بعض جوانب التغيير
هناك جوانب كثيرة يمكن أن يتغير فيها الإنسان أو بمعنى أدق أن يغير فيها الإنسان نذكر منها :
1. التغيير في المبادئ والقيم :
إن أول وأهم جانب من الجوانب التي يمكن للإنسان أن يحدث فيها تغييراً، التغيير في المبادئ والقيم، سبحان الله ! كلما عشت أكثر وتأملت في الإنتاج البشري وفي واقع الحضارات والعلوم والفلسفات تجد في النهاية كل شيء يرجع إلى الفكر، كل أمور الحياة يحكمها الفكر، مبادئ قيم ينطلق منها البشر وتوجه حياتهم وانتاجاتهم، بعض الناس يسميها حضارة، تقدم، فكر، فلسفة... سمّها ما شئت فهي في النهاية مجموعة قيم ومبادئ تتحكم فينا وإن كنا نتبناها نحن باختيارنا، " كل مولود يولد على الفطرة "، لو ترك الإنسان بلا مؤثرات لعاش على منهج رب العالمين، " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".
يبدأ زرع القيم ويبدأ التغيير منذ الطفولة، بل في الست سنوات الأولى من عمر الإنسان، ومن هنا يأتي الخلل الجسيم في أن تعامل مرحلة رياض الأطفال على أنها مرحلة لعب ليس إلا، مع إنها مرحلة زراعة قيم وأفكار ومبادئ تحكم علاقات الإنسان وطريقة إنتاجه، وعادة ما تبدأ زراعة هذه القيم والمبادئ في نفس الإنسان من قبل مؤثرات خارجية لا سيما من الأبوين لما لهما من تأثير غير عادي في هذا الشأن، ثم يكبر الإنسان ويبدأ في النضوج ويبدأ يفكر باستقلال عن هذه المؤثرات الخارجية ويبدأ يختار قيم جديدة يختارها من تأثره بأصحابه، من خلال أفلام أو مسلسلات يراها، من خلال علاقات، تبدأ مؤثرات خارجية جديدة تأتيه لتزرع فيه قيم ونظرات للحياة جديدة، وهنا تأتي المجتمعات بطريقة تركيبتها فتزرع في الإنسان قيم معينة، هناك مجتمعات تزرع في نفوس أبنائها قيمة الوقت والضن به، وهناك مجتمعات للأسف مثل مجتمعاتنا العربية اليوم تزرع في الأجيال قيمة عدم الاكتراث بالوقت بل الناظر لمجتمعاتنا يجد فيها مجموعة قيم في منتهى السوء منتشرة بين الناس ومتجسدة في الأمثال وبالخصوص الأمثال الشعبية، من هذه القيم على سبيل المثال " شوف وغمض " يعني انظر إلى الخطأ والمنكر واسكت، يا سبحان الله لماذا ؟ قيمة ثانية تقول " مد رجليك على قد لحافك " لماذا أنام منطوي؟ ماداً أرجلي على قدر لحافي، لـَم لا أمد لحافي على قدر أرجلي ؟، قيمة ثالثة تقول " القناعة كنز لا يفنى " لماذا القناعة ؟ لمَ لا يكون الطموح، وعلى الرغم من سوء هذه القيم وغيرها الكثير فإن السواد من الناس يأخذها كمسلمات وقيم مقبولة.
وعليه فإننا نحتاج إلى أن نعيد النظر في الكثير من هذه القيم وذلك بان يبدأ كل إنسان يفكر بطريقة تختلف عمن حوله، يبدأ يتبنى القيم الصحيحة، فلا يأخذ كل ما يأتيه من أبويه، أو ممن حوله، أو من الإعلام، أو المفكرين أو الأدباء، مسلَّم به، كلا لماذا أنت مُسلم ؟ لماذا أنت مُسلَمة ؟ . هذا سؤال ليس مرفوض في الشرع، نحن عندنا –سبحان الله - شرع الله عز وجل قوته في منطقه، قوة ديننا في قوة منطقه الذي يحمله ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، أبداً قوة غير عادية، ولذلك فنحن على استعداد لمناقشة أي قضية حتى بما فيها قضية التوحيد، هل الله موجود أم لا ؟ لا مانع عندنا من مناقشة هذا السؤال أو هذه القضية، هل لله ولد أم لا ؟ [ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين] هكذا يقول القرآن إذاً هناك قيمة غير عادية اسمها قيمة العقل والمنطق، ليس هناك تسليم، لا لشيخ ولا لحزب ولا لجماعة ولا لحركة ولا لأب ولا لأم لا أسلَّم إلا بالدليل والبرهان والمنطق هذه قيمة يجب أن نزرعها في نفوس أبنائنا، قيمة جديدة وللأسف الشديد نحن تعودنا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية باسم احترام الكبار، وباسم احترام الشيوخ أن نسلَّم، وأن تسلم يعني تقلد، وديننا جاء لرفض التقليد الأعمى [ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون ] قضية أساسية ينكرها القرآن ، لقد عمل القرآن الكريم من يوم جاء على نسف المبادئ والقيم التي قامت عليها حياة الجاهلية ، وجاء بقيم جديدة ، ولما جاء بقيم جديدة صنع حضارة ، ومن هنا كان التغيير الذي يحدث في المبادئ والقيم أعظم وأكبر تغيير وذلك لكونه يحكم كل التغييرات الأخرى .
