السلام عليكم ورحمة الله كيف حالكم ^^ بما أنني في الغد سأكون مشغولة قررت وضع الجزء اليوم حتى لا أحمل همه في الغد ^^ (14) _يوم الخميس_ _الساعة السادسة بعد المغرب_ الجوهرة التي صمم بهابيهو على سرقتها، كانت صفقة رابحة لشركة معادن تُسمى "عشق المعادن"، الشركة تحفظها في غرفة خاصة في مبناها، على إحدى المنضدات الخاصة في منتصف الغرفة، الجوهرة ليست غالية جدا كما يعتقدون، إنها جوهرة لها جمال جذاب، ولكنها ليست هدفا لسارقي المجوهرات المحترفين، ولكنها هدف للصوص الحمقى.. أو اللصوص الذين يسرقونها لهدف آخر تماما مثل بهابيهو! فلم يكن غرضه الجوهرة نفسها، بل هو إيقاع بهاء في الفخ! هذه المرة بهاء تقابل مع عمير شخصيا، عثمان كان يرافقهما، ولم يخفَ عليه النظرات الصامتة التي يتبادلانها كل ما التقت نظراتهم، جالسون على أريكتين متقابلتين، عمير في وجه بهاء، وعثمان يجلس إلى جانب صديقه دون أن يتكلم. في نهاية اللقاء شدّ عمير على يد بهاء قائلا في حزم: يجب أن تبذل كل ما في وسعك لتنفذ الخطة التي اتفقنا عليها. أومأ بهاء موافقا برأسه وفي عينيه عزم وإصرار شديدين، ولكنه رفع حاجبيه دهشة وقلقا عندما قال له عمير مصغرا من حدقتي عينيه: وبعد هذه العملية ستذهب للحجز في قسم الشرطة حتى تُعرض على المحكمة! فيجب محاسبتك على الكذب وتضليل الشرطة وفوقها الهرب.. ثم الاختفاء! أخفض بهاء رأسه بصمت دون أن يعلّق وإن كان عمير شعر بتوتره بين يديه، فشدّ عليها مرة أخرى متبسما وربت على كتفيه: لا تقلق يا بهاء.. لقد حصل بيننا سوء فهم في البداية! أما الآن فأنا أفهم أنك لست مذنبا حقا، وأن المذنب الحقيقي هو الذي ضللني بأدلته.. لقد كانت هذه هي رغبته أصلا، تضليل الشرطة لتقبض عليك بدل القبض عليه هو .. ولكن لا تنس أيضا أنك حين هربت أكدت شكوكنا فظننا أنك بهابيهو فعلا. أرخى بهاء رأسه وتنفس بعمق قائلا: أنا أعتذر يا أستاذ عمير. وقف عمير وصافح بهاء مودعا: اللقاء بعد خمس ساعات.. جهّز نفسك جيدا. ثم انصرف تاركا بهاء وعثمان واقفين، جلس بهاء منهارا وهو يغمغم: يا إلهي.. لقد خجلت من نظراته اللائمة! ابتسم عثمان وجلس بجانبه قائلا: ولكن غريب أن وافق أبي على خطتك.. ظننته سيرفض! ففيها خطر على حياتك! ضحك بهاء وضربه على جبينه بخفة قائلا: فلتكف عن جبنك وخوفك هذا يا فتى.. ليس هناك نسبة خطر. يبدو أنك أعطيت هذا الحلم أكثر من حجمه. نظر عثمان بعيدا بقلق وهو يقول: لا أدري. يسّر الله هذا الأمر.. أريد فعلا أن أرتاح! أغمض بهاء عينيه: أراحنا الله جميعا. حاول عثمان أن يُطمئن نفسه ويرتاح ولكن جال على خاطره هذه الجملة: لن يرتاح العبد المؤمن إلا من أول خطوة يخطوها للجنة. _ _الساعة الثانية عشر ليلًا_ شركة عشق المعادن، مبناها متوسط الحجم حولها مبان متفرقة في البُعد والقرب عن المبنى، وأسطحها مثالية تماما للقفز عليها، باختصار إنها طريق سهل جدا لمرور بهابيهو. كانت دوريات الشرطة مترقبة، لكل حركة، لكل همسة، منتشرة على الأسطح وفوق المباني، وبين الشوارع والأزقّة، وبداخل الشركة نفسها، التوتر والترقب واضح في عيون رجال الشرطة، والحماس يملأهم، هذه المرة، عثمان وبهاء موجودان، بهاء مستعد تماما بزيّه بهابيهو، وعثمان مستعد لكل مساعدة تُطلب، فجأة سمعوا صراخا من مبنى الشركة