بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وها أنا أضع بين أياديكم الفصل السابع من روايتي ... || العالم الرمادي ||
أتمنى حقا أن " تستمتعوا " بقراءة الفصل وإبداء آرائكم !
معلومات مبسطة عن الرواية
القصة : العالم الرمادي
النوع : حياة مدرسية - نفسي - خيال - مأساة - رومانسي
الفصل السابع : الأُضحية ... !
جلست طويلا أفكر في كلمات روبرت ...
ما هي المكائد التي يدبرها لي يا ترى ؟
ولكنني في النهاية لم أتوصل لشيء على الإطلاق ، أتمنى ألا يخلق هذا الفتى المزيد من الفوضى ،
فلا أريد الغرق لعمق أكبر مما أنا فيه !
وها هو يوم رمادي جديد على وشك البدء ، حسنا ، لم يحدث الكثير اليوم ،
سوى موقف بسيط قبل عودتنا لبيوتنا في نهاية يومنا الدراسي .
لقد طلبت المعلمة من روبرت أن يقوم بجمع التقارير من جميع الطلاب ، ولكن مايا لم تتمكن من إنجاز هذا الفرض المنزلي ،
واعتذرت من روبرت ، وأخبرته بأنها ستخبر المعلمة عن سبب عدم مقدرتها على تسليم التقرير في الموعد المناسب .
إنه موقف بسيط للعيان ، ولكنه كان بمثابة شارة البدء لحدوث تغيرات جذرية في حياتي الفوضوية هذه ...
في اليوم التالي ، بدأت المعلمة حصتها بسرد أسماء الطلاب والطالبات الذين لم يقدموا التقرير لروبرت ،
ومما فاجأني أن مايا انتفضت من مقعدها لتصرخ قائلة : كيف حدث هذا ؟ لقد قمت بتسليم تقريري إلى روبرت بالأمس ، هو من أضاعه !
وحينها رد روبرت قائلا : هذا لم يحدث قط ، أنا سلمت جميع التقارير المعطاة لي ، وهي أخبرتني بأنها لم تستطع إنجازه في الوقت المناسب !
تبا ، ما هذا الموقف ؟
إن مايا تكذب بالتأكيد ، المشكلة بأنه لم يشهد أحدٌ على هذا الموقف سواي !
الجميع قد غادر بالفعل حينما أخبرته بأنها لم تستطع كتابة تقريرها ...
هل أقوم لأشهد ضدها ... !
لا ، انتظروا لحظة ...
ماذا لو كانت هذه خطة مدبرة من قبل روبرت والملوك ؟
فإن شهدت ضدها فحياتي لن تزداد سوى جحيما ... !
نحن نتحدث عن مايا هنا ...
نعم ، فمن غير المعقول ألا تستطيع مايا كتابة تقريرها في الوقت المناسب !
هل هذه هي الأضحية التي ستقدمها لكي أنال هلاكي ؟
نعم ، أنا لا أريد أن أقع في فخهم مجددا ...
ولكن ... ماذا لو ... أن تلك الأضحية ... لم تقدم لهلاكي ... بل لهلاك روبرت ؟
أيعقل بأنهم يريدون تدميره مثلما فعلوا معي ؟
ماذا لو كان محقا فيما قاله لي بالأمس ؟
إن قامت المعلمة باتخاذ جانبه وألقت بعقابها على مايا ، فإن مايا ستظهر وكأنها قد تعرضت للظلم ،
وبهذا سيُلقي الملوك اللوم على روبرت ، وسيصفونه بالمخادع وما نحو ذلك ...
حسنا ، ماذا أفعل ؟ هل أساعده أم لا ؟
لحظة ... حتى وإن كانت هذه مكيدة ضد روبرت ، فلِمَ عليَّ الإهتمام بهذا الشأن ؟
لم علي الإهتمام بأمره ؟ سواء سيهلك أم لا ، هذا لا يهني .... أليس كذلك ؟
نعم ، فالصمت هو من صفاتي اللصيقة ...
وماذا عن ذلك الجدار الذي بنيته حولي ...؟
هل كان للزينة ... ؟
هل روبرت يستحق أن أهدم ذلك الجدار لأجله ... ؟
هل يستحق الأمر المخاطرة ... ؟
ماذا إن كانت هذه خطة لتدميري ... ؟
تبا...
