"بعض الأخطاء .. لا تغتفر!"
لا أخفيكم مقدار الخوف الذي راودني عندما استيقظ ذلك الرجل فزعًا، بعكس والد يوكي الذي لم يتأثر مطلقًا، فها هو يقف باستقامة وكبرياء أمام ذلك المكبل بحواجز السلالم، يحك اذنه بسبابته كما لو كان ينظفها من قذارة صوته .. "اللعنة عليك!" لفظها ذلك الرجل بحقد شديد فما كان من السيد براون الا وان رمى الدلو باستخفاف على رأسه ملحقا به ضحكته المكتومة:
- أخفتني!
- أفلتني وسأعلمك معنى الخوف الحقيقي!
- أنت .. تعلمني؟!!
قالها بنبرة مستحقرة، كما لو أن ذلك السمين قد جرح كبرياءه بجملته تلك، فما كان من هذا الآخر إلا أن تقدم نحوه ثم انحنى حتى أصبح رأسيهما على نفس المستوى:
- اسمع أيها السمين، يبدو أنك أسأت فهم الادوار المتبعة هنا، في الواقع هذا الرجل الذي يقف أمام والذي هو (أنـا) أمامه خيارين الآن، الأول هو أن يعيدك إلى القبو الذي خرجت منه قبل بضع دقائق، ويحبسك فيه حتى يطرق الموت أبوابك، أو أن يحررك بكل سهولة بعد أن ينهي مناقشة بعض الأمور العالقة بينكما، أما أنت .. فليس أمامك خيار غير التوسل لحياتك!
- هه! تتحدث كما لو أن القتل مسألة تافهة!
- إنها تافهة بالفعل! كل ما علي فعله هو تركك تتعفن في القبو دون أن يعلم أحد بأمرك حتى .. أترى؟ لن يكلفني ذلك أدنى جهد!!
- إما أنك مجنون .. أو أنك لا تعي ما تتفوه به!!
- يمكنك مناداتي بما شئت، لن يغير ذلك من الأمر شيئًا ~
- ومن يأبه بأمر مناداتك، أفلتني على الفور يا هذا، ما الذي تريده مني بالضبط؟!
- أخبرني كيف دخلت إلى قبو منزلي؟!
- قبو منزلك؟! وما أدراني! عندما فتحت عيني وجدت نفسي فيه مع ذلك الطفل المختل!
- طفل مختَّل؟!
- أجل، كلما أستيقظ ينهال عليَّ ضربًا بشيء صلب في يده! والآن أتيت أنت! فك وثاقي حالًا، أقسم أنني سأبلغ الشرطة عنك إن لم تفعل!!
- شرطة! بففت ~
- أتراني أمزح معك!!
- لو كان ابني خائفًا من الشرطة لما فعل ما فعل، هو يعلم أن الشرطة لن تفعل شيئًا له ~
- أهو ابنك؟!! ما الذي تتفوه به يا هذا؟!!
- همم.. لنفترض أحداً ما رفع قضية علينا.. بعد عدة أيام ستختفي كما لو لم تكن موجودة حتى، أتعلم ما الذي يعينه هذا؟!
صمت ذلك الرجل قليلاً ثم تأمل البيت الذي هو فيه بضع لحظات قبل أن يصِّر على أسنانه ويقوله بصوت خافت ممزوج ببعض الغضب "اللعنة عليكم يا أصحاب الطبقة المخملية!"، ابتسم السيد براون بخبث ثم قال بهدوء:
- إذاً فأنت تفهم موقفك جيدًا الآن، صحيح؟!
- اللعنة .. بالتأكيد أفهمه، لكن .. أعدك أنك لن تفلت بفعلتك!
- هذا يسهل الأمور كثيرًا، اسمع .. لا أعرف السبب الذي دفع ابني لأذيتك، كما أنه ليس هنا لأسأله.. لذا سنحل الأمر بيننا .. كرجلين راشدين.. إن أعجبك الأمر طبعاً ..
- افعل ما شئت ..
