كأنّي في روض أرى الماء جاريا | أمامي ، و فوقي الغيم يجهد بالنشر
|
توهّمته هما فقلت له انجلي | فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري
|
بربّك سر حيث الخلي فإنّني | فتى لا أرى غير المصائب في دهري
|
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه | أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري
|
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى | عهودي و أولاني الجميل ولم يدر
|
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه | و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر
|
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته | عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ
|
و لمّا شكوت الوجد تمايلت | كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر
|
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى | دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري
|
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم | بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر
|
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن | عجيبا على مثلي البكاء من الصخر
|
كأنّي بدر ، و الزهور كواكب ، | و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر
|
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا | مليك لي الأغصان كالعسكر المجر
|
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى | و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر ؟
|
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها | فكنت كمخمور أفاق من السّكر
|
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا | ق ، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر
|
بكيت و لو لم أبك مما بكت له | بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ
|
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه | ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر
|
تحيط به الأشجار من كلّ جانب | كما دار حول الجيد عقد من الدّر
|
و قد رقمت أغصانها في أديمه | كتابا من الأوراق ، سطرا على سطر
|
كأنّ دنانير تساقط فوقه | و ليس دنانير سوى الورق النّضر
|
كأنّي به المرآة عند صفائها | تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري
|
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر ؟ | و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر
|
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى | فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر
|
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما | دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر
|
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي | إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر
|
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى | و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير
|
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه | هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر
|
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله | فقالوا به كبر ، فقلت عن الكبر
|
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي | أشدّ به أزري و يعلو به قدري
|
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى | حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر |