المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا من فوق سبع سموات بأنه سبحانه قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) (المائدة: من الآية3)، وهذا مما يدل على أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن هذا من لوازم كمال الدين.
وإن من الدين إثبات القوامة الزوجية للزوج بضوابطها الشرعية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء: من الآية34) الآية، وإن هذه القوامة من تمام نعمة الله تعالى علينا، فإنها ملائمة ومناسبة لكل من الرجل والمرأة وما الله عليه من صفات جِبِلِّية، ومن استعدادات فطرية.
إلا أنه مع تبدل الأزمان، وتداخل الثقافات، ومحاولة أعداء المسلمين تشويه صورة هذا الدين الحنيف، بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، بل بطرق ظاهرها الرحمة، والشفقة والعطف على المرأة، وباطنها العذاب، كل هذه الأمور، مضافاً إليها سوء الفهم لدى كثير من المسلمين لمعنى القوامة ووظيفتها الشرعية، جعل من الأهمية الحديث عن هذه الوظيفة الشرعية السامية بما يوضح حقيقتها الشرعية، ويبين زيف تلك الشُّبَه والادعاءات التي وجهت لهذا الدين عبر القوامة الزوجية في الشريعة الإسلامية.
وقد حاول الباحث من خلال هذا البحث الإسهام في معالجة هذا الموضوع معالجة يرجو أن يكون وفق فيها للصواب.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المبحث الأول: تعريف القوامة:
القوامة في اللغة من قام على الشيء يقوم قياماً: أي حافظ عليه وراعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه، ويصلحه، والقيم هو السيد، وسائس الأمر، وقيم القوم: هو الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم، وقيم المرأة هو زوجها أو وليها لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج.
والقوّام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد(1).
قال البغوي – رحمه الله -: "القوام والقيم بمعنى واحد، والقوّام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب"(2).
القوامة اصطلاحاً:
بعد التأمل في نصوص الفقهاء – رحمهم الله تعالى – واستخدامهم للفظة "القوامة" نجد أنهم – رحمهم الله – يستخدمون لفظ القوامة ويريدون به أحد المعاني الآتية:
الأول: القيم على القاصر، وهي ولاية يعهد بها القاضي إلى شخص رشيد ليقوم بما يصلح أمر القاصر في أموره المالية.
الثاني: القيم على الوقف، وهي ولاية يفوض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحاً نامياً بحسب شروط الواقف.
الثالث: القيم على الزوجة، وهي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شؤون زوجته والقيام بما يصلحها(3).
والنوع الثالث هنا هو المراد بهذا البحث.
وبناءً عليه يمكن القول بأن القوامة الزوجية: ولاية يفوض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح شأن زوجته بالتدبير والصيانة.
وبهذا يتبين أن القوامة للزوج على زوجته تكليف للزوج، وتشريف للزوجة، حيث أوجب عليه الشارع رعاية هذه الزوجة التي ارتبط بها برباط الشرع واستحل الاستمتاع بها بالعقد الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21)، فإذاً هذه القوامة تشريف للمرأة وتكريم لها بأن جعلها تحت قيّم يقوم على شؤونها وينظر في مصالحها ويذب عنها، ويبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها.
ولعل هذا يصحح المفهوم الخاطئ لدى كثير من النساء من أن القوامة تسلط وتعنت وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها، وهذا ما يحاول الأعداء تأكيده، وجعله نافذة يلِجُون من خلالها إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيعملون فيها بالتشويه.
المبحث الثاني: الأصل في القوامة الزوجية:
الأصل في قوامة الزوج على زوجته الكتاب والسنة.
أولاً: الكتاب:
قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية34).
فهذه الآية الكريمة هي الأصل في قوامة الزوج على زوجته، وقد نص على ذلك جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء، ولا شك أنهم أدرى الناس بمراد الله تعالى.
ومن المناسب عرض بعض أقوالهم في ذلك.
قال ابن كثير(4) في تفسير قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ): "أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت".
قال ابن جرير(5) رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سَوقهم إليهم مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُواماً عليهن، نافذي الأمر عليهن، فيما جعل الله إليهم من أمورهن".
وقال الجصاص(6) في تفسير الآية: "قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، لما فضَّل الله الرجل على المرأة في العقل والرأي وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها، فدلت الآية على معان أحدهما: تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة وأنه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها، وهذا يدل على أن له إمساكها في بيته، ومنعها من الخروج، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلت على وجوب نفقتها عليه".
وقال ابن العربي(7) في تفسير الآية: "قوله: (قَوَّامُونَ) يقال: قوّم وقيم وهو فعال وفيعل من قام، والمعنى: هو أمين عليها، يتولى أمرها ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة... وعليه – أي الزوج – أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة، ويحميها ويأمرها بطاعة الله تعالى، ويرغب إليها شعائر الإسلام، من صلاة وصيام، وعليها الحفاظ لماله، والإحسان إلى أهله وقبول قوله في الطاعات".
وقال الزمخشري(8): وفي الآية دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر.
وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. وكذا قال مقاتل والسدي والضحّاك(9).
وقال الشيخ ابن سعدي(10) رحمه الله: "يخبر الله تعالى أن (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموك بذلك، وقوامون عليهن أيضاً بالإنفاق عليهن والكسوة والمسكن".
ثانياً: السنة:
جاءت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بطاعة زوجها ما دام ذلك في حدود الشرع، وما دام ذلك في حدود قدرتها واستطاعتها، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228) الآية، ومن تلك الأحاديث ما يأتي:
1 – قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه"(11).
قال ابن حجر: "وهذا القيد – أي وزوجها شاهد – لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع؛ لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيَّبات"(12).
وقال الشوكاني: "إن النهي في الحديث محمول على عدم العلم برضا الزوج، أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج"(13).
2 – ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"(14).
3 – وقال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت"(15).
المبحث الثالث: تكريم الإسلام للمرأة:
جاء الإسلام والمرأة لا قيمة لها – في الجملة – بما تعنيه هذه الكلمة وإن كانت قاسية لكنها الحقيقة، بل جاء الإسلام والمرأة إنما تعد من سقط المتاع: تباع وتورث وتوهب وتهان، فهي سلعة من السلع التي تتداولها الأيدي، وإنما يحتاج إليها للاستمتاع الجسدي فقط كسائر ما يستمتع به الرجل، ولهذا لا غرابة أن نجد من يدفن ابنته وهي حيّة؛ خشية العار، وما الظن بمجتمع وصل به الحال إلى أن يقتل الرجل فلذة كبده بيديه، وبأبشع صورة للقتل.
لكن لما جاء الإسلام جاء معه بالكرامة للمرأة، وجاء معه بالشرف والتقدير، جاء بما يكفل حقوقها ويحميها من كيد الآخرين وعدوانهم لما في طبيعتها من اللين والرقة واللطافة.
فهي الأم الحنون، وهي الأخت الكريمة، وهي الزوجة الحبيبة، وهي البنت الرقيقة.
ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك"(16).
وإن الحديث عن تكريم الإسلام للمرأة ليطول، وإنما حسبنا في هذه العجالة أن نذكر شيئاً من ذلك:
لقد أقر الإسلام لها حق التملك ما دام عن طريق مشروع، وأقر لها حق الميراث، وأعطاها الصلاحية التامة في التصرف بأموالها.
كما جعل الإسلام رضاها شرطاً أساساً في صحة زواجها وحرم على الأولياء إكراهها على ذلك. فهي صاحبة القرار في الرضا بالزواج ابتداءً؛ إذ ليس لوليها أن يعضلها ويمنعها من ذلك، فإن فعل انتقلت الولاية إلى من بعده، كما إنها صاحبة القرار في الرضا بالزوج الذي تقدم لها.
فعن عائشة رضي الله عنها: "أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردتُ أن أعْلَمَ أللنساء من الأمر شيء"(17).
كما إن الإسلام أكرم المرأة بتشريع ما يصونها ويحفظ كرامتها وعفافها، فأمر بالحجاب والستر ونهى عن السفور والاختلاط.
ومن تكريم الإسلام للمرأة أن هيأ لها أسباب الاستقرار والراحة والأمان، فأوجب على زوجها النفقة والكسوة والسكن، كما أمره برعايتها والتلطف معها.
قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن"(18).
بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإنفاق عليها من أفضل النفقات، قال صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك"(19).
وحث الإسلام على التودد إلى المرأة وتحمل ما قد يصدر منها من أذى، وحفظ معروفها، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر"(20).
وبعد فهذا غيض من فيض عن مكانة المرأة ومنزلتها في الإسلام منزلة التكريم، ومنزلة التشريف والوقار.
المبحث الرابع: أسباب القوامة:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية34).
الله سبحانه وتعالى بيّن في الآية الكريمة سببين للقوامة التي جعلها للرجال، وهما:
السبب الأول: قوله سبحانه: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
وهذا نص من الله تعالى على تفضيل الرجال على النساء؛ بما ركب الله سبحانه في الرجال من صفات وسمات وخصائص اقتضت تفضيل الرجال على النساء، وسواء أكانت تلك الخصائص والصفات من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال، أم من جهة الأوامر الشرعية التي تطلب من الرجال دون النساء.