- إذًا .. أخبرني، لماذا دخلت ذلك القبو؟
- أخبرتك أني عندما استيقظت وجدت نفسي فيه، ألم تسمعني؟ أم عليَّ إعادة كلامي عشرين مرة؟
- لم أسألك كيف وصلت إلى هناك فأنا أعرف الإجابة سلفًا بل سألتك عن السبب الذي أوصلك إلى هناك!
- وما أدراني!!
- لا تدري! أتريدني أن أصدق أن ابني اعتدى عليك دون أي سبب؟!
- ذلك الذي تدعوه بـ "ابني" لم أره في حياتي قط !! .. اللعنة، قم بفك الحبل حالاً، لم أعد أشعر بيدَيّ!!
- همم .. سأفعل، لكن قبل ذلك دعني أسألك، أتعرف هذا الطفل؟
ابتعد السيد براون قليلاً من أمام ناظري ذلك الرجل، وأفسح المجال له ليلقى نظرة على آتسو الجالس بجواري .. بقي يتأمله في صدمة قبل أن يصرخ بكل ما أوتي من قوة "إذاً فأنت هنا يا ابن السافلة!!" .. أخافتني نبرة صوته العالية، ولا أظن أن آتسو في حالٍ أفضل مني حاليًا، "آخخ، لا أصدق أن كلها يحدث في ليلة أول اختبار لي!! سأنتقم من يوكي حتـمًا!!"
من حسن حظنا أن السيد براون موجود معنا، على الأقل لن يصيبنا شيء بفضله، لم تجدِ محاولات ذلك السمين في تحرير وثاقه نفعاً، ولأصدقكم القول هو هائج للغاية، كما لو كان مجنوناً يحاول الفرار من المصحة النفسية! استمر ذلك الرجل بالصراخ ملقياً بشتى أنواع الشتائم، أما السيد براون فقد تجاهله وصعد للأعلى في صمت، وما كانت إلا لحظات حتى انسكب ذلك الماء البارد من الطابق العلوي على رأس ذلك السمين ليصمت على الفور.. اجتاحتنا صدمة غريبة.. بقيت أتأمل ذلك المصدوم بضع لحظات حتى انسابت مني تلك الضحكة المكتومة، تبعها صوت خطوات السيد براون وهو ينزل السلالم، وقف أمامنا باستقامة مجددًا وقال باستخفاف:
- لا يفترض بأن تحدث هذه الأمور في المحكمة!
- محكمة؟!
- أوه، صحيح! لم أخبرك بأمر اللعبة!
- هاه!
- في الواقع، سنلعب لعبة صغيرة اليوم، لكن المضحك فيها هو أنك إن خسرتها ستخسر حياتك ~
- ما الذي تهذي به، هل أنت طفل أم ماذا؟!!
- الأمر بسيط .. لكنه ممتع صدقني، تخيل فقط أن تكون حياتك متعلقة بكلمة من ذلك الفتى اليافع الجالس هناك أو ذلك الطفل الذي لم يصل لسِن المدرسة حتى!
- ما الذي تعنيه بحق خالق الجحيم، هل فقدت عقلك أم ماذا؟
- أتعلم شيئاً تعد استراتيجية تبادل الأدوار أو لنقل "تقمصها" من أهم استراتيجيات التعلم، سنعطيك دروسًا رائعة في الحياة هذا اليوم، والأروع من كل هذا أنها مجانية!
- بربك ما الذي تتفوه به؟!!
- أوه.. اعذرنا، لقد تقاسمنا الأدوار قبل استيقاظك، لم يبقى سوى دور المتهم وقد تركناه لك عن طيب خاطر .. أنا لجنة الادعاء العام، شيجيرو هو القاضي، وذلك الطفل الذي لا أعلم اسمه هو الشاهد .. لكن بما أنني الراشد الوحيد فيما بينهم فأنا من سيوجه الأسئلة فقط، سأسألك أولاً وستجيب وبعدها أسأل الطفل عن شهادته .. ثم أترك الحكم للقاضي الذي سيختار أمراً من اثنين، اعادتك للقبو حتى تتعفن أو إطلاق سراحك بعد أن نأخذ تعهداً عليك ~
- أتقول أنك ستعلقني بكلمة من طفلين أيها المختل!!
- بالضبط ~