الفصل الثالث قال له النادل لا ترفع صوتك رجاء ، بعد ذلك خرجت أنا وكمال وكنت مكتئبة لهذا التصرف ، وطلب مني الذهاب والمعذرة لما حصل لنا بالنادي فقلت له أن الذنب ليس ذنبك فالحق علي أنا ، وهو ينظر إلي بحنان طاغي وقال لي يوما ما سآخذك إلى نادي أجمل منه ، أعدك يا خلود ، هززت كتفي كالطفلة الصغيرة غير أنني بعد ذلك لم أهتم ، في طريقنا شاهدنا نزار أوغلو ولاحظ وقوفنا مع بعضنا البعض .. أثناء تجولنا في المدينة مرت بالقرب منا عربة متجهة إلى العرس مع أصوات الناي والطبول حيث سمعنا شاب يطلب من السائق أن يوقف العربة فكان صديق كمال أحمد الذي طلب منا أن نذهب معا إلى عرس أحد أصدقائه فجلسنا في العربة سعيدين ، دق نزار أوغلو الباب على صديقه فسأله عن شواربه ومن قام بقصهم له فقال له أنه يجب أن يقصهم وأن هذه كانت أوامر منتصر وطلب منه أن يدخل لمنزله ، وأخرج نزار أوغلو قنينة شراب فقال له أنه يعشقني ويريد أن يتزوجني. كنت أجلس مع كمال على الطاولة والعروسان يرقصان مع بعضهم البعض فجاءت عندنا امرأة وقالت لنا هل أتيتم إلى هنا لكي تظلوا جالسين ، تعالوا ترقصوا معنا فبدأنا نرقص معا وكنت أختلس النظرات إلى العروس من بعيد التي ترقص فقمت بمد يدي إلى كمال وذهبنا نجري معا وارتمينا فوق العشب وبدأنا نضحك حيث قال لي كمال ما أجملهم فتعجبت وسألته عن فستان العرس لما أخبرني أنه سيكون جميلا إذا ارتديته فشككت في كلامه وسألته هل يا ترى سيأتي هذا اليوم وألبسه فرد مجيبا : نعم حبيبتي سوف يأتي هذا اليوم وسوف تكونين أحلى عروس في العالم كله. كان أبي جالسا مع أخي برفقة الحلاق وراحوا يتخيلون كيف سيكون حالهم بعد أن أتزوج نزار أوغلو والرفاهية وحياة الأغنياء التي تنتظرهم فقال الحلاق لأبي لنفترض أنها لم تقبل الزواج بنزار أوغلو ماذا سوف تفعل ؟ فقال له أخي حمزة لا تستطيع إذا فعلتها سأقطع لها رقبتها. صباح الغد بدأ الشغل في المزرعة وكنت أتبادل النظرات مع كمال فطلبت من فائزة أن تنوب عني في عملي لأنني ذاهبة إلى الحمام فعرفت قصدي وقالت : أتقصدي القول يا صديقتي وأخبريني أنك ذاهبة لتري كمال ، خرجت من بوابة العمل وأزلت الغطاء من على وجهي وخرجت من المعمل وبعدها شاهدت نزار بدون شوارب طويلة ، أخفيت ضحكتي فوقف ولم يتركني أذهب، فطلبت منه أن يفسح لي الطريق فقال لي: رأيتك البارحة في السوق مع رجل ما ، من يكون يا ترى ؟ أجبته أنه ليس من اختصاصه ولا يهمه الأمر ، فقال بكل وقاحة : صحيح أن هذا ليس من شأني لكن تخرجين مع ذلك الرجل وتأتي لتمثلين دور الشريفة فصفعته صفعة قوية على وجهه فعدت متوترة إلى الشغل حيث سألتني فائزة : لماذا أنت متوترة فقلت لها : شاهدت نزار أوغلو وقلل علي الأدب فصفعته على وجهه ، إنه مغرور فأجابتني فائزة من حقه أن يصبح مغرورا لأن خاله السيد منتصر ، فكان جوابي لها أني أتمنى أن يأتي يوم من الأيام أقابل فيه السيد منتصر وأحكي له كل شيء. خرج السيد منتصر من الفيلا ففتح له المعلم الكبير باب السيارة فأخبره أن يخبر أخته خديجة أنه ذاهب إلى المصنع وعندما وصل فتحوا له البوابة الكبيرة ، دخل إلى مكتب السيد زكاء لحظة سؤال السكرتيرة : هل رحب به السيد زكاء ، فقال له : أخيرا عرفت طريق المصنع أهلا وسهلا بك فدعاه إلى الجلوس ، فقال له منتصر أنه يثق به في كل شئ وفي كل عمل بينما أجابه السيد زكاء أن قريبه نزار أوغلو ذهب قبل قليل بينما كان في مكتبك وقال له منتصر كيف حال الشغل بالمصنع ، هل حصلت مشاكل في غيابي ، حرك زكاء رأسه وأخبره أن