توجستُ خيفةً مِنْ مُكالمتهِ فهوَ لا يتصلُ بى إلَّا عِندما يكونُ الأمرُ ضرورياً جداً ، نحنُ نملُ مِنْ رؤيةِ بعضنا البعضْ فى المنزل أصلاً ، فماذا عساهُ يريدْ ؟ " وجدتُ لكَ عملاً " قال . قلتُ مُكابراً "ومن أخبركَ أننى أحتاجُ إلى عمل" . أكملتُ " إننى مُستمتعٌ بعملى كثيراً رُغمَّ أنهمْ يتأخرونَ فى الرواتبْ " . " هاهاهاهاهاهاى " جلجلَ ضاحكاً ثُمَّ تنفسَ مِنْ فمه بصوتٍ مُرعبْ وقالْ " عملكَ الذى هوَ مُنقذُ غرقى فى قريةٍ سياحيةٍ" أليسَ كذلكْ ؟! سكتْ .. ألجمنى الصمتُ حتى أكملَ وقالْ بسُخريةٍ جعلتنى أشتعلُ غيظاً " هلْ أكلتْ القطةُ لسانك !" عضضتُ لسانى " نعمْ " قُلتْ . أكـملَ بنفسِ اللهجةِ الساخره " رُبَّ صدفةٍ خيرٌ مِنْ ألفِ ميعادْ ، أنا الآنْ فى نفسِ القريةِ التى حدثتنى عنها " لازالتْ كلماتهُ الأخيره ترنُ فى أذنى كصدىَ صوتٍ بعيدٍ أنا الآنْ فى نفسِ القريةِ التى حدثتنى عنها .. كأنَّ العباره أخرستْ نوارسَ البحرِ و أوقفتْ حركة السرطاناتِ التى تصارعُ الموجْ .. وجمدتْ البحرْ نفسهْ . عِـلمَ أننى كاذبٌ الآنْ وسيبدأ بإخبارِ أهلى ثُمَّ يتقصونَ الحقائقَ معاً ليعرفواْ أنَّ نصفْ ما أخبرتهُمْ بهِ تقريباً كذبْ . ليستْ مُـشكلةً أنْ يعلمواْ أننى كاذبْ ، المُـشكله أنهمْ سـيعرفونَ منْ قاتلُ أخـى الأصغرْ وعـندهآ سيأتى دورُ الشِـرطه والمباحث الجنائيه لتكتشفَ منْ هوَ قاتلُ المليونيره فى قرية "أندلسيه" السياحيه و و و و و و .. يجبُ أنْ أفعلَ شيئاً وإلَّا سيحدثُ مالا يُحمدُ عقباه .. " مرحباً ، مرحباً " إستفقتُ على صوته "أعتذرْ ، التغطيه ليستَ جيده هُنا" "لابأس" قالْ . أكملَ بجديه " تحدثتُ معَ مُشرفِ البيتش بويز وأخبرنى أنهُ يمكنكَ شغلُ الوظيفه الصيفيه إذا حضرتَ حالاً!" رددتُ "سأوافيكَ قريباً " . بخبثٍ قال " ألستَ مستمتعاً فى عملكْ! " ضحكتُ مُجاملاً وفى قرارة نفسى قررتُ أنهُ لا يجبْ أن يعيشَ أياماً إضافيه . الأشجارُ تَمرُ بِسرعه وكذا أعمدة الطريقِ وألوانِ الرصيف السوداءِ والبيضاءْ ، كانتْ لبنيةَ وبيضاءْ فيما قبل لكنهمْ قررواْ أننا لا يجبُ أن نستمتعَ بشئٍ ولا حتى الألوانِ الزاهيه وكأنهمْ يقولون لنا " فلتكنْ حياتكمْ سوداءَ قاتمه " . تذكرتُ مكالمةُ أخى التى قلبتْ دُنياى الساكنه ، كنتُ أخبرتهُ فى المنزلْ أننى أعمـلُ فى قريةٍ سياحيه كعاملِ نظافه وتحولتُ منها إلى منقذ فى حماماتِ السباحه لأننى أحبُ الغوصْ وطبعاً إقتنعَ لأنهُ عـملَ بذاتَ القريه على حدِ قولهْ . أخى قمحىَ البشرة قليلاً ذو ملامحٍ صارمه ، ضخمَ الجُثةِ بالفطره ، أكسبتْهُ الصحراءُ جلداً قاسياً ، وجعلهُ حليبُ النوق منيعاً ضدَ الأوبئةِ والأمراض ، أتذكرُ قصةْ صديقى التى سمعها مِنْ أبيهِ زميلَ أخى فى المدرسه ؛ أنهُ عِندما جاءتْ حملةٌ لتطعيمْ طُلابْ المدارسِ ضدَ وباء ما وغرسَ الإبرة فى ذراعه فإنكسرت الإبره على جلده "بوجودِ هذا الوحشْ هُنا لا تقلقواْ من الأوبئه" قالَ الطبيب ، يرتدى زياً مكوناً مِنْ ثوبٍ وشالٍ مموه -كالزى الموحد للعساكر- يمرُ مِنْ فوقِ إحدى كتفيه ماراً ببطنه ثم يُربطُ بشكل دائريٍ على وسطهِ يضعُ فيهِ أعيرةً ناريه لبنادق خرطوشْ ويرتدى على كتفه الآخر حقيبه كحقيبة البيانو ترقدُ بداخلها بندقيةِ خرطوش ذاتَ الفوهةِ الواحدةِ والخمسِ طلقاتْ ، أخى يـلقبونهُ بـ"فيشر" يقولونَ أنَّ من أطلقَ عليهِ هذا اللقبْ خواجه ألمانى كانَّ يصطحبهُ معهُ دائماً ليصطادَ لهُ سواءً بحراً أو براً أو جواً . بارعٌ على كُلِ الجهاتِ عندما يتعلقُ الأمرَ بالصيدْ ، يـقودُ دائماً سياره مِنِ طُرازِ تويوتا تسمى لاند كروزر يسمونها فى مدينتى "قنطشه" والقنطشه هىَّ الفأر الضخمْ الذى يتجولُ ليلاً ويلتهمَ صغارَ الحمامِ وبيضِ الدجاج . فـكرتُ بما سأقولهُ لهُ وجهزتُ نفسى لكُلِ سؤالٍ توقعته وعندما إقتربتُ مِنْ تلكَ القريه ، وجدتُ هاتفى يرنْ وعلى شاشته يظهر رقمٌ غريبٌ . مالذى يُحدث ؟ .. رقمْ هاتفى جديدْ كُلياً ولا أحدَ يعرفُ رقمه إلَّا أخى و شريكى فى القتل . أيهما يتصل يا تُرى ! - يُتبعْ - الفصل الثانى مِنَ رواية الأغبياءُ وحدهمُ هُمُ الذينَ لا يصيبهمْ الشكُ ، ربما ستجدونَ كلماتٍ لا تعرفونَها أو أشياء لا تعرفونَ ما المقصدْ منها ، لا تترددواْ فى السؤال عنها الأغبيـاءُ وحدهمُ هُمُ الذينَ لا يصيبهمْ الشكْ ! (الفصل الثالث) دُمـتمْ بخير |