أما من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال فإن من المعلوم تفوق الرجال على النساء في الجملة في العقل والقوة والشدة، على عكس النساء، فهن جبلن على الرقة والعطف واللين، وهذا الأمر فضلاً عن كونه مشاهداً في الواقع، فإن النص القرآني قد جاء بتأييده، ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، قال سبحانه: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) (البقرة: من الآية282).
قال ابن كثير(21) رحمه الله: "وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت: يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين"(22).
وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة منه على نقصان عقل المرأة، ولعل هذا الأمر من أقوى الأمور التي يتمسك بها أعداء الإسلام الذين يزعمون باطلاً مساندتهم للمرأة، وأن ذلك – أي القول بنقصان عقل المرأة – مما يجرح كرامتها وكبرياءها، وينادون بالمساواة مع الرجال، وإن المتأمل في دعاواهم ومكايدهم يتبين له قلة علمهم وضعف فقههم، إضافة إلى ما تكنّه صدورهم من الحقد والعداوة للإسلام وأهله، وبتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد كل منصف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف المرأة بالجنون أو السفه، بل أخبر صلى الله عليه وسلم أن تركيبها التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليه يستدعي نقصان العقل والدين مقارنة بالرجال، فالله سبحانه أعطى الرجل من قوة العقل وحسن التدبير ما لم يعطه المرأة، وأعطاه من أمور الدين ما لم يعطه المرأة، وليس ذلك ينقص من أجرها وثوابها، وإنما ذلك يتناسب وفطرتها التي فطرها الله تعالى عليها، بل في نفس الحديث أثبت النبي صلى الله عليه وسلم قدرة النساء الضعيفات على سلب لبّ الرجال بما منحن الله تعالى من قدرة على ذلك، وقد وصف الله سبحانه مكر النساء وكيدهن بالعظمة كما قال سبحانه: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف: من الآية28).
أما من جهة الأمور الشرعية التي يطالَب بها الرجال دون النساء وكانت سبباً في تفضيلهم فذلك مثل الجهاد وشهود الجمعة والجماعات وغيرها من العبادات التي لم تطلب من النساء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا من فوق سبع سموات بأنه سبحانه قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) (المائدة: من الآية3)، وهذا مما يدل على أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن هذا من لوازم كمال الدين.
وإن من الدين إثبات القوامة الزوجية للزوج بضوابطها الشرعية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء: من الآية34) الآية، وإن هذه القوامة من تمام نعمة الله تعالى علينا، فإنها ملائمة ومناسبة لكل من الرجل والمرأة وما الله عليه من صفات جِبِلِّية، ومن استعدادات فطرية.
إلا أنه مع تبدل الأزمان، وتداخل الثقافات، ومحاولة أعداء المسلمين تشويه صورة هذا الدين الحنيف، بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، بل بطرق ظاهرها الرحمة، والشفقة والعطف على المرأة، وباطنها العذاب، كل هذه الأمور، مضافاً إليها سوء الفهم لدى كثير من المسلمين لمعنى القوامة ووظيفتها الشرعية، جعل من الأهمية الحديث عن هذه الوظيفة الشرعية السامية بما يوضح حقيقتها الشرعية، ويبين زيف تلك الشُّبَه والادعاءات التي وجهت لهذا الدين عبر القوامة الزوجية في الشريعة الإسلامية.
وقد حاول الباحث من خلال هذا البحث الإسهام في معالجة هذا الموضوع معالجة يرجو أن يكون وفق فيها للصواب.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المبحث الأول: تعريف القوامة:
القوامة في اللغة من قام على الشيء يقوم قياماً: أي حافظ عليه وراعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه، ويصلحه، والقيم هو السيد، وسائس الأمر، وقيم القوم: هو الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم، وقيم المرأة هو زوجها أو وليها لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج.
والقوّام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد(1).
قال البغوي – رحمه الله -: "القوام والقيم بمعنى واحد، والقوّام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب"(2).
القوامة اصطلاحاً:
بعد التأمل في نصوص الفقهاء – رحمهم الله تعالى – واستخدامهم للفظة "القوامة" نجد أنهم – رحمهم الله – يستخدمون لفظ القوامة ويريدون به أحد المعاني الآتية:
الأول: القيم على القاصر، وهي ولاية يعهد بها القاضي إلى شخص رشيد ليقوم بما يصلح أمر القاصر في أموره المالية.
