قد يأكل المرء ولا يشبع، أو لا يجد للطعام أثرًا طيِّبًا على صحَّته وجسمه؛ وذلك لقلَّة البركة فيه؛ وقد روى مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ: "الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ". والمؤمنون يتفاوتون كذلك في تحقيق البركة في طعامهم، وقد عَلَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأل اللهَ عز وجل البركةَ في طعامنا بعد الانتهاء منه؛ بل عَلَّمنا أن نسأل هذه البركة بعد شرب اللبن على وجه الخصوص! عَرَفْنا ذلك من هذا الموقف اللطيف الذي رواه الترمذي -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَخالد بن الوليد عَلَى مَيْمُونَةَ، فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: "الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا". فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أُوثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ. وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ".
فهنا نجد سُنَّتين من سُننه صلى الله عليه وسلم؛ واحدة بعد أكل الطعام بشكل عامٍّ، والأخرى بعد شرب اللبن خاصةً، وهي سنن تجعل البركة في طعامنا، كما أنها تجعلنا دومًا متذكِّرين لفضل الله علينا؛ ومن ثَمَّ يُعطينا سبحانه أكثر وأكثر؛ قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].