"كنا صغاراً وقتها ... صدقني .. لم نطمع بالكثير!"
|رنين |
أيقظني منبه هاتفي كالمعتاد وماهي إلا لحظات لأدرك أني غططت في النوم ليلة أمس دون أن أشعر.. رفعت جسدي المتصلب من على الأرض ثم مددت يدي ووضعتها على جبين آتسو .. شعرت بارتياح شديد لانخفاض حرارته .. استغرقني الأمر بضع لحظات لأدرك عدم تواجد يوكي في الغرفة، يبدو أنه استيقظ بنفسه على غير عادته .. أخرجت بعض الملابس من خزانتي ثم أخذت حماماً سريعاً وخرجت بعدها لأقدم عذر غيابي إلى الشؤون الأكاديمية ..
لم تكن لدي رغبة في حضور المحاضرات لذا بعد أن قدمت عذري عدت إلى السكن مروراً بالكافتيريا في طريقي.. أخذت منها شيئاً لآكله مع أتسو ثم عدت إلى غرفتي على الفور، وجدته ما يزال نائماً لذا أعددت كوباً من الشاي وتناولت معه بعضاً من الخبز .. شرعت بعدها في المذاكرة استعداداً للاختبارات النهائية التي ستبدأ الأسبوع القادم ..
| بعد بضع ساعات |
ها نحن جميعاً مجتمعون في غرفتي نتناول طعام الغداء الذي أشتراه سايمون لنا، آتسو يجلس بجواري والخمول الشديد يسيطر عليه، أما بالحديث عما نتناوله فكعادتنا نحن الطلاب الكسالى لا نأكل سوى الوجبات السريعة..! بدا الجميع يفكر في أمر ما لذا خيم الصمت على الغرفة .. أنا بدوري كنت مشغول البال بأمر أخي سورا .. حاولت الاتصال به بضع مرات اليوم ويوم أمس ولكنه لم يجب على أي اتصال لي، اتصلت بالمنزل وأخبرتني أمي أنه مشغول بعض الشيء بالمذاكرة.. أعلم أن ذلك الفتى اللعوب لا يمسك كتابه إلا في ليلة الامتحان، لذا لا أشعر بالراحة أبداً .. بعد أن أنهى الجميع طعامه اتفقنا على مناوبتنا في البقاء مع آتسو خلال أوقات المحاضرات ..
مضى اليوم الأول على خير .. كما هو حال اليوم الثاني والثالث .. لم تحدث خلالهما أي مشكلة تذكر، فقط هدوء تام .. لعل سبب هذا ذلك هو اختفاء يوكي غير المتوقع.. لم نرَ وجهه طوال اليومين بأكملهما .. لا في المحاضرات ولا في السكن كما أنه حتى لا يجب على أي اتصال يأتيه منا .. بعبارة أخرى أصبحنا نحن المسؤولين عن آتسو تماماً.. بالحديث عن حالته الصحية فقد أصبح الآن أفضل من ذي قبل، أما بنسبة لشخصيته فعلى عكس كل الأطفال فتى هادئ للغاية، لا يتكلم كثيراً بل ويبقى ساكناً في مكانه لعدة ساعات متواصلة ..!!
|في اليوم التالي|
انتهت محاضرات اليوم كله باكراً ولم يستغرق الدوام بأكمله سوى ساعتان لا غير والسبب هو تحذير الأرصاد الجوية بهبوب عاصفة هوجاء مجدداً لهذا الشتاء الذي طال أكثر من المعتاد، كان الظلام قد خيم على الخارج بالفعل، وكأننا في منتصف الليل رغم أن الساعة تشير إلى وضح النهار!!