الثاني: القيم على الوقف، وهي ولاية يفوض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحاً نامياً بحسب شروط الواقف.
الثالث: القيم على الزوجة، وهي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شؤون زوجته والقيام بما يصلحها(3).
والنوع الثالث هنا هو المراد بهذا البحث.
وبناءً عليه يمكن القول بأن القوامة الزوجية: ولاية يفوض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح شأن زوجته بالتدبير والصيانة.
وبهذا يتبين أن القوامة للزوج على زوجته تكليف للزوج، وتشريف للزوجة، حيث أوجب عليه الشارع رعاية هذه الزوجة التي ارتبط بها برباط الشرع واستحل الاستمتاع بها بالعقد الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21)، فإذاً هذه القوامة تشريف للمرأة وتكريم لها بأن جعلها تحت قيّم يقوم على شؤونها وينظر في مصالحها ويذب عنها، ويبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها.
ولعل هذا يصحح المفهوم الخاطئ لدى كثير من النساء من أن القوامة تسلط وتعنت وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها، وهذا ما يحاول الأعداء تأكيده، وجعله نافذة يلِجُون من خلالها إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيعملون فيها بالتشويه.
المبحث الثاني: الأصل في القوامة الزوجية:
الأصل في قوامة الزوج على زوجته الكتاب والسنة.
أولاً: الكتاب:
قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية34).
فهذه الآية الكريمة هي الأصل في قوامة الزوج على زوجته، وقد نص على ذلك جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء، ولا شك أنهم أدرى الناس بمراد الله تعالى.
ومن المناسب عرض بعض أقوالهم في ذلك.
قال ابن كثير(4) في تفسير قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ): "أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت".
قال ابن جرير(5) رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سَوقهم إليهم مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُواماً عليهن، نافذي الأمر عليهن، فيما جعل الله إليهم من أمورهن".
وقال الجصاص(6) في تفسير الآية: "قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، لما فضَّل الله الرجل على المرأة في العقل والرأي وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها، فدلت الآية على معان أحدهما: تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة وأنه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها، وهذا يدل على أن له إمساكها في بيته، ومنعها من الخروج، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلت على وجوب نفقتها عليه".
وقال ابن العربي(7) في تفسير الآية: "قوله: (قَوَّامُونَ) يقال: قوّم وقيم وهو فعال وفيعل من قام، والمعنى: هو أمين عليها، يتولى أمرها ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة... وعليه – أي الزوج – أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة، ويحميها ويأمرها بطاعة الله تعالى، ويرغب إليها شعائر الإسلام، من صلاة وصيام، وعليها الحفاظ لماله، والإحسان إلى أهله وقبول قوله في الطاعات".
وقال الزمخشري(8): وفي الآية دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر.
وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. وكذا قال مقاتل والسدي والضحّاك(9).
وقال الشيخ ابن سعدي(10) رحمه الله: "يخبر الله تعالى أن (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموك بذلك، وقوامون عليهن أيضاً بالإنفاق عليهن والكسوة والمسكن".
ثانياً: السنة:
جاءت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بطاعة زوجها ما دام ذلك في حدود الشرع، وما دام ذلك في حدود قدرتها واستطاعتها، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228) الآية، ومن تلك الأحاديث ما يأتي:
1 – قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه"(11).
قال ابن حجر: "وهذا القيد – أي وزوجها شاهد – لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع؛ لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيَّبات"(12).
وقال الشوكاني: "إن النهي في الحديث محمول على عدم العلم برضا الزوج، أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج"(13).
2 – ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"(14).
3 – وقال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت"(15).
المبحث الثالث: تكريم الإسلام للمرأة:
جاء الإسلام والمرأة لا قيمة لها – في الجملة – بما تعنيه هذه الكلمة وإن كانت قاسية لكنها الحقيقة، بل جاء الإسلام والمرأة إنما تعد من سقط المتاع: تباع وتورث وتوهب وتهان، فهي سلعة من السلع التي تتداولها الأيدي، وإنما يحتاج إليها للاستمتاع الجسدي فقط كسائر ما يستمتع به الرجل، ولهذا لا غرابة أن نجد من يدفن ابنته وهي حيّة؛ خشية العار، وما الظن بمجتمع وصل به الحال إلى أن يقتل الرجل فلذة كبده بيديه، وبأبشع صورة للقتل.
لكن لما جاء الإسلام جاء معه بالكرامة للمرأة، وجاء معه بالشرف والتقدير، جاء بما يكفل حقوقها ويحميها من كيد الآخرين وعدوانهم لما في طبيعتها من اللين والرقة واللطافة.
