إقتربتُ مِنْ تلكَ القريه ، وجدتُ هاتفى يرنْ وعلى شاشته يظهر رقمٌ غريبٌ . مالذى يُحدث ؟ هذا الهاتف جديدْ كُلياً ولا أحدَ يعرفُ رقمه إلَّا أخى و شريكى فى القتل . أيهما يتصلُ يا تُرى ! ضغطتُ على الزرِ الذى إنمحى نصف شعارِ سماعة التليفون الخضراءِ مِنْ عليهِ ولمْ أستطع تغييرها لأنَّ هذا الطراز لمْ يُعدْ ينزل فى الأسواقْ ، لا هوَ ولا قطعِ غياره . "أهلاً ياالسمح ، كيفَ حال الدُنيا معكْ ؟ " قال المُتصلْ . رددتُ متهكماً " وعليكمْ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ " . تنحنح ثمَّ قال " لا زلتَ كما أنتْ تتظاهرُ بالتقوى والإيمانْ وأنتَ داهيه ياثعلبْ ، مثالى بالنسبةِ لى " رددتُ منزعجاً "لنْ أعملَ فى عملٍ خطيرٍ وخسيسٍ فى نفسِ الوقتْ " .. "تؤ تؤ تؤ تؤ توء ، لمْ أتوقعَ منكَ هذا ! تأدبْ معَ من هُمْ أكبرُ منكْ " أكمل ساخراً " أمْ أنَّ العملْ بالقرى السياحيه أنساكَ الأصولَ التى ربَّاها عليكَ بيشور " "أنا ذاهبٌ إليهِ الآنْ ، لقدْ إكتشفَ أننى لا أعملْ" قُلتْ بهدوءْ .. سكتَ قليلاً ثُمَّ تكلمَّ بحذرٍ " لو علمَ بفعلتى لأمثلنَّ بكَ ولأطعمنَّ بقاياكَ للنسور , أتفهمْ ! " . ضـحكتُ بلئمٍ شديدْ وقلتُ " أنتَ آخرُ مِنْ يمكنهُ تهديدى " . إنفجرَ غاضباً " تباً لبيشور لو لمْ يُهديكَ ذلكْ الإكسْ تو ذآ الكاميرا لمَّا أحنيتُ رأسى لمشرفِ أندلسيه ولما أمكنكَ التحدث معى هكذا أيها الغِرُ الصغير " . "أوبس ، هل قُلتَ غرٌ ! وصغيرٌ" . صرخَ قائلاً " عاااااااا ، حسناً حسناً .. أعتذر" "منْ خافْ سلِمْ " ، قلُتْ . ردَّ " لا تُعلمنَّ بيشور ، أرجوك .. كُن فتىً مُطيعاً " رددتُ وأنا أتنهدُ بنفادِ صبرٍ " حسنٌ حسنٌ ، جدْ لى عملاً الآنْ .. مُنقذ فى قريةٍ سياحيه وفوراً " .. قالْ "كما تُريدْ ، لا تغلقْ الخطْ ؛ سأوافيكَ حالاً" كانتْ قرية أندلسيه ذاتَ طابعٍ أندلُسىٍ بحتْ ، البوابه تشبه بوابات المُدنِ القديمه ملونةً بالأبيضْ وعلى أطرافها زخارفْ على شكل مثلثات حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء والزروع اليانعه فى كُلِ مكانٍ تقعُ عينيكَ عليهْ ، الورود يفوحُ شذاها فى الأفقْ ، شارعى أسفلتْ مِنَ البوابه ويمتدانِ إلى مالا نهايه ، أطرافها شاسعه جداً ومناطقها مُقسمه على مُدنِ الأندلس : غرناطه ، طليطله ، إشبيليه ، بنى قاسمْ ... إلخ إلخ . مالكُها يبدواْ أنهُ يحاولُ تذكير المُسلمينَ بأنَّ الأندلسْ أرضٌ مِنْ حقْ المُسلمينْ ، ليستْ مِنْ حقِ بلادِ الغجر وأبناءِ إيزابيلا أو مُتشمتٌ فى ملـوكِ الإسلامْ البكائين الذينَ ما إنْ حـولَّ ملكَ النصارى مسجداً إلى كنيسه أرسلَ يهنئهُ بذلكْ ؛ أتعرفونَ لماذا فعلَ الملكْ عبدالله الصغير هذا ؟! أتحداكُمْ . الغرُ الحقيقى هو الملكْ عبدالله الصغير عندما راحَ عليهِ مُلكُ غرناطه وسلَّمَ مفاتيحَ قصرِ الحمراءْ جلسَ يبكى ، فأتتْ منْ حملتهُ فى بطنها وسقتهُ حليبها وقالت لهُ كلماتٍ نُقشتْ على صخرٍ لا يتأثرُ بعواملِ التعريه " إبكَ كالنساءِ مُلكاً مُضـاعاً لمْ تُحافظُ عليهِ مثلَ الرجالْ " . ربما مالكها أرادَ أنْ يُظهرَ روعةَ الأندلسْ ، ولكنَّ مُصممها أرادَ أن يشمـتْ بنا ويُذكرنا بعارِ بنى الأحـمر ، رُبما .. تتوسطها بُحيره كبيره فى نهايتها يقبع مبنى ملئٌ بالألعابِ المائيه ، المكانِ الذى قُتلتْ فيهِ المليونيره .. أشجارُ النخيل والمبانى ذاتِ الواجهه الأسمنتيه تحتَ الإنشاء على جانبى الطريقْ و كـوبرى منَ الطُرازِ العتيق صغيرِ الحجمْ يمرُ فوقَ النفقِ المائى الصغير الذى يجلبُ الماءَ للبحيرةِ مِنَ البحرْ وشـ..... "مرحباً ، مرحباً أيُها الغِرُ الصغير أما زلتَ هُنا ! " كانَ شريكى فى الجريمه الذى ينطق لقبَ أخى خطئاً دائماً . " معكْ ، أينْ ؟ " . " تبدو واثقاً فىَّ " بخبثٍ قالها . رددتُ " إذا وجدتَ صرصوراً فى مكانٍ ما ، إعلمْ أن ورائه مائه ، حتى الصراصير تتواصل عن طريق قرون استشعارها " . "أيُها المتحذلق كفىَ سخريةً وتعلمْ أن تتكلمْ بإحترامٍ معَ منْ هوَ أكبرُ منكْ ، ألمْ يُعلمكَ بيشور هذا ! " لكنته صارت جاده ، وإحذر هؤلاءِ القومِ عندما يبدأونَ بالتخلى عن حسهمْ الفكاهى الساخر وكأنهمْ يخبرونكَ " دقت ساعةَ العمل " . مـحولاً دفةَ الحديثْ قلـتُ "إسمه فيشر وليسَ بيشور" . ردَّ بتهكمْ " تخليتَ عن موقفكْ المتعالى ، يالتواضعكْ " . " تباً لكْ أكُنتَ تخدعنى " رددتُ مغتاظاً . يعلمُ أنَّ ذلكَ التحذير عنْ جديتهمْ إنتشرَ فى الأرجاءْ أيضاً ، وخـدعنى بتحوله للجديه فقطْ . أنا مُغفل أو أنَّ فهمَ البشرِ مُعقدٌ نوعاً ما . ضحكْ بهدوء ثُمَّ قال " تكلمْ معى بإحترامْ " . "وماالدافع , تاجرٌ خسيس ولا شخصيةَ له" قلتُ ساخراً . لمْ يردْ ، أسمعُ صـوتَ قداحةٍ وإشتعال نيرانٍ ، يتنهدْ ثُمَّ يقولُ بلهجه مستكينه جداً : " أتحسبنى ذهبتُ إليها مِن تلقاءِ نفسى أيُها الغِرْ ! لقدْ كنتُ مُجبراً على هذا .. أنا أُعطيكَ فُرصةً للإلتحاق بى حتى لا تُعانى ما عانيته أنا فى وسطٍ لا يعترفُ إلَّا بسطوة المال والسلاح ، ما تُعايرنى بهِ هوَ رزقٌ للعيالْ ؛ أنا سأذهبُ للجحيمِ حتماً ولا بُدْ ولكن هُمْ سيعشيونَ فى رغدٍ وهناءٍ وسعاده بعدى ، أنا كنتَ أتقى وأكثرُ إيماناً منكْ لكنَّ الدُنيا لا تتساهل معَ منْ يستهينُ بها ستقتلهُ جوعاً وعطشاً ..... وقهراً " . " كمْ أنتَ مُثيرٌ للشفقه ، يليقُ بكَ دورُ الممثلْ .. لقدْ تأثرتُ بكلامكْ حتى سائق التاكـس دمعت عـينـ..... " نظرتُ مصدوماً إلى سائقَ التاكسى الذى نسيتهُ فى خضمِ الأحداثِ ، كان يبتسمْ إبتسامة الظافرِ بعدَ حرمانْ . - يُتبع - أضـعُ بينَ أيديكُمْ الأغبيـاءُ وحدهمُ هُمُ الذينَ لا يصيبهمْ الشكْ ! (الفصل الثالث) كـالعاده ستجدونَ كلماتٍ ربما لن تفهـونها أو أشياءٍ لا تعرفونَ مقصدها ، لذا لا تترددواْ بالسؤالْ . لقـراءة الفصل الرابع الأغبياءُ وحدهمُ هُمُ الذينَ لا يُصيبهمْ الشكُ (الفصل الرابع) دُمتمْ بخـير |