2. التغيير في السلوك :
علاقتنا بالآخرين محكومة بشكل كبير وغير عادي بالقيم والمبادئ التي نتبناها، ولمزيد من الإيضاح والبيان لهذا الأمر نأخذ هذا المثال :
رجل يملك مؤسسة ولديه موظفين يحرص على أن يبتسم لهم ويضاحكهم بهدف ماذا؟
كثير من الناس لما يعمل هذا فإنما يعمله بهدف مص دمائهم وعصرهم حتى يبذلوا جهداً أكبر يزيد من كمية الإنتاج لمؤسسته ثم يركلهم ، لماذا ؟
لأن هناك مبدأ خطأ، وهنا صار لزاماً علينا أن نعيد النظر في قضية السلوك والعلاقات فسلوك الإنسان نابع من قراراته وقراراته نابعة من قيمه، وعليه كان باستطاعة أي شخص أن يتغير، فليس هناك سلوك مفروض علينا فالرجل الذي يغضب هو الذي قرر أن يغضب، والطالب الكسول هو الذي قرر أن يكون كسولاً، ومرة أخرى نحن لا نستطيع أن نغير الناس، أنا لا أستطيع أن أحيل الطالب الكسول نشيطاً، وإنما بإمكاني أن أوجد له مناخ وبيئة للتغيير، لكن تبقى مفاتيح التغيير بيد الإنسان ويبقى التغيير الحق هو ذلك التغيير النابع من داخل النفس الإنسانية .
3. التغيير في أساليب الإدارة:
كيف أدير نفسي ؟ كيف أدير بيتي؟ كيف أدير عملي ؟ وهنا أقول يستطيع الإنسان أن يدير بالأوامر ويستطيع أن يدير بالأخلاق، أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، يخدم عنده صلى الله عليه وسلم ما سأله لم فعلت كذا ولم لم تفعل كذا فأي أسلوب في التعامل هذا وأي أسلوب في الإدارة والقيادة ينبع من قيم أخلاقية.
4. التغيير الاجتماعي :
وكثيرة هي ضروب هذا التغيير، فالشاب إذا تزوج يحدث له تغيير جذري، الرجل إذا رزق بالولد يحدث تغيير في حياته الاجتماعية، كذلك تغيير المسكن، تغير الأثاث.. هذه التغييرات وغيرها كلها تغييرات اجتماعية يستطيع الإنسان أن يوجهها التوجيه الصحيح، ومع ذلك فإن الكثير من الناس إذا تزوج مثلاً يتزوج ومعاييره في الزواج خاطئة وعليه فإن نسبة كبيرة من الزيجات في مجتمعاتنا العربية تختل وتنتهي بالطلاق في أقل من خمس سنوات، وهذا أمر لم يحدث إلا يوم صارت قيمة المرأة عند الكثير من الناس في شكلها في جمالها، كما يقال الحب من أول نظرة، وهذا إنما يكون على الشكل وللأسف الشديد فإن مجموعة الأفلام العربية تعمل على تكريس هذه القيم ، التي تزرع في نفوس النشء نظرة اجتماعية خاطئة ، وطريقة تفكير في العلاقات الاجتماعية خاطئة، هذا إلى جانب مجموعة قيم أخرى خاطئة تزرعها المجتمعات في العلاقات الاجتماعية خلاصتها أنه لا تصح قوامة الرجل في بيته إن هو أشرك زوجته في إدارة دفة البيت، أو فوضها في ذلك، ويبدأ الرجل يمارس ممارسات خاطئة لأن في خلفيته وفي عقله الباطن ما يدفعه لذلك.
نظر اجتماعي خاطئ تولد من قيم خاطئة وانبتت عليه علاقات اجتماعية خاطئة.
