"خطوة للأمام .. وخطوة للخلف.."
انهيت محاضراتي لليوم الخامس والاخير في هذا الاسبوع المرهق، بدءا من يوم الاثنين سنبدأ الاختبارات النصفيةً والتي ستستمر اسبوعين، لذا علي ان اتحضر لها جيداً .. عدت الى السكن كالعادة ووجدت ان يوكي لم يغير من وضعيته هذا الصباح.. ناصباً قدمه اليمنى ومسندا رأسه عليها كي لا تظهر ايٌ من تعابير وجهه للعلن .. لم أحاول حتى التحدث معه، فأنا أؤمن أن الهدوء والتفكير العميق هما الحل لجميع المشاكل.. وضعت دفتر محاضراتي على طاولة الدراسة واتجهت نحو رف الكتب، اخرجت كتاب مبادئ الادارة منه وعدت الى تلك الطاولة ثم شرعت في تلخيص الدوس استعدادا للامتحان..
مضت ثلاث ساعات بالفعل وذلك الاحمق لم يحرك ساكنا حتى، اعترف ان بقاءه في تلك الوضعية يوترني، رفعت نظري إليه وبصوت هادئ قلت:
- أوي، يا فتى، أنت لا تخطط لإكمال اليوم هكذا.!!
| لا استجابة |
- أتسمعني... أوي يوكي!!
| لا استجابة |
تنهدت بعمق وعدت لأكمل دراستي، الارجح انه ليس مستعداً لمواجهة أي شيء بعد!
|بعد مضي ساعة|
- شيجيرو ..
فور سماعي لصوته شعرت ببعض الارتياح، أجبته بعدم اهتمام دون أن أنظر إليه حتى..
- هل هدأت الآن؟!
- ربما ..
- هذا جيد..
- أود سؤالك.. بالنسبة لما حدث..
أغلقت كتاب الادارة الموضوع في حضني، وضعته على الطاولة برفق، رفعت عيناي باتجاهه لأجده ينظر إليَّ بوجه شاحب نوعاً ما، عيناه المجهدتان أشعرتني بحزن عميق، أجبته بصوت هادئ:
- أجل يوكي، ما الذي تريد سؤالي عنه؟
- يوم أمس، عندما أخرجت سكيني أمام تلك المرأة..
- أجل ماذا ..؟
- ألديك فكرة عن مكانها الآن ..
هل أخطأت في سماع السؤال يا ترى؟! مكان ماذا بالضبط؟!
- السكين أم تلك المرأة..؟!
- السكين بالطبع!!
- يـ-يوكي .. أصدقني القول ..
- ماذا ..؟
- هل ظللت طوال هذه الساعات.. بوضعيتك المزرية تلك.. تفكر في مكان سكينك فقط!! أهذا كل ما خرجت به؟!!
- أجل.. أهنالك شيء آخر يستحق أن أفكر به..
- انس الامر.. لا تسألني عن أي شيء مجدداً ..
- ما بك غضبت فجأة؟! أنا جاد..!! ألديك فكرة عن مكانها أم لا؟!
- وكيف لي أن أعرف؟! هاه؟!
- أنت من تسبب في اسقاطي لها.. والان ليست لدي فكرة عن مكانها ..!!
- |يتنهد| يوكي.. استمع إليّٓ جيداً وركز في كلامي، في بعض الأحيان، تواجهنا مصائب في هذه الحياة، ونحن مخيرون أما بمواجهتها أو تجاهلها، إن تجاهلناها فقد تندثر بمضي الوقت، ولكن إن كانت مشاكل عميقة وحساسة فما سيحدث هو أنها ستتضخم حتى نصبح عاجزين تماماً عن حلها .. لنأخذ ما حدث يوم أمس كمثال .. لقد ضربت تلك المرأة وطفلها، كما انك حاولت قتلها أمام العلن .. لا أعلم ما حدث بينك وبينها بالضبط، وما صلتك بها حتى، ولكن ما أعلمه أن ما حدث لم يكن الا نتيجة سنوات من الضغط الشديد المتجاهل بكل بساطة .. لوهلة ظننت أنك تعيد ترتيب أفكارك بوضوح لتعلم ما هو الصواب فعله من تركه، ولكن ياللأسف..!! من بين كل الأشياء.. تفكر في مكان سكينك ..!! سكينك فقط..!! اذهب أنت وسكينك إلى الجحيم!!