وحينها تذكرت قول ألبرت و ملامته لي بسبب عدم مساعدتي لغيري ، وكيف وصفني بالعمياء الغبية القبيحة القلب والأنانية !
أنا لا أريده أن يكون مصيبا فيما قاله ...
وهكذا انتفضت من مكاني قائلة : إن مايا لم تسلم تقريرها إلى روبرت بالأمس ، وأنا شاهدة على ذلك ،
وأخبرت روبرت بأنها ستخبركِ أيتها المعلمة عن سبب تخلفها .
وهكذا صدقتنا المعلمة وألقت اللوم على مايا وعلى كيفية إدعائها بتسليم التقرير إلى روبرت ،
بالطبع مايا ظلت تبكي وتدعي بأنها قد تعرضت للظلم ، نعم ، فالقيام بمثل تلك الأعمال الدرامية غريزة متأصلة لدى الملوك .
وفي الوقت ذاته لمحت ابتسامة خفية على وجه روبرت!
وهكذا جداري السميك الذي بنيته حولي ...
وتلك القلعة الشاهقة التي اتخذت من قمتها سكنا ...
تهاوت أحجارهم وتدمر بنيانهم وكأنهم لم يتواجدوا قط ...
وكل هذا بسبب تصرفي ذاك وتدخلي في شئون غيري لأول مرة ...
يا ترى ، ما الذي سيحدث لي بعد ذلك ؟
وهكذا جاءت استراحة الإفطار ، وفور رنين الجرس قمت بحمل صندوق طعامي لأتناوله بعيدا عن الضوضاء .
وفور خروجي من الفصل أجد روبرت قد لحق بي قائلا : انتظري ، هناك أمر أريد أن أخبرك إياه !
هانا : ما هو ؟
روبرت : أنا شاكر لك مساعدتي ، إذن أنت تثقين بي أليس كذلك ؟
هانا : ماذا ؟ ولماذا تعتقد بأنني أثق بك ؟
روبرت : لأنك فضلت مساعدتي عن البقاء صامتة ، فلربما ظننتِ أن هذا أمر من تدبيرهم ، ولكنك فضلت الوثوق بي ومساعدتي ،
ألست محقا ؟
هانا : لا أنت مخطئ ، لقد علمت بأنك لم تقم بتدبير هذه الخطة معهم ،
فبساطة ، إن كنت متعاونا معهم ، فكدمية مطيعة يتوجب عليها إنجاز مهمتها بنجاح ،
حتى وإن التزمتُ الصمت ، فكنت ستلتفت إليّ طالبا مني شهادتي بما أنني الشخص الوحيد الذي شهد ما حدث ،
ولكنك لم تفعل ذلك ، وتركت لي حرية الاختيار بين مساعدتك أو تجاهلك ، الأمر بدا وكأنه اختبار .
وحينها قال روبرت وتعلوه ابتسامة ماكرة : أوه أنت ذكية هانا ، ولقد نجحت في الإختبار ،
في الواقع مايا قد سلمتني تقريرها بالفعل بعد ذهابك ، كانت تواجهها بعض المشاكل في طباعته ولكنها قد تمكنت من حلها ،
ولكنني تعمدت عدم تسليم تقريرها لأرى فيما تفعلين .
هانا بدهشة : ماذا ؟ أنت فعلت هذا ؟ أنت حقا ...
روبرت : هانا ، أنا لا أريدك أن تنظري إلي هكذا ، أنا حقا حليف لك وأستطيع تخليصك من المضايقات وممن يتنمر عليك ،
ولأنك وثقت بي ...
وحينها قاطعتُ حديثه قائلة له : أنا لم ولن أثق بك قط ، ابتعد عني وحسب
وحينما هممت بالرحيل قال لي : هانا ، ألا تريدين رؤية ألوان الحياة مجددا ؟ أترغبين بإستعادة حياتك السابقة ؟
هانا : ماذا ؟ هل تعلم سبيلا لذلك ؟
روبرت : نعم ، الأمر بسيط للغاية وأبسط مما تتخيلين ، فقط قومي بنسيان جميع ذكرياتك ، وتخلصي من جميع أحبتك الماكثين في قلبك .
