قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى | علم و أغمد صارم بتّار
|
فتوشّت صور المنى و تناثرت | كالزّهر بدّد شملها الإعصار
|
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء | لمّا تولّى ذلك الجبّار
|
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما | قد غاب عنها جحفل جرّار
|
و بكت " فلسطين " به قيدومها | إنّ الرزايا بالكبار كبار
|
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا | شرفت خلائقه و طاب نجار
|
...
|
لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس | كالنجم لم تعلق به الأوضار
|
و مشى المشيب برأسه فإذا به | كالحقل فيه الزهر و الأثمار
|
و تطاولت أعوامه ، فإذا به | كالطود فيه صلابة ووقار
|
ترتدّ عنه العاصفات كليلة | ويزلّ عنه العارض المدرارا
|
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن | إنّ الكريم على الأذى صبّار
|
صقلت مكافحة الشدائد نفسه | و الروض تجلو حسنة الأمطار
|
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى | إقدامه ، إذ للفتى أوطار
|
يتهيّب الفجّار صدق يقينه | و برأيه يسترشد الأحرار
|
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى | كاللّيث ريع فما له استقرار
|
و يجشّم النفس المخاطر هادئا | كيلا تلمّ بقومه الأخطار
|
حتى استقرّ به الردى في حفرة | و خلا ، لغير جواده ، المضمار
|
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره | تطويه في عرض الثرى أشبار !
|
...
|
أيّار مذكور بحسن صنيعه | ولئن تولّى وانقضى أيّار
|
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم " | تسبغ عليك ثناءها الأمصار
|
إنّ السنين كقليلها | إن لم تزن صفحاتها الآثار
|
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى | برد الشبيبة كالجمال معار
|
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد | فلقد يجيء غد و أنت غبار
|
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى | و لغيرك الآصال و الأسحار
|
من ليس يفتح للنهار جفونه | هيهات يكحل مقلتيه نهار
|
...
|
واحبب بلادك مثل " موسى كاظم " | حبّا به الإخلاص و الإيثار
|
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى | تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار
|
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر | إن اتّجارك بالمواطن عار
|
ودع المنافق لا تثق بعهوده | وطن المنافق فضّة و نضار
|
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده | آل ، و خير هباته الأعذار
|
يدنو إليك بوجهه متودّدا | و فؤاده بك هازيء سخّار
|
هو حين يجري مع هواه خائن | و إذا سمت أخلاقه سمسار
|
كم معشر خلناهم أنصارنا | فإذا هم لعداتنا أنصار
|
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا | جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا
|
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى | ألصاحب المتذبذب الخوّار
|
وحذار أشراك السياسة إنّها | بنت أبوها الزئبق الفرّار
|
فيها من الرقطاء ناقع سمّها | و لها نيوب الذئب و الأظفار
|
ترد المناهل و هي ماء سائغ | و تعود عنها و المناهل نار
|
ألكذب و التمويه خير صفاتها | و شعارها أن لا يدوم شعار
|
لا تطلبنّ من السياسة رحمة | هي حيث طلّ دم و حلّ دمار
|
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم | فالصيد أنت و لحمك المختار
|
يا قومنا !.. إنّ العدوّ ببابكم | بئس المغير على البلاد الجار
|
و له بأرضكم طماعة أشعب | و رواغه ، و لكيده استمرار
|
لا ترقدوا عنه فليس براقد | أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟
|
إنّ الطيور تذود عن أوكارها | أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
|
سيروا على آثار موسى و اعملوا | إن شئتم أن لا تضيع ديار
|
زوروا ثراه قوّة | منه فكم أحيا الهوى التذكار
|
قبر يفوح الطيب من جنباته | قبر الكريم خميلة معطار
|
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة | أرجت كأنّ حجارة أزهار |