آه من الحبّ كلّه عبر | عندي منه الدموع و السهر
|
وويح صرعى الغرام إنّهم | موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا
|
يمشون في الأرض ليس يأخذهم | زهو و لا في خدودهم صعر
|
لو ولج الناس في سرائرهم | هانت ، و ربّي ، عليهم سقر
|
ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا | عهدا ، و لا مالا و لا غدروا
|
قد حملوا الهون غير ما سأم | لولا الهوى للهوان ما صبروا
|
لم يبق منّي الضّنى سوى شبح | يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
|
أمسي و سادي مشابها كبدي | كلاهما النار فيه تستعر
|
أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة | مثلي فيه القتاد و الإبر
|
لعلّ طيفا من هند يطرقني | فعند هند عن شقوتي خبر
|
ما بال هند عليّ غاضبة | ما شاب فودي و ليس بي كبر
|
ما زلت غضّ الشباب لا وهن | يا هند في عزمتي و لا خور
|
لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا | أن يفسدوا بيننا و قد قدروا
|
واها لأيّامنا ... أراجعة ؟ | فانّهن الحجول و الغرر
|
أيّام لا الدهر قابض يده | عنّي ، و لا هند قلبها حجر
|
***
|
لم أنس ليلا سهرته معها | تحنو علينا الأفنان و الشجر
|
غفرت ذنب النّوى بزورتها | ذنب النوى باللقاء يغتفر
|
بتنا عن الراصدين يكتمنا | الأسودان : الظلام و الشعر
|
ثلاثة للسرور ما رقدوا | أنا و أخت المهاة و القمر
|
فما لهذي النجوم ساهية | ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ ...
|
إن كان صبح الجبين روّعها | فإنّ ليل الشعور معتكر
|
أو انتظام العقود أغضبها | فإنّ درّ الكلام منتثر
|
و ما لتلك الغصون مطرقة | كأنّها للسلام تختصر
|
تبكي كأنّ الزمان أرهقها | عسرا ، و لكن دموعها الثمر
|
طورا على الأرض تنثني مرحا | و تارة في الفضاء تشتجر
|
فأجلفت هند عند رؤيتها | و قد تروع الجآذر الصور
|
هيفاء لو لم تلن معاطفها | عند التثنّي خشيت تنكسر
|
من اللّواتي – و لا شبيه لها – | يزينهنّ ادلال و الخفر
|
في كل عضو و كل جارحة | معنى جديد للحسن مبتكر
|
تبيت زهر النجوم طامعة | لو أنّها فوق نحرها درر
|
رخيمة الصوت إن شدت لفتت | لها الدّراري و أنصت السحر
|
أبثّها الوجد و هي لاهية | أذهلها الحبّ فهي تفتكر
|
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا | و ما أثمنا و لا بنا وزر
|
فابتدرت هند و هي ضاحكة : | ماذا علينا و إن هم كثروا
|
فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا | و استشعروا الحبّ مثلما عذروا
|
ما جحد الحبّ غير جاهله | أيجحد الشمس من له بصر ؟
|
ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا | و لا تلمهم فما هم بشر !
|
سرنا الهويناء ما بنا تعب | و قد سكتنا و ما بنا حصر
|
لكنّ فرط الهيام أسكرنا | و قبلنا العاشقون كم سكروا
|
فقل لمن يكثر الظنون بنا | ما كان إلاّ الحديث و النظر
|
حتّى رأيت النجوم آفلة | و كاد قلب الظلام ينفطر
|
ودّعتها و الفؤاد مضطرب | أكفكف الدمع و هو ينهمر
|
وودّعتني و من محاجرها | فوق العقيق الجمان ينحدر
|
قد أضحك الدهر ما بكيت له | كأنّما البين عنده وطر
|
كانت ليالي ما بها كدر | و الآن أمست و كلّها كدر
|
إن نفد الدمع من تذكّها | فجادها بعد أدمعي المطر
|
عسى اللّيالي تدري جنايتها | على قتيل الهوى فتعتذر |