هانا : ماذا ؟
روبرت : نعم ، هذا سيعيد لك سعادتك مجددا ، فحينما تتخلصين من ذكرياتك السعيدة أو التعيسة ، و إفراغ قلبك ممن يسكنه ،
فسيصبح قلبك فارغا ، وكذلك عالم الذكريات ، سيصبح عالم الذكريات خاليا ، ولن يجد ذلك الحارس شيئا ليقتله أو يتخلص منه ،
وهكذا لن تشعري بالطعنات مجددا ، وستتمكنين من إبصار ألوان الحياة مجددا !
هانا : آه ... نعم ، أنت تهذي ، أتريدني أن أتخلى عن أعز ما أملك ؟ إنها ذكرياتي ، إنها مشاعر الدفء والحب لمن أعتز بهم وأقدرهم ،
أتريدني أن أتخلى عما يمثل هويتي وكياني ، أتريدني أن أكون أنانية مثلما أخبرني ذلك الوغد المجنون ألبرت ؟
لا ...
أنا لن أتخلى عن تلك الذكريات أبدا ، لن أفعل !!
روبرت : وما الفائدة من احتفاظك بتلك المشاعر والذكريات ؟ فهي لا تجلب لك سوى مزيدا من البؤس والمعاناة ،
فلقد تخلصتُ من تلك المشاعر كلها ، وها أنا أعيش حياتي بسعادة كل يوم ،
فالمشاعر التي لاتجلب لصاحبها سوى الأسى يجب التخلص منها .
هانا : نعم ، أتخلص منها لأصبح كيانا فارغا ! وبهذا سيصدُق ألبرت فيما قاله عني بأني فتاة قبيحة القلب و أنانية ،
أنا أريد الاحتفاظ بهذه المشاعر المأساوية ، أريد فقط خياطة ندباتي بصمت ، لذا هلا تركتني وشأني ؟
روبرت : اممم ... أشك في مقدرتي على فعل هذا .
هانا : لماذا ؟ هل تشعر بالملل وتريدني لأن أصبح دميتك الجديدة ؟ ولكنني حقا ...
حينها قاطعني قائلا : لا ، الأمر ليس كذلك ، أنا فقط أريدك أن تثقي بي وأن يتسع في قلبك مكان لي .
هانا : أظن أنك تدرك تماما المعاناة التي سأمر بها إن منحتك زاوية في قلبي ، وعلى الرغم من هذا أنت تطلب مني ذلك ؟
وحينها علت على وجهه نظرة جادة وابتسم قائلا : نعم ، ذلك لأنني ... شخص أناني .
الحديث مع ذلك الشخص لا ينتهي ويصيبني بالدوار وحينها رددت عليه قائلة : نعم ..
وحينما بدأت في المضي في طريقي ، أجده قد أمسك بيدي وجذبني نحوه ليهمس في أذني قائلا لي : ذلك القلب المشوه والذي تحتقرينه بشدة ،
والذي تنعتينه بالقبيح ، فإنني .... أحبه !
ومن ثم أفلت يدي وابتعد عني بضع خطوات ليقول لي مبتسما : ثقي بي هانا !
وهكذا أدار ظهره ليعود للفصل مجددا ، يبنما كنت أقف بلا حراك ، والحيرة تملأ عقلي وقلبي ،
تصرفاته تلك أشعلت الإضطراب في قلبي وغيبت عقلي عن التفكير في الواقع لوهلة ...
وحينها تذكرت قوله لي بأن أثق به ...
أنا لا أريد أن أثق بأحد ...
لا أريد أن تتم خيانتي مجددا ...
لا أريد أن أتعرض للأذى مجددا ...
لا أريد ...
روبرت ... أي نوع من الأشخاص هو ؟
لايبدو هين الطباع ، هل ما يقوله صحيح ؟
هل إن تخليت عن ذكرياتي فإنني سأشعر بالسعادة مجددا ؟
هل سأتمكن من إنقاذ هذا الفؤاد الذي أهلكته الطعنات وشوهته الندبات ؟
وفي الليل ، عدت لأرى عالم الذكريات مثلما أفعل كل يوم ...
