في
كل البيوت تحدث المشكلات الزوجية على نحو متكرر ، ولم تسلم منه بيت النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ،وأسباب ذلك كثيرة بحيث لا تحصى ، لكن من أهم تلك
الأسباب هو المعاصي والذنوب التي يقترفها أحد الزوجين او كلاهما ،وقد قال
احد السلف :" إني لأرى أثر المعصية في سلوك زوجتي , ودابتي". وفي الاثر :"
ما فرق الله بين اثنين متحابين إلا بذنب اقترفه أحدهما ، أو كلاهما".
كما
أن من أسباب تلك الخلافات والمشكلات الزوجية ، اختلاف التربية ، والسلوك ،
والمفاهيم ، والتعليم... الخ . وقد يكون تعكر المزاج في ذلك اليوم لأحدهما
سبب في وقوع كارثة.
وقد تبدأ المشكلة صغيرة بحيث لا تحتاج الى تشنج
أي من الطرفين ، ولا إلى العصبية ، ثم إلى التخاصم والخلاف. وهذه الخلافات
يمكن أن يتم وأدها في حينها ، وإيقافها عند حدها ، لكن الزوجين قد يفتقدان
لتلك المهارات التي تمكنهما من ذلك ، وقد اجريت دراسة على بعض الأسر
السعيدة ، وبعض الأسر التي وقع فيها الطلاق ، فوجد أن المشكلات التي وقعت
في كلا المجموعتين متشابهة ، إلا أن الفرق هنا كان بسبب اكتساب الأسر
السعيدة لمهارات تمكنهم من حل خلافاتهم سريعا قبل أن تتطور مشكلاتهم إلى
الأسوا ،ولذلك أحببت أن أضع بين ايديكم مهارتين مهمتين لا بد من اكتسابهما
لكل زوج وزوجة .
المهارة الأولى : وتسمى الإبتسامة الحكيمة .
فغالبية
الازواج والزوجات عندما يتعرضون لاستثارة سلبية من الطرف الآخر ، من خلال
خطأ ، أو هفوة ، لا يتحكمون في عواطفهم ، فينفعلون سريعا ، ثم يعلو صوتهم ،
حتى يتطور الأمر ، ويبيتون تلك الليلة في خصومة ، ولذلك تبرز أهمية
الإستجابة الحكيمة في مواجهة تصرفات الطرف الآخر ، والإستجابة الحكيمة تعني
عدم المسارعة في الرد على الطرف الآخر حتى تهدأ النفس ، وتقل نبضات القلب
الناتجة عن التصرف و الكلام الصادر من الطرف الآخر.
ولكن كيف لنا ان نفعل ذلك؟
يقول
الله تعالى :" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله.."فالإستعاذة من
الشيطان الرجيم أول ما ينبغي قوله بدلا من الرد على الطرف الآخر أو الصراخ
في وجهة. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يتسابان ، فاحدهما
احمر وجهه، وانتفخت اوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لاعلم كلمة
لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما
يجد".
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:"من كظم غيظا وهو
قادر على أن ينفذه،دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من
أي الحور شاء"، وقد روى أبو داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا
غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع".
بل انظر
إلى ردة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على زوجته عائشة رضي الله عنها
حينما أساءت إليه ، فقد قالت رضي الله عنها ، مرة ، وقد غضبت أنت الذي تزعم
أنك نبي؟! فتبسم رسول الله من قولها ، واحتمل ذلك حلما وكرما.
كما
علينا ان نلزم الإستغفار ليل نهار ، وان نكثر منه ونداوم عليه لأنه يقلل من
المشكلات أصلا ، فهذه المشكلات تحدث بسبب المعاصي كما أشرت سابقا ، وأذكر
أن فضيلة الشيخ ناصر العمر قد ذكر قصة في قناة المجد الفضائية أشار فيها
إلى أن أحد الزوجين تخاصما يوما ما حتى علا صوتيهما ، فذهب الرجل إلى
المسجد وجلس فيه يستغفر الله مدة طويلة ثم عاد إلى البيت منشرح الصدر ،
فوجد زوجته تستقبله بابتسامة عريضة ، فتضاحكا وذكر لها أنه كان يستغفر ،
فذكرت له انها هي أيضا كانت تستغفر. .
وفي نهاية هذه المهارة أحب ان
أؤكد على كل زوج ، وزوجة إذا تعرض أحدهما لأي استثارة سلبية من الطرف الآخر
تزعجه ، فعليه أن يدرب نفسه على السكوت بعض الوقت عن أي رد سلبي ، الى أن
تهدا نفسه . واقترح أن لا يقل هذا الوقت عن خمس دقائق.
المهارة
الثانية: وتسمى تحمل المسؤولية ، ويملكها من يملك الحكمة في إدارة الخلاف
بالصبر على الهفوات ، والحوار الهاديء ، والمصارحة اللطيفة .ويدخل فيها
الإعتذار عن الخطأ حتى لو لم تكن مخطئا ، كما يدخل فيها تقاسم الخطأ بين
الطرفين ، وأيضا دعوة الطرف الآخر إلى مكان آخر في البيت للجلوس والاتفاق
على حوار هاديء ينتهي برضى الطرفين ، وأيضا يمكن دعوة الطرف الآخر لتأجيل
الحوار إلى وقت آخر ريثما تهدأ الأنفس . كما يمكن الطلب من الطرف الآخر بأن
يقبل بأي من الأقرباء ، أوالاصدقاء بأن يحكم بينهما.
ومن يتحمل
المسؤولية خير عند الله من الذي لا يتحملها ، فقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم" خيركم من يبدأ أخاه بالسلام". ، وتبادل الإعتذار بين الأثنين ، خاصة
من الأهدأ نفسا حين وقوع المشكلة أمر محمود ، وقد قال أبو الدرداء لامرأته "
إذا رأيتني غضبت فرضيني ، وإذا رأيتك غضبى ، رضيتك وإلا لم نصطحب؟"
وفي
شأن دعوة طرف آخر ليحكم بين الاثنين ، فقد جرى بين النبي صلى الله عليه
وسلم ، وبين عائشة كلام فاقترح النبي صلى الله عليه وسلم عليها عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ليحكم بينهما فرفضت عائشة ، فاقترح أبو بكر الصديق رضي
الله عنه فوافقت عليه ، وعندما دخل قال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"تتكلمي أو أتكلم، فقالت تكلم انت ولا تقل إلا حقا !فلطمها أبو بكر
حتى أدمى فاها ، وقال أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟ فاستجارت بالنبي صلى
الله عليه وسلم ، وقعدت خلف ظهره فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنا لم
ندعك لهذا ، ولم نرد منك هذا".
فمن يمتلك تلك المهارتين ؟ اذن هو ناجح في حياته الزوجية. ومن لا يمتلكهما؟ اذن يحتاج أن يتدرب عليهما ليسعد في حياته الزوجية.
المهارتين هما:" الإستجابة الحكيمة، وتحمل المسؤولية" .
هنا
أحب ان أذكر إلى أن الإستجابة الحكيمة هي نفسها الحلم والأناة اللتان
يحبهما الله ورسوله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لاحد أصحابه:" فيك
خصلتين يحبهما الله ورسوله ، الحلم والأناة "
والحلم ياتي بالتحلم ،
كما أن العلم بالتعلم ، فياتي الحلم بالتدرب عليه أوقات الأزمات حتى يتم
اكتسابه. أما التأني فهو التوقف عن رد أي فعل سلبي تجاه الطرف الآخر .حتى ،
يفكر في رد فعل إيجابي بعد تأني وهدوء.