نفسها. يبدو أن بهابيهو تنكر بزي شرطة، ثم دخل إلى مجموعة الحرّاس الخاصة بـغرفة الجوهرة، وقدمّ نفسه إليهم على انه ضابط شرطة جاء للاطمئنان، بل وقدّم لهم بطاقته! وظل يحرس معهم ساعة كاملة دون ملل، حتى اعتادوا عليه وظنوه واحدا منهم قد عُيّن جديدا من أجل الحراسة المشددة.. وعندما حانت الساعة، وجدوه يهمس لهم: يبدو أن بهابيهو قد جاء، أشعر بحركاته في الغرفة، يجب أن نقتحمها ونفاجئه.. سأله أحدهم بدهشة: ولكن كيف دخل؟ الغرفة مغلقة النوافذ والأبواب بإحكام. أشار لهم: ربما دخل من فتحات التهوية. ثم صرخ عندما سمع بعض الأصوات قادمة من الغرفة: هيا.. أم أنكم تنتظرونه حتى يهرب؟ من معه المفتاح لهذه الغرفة؟ ظهر رئيس المجموعة متوترا وهو يقول: أنا.. ولكن يا سيدي نحن لا نعرفك إلا منذ ساعة فقط.. انتظر حتى أتصل برؤسائي ليُعلموني موافقتهم على الخطوة التي سننفذها. جذبه ناصر بعنف من ياقته صارخا: فلنفتح الغرفة قبل أن يهرب بهابيهو بالجوهرة، أم أنك تريد له الهرب سريعا؟ اضطرب الرئيس، فقال ناصر في حزم: اطمئن، أنا فرد من الشرطة، لو حصل أي شيء فهو على مسؤوليتي.. أتسمع؟ وإلا فلو سُرقت الجوهرة فلا لوم إلا عليك.. هيا أطفأ أنظمة الهجوم بداخلها حتى نتمكن من الدخول. أطفأ رئيس الحرس النظام بضغطة زر في جهاز تحكم في جيبه، ثم مسح العرق الذي على جبينه ثم تقدم وفتح الغرفة، وبمجرد فعل ذلك حتى اقتحمت المجموعة الغرفة صارخين ومنتشرين في أرجائها، وجدوا النافذة مفتّحة أبوابها، فاقتربوا سريعا منها وقد تأكدوا أن بهابيهو قد هرب من النافذة، خصوصا عندما صرخ أحدهم: لقد سٌرقت الجوهرة! قفز ناصر على الفور من النافذة صارخا: سألحق به.. ذلك الوغد! وبمجرد أن سقط على الأرض تدحرج بخفة حتى يمتص جسده الصدمة كامل، ثم وقف بهمة وركض بسرعة إلى مبنى آخر مُظلم، وكل هذا دون أن يُصدر صوتا واحدا يدل الشرطة عليه. خلع بذلة الشرطة وظهر من ورائها ملابس بهابيهو، فتح يده وابتسم بخبث ساخر وهو ينظر إلى الجوهرة التي بين يديه، كان بها ثلاث فصوص فضية شفافة، حدّق في فصّ غريب على الجانب الأيمن، يُطابق الفصوص الباقية تماما، ولكن العين الخبيرة تستطيع رؤية النقطة السوداء التي غُرست في جانبه، إنها أداة تتبع، يا لهم من حمقى! يظنون أنني لن أتنبه لها وسأهرب مثل الغبي إلى مخبأي ليلحقوني هم بإشارة التتبع هذه! ضحك بشماتة وهو يضع الجوهرة في جيبه، ثم يستعد.. قفز سريعا إلى شارع جانبي، ومن هذا الشارع صعد إلى مبنى مظلم، اجتاز سلالمه بسهولة، وتوقف على السطح قليلا وهو يراقب الشرطة المنتشرين على السطح، كانوا يعطونه ظهورهم وقد انشغلوا بحادثة هروب بهابيهو، وراحوا يتكلمون في انفعال أين يمكن أن يكون؟ قال ناصر في نفسه: أنا ورائكم أيها الحمقى.. ولكن قلة الذكاء في عقولكم تمنعكم من تصوّر مكاني! وقف على أطراف قدمه، ثم زحف عليها بسكون شديد، ورفع قدمه وقفز بسرعة شديدة إلى المبنى الجانبي الذي يبعد ثلاثة أمتار عنه، شعروا باصطدام أحدهم في الأرض وتكوّره على نفسه وتدحرجه عدّة دقائق قبل أن يقوم واقفا ثم يقفز إلى المبنى الآخر بنفس الطريقة والسرعة، استوعبوا الأمر وصرخوا: إنه بهابيهو! أسرعوا بإبلاغ الفرقة (ب) الموجودة على المبنى المقابل، إنه في طريقه إليهم! ظل يقفز على أسطح