بالرغم من كل تلك الأجواء المرعبة اعددت كوب قهوة ساخن وجلست ببرود بجوار تلك النافذة المطلة على حديقة السكن المغطاة بالثلوج .. "ستكون عاصفة هوجاء على ما يبدو" قلتها بهدوء بعد أن ارتشفت قليلاً من كوب قهوتي ليرد عليَّ ذلك الهادئ بـِ"أجل!" ماهي إلا لحظات حتى دخل علينا ذلك المتجمد دون طرق الباب حتى، مرتدياً معطفه الأسود ولافاً وشاحه الرمادي حول عنقه كالعادة، حدق فينا بضعة دقائق ثم اتجه إلى دورة المياه دون قول أي حرف .. فور خروجه منها صعد إلى السرير العلوي واستلقى عليه وأخذ يعبث بجهاز الآيباد خاصته كالعادة .. تنهدت بعمق قبل أن ابدأ مشروع إزعاجه:
- ما بالك؟ ألن تلقي التحية حتى؟!
- أوه، مرحباً..
- أهلا =="
قالها دون أن يتعب نفسه بالنظر إلينا حتى، ألا يكفيه اختفاءه اليومين الماضيين.. مضت ساعتان على ذلك الحال دون ان ينطق أحدهما بحرف، لسبب ما أشعر بهالة فظيعة تخيم على أجواء الغرفة .. بعد أن فقدت الأمل في التحدث إلى يوكي أخبرت آتسو أن يأخذ قيلولة قصيرة على سريري، اتجه ذلك الطفل إلى السرير وسحب البطانية من عليه .. ثم عاد إلي وجلس مستنداً على الجدار بقربي وتلحف بها قبل أن يغمض عينيه محاولاً النوم.
"ما خطبه؟ أهو خائف من يوكي أم ماذا؟!"
لم يحرك متجمدنا ساكنا رغم رؤيته لما حدث، وأنا بدوري لم أعلق على أي شيء .. ماهي إلا لحظات حتى غط آتسو بالنوم على وضعيته تلك التي بدى معتاداً عليها، انتظرته قليلاً وبعد أن شعرت بتعمقه في نومه قمت وأخذت وسادة من على سريري، وضعتها بجانبه ثم عدلت وضعية نومه، اتجهت بعدها إلى سريري واستلقيت عليه انتظرت قليلاً ثم قمت بتحليل رياضي سريع لموقع استلقاء يوكي بالضبط وفي حركة عنيفة وسريعة ركلت خشبة السرير العلوي بكل ما أوتيت من قوة حتى سمعت صوت تأوهه المرتفع!
- ما – ما – ما هذا الذي...!!
- تستحق ذلك!
- آآآخ .. ظهري .. أيها الوغد ..
- كيف تجرؤ على تجاهلي بهذا الشكل .. أتظنني أحمق أم ماذا =="
- ما الذي تريده بالضبط .. آخخ .. أشعر أن عظامي قد تفككت!!
- توقف عن التأوه هكذا كالفتيات .. لمَ لم توفِ بوعدك لي؟!
- أي – أي وعد ..؟!
- بـربك! أنسيت كل شيء بعد هذه الضربة اللطيفة! لقد ساعدتك مع ذلك المحقق ووعدتني أن تخبرني ما حدث بينك وبين خالتك، نسيت؟!
- ولمَ عليَّ إخبارك؟!
- لأنني ساعدتك بالطبع!
- لم تفعل! لقد جعلت الأمور أسوأ فحسب!! أنا من تولى كل شيء!
- أيـاً يكن، لقد فعلت ما طلبته مني، الوعد يبقى وعداً!! ثم أين اختفيت خلال اليومين الماضيين؟!
- هوووووووووووه~ أكنت قلقاً عليَّ أم قلق أن يبقى ذلك الطفل عندك مدى الحياة؟!
- ..................
- هه! كما توقعت!!
قالها في لهجة مستفزة للغاية، ولكن لحسن الحظ أنني في مزاج رائع للقتال والجدال والإزعاج وكل ذلك بفضل كوب قهوتي الرائعة! صمتُ لوهلة وبعد أن استشعرت صوت استلقائه على السرير مجدداً ركلته مرة أخرى بركلة أقوى من سابقتها فلم أعي إلا وهو ساقط على الأرض " يا – يا ويلي ...!!" بقي على الأرض دون حراك فشعرت بقلق فظيع، ولكنه لم يلبث إلا وانزاح عني بعد أن رأيته يرفع نفسه بتثاقل من على الأرض ..