- ...
- ...
-ما كل هذه الفلسفة .. سألتك عن مكان سكيني فقط فأعطيتني محاضرة..
-لست أعلم ولا يهمني أن أعلم!!
-أنت لا تفهم .. ماذا إن بلغ أحدهم عني الشرطة وقدم السكين كدليل على ذلك ...
- هاه .. لكن الامر قد انتهى هنالك بالفعل!
- لا شيء يضمن ذلك ..
- ولكنها قد تنازلت عما حدث برمته ..
- إنها آخر شخص يمكننا أن نثق به.. افهمني شيجيرو.. السكين عليها بصماتي، ماذا سأفعل الآن..! قد أدخل السجن!!
- هووووووووه!! الآن بدأت تفكر بالسجن..؟! كدت تدخله من أوسع أبوابه!!
- لا بأس إن دخلته بعد قتلها ولكن ستكون مهزلة إن دخلته دون أن أفعل شيئاً لها ..
- أتعلم يوكي.. يجب أن تجد علاجاً لعقليتك المريضة هذه!
- عقليتي ليست مريضة! بل أنت المريض أيها الفيلسوف!
- اصمت قبل أن ابلغ عنك الشرطة بنفسي أيها القاتل المستقبلي!! ايييي .. لا أصدق أني أعيش مع شخص مثلك في نفس الغرفة..!
- همفف ، وأنا الذي ظن أن سؤالك أمر مجدي! تباً تلك.. لقد زاد صداع رأسي الآن ..
- يبدو اننا خرجنا عن موضوعنا أصلاً ، ذكرني ما الذي كنت تسألني عنه؟
- لا داعي انسٓ الأمر ..
- أوه صحيح .. عن سكينك .. صح ..
- شيجيرو، إن كنت تهدف إلى ازعاجي فقد حققت مرادك بالفعل، هلا توقفت الآن، أنا متعب حقاً ..
- انا حقاً لم أكن اهدف لإغاظتك، بل على العكس تماماً ولكني لم اتوقع سؤالك ابداً ..
- انسَ الأمر..
-بالنسبة لسكينك.. تحقق من الفندق فهي لديهم على الارجح..
- ولكن حتى لو كانت هناك، سيرفضون اعادتها لي صحيح؟! الديك فكرة تساعدني في اقناعهم؟!
- يستحيل أن يعيدوها إليك، ولكن على الاقل اضمن انهم لن يسلموها للشرطة ..
- انت محق، رغم اني اريد استعادتها حقاً ..
- اهي مهمة لهذه الدرجة ..
- أجل، كانت ملكاً للشخص الذي انقذني ..
- أنقذك من ماذا...
تفاجأت لدى رؤيتي لتعابير وجه يوكي قد انعكست تماما، من ذلك الحزن العميق إلى علامات النصر والفخر.. التمعت عيناه على غير العادة، قام من مكانه متوجهاً نحو الباب بسرعة وقال:
- سأغادر الآن ..
- إلى أين؟!
- إلى الفندق بالطبع، سأبحث عنها حتى أجدها.. بالمناسبة لنقتسم حل أسئلة الإحصاء، أنت قم بحل أول 50 سؤال وأنا سأتكفل بالباقي .. سلام!
- سلام ..
ذلك الوغد، لقد تبدل مزاجه في لحظة، ما كان يجب أن أقلق عليه .. خرج من الغرفة على عجل، فما كان مني إلا أن عدت لاستكمال دراستي ولم أشعر إلا وقد غططت في نوم عميق..