المباني بطريقة تُثير الدهشة والعجب، وتجاوز كل فرق الشرطة الموجودة، بحركات ذكية، يميل تارة، وينزل من أسفلهم تارة، ويقفز من فوقهم تارة أخرى! حتى ابتعد مسافة كافية عن مبنى الشركة، التفت خلفه فوجد بضعة رجال يلحقونه لكنهم يقفون في أماكنهم عاجزين عن القفز مثله، فيضطرون للنزول من المبنى، ثم يصعدون باستخدام السلالم إلى المبنى الذي يقف عليه، حتى إذا وصلوا إلى السطح وجدوه قد قفز إلى المبنى المقابل بكل سهولة، فيضربون الأرض بأرجلهم غيظا! وحين حاول أحدهم الشجاعة والقفز مثله إلى المبنى.. لم تكن قفزته بالقوة الكافية لتوصله إلى الجهة المقابلة، فسقط على الأرض من ارتفاع ثلاثة أدوار! شهق زملائه في فزع وهم يتصلون بالمفتش عمير ليبلغوه بكل ما حدث، وأسرعوا لإسعاف زميلهم. أما بهابيهو فقد شعر بانعدام ملاحقيه، فبطأ ركضه قليلا وهو يأخذ تنفسا عميقا، رغم أن تلك القفزات سهلة عليه ويستطيع فعلها بإتقان، إلا أنها تتعبه كثيرا وتُهلك جسده بشدة المجهود الذي يبذله فيها. نطق فمه بآهة سخرية عندما التفت فرأى بهاء بملابس بهابيهو يلحقه بكل قوته، ولأن بهاء هو الوحيد الذي يستطيع اللحاق به، فقد حاول زيادة سرعته، وزاد بهاء سرعته بشده أكثر، قفز على عدّة مبان، وخلفه بهاء، حتى تقارب منه كثيرا وكاد أن يُمسكه، حاول ناصر أن يقفز بشكل مفاجئ لليمين، لكن ساقه المنهكة خارت قواها وسقط أرضا، وفي نفس الوقت سقط عليه بهاء وهو يُكبّل يديه بعنف هاتفا بغيظ: ستلقى جزاءك أيها الوغد. وجده يرفع نفسه عن الأرض ثم ينقلب على جنبه دافعا بهاء بعنف، ومع المفاجأة فقد سقط بهاء على الأرض بجانبه وحين حاول القيام واقفا وجد ناصر وقف قبله ثم راح متجها إلى المبنى المقابل ليقفز إليه، لم يتمكن من الوصول إلى المبنى، وإنما هوى ساقطا، لولا أمسك حافة سور السطح بكلتا يديه بقوة، أخذ عدّة أنفاس قوية لاهثة، ثم همس لنفسه: يبدو أن شدّا عضليا أصاب قدمي.. هذا ما ينقصني الآن! وجد بهاء يقفز من فوقه ويتدحرج على المبنى، ثم يُقبل إليه ويمد يده ليُمسكه ويساعده على الوصول إلى أرضية السطح. وجد بهاء يهتف: تمسك جيدا بيدي حتى أرفعك إلي. نظر له ناصر نظرات غريبة ثم أمسك بيده وجذبه بهاء إلى الداخل، رغم ثقله فقد استطاع بهاء جذبه، سقطا معا.. وناصر يلهث فنظر إليه قائلا: لماذا ساعدتني؟ أقبل عليه بهاء مهاجما وكبّله مرة أخرى قائلا: حتى تلقى جزاءك في الدنيا، أهون من جزاء الآخرة. حاول ناصر تحريك قدمه فوجد الشد العضلي قد زال إلا من ألم بسيط، فاستغل هذه النقطة لصالحه وركل بهاء في ساقيه، تفاجأ بهاء من ذلك وتراجع مُسرعا، فقد ظن أن ناصر الآن مُتعب ومنهك ولكنه وجد ركلته عنيفة ومؤلمة، لو نال منها بهاء واحدة أخرى في ساقه لكُسرت. أخرج ناصر من جيبه الجوهرة، ونزع منها الفصّ الذي به إشارة التتبع، وأخفاه في يده والجوهرة أعادها إلى جيبه، لم يكن بهاء منتبها لحركته فقد كان منشغلا بألم ساقيه، فاجأه ناصر بالهجوم والتحما حول نفسيهما في معركة قصيرة المدى، بعد أن فعل ناصر ما يريد، قام واقفا بعد أن رفع قدمه وضرب بها ظهر بهاء، أطلق الأخير صيحة ألم مكتومة، ولكن ناصر لم يُبالِ وهو يقفز إلى المبنى المجاور هاربا! وهو يضحك في داخله بسخرية: الآن، الشرطة ستحاول تتبع الإشارة التي وضعتها في الجوهرة، وستذهب إلى حيث بهاء، فتقبض عليه بتهمة سرقة الجوهرة.. الآن كل الأدلة ستكون ضده، ألم اقل إنه غبي؟ توقفت ضحكته وفغر فاه مذهولا عندما رأى ثنيّة قميصه، التي التصقت بها إشارة التتبع، توقف الزمن قليلا وهو يقف ليستوعب ما حصل له! بمجرد أن سمع أبواق الشرطة تُطارده ومجموعتان تصعد إلى المبنى الذي يقف على سطح، حتى استدار غاضبا، وأقفل راجعا من حيث أتى! ظلّ يقفز بسرعة رهيبة وأنفاسه تتصارع في أنفه الساخن من الغيظ، ذلك الغبي! لقد كان يعرف أنني وضعت له إشارة التتبع التي في الجوهرة.. وردّها إلي دون أن ألاحظ! سأريه! وصل إلى حيث تركه، كان بهاء على وشك القفز من فوق سور أحد المباني إلى سطح المبنى المقابل، وهو مبتسم وواثق تماما أن الشرطة بعد قليل ستقبض على ذلك الوغد ناصر. شعر بجسد قويّ يهجم عليه، فهوى أرضا على السطح واصطدم وجهه بالأرض في قوة، حاول أن يرفع يده ليفحص أنفه المسكين، ولكن ناصر أداره إليه ثم رفعه من تلابيبه صائحا في غضب: أيها الحقير.. هل تخدعني؟ تضع لي إشارة التتبع! وتظن أنني غبي.. كيف تجرؤ؟ وقبض بيدٍ واحدة على رقبته، كان ناصر يغلي من الغيظ، من الغضب! لو لم ينتبه على إشارة التتبع في اللحظة الأخيرة، لكان الآن بين يدي الشرطة! أفرغ كل غضبه في ضربه ضربا مبرحا، حتى شعر بهاء أنه كسّر كل عظامه وأضلاعه! دون أن يقدر بهاء على الدفاع عن نفسه، بهاء لم يدخل كلية الشرطة لمدة أربع سنوات مثل ناصر ولم يلتحق بقسم الشرطة ويمارس التدريبات اليومية القاسية، بهاء مجرد فتى ثانوي دخل بعض النوادي التدريبية الرياضية وشتان ما بين هذا وذاك. ألصق فيه شارة التتبع، وصفعه بيده على وجهه ليتدحرج على الأرض، جاء ليذهب في غضب وهو سعيد بالانتقام الذي حققه من بهاء.. ففي نظره، يجب أن يكون بهاء غبيا ويُطيع الكلام ويستسلم للضرب ولخططه ولوضعه إشارة التتبع! هكذا بدون أي ضمان! يجب أن يستسلم لأن ناصر أذكى منه بكثير. نظر إلى الجوهرة التي في جيبه ورفعها إلى عينيه قائلا: إنها جوهرة بالية! عاد إليه ووضعها أمامه على الأرض قائلا بخبث: أنت من سرقتها يا عزيزي.. وإشارة التتبع لاصقة في ملابسك.. وجد أحدهم يتمسك في ملابسه، استدار ليرى بهاء قائلا بصوت متزن حاسم رغم آلامه: هل ستذهب هكذا؟ أنا لن أفشل.. أسمع؟ ابتسم ناصر ساخرا وأمسك يديه الاثنتين المتشبثتين بثيابه بلطف شديد قائلا: وأنا لن أفشل أيضا.. هل سمعت؟ إذن استسلم أنت لي! ثم استدار إلى الخلف بعد أن أبعد يديه، وجده يُمسك بطرف لثامه من الخلف: لن أتركك تذهب يا هذا! تنهد بضجر ثم أعطاه ركلة عنيفة جعلته ينثني بألم، وانصرف مسرعا لأنه سمع أصوات الشرطة ورجالها يقتربون. ومن جهة أخرى، كان عثمان يُراقب بمنظار صغير على إحدى المباني البعيدة إلى حد ما عن المبنى الذي يجثو عليه بهاء، أنزله غاضبا وهو يزفر: ذلك الوغد، لقد ضرب بهاء! ربت عبد الرحمن على كتفه قائلا: لا تقلق، بهاء أهلٌ لذلك.. لم أرَ فتى بمثل قوة تحمّله. جاء ليمضى قُدما فوجد الضابط عبد الرحمن يُمسكه من يده بإحكام، قال باستغراب: لمَ تُمسك يدي هكذا يا حضرة الضابط؟ ضحك عبد الرحمن مغمغما: لأنني أعرفك، متهور وربما تذهب إلى هناك الآن! حاول عثمان الابتسام لكنه لم يستطع وهو يوجّه نظره إلى ذلك المكان، مكان بهاء وهو عاجز عن الوقوف! |