمات تؤلمك؟ أشاحت بوجهها عنّي في جفاء صدمني، وبدون أن تلتفت إليّ قالت بلهجة باردة: قمر..أرجو ألا تكلميني بعد اليوم! اتسعت عيناي على أشدها وفتحتُ فمي ذاهلة وقلتُ بصدمة: لماذا؟ ماذا تقصدين؟ التفتت لي بعينين دامعتين وقالت بحدّة: قصدي أننا لن نكون صديقتين بعد اليوم. انتفضتُ وأنا أقول: عائشة.. ماذا تعنين بالله عليكِ؟ هل أصابت ضربات الأمس عقلك؟ لكنّ عائشة قالت بحدّة أكبر وهي تمسك صوتها المحشرج بالدموع: كما فهمتِ.. من اليوم فصاعدًا لا تعتبريني صديقتك! ثم لملمتْ حاجيتها من فوق الطاولة وأعادتها إلى حقيبتها.. ثم حملتها وتوجهت إلى إحدى الكراسي الفارغة في آخر الفصل وهي تقول لي بلهجة عصيبة: لم أعد أطيق الجلوس بجانب مجرمة متوحشة مثلك..! وقد تقدمّتُ بطلب من المشرفة أن تنقلني إلى فصل آخر حتى لا أرى وجهك! التفتُّ إلى الخلف بعيون ذاهلة مصدومة، لم أعرف كيف أرد.. ولا كيف أتصرف تجاه موقف عائشة الصادم هذا! رفضها الصريح والمباشر بالقول والفعل، أفهمني أنها جادّة فيما تقول.. وجعلني أشعر بألم مهول في قلبي، ألم بالذنب مع ألم الندم.. ألم أن ترفضني عائشة صديقتي بعد كل هذه السنوات، ألم أن تنبذني فجأة بلا سبب واضح.. وبهذه الطريقة القاسية أمام بنات الفصل! كلّا.. أنا أعلم أن السبب واضح! ولكنني كنتُ أكابر دائمًا.. لقد تحمّلت عائشة الكثير.. تحمّلت لأجلي.. وها قد أتى اليوم الذي لم أرغب فيه بأن يأتي أبدًا! لم تعد عائشة تستطيع تحمّل البنات ونظراتهن.. بل وطول ألسنتهن وأياديهن! التفتُّ إلى الخلف أنظر إليها برجاء كسير وهي تجلس على كرسيها وطاولتها وتُخرج كتبها بهمّة ووجهها جامد الملامح رغم عينيها الدامعتين اللتي يبدو من الواضح أنها تجاهد لتمنع الدموع من الخروج. نظرتُ طويلًا إلى كدمات وجهها.. راودتني رغبة في أن أقوم إليها لأصالحها وأعتذر منها على ما تسببتُ، لعلّها تتراجع عن قرارها. فأنا السبب في كل شيء..! عائشة لا تستحق ما حدث.. فما فعلوه فيها كان عقابًا لها على أنها صديقتي! لكنني فضّلتُ أن أعطيها فرصة لتهدأ.. فرصة لتفعل ما تريد، لا أريد أن أجبرها على مصادقتني، وربما قرارها بالابتعاد عني هذا الوقت أيضًا يحميها من تطاول البنات عندما يعلمون أنها قطعت علاقتها معي.. نعم بالفعل عائشة ذكية! لا شك أنها فعلت ذلك من وراء قلبها.. فعلت ذلك لتنقذني من ألم تأنيب الضمير وتنقذ نفسها كذلك من التنمر. وبعد أن تنتهي هذه الأزمة نعود صديقتين كما كنّا! اطمأننتُ إلى هذا التفسير بعض الشي وابتسمتُ بألم وأنا أعود بوجهي إلى المعلمة التي دخلت وبدأت شرح الدرس، عندما لا يكون هناك فتيات في الفصل سأكلّم عائشة..! مرّ اليوم الدراسي ثقيلًا كئيبًا، بدون عائشة ولا نسرين، وبتجاهل كامل من جميع