5. التغيير في التخصص :
الكثير من الطلاب لما يدخل تخصص ما لا يدري لماذا هو في هذا التخصص؟ وهذا بسبب قصور نظام التعليم عندنا في الشرق، ولأن الحكمة ضالة المؤمن فإن في نظام التعليم الغربي مسألة لطيفة حري بنا أن نأخذ بها يسمونها مواد دراسية استكشافية، وأنا كطالب كيف لي أن أعرف إني أحب الإدارة أو لا أحبها؟ إلا إذا درست إدارة وجربتها وبعد ذلك أحكم هل تناسبني أم لا أما وأنه لم يسبق لي أن ذقت الإدارة فكيف لي أن أحكم وعليه كم من طالب أو طالبة عندنا دخلوا كليات لم يذوقوا فيها حلاوة يوم دراسي واحد، ما الحل؟ هنا تأتي مسألة التغيير، فالتغيير يمكن أن يحدث في نظرتنا لتخصصاتنا ودراساتنا لكن قد يقول قائل فات الأوان وتخرجت في تخصص لا أحبه فأقول: ليس خطأً أن يكتشف المرء أنه في تخصص لا يناسبه الخطأ أن يستمر فيه، أن يقضي بقية حياته في تخصص لا يحبه، الخطأ أنه يقضي عمره في رغبات، ميول، هوايات، مفروضة عليه، كلا، الأصل أن ينطلق الإنسان من ميوله ورغباته الخاصة ومع هذا فإنه ليس بالأمر الهين وليست مسألة بسيطة أن يغير الإنسان في تخصصه لكن الخيار أحد أمرين فأنت إما أن تستمر بقية حياتك في تخصص يتعسك وإما أن تستبدله بتخصص آخر يتوافق مع رغباتك وميولك وهواك، وإنه لمن المؤكد الثابت إن الإنسان لا يبدع إلا إذا دخل في مجال يعشقه، أما أن نسير على قاعدة " هذا هو المتوفر" فإن هذا لن يؤدي إلى أي عشق للتخصص وبالتالي لن يؤدي إلى أي إبداع .
6- التغيير في المهارات والقدرات :
قد يقول الكثير من الناس نعم نحن نعشق تخصصات معينة ولكن ليس لدينا هذه المهارات والقدرات اللازمة، وهنا أضرب مثلا مرّ بي أذكر ولا أنسى أول مرة وقفت فيها متحدثا أمام الناس, كنت فيها ممسكا بورقة أقرأ منها, وكان قلبي يرجف ورجلاي ترتعشان, والعرق يتصبب, ما كان عندي هذه القدرة والمهارة لكني كنت أشعر أن هذه المجال أنا أعشقة وأميل إليه, وإن كنت أفتقر إلى المهارات والقدرات اللازمة لذلك وبعد أن فرغت من حديثي قالت لي إحدى الأخوات الحاضرات, ينبغي على الإنسان أن يدخل في مجال يكون لديه فيه القدرة .لو قسنا إنتاجاتنا وإنجازاتنا بقدراتنا فلن ننجز شيء, القدرات الإنسان يصنعها ,المهارات يكتسبها , نعم هناك مواهب قد تعين لكن إذا افترضنا أن القدرات موهبة إلهية سوف نستسلم ونعجز.
7 . التغيير في المسؤوليات والصلاحيات
المسؤوليات كثيرة في حياة الإنسان بيد أن هناك بعض المسؤوليات مفروضة علينا فرضاً لا خيار لنا فيها، أن أعمل للإسلام هذه مسؤولية مفروضة، كذلك القيام بشؤون الزوجة والأولاد .
وللأسف بعض الشباب - بسبب القيم الخاطئة - يرزق بالولد ويظل يعيش حياته كأنه أعزب ، كلا الإنسان لا يمكن أن يعيش بهذه الطريقة بل لا بد له أن يعرف أن حياته سوف تتغير بتغير مسؤولياته ، قيمة يجب علينا أن نزرعها في نفوس الشباب ، هذا بخصوص المسؤوليات أما الصلاحيات وأعني بها ( الحق المعطى للإنسان في أن يتصرف ويطاع )، هذه الصلاحيات لا تعطى، الذي ينتظر أن تعطى له الصلاحيات يعيش في تذمر، لا أستطيع أن أفعل كذا، لمَ لا يُسمح لي بكذا ...
الذي يعيش بهذه الطريقة لن يغير شيء الذي يغير هو الذي يكتسب الصلاحيات ، مبدأ من مبادئ الحياة التي تعلمتها أن الحرية تؤخذ لا تعطى وأن الصلاحيات تكتسب اكتسابا أما الذي ينتظر أن تعطى له الصلاحيات فإنه سيعيش على هامش الحياة.
إذاً يجب أن نتغير مع تغير مسؤولياتنا ويجب أن نغير في صلاحياتنا وهذا الأخير سيكون له دور في إنجاز مشاريعنا وأهدافنا، لأنه بدون صلاحيات لا نستطيع أن نحقق أي أهداف أو مشاريع.
يتبع