ألبرت : هاهاها ، أوه أنت لاتتعلمين أبدا يا فتاة ، هناك زائر جديد ، لا تخبريني ... هل منحت ثقتك لأحدهم مجددا ؟
هاهاها ، هل أنت بهذه الحماقة ؟
هانا بدهشة : ماذا ؟ لا مستحيل ، هل يعقل أن يكون ...
ألبرت : اسمه روبرت ، يبدو فتى ذكيا ، كما إنه وسيم ، لا أصدق بأنك سمحت له بدخول قلبك ؟
هانا : ماذا ؟
وهكذا ذهبت لأراه ، لأجده حقا متواجدا في عالم الذكريات بصحبة جميع ذكرياتي عن أول لقاء لنا وما حدث بعد ذلك ... !
لقد تمكن من دخول قلبي دون أن أدرك ... !
بتصرفاته وكلماته تلك تمكن حقا من الاستيلاء على ركن من أركان قلبي ... !
نعم ، يبدو أنني سأمنحه ... لا بل قد منحته ثقتي بالفعل دون أن أدري !!
وهكذا قررت أخيرا ... التنازل عن ذكرياتي و التخلي عن مشاعري ...
هذا قرار لا رجعة فيه ...
فما سأضحي به هنا والآن لن أتمكن من استعادته مجددا ...
لم أحاول إحياء أحبتي أو استرجاع ذكرياتي ...
ذكرياتي الثمينة ... لقد فقدتها للأبد ... !!
وفي صباح اليوم التالي ، التقيت بروبرت ...
روبرت : هانا ! هل فكرت فيما أخبرتك به بالأمس ؟
هانا : عن أي شيء تقصد ؟
روبرت : عن تخليك لذكرياتك ومشاعرك ؟
هانا : آه .. نعم
روبرت : إذن هل مازلتي ترين العالم رماديا أم أن الألوان كسته مجددا ؟
هانا : لا أدري ...
وحينها ابتسم روبرت وقال لي : إذن هل احتللت مكانا في قلبك ...
هانا : ...
لم أتمكن حقا من إجابته ، لم أتمكن حقا من إخباره بأنني تخلصت من ذكرياتي ومشاعري جميعها ...
ما عدا ذكرياتي ومشاعري تجاهك ...
العالم مازال رماديا لأن كيانك مازال يسكن ذلك القلب الرث ...
ربما فشلتُ حقا في جعل قلبي خاويا ...
ولكنني سعيدة هكذا ...
فهذه المشاعر الضئيلة وتلك الذكريات القليلة عمن ساندني في محنتني كفيلة بإدخال البهجة على قلبي ...
هذه المشاعر لن تجلب لي البؤس أبدا ...
تلك المشاعر والذكريات التي ضحيت بها كانت أضحية وُجب علي تقديمها ...
ففي هذه الحياة ... لكي تنال شيئا ما ، يتوجب عليك أن تقدم شيئا ما في المقابل ...
ولكي أنال الهدوء ... قدمت ذكرياتي كأضحية ...
وأيضا للتكفير عن ذنبي ...
فعلى الرغم من إدراكي لحقيقة إيما المخادعة ، كان يتوجب علي الإعتذار عن عدم مقدرتي على طلبية طلبها دون أن أحاول خداعها ،
كانت هذه ستكون الطريقة المثلى للتصرف السليم .
كان يتوجب علي التصرف بثبات وألا تتمايلني أمواج الأهواء والنزوات ، فالسير باستقامة هو السبيل الأمثل للابتعاد عن المشاكل .
وهكذا أصبحت أعيش يومي بسعادة ، عدت مجددا للحديث مع أهلي وأقاربي ، بدأت بالتعرف على المزيد من الأصدقاء ...
لذا ...
حتى وإن تخليت عن ذكرياتي ...
حتى وإن تلاشت ذكرياتي السعيدة ...
فسأحرص على أن أعيش يوم جديد لأصنع به ذكريات سعيدة ...
سأعيش حاضري بلحظاته كلها ، بحلوه ومره ...
وحينما ينقضي هذا اليوم ليصبح ماضيا ، فإنني سأنساه ...
وسأستقبل يومي الجديد بهمة عالية ، متشبثة بكل لحظة من لحظاته ، محاولة قدر الإمكان جعلها لحظات سعيدة ...
جلست طويلا أفكر في كلمات روبرت ...
