شربناها على سرّ القوافي | و سرّ الشاعر السمح الأبرّ |
سقانا قهوتين " بغير من " | عصير شجيرة و عصير فكر |
فنحن اثنان سكران لحين | على أمن ، و سكران لدهر |
فمن أمسى يهيم ببنت قصر | فإنّا هائمون ببنت قفر |
إذا حضرت فذلك يوم سعد | و إن غابت فذلك يوم قهر |
لها من ذاتها ستر رقيق | كما صبغ الحياء جبين بكر |
إذا دارت على الجلّاس هشّوا | كأنّ كؤوسها أخبار نصر |
و نرشفها فنرشف ريق خود | و ننشقها فننشق ريح عطر |
و لا نخشى من الحكام حدا | و عند الله لم نوصم بوزر |
فما في شربها إثم و نكر | و شرب الخمر نكر أيّ نكر |
و ليست تستخفّ أخا و قار | و بنت الدنّ بالأحلام تزري |
و تحفظ سرّ صاحبها مصونا | و بنت الكرم تفضح كلّ سرّ |
و للصهباء أوقات ، و هذي | شراب الناس في حرّ وقرّ |
و تصلح أن يطاف بها مساء | و تحسن أن تكون شراب ظهر |
فلو عرفت مزاياها الغواني | لعلّق حبّها في كلّ نحر |
كأنّ حبوبها خضرا و صفرا | فصوص زمرد و شذور تبر |
كأنّ الجنّ قد نفثت رؤاها | على أوراقها في ضوء فجر |
ألست ترى إليها كيف تطغى | و كيف تثور إن مسّت بجمر |
كأنّ نخيل مصر قد حساها | و إلاّ ما اهتزاز نخيل مصر ؟ |
جلوت بها من الأكدار ذهني | كما أنّي غسلت هموم صدري |
و ما هي قهوة تطهى و تحسى | و لكن نفحة من روح حرّ |
حوى في شعره عبث ابن هاني | وزاد عليه فلسفة المعرّي |
فيا لك شاعرا لبقا لعوبا | كأنّ يراعه أنبوب سحر |
يفيض سلاسة في كلّ لفظ | و يجري رقة في كلّ سطر |
حوت دار " السمير " هديّتيه | و تحوي هذه الأوراق شكري |