" كمْ أنتَ مُثيرٌ للشفقه ، يليقُ بكَ دورُ الممثلْ .. لقدْ تأثرتُ بكلامكْ حتى سائق التاكـس دمعت عـينـ..... " نظرتُ مصدوماً إلى سائقَ التاكسى الذى نسيتهُ فى خضمِ الأحداثِ ، كان يبتسمْ إبتسامة الظافرِ بعدَ حرمانْ . كيفَ لمْ أنتبهْ لهذا .. إندمجتُ فى المحادثه لدرجةِ أننى نسيته ولمْ أرى ذلكَ التليفون ذو الشاشه الكبيره التى يظهر فيها وجهى ودائرةٌ باللون الأحمر وعدَّادٌ للدقائقِ وصلَ إلى مايقربُ النصفَ ساعةٍ إلَّا خمسُ دقايق . صـوتُ أنفاسى تعلو ... أشهقُ بقوه ... دقات قلبى تتسارعْ وأسمعُ صوتها ... مثل تلكَ اللحظه التى حدثنى فيها أخى وأنا مُـسترخٍ فى الميناءْ . السياره التاكسِ توقفت ، إبتسامة السائقِ الأسمرِ مفتولَ العضلاتْ المتشمته تتجمدُ على شفتيه .. تخيلتُ شريكَ الجريمه وهوَ يبتسمْ إبتسامته الظافره فى وسطِ الظلامْ ، مِثلَ أفلامْ المافيا بالظبطْ ، صورنى ووثقَّ وجهى بالصوتِ والصوره فى هذا الهاتفِ اللعين ، سـجلنى وأنا أخدعُ أخى الذى يخافهُ كُلُ تجارُ الأسلحةِ والمخدراتْ وحتى مُهربى البضائع ورعاةِ الغنم ، يخافونَ مجردَ المرورِ مِنْ أمامِ منطقةٍ يعلمونَ أنَّها اليوم منطقة صيدهْ ... يعرفونَ ماذا سيحلُ بهمْ إذا جفَّلو صيده أو أقلقواْ قيلولته . هوَ لا يحبهمْ ولا يحُبُ أصواتهمْ فما بالُكَ إذا أخطأو فى حقه ، سيجعلُ فعلتهمْ القشه التى تقسمُ ظهرَ البعير وينكُلُ بهمْ أيمَّا تنكيل .. وأنا سقطتُ كالغرِ الساذجْ فى فخٍ بدائىٍ بسيط ، فخُ الإلهاءْ . كانَ مُحقاً شريكَ الجريمة ، أنا غرٌ صغير والآن أثبتُ أننى غرٌ صغيرٌ وساذج ، عـقلى لمْ ينضج . " آلووووووووووووووووووو ، أيها الغِرُ الصغير ! برازكْ لا يزالُ أخضراً و سنُ العقلُ خاصتكْ لمْ تنبتْ بعيدْ .. إسمعْ وظيفتكْ فى قريةٍ سياحيةٍ تبعدُ عن مكانكَ بـ أربعٍ وثلاثينَ كيلومتراً منقذ وتعملُ معَ الكابتن عزمى ، أنهِ مقابلتكَ معَ أخيكَ وستجدنى هُناكْ .. لا تتأخرْ " . "حاضر" قلتُ بلهجةِ المغلوبِ على أمره . "رومى وإلاَّ كسرتُ قرنكِ" قالها بظفر. يتدفقُ الماضى فىَّ كشلالٍ هادر وبقوةِ بركانٍ ثائر ، أخى الصغير ، والدىَّ ، فيشر ، والمليونيره .. ماذا عساى أنْ أفعلْ ! "أنتَ أرسلهُ لى وحيداً وسأتكفل بالبقيه" أتذكرهُ عندما قالَ هذا . رددتْ " لكنهُ صغيرٌ ولنْ يفيدكْ " "أتريدُ الوظيفةَ أمْ أذهبْ ! " قالَ مُهدداً. " الموضوعُ ليسَ سهلاً أبداً صدقنى ؛ حسناً ، سأخرجهُ لكْ " "أثناءَ نومَ بيشور" قالْ . "حسناً ، قُلتْ" رددتُ منزعجاً مِنْ إلحاحهْ . أختى الأصغرُ منى بسنةً تتلفح بوشاحٍ أسودٍ يُدارى شعرها الذهبى اللامع فيسطعُ وجهها ذا البشرة الخمرية . "إلى أينَ أنتِ ذاهبه ؟ " سألتْ . ردتْ فى حياءْ " ذاهبه لأُحضرَ بعضَ الصلصه مِنْ جيراننا" . " لماذا ؟ " لإنَّ أبى لمْ يحضرُ معهُ وهوَ الآن نائمْ كى يستيقظ باكراً فـغداً سوقٌ الجمعة كما تعلمْ " أبى إستشهدَ فى البحرْ ، كـانَ يصطادُ السمكَ عندمَّا فجرَّ أحدُ الصيادينَ المتهورين قنبلة ديناميت فى الماء ليفجر مساكنْ السمكْ المستوطن فى الصخورِ الذى يصطادهُ أبى .. فاطمـه وُلدتْ بعدَ إستشهادِ أبى بشهورٍ قليله ومِنْ لحظتها وهى تنادى "فيشر" أبى . أوقفتُ لعبْ تلكَ اللعبه السخيفه على هاتفى ، التى تجعلُ مِنَ التشابه فريضةً فـتجعُلكَ تُدمرُ الكُراتِ ذاتِ الألوانِ المتشابهه وعليكَ جمع الكُراتْ المختلفه بجانب بعضها البعض وتسـحقها سحقاً . أمَّا أنا فأستمتعُ بجعل المختلفْ بعيداً عنْ بعضهُ البعض حتى تأتينى رسالة لقدْ نفذ الوقتْ وخسـرتْ ، حمقى لا يعرفونَ أننا لا نستطيع مواصلةَ العيش بدونِ إختلافْ . "أينَ أخيكِ الصغير ؟" سألتْ . ردت " موجود ، إنهُ ينجز فرضهُ الدراسى " ناديتْ " أُسـاآآآآمه !! " جاءْ ، كانَ صغيراً وبريئاً .. لنْ يفعل لهُ " مُدمن الماريجوانا " شيئاً . ولكننى سأحصل على الوظيفه !! .. قلتُ لهُ " هلْ الرجوله هىَ أن تذهبَ أختكَ لتُحضرَ صلصه مِنْ جيراننا ! " . ردَّ وهوَّ يكادُ ينفجر " لا ، لا يصلحُ أبداً " .. تساءلتُ هلْ الغيرة متواجدةٌ فينا فطرياً معشرَ قاطنى الصحراء أمْ أننا نتوارثهآ جيلاً بعدَ جيلْ . "هذا هو إبننا" قلتُ بفخرْ .. إبتسمَ لإطرائى وخرجَ مُسرعاً مِنَ البيتْ ، لازلتُ أتذكرُ جريته المُسرعه ، قميصه الأحمر وبنطلونه الجينز الأزرق ، صوتُ إرتطام حذاء كرة القدم "الباتا" خاصته بالأرضْ . ذهبَ وتأخرْ ، حتى الساعة الثانية عشرَ ليلاً ولمْ يُعدْ ، فاطمه تُطالبنى بأنْ أخرجَ لأبحثَ عنه وأنا أطمئنهآ بأنهُ سيعودْ ؛ حتماً ولا بُدْ . أطفئتْ شُعلة النيرانْ وغطتْ القدر فى إنتظار الصلصه ونامتْ مِنَ التعبْ , المسكينه . خرجتُ أهيمُ على وجهى منادياً أُسامة أنْ أظهرْ . ولم يـظهر أسامه ! مـخاوفٌ بدأتُ تهيمنَ علىَّ ، تُسيطرُ على روحى ، رحتُ هُنا وهُناكْ ، هِمتُ كـ المجنونْ .. أضعُ يدىَّ على أذناى وأنادى بملئ فاهى " أُسـامه ، أُسـامه " وأركضْ ولكـنْ لقد أسمعتُ لو كنتُ حياً ولكنْ لا حياةَ لمنْ تُنادى . - يُـتبعْ - الفصل الرابع وبكِذا أكـونْ تجاوزتْ الحدْ الأدنى للفصول ، نسبة النجاح فقطْ كالعاده ، ربما ستجدونَ كلماتٍ لا تفهمونها أو عباراتٍ لا تعرفونَ مقصدها لذا لا تترددو فـ السؤالِ عنها . لقراءةِ الفصلِ الخامسْ الأغبياءُ وحدهمُ هُمُ الذينَ لا يُصيبهمُ الشكُ ( الفصل الخامس ) دُمتمْ بخيرْ |