ما هي المكائد التي يدبرها لي يا ترى ؟
ولكنني في النهاية لم أتوصل لشيء على الإطلاق ، أتمنى ألا يخلق هذا الفتى المزيد من الفوضى ،
فلا أريد الغرق لعمق أكبر مما أنا فيه !
وها هو يوم رمادي جديد على وشك البدء ، حسنا ، لم يحدث الكثير اليوم ،
سوى موقف بسيط قبل عودتنا لبيوتنا في نهاية يومنا الدراسي .
لقد طلبت المعلمة من روبرت أن يقوم بجمع التقارير من جميع الطلاب ، ولكن مايا لم تتمكن من إنجاز هذا الفرض المنزلي ،
واعتذرت من روبرت ، وأخبرته بأنها ستخبر المعلمة عن سبب عدم مقدرتها على تسليم التقرير في الموعد المناسب .
إنه موقف بسيط للعيان ، ولكنه كان بمثابة شارة البدء لحدوث تغيرات جذرية في حياتي الفوضوية هذه ...
في اليوم التالي ، بدأت المعلمة حصتها بسرد أسماء الطلاب والطالبات الذين لم يقدموا التقرير لروبرت ،
ومما فاجأني أن مايا انتفضت من مقعدها لتصرخ قائلة : كيف حدث هذا ؟ لقد قمت بتسليم تقريري إلى روبرت بالأمس ، هو من أضاعه !
وحينها رد روبرت قائلا : هذا لم يحدث قط ، أنا سلمت جميع التقارير المعطاة لي ، وهي أخبرتني بأنها لم تستطع إنجازه في الوقت المناسب !
تبا ، ما هذا الموقف ؟
إن مايا تكذب بالتأكيد ، المشكلة بأنه لم يشهد أحدٌ على هذا الموقف سواي !
الجميع قد غادر بالفعل حينما أخبرته بأنها لم تستطع كتابة تقريرها ...
هل أقوم لأشهد ضدها ... !
لا ، انتظروا لحظة ...
ماذا لو كانت هذه خطة مدبرة من قبل روبرت والملوك ؟
فإن شهدت ضدها فحياتي لن تزداد سوى جحيما ... !
نحن نتحدث عن مايا هنا ...
نعم ، فمن غير المعقول ألا تستطيع مايا كتابة تقريرها في الوقت المناسب !
هل هذه هي الأضحية التي ستقدمها لكي أنال هلاكي ؟
نعم ، أنا لا أريد أن أقع في فخهم مجددا ...
ولكن ... ماذا لو ... أن تلك الأضحية ... لم تقدم لهلاكي ... بل لهلاك روبرت ؟
أيعقل بأنهم يريدون تدميره مثلما فعلوا معي ؟
ماذا لو كان محقا فيما قاله لي بالأمس ؟
إن قامت المعلمة باتخاذ جانبه وألقت بعقابها على مايا ، فإن مايا ستظهر وكأنها قد تعرضت للظلم ،
وبهذا سيُلقي الملوك اللوم على روبرت ، وسيصفونه بالمخادع وما نحو ذلك ...
حسنا ، ماذا أفعل ؟ هل أساعده أم لا ؟
لحظة ... حتى وإن كانت هذه مكيدة ضد روبرت ، فلِمَ عليَّ الإهتمام بهذا الشأن ؟
لم علي الإهتمام بأمره ؟ سواء سيهلك أم لا ، هذا لا يهني .... أليس كذلك ؟
نعم ، فالصمت هو من صفاتي اللصيقة ...
وماذا عن ذلك الجدار الذي بنيته حولي ...؟
هل كان للزينة ... ؟
هل روبرت يستحق أن أهدم ذلك الجدار لأجله ... ؟
هل يستحق الأمر المخاطرة ... ؟
ماذا إن كانت هذه خطة لتدميري ... ؟
تبا...
وحينها تذكرت قول ألبرت و ملامته لي بسبب عدم مساعدتي لغيري ، وكيف وصفني بالعمياء الغبية القبيحة القلب والأنانية !
أنا لا أريده أن يكون مصيبا فيما قاله ...
وهكذا انتفضت من مكاني قائلة : إن مايا لم تسلم تقريرها إلى روبرت بالأمس ، وأنا شاهدة على ذلك ،
وأخبرت روبرت بأنها ستخبركِ أيتها المعلمة عن سبب تخلفها .