- أنت على قيد الحياة ..؟!
- آآخ .. من أين تعلمت هذه الحركة، لو كنت أعرفها لفعلتها لك منذ زمن ..
- "جيد، ليس غاضباً" تعلمتها في المخيم الصيفي، لطالما أيقظت سورا بهذه الطريقة .. م - مهلا!! كف عن تغيير الموضوع ..!!
- هممف .. لم ينجح الأمر! اسمع .. لست في مزاج للتحدث .. لو لم تهب تلك العاصفة لما عدت إلى السكن أصلاً لذا اتركني وشأني الآن!
- هاه! ما هذا الذي تقوله .. تلك العاصفة لم تهب بعد .. إن كنت تريد الخروج من هنا فاخرج! ما يزال هنالك وقت كافٍ حتى هبوبها .. لكن لا تدخل هذه الغرفة بمزاجك الشيطاني هذا .. هنالك ملاك أصبح يعيش هنا كم تعلم!!
- هاه .. ملاك؟! أنت لا تقصد ..
- بلى أقصده .. إن عاملته بأي سوء فستندم أشد الندم ..
- لا تخدع به .. انه ابن شيطانه ..
- وكأنك أفضل منه؟! أنت أسوأ شيطان بشري رأيته في حياتي! أوه .. أعتذر .. اسحب كلمة بشري من الجملة السابقة ~ إن لم تكن تريد التحدث فاخرج من الغرفة رجاءً، لا أطيق رؤية آتسو خائف منك هكذا ..
- بالله عليك! اتركني أرتاح، شيجيرو!!
- لن أفعل ==" استأجر فندقاً أيها الفتى الثري وارتح من رؤية وجوهنا إن كنت تبعضها لهذه الدرجة! لا تتصرف كما لو كنت تخاف العواصف الثلجية..!!
- اصمت!! من يخاف من شيء سخيف كهذا!!
رغم أني قلتها ساخراً إلا أنني لم أتوقع أن يرد بهذا الصوت الجاد .. مهلا .. أيعقل أنه فعلاً يخاف منها ..!! مستحيل!!
- هوووووووووووووو~ تخاف منها حقاً ..؟! هذا يفسر سبب عودتك إلى السكن XD
- ومن قال ذلك ..!! هذه العاصفة لا شيء!
- هههههههههههه سأدفع لك كل ما تريده إن تمكنت من التمشى في الخارج في هذا الوقت!!
- لا أحتاج نقودك!
- هاهاهاهاها!! مستحيييييييل!! أنت تخاف منها فعلاً!!
- =="
- أوي .. أتساءل ماذا سيقول آلن إن عرف بذلك؟!!
- أخبره وسترى ما سيحصل لك ..
- تظنني أخاف منك؟!
- شيجيرو .. أنت لا تعلم كم أحاول الحفاظ على هدوء أعصابي معك .. أحذرك .. لا تغضبني .. ماذا تريد بالضبط ..؟!
- بدأت أخاف ~
- شيجيرو =="
- أخبرني كل شيء.. أخبرني ما جرى بينك وبين خالتك؟
- فقط .. هذا ما تريد معرفته ..؟ وستتوقف عن إزعاجي فيما يخصها إن فعلت؟
- أجل ..!
صعد يوكي على سريره ثم جلس عليه ، صمت لبضع دقائق ثم قال: "سأخبرك .. لكن عدني أن تبعد من تنادونه آتسو عني!" ... "إن كان مقنعاً ما ستقوله فسأفعل بكل سرور!" .. قلتها فوراً وبدون تفكير .. فلا أظن أن هنالك سبب يستحق من أجله أن يعامل الأطفال بسوء.. كما أنني أرغب حقاً بمعرفة ماذا حدث له بالضبط .. ربما أتمكن من مساعدته أو على الأقل معرفة كيفية التعامل معه!