البنك لم يقبل أن يدفع لنا النقود دون توقيعك لذلك لم نتمكن من أداء أجور العمال. قال منتصر : تأخير راتب شهر لن يميت العمال بالجوع فعزمه زكاء على القهوة. جلست خلود وهي تأكل البطيخ وتبتسم مع كمال عن بعيد حيث كان جميع العمال جالسون يأكلون طعامهم فجاء أخ خلود حمزة وتمنى لهم غذاء بالصحة والعافية في لحظة توجيه سؤال من طرف الأستاذ عن الرواتب ، أجابه حمزة بكل وقاحة ما تسألني عنه في الصباح سبق أن سألته لسيد زكاء وقال لي لن يدفعوا فأجبته ، وهذا رأيهم ، هل هؤلاء الناس لا يفكرون في أولئك الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلونه طالبا مني بعدم التدخل ، فأجبته : ولماذا لا أتدخل ، هذا من حقي ومن اللازم أخذه ، فقال لي إنك تجاوزت حدودك فوقفت ووضعت يداي على خصري موجهة كلامي له بالتعالي على العمال واستصغار نفسه أمام السيد زكاء ، حيث يهرب كالفأر من القط ، فطلب مني كمال بعدم الاهتمام لكني أجبته رغم ذلك : ولماذا لا أهتم ؟ هم لا يتصدقون علينا ، هذا حقنا ويجب علينا أخذه ، حركت رأسي موافقة وقلت سوف أذهب حالا إلى السيد زكاء وذهبت عنده بكل شجاعة فاستأذنت . كانت السكرتيرة تعطي لزكاء بعض الأوراق فوقفت وقلت : السيد زكاء أريدك في موضوع ، فقام الرجل ودفعني وقال من أدخلك إلى هنا ، اخرجي فورا فطلب منه زكاء أن يتركني ، أدخلي ، وجهت له هذا السؤال : لم لا تدفعوا لنا راتبنا الشهري؟ كل يوم تقول لنا غدا ولا تدفعوا لنا شيئا، وفوق هذا تقولون حتى يعود السيد منتصر من أوربا ، لماذا نحن نعمل ونعاني بالمصنع بينما هو يتجول بأوربا ، فقال زكاء صحيح ، الحق معك أنا أعرفه جيدا السيد منتصر إنسان غير مسؤول وأناني كثيرا ، همه الوحيد السفر من هنا وهناك ويعتبر نفسه دنجوان زمانه. أجبته وأنا غاضبة هذا لا يهمني ، قل لنا الآن هل أنتم تريدون دفع رواتبنا أم لا ؟ فقال زكاء أنا لا أعرف ولكن يجب علي أن أسأل السيد منتصر فأدار نظره عني الذي كان يقف بجوار النافذة وعلى مقربة مني دون أن ألاحظ وجوده عند دخولي ، نظرت إليه فوجدته يتفحصني بنظراته فقال بحزم للسيد زكاء ادفع المال الذي يخص العمال فورا يا سيد زكاء . فقال زكاء : هل سمعت الكلام ، سوف يدفع لكم راتبكم ، حركت رأسي موافقة وذهبت وفتحت الباب بينما تلكأ السيد منتصر فسأله زكاء هل أنت بخير ؟ ماذا يوجعك ؟ فقال له : لا وخرج مسرعا. لما خرجت سألني الجميع ماذا حصل ، هل فصلك عن الشغل ؟ قلت لهم : سوف يدفعون لنا أجورنا ، كانت فرحتهم كبيرة ولا توصف ، في تلك اللحظة خرج منتصر وبدأ ينظر إلي كثيرا ووضع قبعته وكان الجميع ينظرون إليه ، ركب سيارته وذهب وأنا أتتبعه بعيناي غير مصدقة ماذا حصل ، عندما صادف منتصر في طريقه الخادمة انتصار تجاهلها وكذلك أخته خديجة التي طلبت منه أن يراجع الحسابات حيث قال لها ليس الآن وصعد الدرج بسرعة فوصل إحدى الأبواب في القصر وظل واقفا أمامه كثيرا ففتحه وكانت الغرفة مظلمة ، كل شيء مغطى بالمنادل الكبيرة البيضاء ، وبدأ يتلمس المكتب والأشياء الموجودة عليه ، وضع يديه على دفتر كبير بنفسجي اللون كتب على غلافه حرف بالفرنسية ( B ) وقف عند إحدى اللوحات المغطات حيث أزاح الغطاء الأبيض عنها فظهرت صورة امرأة ناصعة البياض ذات عيون وشعر أسود وفم أحمر ترتدي فستانا أخضر وعقدا ثمينا حول عنقها ، كانت تشبه خلود وهذا ما جعل منتصر يتصرف هكذا ، بدا ينظر إلى الصورة ويتذكر لحظة التقاء عينيه بعين خلود. جلس منتصر على الأريكة وهو يتأمل اللوحة وعيناه وامضتان. يتبع |