وهكذا صدقتنا المعلمة وألقت اللوم على مايا وعلى كيفية إدعائها بتسليم التقرير إلى روبرت ،
بالطبع مايا ظلت تبكي وتدعي بأنها قد تعرضت للظلم ، نعم ، فالقيام بمثل تلك الأعمال الدرامية غريزة متأصلة لدى الملوك .
وفي الوقت ذاته لمحت ابتسامة خفية على وجه روبرت!
وهكذا جداري السميك الذي بنيته حولي ...
وتلك القلعة الشاهقة التي اتخذت من قمتها سكنا ...
تهاوت أحجارهم وتدمر بنيانهم وكأنهم لم يتواجدوا قط ...
وكل هذا بسبب تصرفي ذاك وتدخلي في شئون غيري لأول مرة ...
يا ترى ، ما الذي سيحدث لي بعد ذلك ؟
وهكذا جاءت استراحة الإفطار ، وفور رنين الجرس قمت بحمل صندوق طعامي لأتناوله بعيدا عن الضوضاء .
وفور خروجي من الفصل أجد روبرت قد لحق بي قائلا : انتظري ، هناك أمر أريد أن أخبرك إياه !
هانا : ما هو ؟
روبرت : أنا شاكر لك مساعدتي ، إذن أنت تثقين بي أليس كذلك ؟
هانا : ماذا ؟ ولماذا تعتقد بأنني أثق بك ؟
روبرت : لأنك فضلت مساعدتي عن البقاء صامتة ، فلربما ظننتِ أن هذا أمر من تدبيرهم ، ولكنك فضلت الوثوق بي ومساعدتي ،
ألست محقا ؟
هانا : لا أنت مخطئ ، لقد علمت بأنك لم تقم بتدبير هذه الخطة معهم ،
فبساطة ، إن كنت متعاونا معهم ، فكدمية مطيعة يتوجب عليها إنجاز مهمتها بنجاح ،
حتى وإن التزمتُ الصمت ، فكنت ستلتفت إليّ طالبا مني شهادتي بما أنني الشخص الوحيد الذي شهد ما حدث ،
ولكنك لم تفعل ذلك ، وتركت لي حرية الاختيار بين مساعدتك أو تجاهلك ، الأمر بدا وكأنه اختبار .
وحينها قال روبرت وتعلوه ابتسامة ماكرة : أوه أنت ذكية هانا ، ولقد نجحت في الإختبار ،
في الواقع مايا قد سلمتني تقريرها بالفعل بعد ذهابك ، كانت تواجهها بعض المشاكل في طباعته ولكنها قد تمكنت من حلها ،
ولكنني تعمدت عدم تسليم تقريرها لأرى فيما تفعلين .
هانا بدهشة : ماذا ؟ أنت فعلت هذا ؟ أنت حقا ...
روبرت : هانا ، أنا لا أريدك أن تنظري إلي هكذا ، أنا حقا حليف لك وأستطيع تخليصك من المضايقات وممن يتنمر عليك ،
ولأنك وثقت بي ...
وحينها قاطعتُ حديثه قائلة له : أنا لم ولن أثق بك قط ، ابتعد عني وحسب
وحينما هممت بالرحيل قال لي : هانا ، ألا تريدين رؤية ألوان الحياة مجددا ؟ أترغبين بإستعادة حياتك السابقة ؟
هانا : ماذا ؟ هل تعلم سبيلا لذلك ؟
روبرت : نعم ، الأمر بسيط للغاية وأبسط مما تتخيلين ، فقط قومي بنسيان جميع ذكرياتك ، وتخلصي من جميع أحبتك الماكثين في قلبك .
هانا : ماذا ؟
روبرت : نعم ، هذا سيعيد لك سعادتك مجددا ، فحينما تتخلصين من ذكرياتك السعيدة أو التعيسة ، و إفراغ قلبك ممن يسكنه ،
فسيصبح قلبك فارغا ، وكذلك عالم الذكريات ، سيصبح عالم الذكريات خاليا ، ولن يجد ذلك الحارس شيئا ليقتله أو يتخلص منه ،
وهكذا لن تشعري بالطعنات مجددا ، وستتمكنين من إبصار ألوان الحياة مجددا !