فتيات الفصل.. شعرتُ باختناق رهيب، لكنني أشغلت نفسي بالدروس والواجبات، وبقراءة جميع الكتب الدراسية حتى آخر صفحة! في فترة الراحة، ظللتُ منتظرة أن يخرج جميع الطالبات من الفصل لأكلّم عائشة وحدنا.. فأنا أظنّ أنها فعلت ذلك أمام البنات لتعلن لهن قطع صداقتنا، أما إن كنا وحدنا فستقول لي الحقيقة.. حقيقة أنها لم تقطع صداقتنا بعد وإنما فعلت هذا فقط لمصلحتي ومصلحتها. بمجرد خروج آخر بنت من الفصل التفتُّ على عائشة بلهفة مستعدة للحديث معها، لكنني فوجئت بها تحمل علبة غدائها وتخرج من الفصل..! هتفتُ: عائشة.. انتظري.. أفهميني أولًا ما يحدث، لقد قلتِ الكلام الذي قلتِه صبحًا من وراء قلبك صحيح؟ توقفت عائشة دون أن تنظر إليّ، ثم قالت ببرود: أظنّ أن ما قلتُه في الصبح كان واضحًا، لا أريد أن تتكلمي معي ثانية! ورجاء لا تنادي عليّ مرة أخرى.. حتى لو كنا وحدنا! تسمرتُ في مكاني وسرت صاعقة كهربائية في جسدي، ابتلعتُ ريقي الذي جف ببطء وأنا أنظر بحزن إلى الفصل الفارغ من حولي.. لم أستطع التعبير عن مشاعري في هذه اللحظة سوى بالدموع التي تجمّعت في عيني استعدادًا للهطول! لا أصدق أن عائشة.. صديقتي منذ سنواتي الأولى في المدرسة، قد تركتني اليوم..! جلستُ بشرود في مكاني، طوال فترة الراحة وأنا فقط أفكر وأنا أضع رأسي على الطاولة، وأحاول تمالك دموعي من وقت لآخر عندما أتذكر مواقف عائشة معي.. وهي تضحك تارة وتبكي تارة.. نلعب قليلًا ونذاكر معًا أكثر، توبخني بعض الأحيان وتمدح تصرفاتي بفخر في أحيان أخرى. انتهت فترة الراحة وعادت الطالبات إلى الفصول، وبدأت معلمة الحصة في شرح درس العلوم برتابة.. أما أنا فما زال عقلي سارحًا في مكان آخر! "قمر الدين آسر نوّار.. المرشدة تريدك في مكتبها" قالت هذه الجملة إحدى المعلمات وهي تطلّ من باب الفصل، فأشارت لي معلمة العلوم بالخروج، أومأت برأسي في استسلام وقمتُ ببطء.. ابتسمتُ في داخلي بسخرية، لا شك أنها ستكلمني عن عقوبة ما فعلتُ بالأمس. ولا أدري لم حانت مني التفاتة لعائشة وأنا أخرج من الفصل، لكن عائشة لم تكن تنظر إليّ.. لم تُلق علي ولو نظرة واحدة منذ بداية هذا اليوم..! شعرتُ بانكسار وأنا أمشي في ممر المدرسة.. ابتلعت ريقي بتوتر وأنا أخطو آخر خطوات تجاه غرفة المرشدة.. طرقتُ الباب فسمحت لي بالدخول، وعندما فتحتُه فوجئت بآخر شيء يخطر على بالي أن يكون موجودًا في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت.. لقد كان عمّي يجلس أمام مكتب المرشدة بهدوء تام، ويصوّب نظره عليّ بثبات! هذا الفصل ركّز أكثر على قمر، ولكن لا تقلقوا أنا فقط أريد أن أنهي مشكلة التنمر لأبدأ في سرد أحداث المشكلات الاخرى والآن ما هي توقعاتكم لما سيحدث مع قمر؟ ونور كذلك؟ |