فهي الأم الحنون، وهي الأخت الكريمة، وهي الزوجة الحبيبة، وهي البنت الرقيقة.
ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك"(16).
وإن الحديث عن تكريم الإسلام للمرأة ليطول، وإنما حسبنا في هذه العجالة أن نذكر شيئاً من ذلك:
لقد أقر الإسلام لها حق التملك ما دام عن طريق مشروع، وأقر لها حق الميراث، وأعطاها الصلاحية التامة في التصرف بأموالها.
كما جعل الإسلام رضاها شرطاً أساساً في صحة زواجها وحرم على الأولياء إكراهها على ذلك. فهي صاحبة القرار في الرضا بالزواج ابتداءً؛ إذ ليس لوليها أن يعضلها ويمنعها من ذلك، فإن فعل انتقلت الولاية إلى من بعده، كما إنها صاحبة القرار في الرضا بالزوج الذي تقدم لها.
فعن عائشة رضي الله عنها: "أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردتُ أن أعْلَمَ أللنساء من الأمر شيء"(17).
كما إن الإسلام أكرم المرأة بتشريع ما يصونها ويحفظ كرامتها وعفافها، فأمر بالحجاب والستر ونهى عن السفور والاختلاط.
ومن تكريم الإسلام للمرأة أن هيأ لها أسباب الاستقرار والراحة والأمان، فأوجب على زوجها النفقة والكسوة والسكن، كما أمره برعايتها والتلطف معها.
قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن"(18).
بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإنفاق عليها من أفضل النفقات، قال صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك"(19).
وحث الإسلام على التودد إلى المرأة وتحمل ما قد يصدر منها من أذى، وحفظ معروفها، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر"(20).
وبعد فهذا غيض من فيض عن مكانة المرأة ومنزلتها في الإسلام منزلة التكريم، ومنزلة التشريف والوقار.
المبحث الرابع: أسباب القوامة:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية34).
الله سبحانه وتعالى بيّن في الآية الكريمة سببين للقوامة التي جعلها للرجال، وهما:
السبب الأول: قوله سبحانه: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
وهذا نص من الله تعالى على تفضيل الرجال على النساء؛ بما ركب الله سبحانه في الرجال من صفات وسمات وخصائص اقتضت تفضيل الرجال على النساء، وسواء أكانت تلك الخصائص والصفات من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال، أم من جهة الأوامر الشرعية التي تطلب من الرجال دون النساء.
أما من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال فإن من المعلوم تفوق الرجال على النساء في الجملة في العقل والقوة والشدة، على عكس النساء، فهن جبلن على الرقة والعطف واللين، وهذا الأمر فضلاً عن كونه مشاهداً في الواقع، فإن النص القرآني قد جاء بتأييده، ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، قال سبحانه: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) (البقرة: من الآية282).
قال ابن كثير(21) رحمه الله: "وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت: يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين"(22).
وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة منه على نقصان عقل المرأة، ولعل هذا الأمر من أقوى الأمور التي يتمسك بها أعداء الإسلام الذين يزعمون باطلاً مساندتهم للمرأة، وأن ذلك – أي القول بنقصان عقل المرأة – مما يجرح كرامتها وكبرياءها، وينادون بالمساواة مع الرجال، وإن المتأمل في دعاواهم ومكايدهم يتبين له قلة علمهم وضعف فقههم، إضافة إلى ما تكنّه صدورهم من الحقد والعداوة للإسلام وأهله، وبتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد كل منصف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف المرأة بالجنون أو السفه، بل أخبر صلى الله عليه وسلم أن تركيبها التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليه يستدعي نقصان العقل والدين مقارنة بالرجال، فالله سبحانه أعطى الرجل من قوة العقل وحسن التدبير ما لم يعطه المرأة، وأعطاه من أمور الدين ما لم يعطه المرأة، وليس ذلك ينقص من أجرها وثوابها، وإنما ذلك يتناسب وفطرتها التي فطرها الله تعالى عليها، بل في نفس الحديث أثبت النبي صلى الله عليه وسلم قدرة النساء الضعيفات على سلب لبّ الرجال بما منحن الله تعالى من قدرة على ذلك، وقد وصف الله سبحانه مكر النساء وكيدهن بالعظمة كما قال سبحانه: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف: من الآية28).
أما من جهة الأمور الشرعية التي يطالَب بها الرجال دون النساء وكانت سبباً في تفضيلهم فذلك مثل الجهاد وشهود الجمعة والجماعات وغيرها من العبادات التي لم تطلب من النساء.