هانا : آه ... نعم ، أنت تهذي ، أتريدني أن أتخلى عن أعز ما أملك ؟ إنها ذكرياتي ، إنها مشاعر الدفء والحب لمن أعتز بهم وأقدرهم ،
أتريدني أن أتخلى عما يمثل هويتي وكياني ، أتريدني أن أكون أنانية مثلما أخبرني ذلك الوغد المجنون ألبرت ؟
لا ...
أنا لن أتخلى عن تلك الذكريات أبدا ، لن أفعل !!
روبرت : وما الفائدة من احتفاظك بتلك المشاعر والذكريات ؟ فهي لا تجلب لك سوى مزيدا من البؤس والمعاناة ،
فلقد تخلصتُ من تلك المشاعر كلها ، وها أنا أعيش حياتي بسعادة كل يوم ،
فالمشاعر التي لاتجلب لصاحبها سوى الأسى يجب التخلص منها .
هانا : نعم ، أتخلص منها لأصبح كيانا فارغا ! وبهذا سيصدُق ألبرت فيما قاله عني بأني فتاة قبيحة القلب و أنانية ،
أنا أريد الاحتفاظ بهذه المشاعر المأساوية ، أريد فقط خياطة ندباتي بصمت ، لذا هلا تركتني وشأني ؟
روبرت : اممم ... أشك في مقدرتي على فعل هذا .
هانا : لماذا ؟ هل تشعر بالملل وتريدني لأن أصبح دميتك الجديدة ؟ ولكنني حقا ...
حينها قاطعني قائلا : لا ، الأمر ليس كذلك ، أنا فقط أريدك أن تثقي بي وأن يتسع في قلبك مكان لي .
هانا : أظن أنك تدرك تماما المعاناة التي سأمر بها إن منحتك زاوية في قلبي ، وعلى الرغم من هذا أنت تطلب مني ذلك ؟
وحينها علت على وجهه نظرة جادة وابتسم قائلا : نعم ، ذلك لأنني ... شخص أناني .
الحديث مع ذلك الشخص لا ينتهي ويصيبني بالدوار وحينها رددت عليه قائلة : نعم ..
وحينما بدأت في المضي في طريقي ، أجده قد أمسك بيدي وجذبني نحوه ليهمس في أذني قائلا لي : ذلك القلب المشوه والذي تحتقرينه بشدة ،
والذي تنعتينه بالقبيح ، فإنني .... أحبه !
ومن ثم أفلت يدي وابتعد عني بضع خطوات ليقول لي مبتسما : ثقي بي هانا !
وهكذا أدار ظهره ليعود للفصل مجددا ، يبنما كنت أقف بلا حراك ، والحيرة تملأ عقلي وقلبي ،
تصرفاته تلك أشعلت الإضطراب في قلبي وغيبت عقلي عن التفكير في الواقع لوهلة ...
وحينها تذكرت قوله لي بأن أثق به ...
أنا لا أريد أن أثق بأحد ...
لا أريد أن تتم خيانتي مجددا ...
لا أريد أن أتعرض للأذى مجددا ...
لا أريد ...
روبرت ... أي نوع من الأشخاص هو ؟
لايبدو هين الطباع ، هل ما يقوله صحيح ؟
هل إن تخليت عن ذكرياتي فإنني سأشعر بالسعادة مجددا ؟
هل سأتمكن من إنقاذ هذا الفؤاد الذي أهلكته الطعنات وشوهته الندبات ؟
وفي الليل ، عدت لأرى عالم الذكريات مثلما أفعل كل يوم ...
ألبرت : هاهاها ، أوه أنت لاتتعلمين أبدا يا فتاة ، هناك زائر جديد ، لا تخبريني ... هل منحت ثقتك لأحدهم مجددا ؟
هاهاها ، هل أنت بهذه الحماقة ؟
هانا بدهشة : ماذا ؟ لا مستحيل ، هل يعقل أن يكون ...
ألبرت : اسمه روبرت ، يبدو فتى ذكيا ، كما إنه وسيم ، لا أصدق بأنك سمحت له بدخول قلبك ؟
هانا : ماذا ؟
وهكذا ذهبت لأراه ، لأجده حقا متواجدا في عالم الذكريات بصحبة جميع ذكرياتي عن أول لقاء لنا وما حدث بعد ذلك ... !
لقد تمكن من دخول قلبي دون أن أدرك ... !
بتصرفاته وكلماته تلك تمكن حقا من الاستيلاء على ركن من أركان قلبي ... !
نعم ، يبدو أنني سأمنحه ... لا بل قد منحته ثقتي بالفعل دون أن أدري !!
وهكذا قررت أخيرا ... التنازل عن ذكرياتي و التخلي عن مشاعري ...
هذا قرار لا رجعة فيه ...
فما سأضحي به هنا والآن لن أتمكن من استعادته مجددا ...
لم أحاول إحياء أحبتي أو استرجاع ذكرياتي ...
ذكرياتي الثمينة ... لقد فقدتها للأبد ... !!
وفي صباح اليوم التالي ، التقيت بروبرت ...
روبرت : هانا ! هل فكرت فيما أخبرتك به بالأمس ؟
هانا : عن أي شيء تقصد ؟
روبرت : عن تخليك لذكرياتك ومشاعرك ؟
هانا : آه .. نعم
روبرت : إذن هل مازلتي ترين العالم رماديا أم أن الألوان كسته مجددا ؟
هانا : لا أدري ...
وحينها ابتسم روبرت وقال لي : إذن هل احتللت مكانا في قلبك ...
هانا : ...
لم أتمكن حقا من إجابته ، لم أتمكن حقا من إخباره بأنني تخلصت من ذكرياتي ومشاعري جميعها ...
ما عدا ذكرياتي ومشاعري تجاهك ...
العالم مازال رماديا لأن كيانك مازال يسكن ذلك القلب الرث ...
ربما فشلتُ حقا في جعل قلبي خاويا ...
ولكنني سعيدة هكذا ...
فهذه المشاعر الضئيلة وتلك الذكريات القليلة عمن ساندني في محنتني كفيلة بإدخال البهجة على قلبي ...
هذه المشاعر لن تجلب لي البؤس أبدا ...
تلك المشاعر والذكريات التي ضحيت بها كانت أضحية وُجب علي تقديمها ...
ففي هذه الحياة ... لكي تنال شيئا ما ، يتوجب عليك أن تقدم شيئا ما في المقابل ...
ولكي أنال الهدوء ... قدمت ذكرياتي كأضحية ...
وأيضا للتكفير عن ذنبي ...
فعلى الرغم من إدراكي لحقيقة إيما المخادعة ، كان يتوجب علي الإعتذار عن عدم مقدرتي على طلبية طلبها دون أن أحاول خداعها ،
كانت هذه ستكون الطريقة المثلى للتصرف السليم .
كان يتوجب علي التصرف بثبات وألا تتمايلني أمواج الأهواء والنزوات ، فالسير باستقامة هو السبيل الأمثل للابتعاد عن المشاكل .
وهكذا أصبحت أعيش يومي بسعادة ، عدت مجددا للحديث مع أهلي وأقاربي ، بدأت بالتعرف على المزيد من الأصدقاء ...
لذا ...
حتى وإن تخليت عن ذكرياتي ...
حتى وإن تلاشت ذكرياتي السعيدة ...
فسأحرص على أن أعيش يوم جديد لأصنع به ذكريات سعيدة ...
سأعيش حاضري بلحظاته كلها ، بحلوه ومره ...
وحينما ينقضي هذا اليوم ليصبح ماضيا ، فإنني سأنساه ...
وسأستقبل يومي الجديد بهمة عالية ، متشبثة بكل لحظة من لحظاته ، محاولة قدر الإمكان جعلها لحظات سعيدة ...
نهاية الرواية
لاتحرموني من ردودكم وآرائكم بشأن النهاية
---
الفصول السابقة :
العالم الرمادي || الفصل الأول || الملوك
العالم الرمادي || الفصل الثاني || عالم الذكريات ... !
العالم الرمادي || الفصل الثالث|| الملكة الرابعة ...!
العالم الرمادي || الفصل الرابع || بداية الهبوط ...!
العالم الرمادي || الفصل الخامس || ضرب من الجنون ...!
العالم الرمادي || الفصل السادس || هل للأمل وجود ...!