عالم الرياضيات والمنصر السابق الدكتور الكندي جاري ميلر
قصة اليوم ستكون مختلفة عن قصص المشاهير السابقين فهو عالم كبير و قد تكلم عن معجزات القرآن بشكل كبير و له مؤلفات بعد إسلامه تبهرك و لذلك سيكون عرض القصة عن طريق عرض لوجهة نظره و تفصيلة لمعجزات القرآن الذى أعتقد أن نقل مثل هذه الأراء سيكون له المتعة و الإفادة إن شاء الله .
أستاذ للرياضيات بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن اسمه جاري ميلر..كندي الأصل..كان قسيساً يدعو للنصرانية وبعد أن من الله عليه بالإسلام وقف يخطب في الناس قائلاً :
"أيها المسلمون, لو أدركتم فضل ما عندكم علي ما عند غيركم لحمدتم الله أن أنبتكم من أصلاب مسلمة ورباكم في محاضن المسلمين وأنشأكم علي هذا الدين العظيم, إن معني النبوة..معني الألوهية..معني الوحي..الرسالة..البعث..الحساب..كل تلك المعاني-عندكم وعند غيركم- فرق مابين السماء والأرض."
ثم يضيف قائلاً:" لقد جذبني لهذا الدين وضوح العقيدة ,ذلك الوضوح الذي لا أجده في عقيدة سواه"
لغة الأرقام
هذا الرجل يحب الرياضيات بشكل كبير.... لذلك يحب المنطق أو التسلسل المنطقي للأمور....
في أحد الأيام أراد أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفه عند دعوته للمسلمين للدين النصراني .... كان يتوقع أن يجد القرآن كتاب قديم مكتوب منذ 14 قرن يتكلم عن الصحراء وما إلى ذلك ..... لكنه ذهل مما وجده فيه .....بل واكتشف أن هذا الكتاب يحتوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم .......
و الذي جعله في حيرة من أمره انه وجد أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم !!ولم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة رضي الله عنهن.
وكذلك وجد أن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا 4 مرات فقط فزادت حيرة الرجل .
من يجرؤ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أخذ يقرأ القرآن بتمعن أكثر لعله يجد مأخذا عليه ....ولكنه صعق بآية عظيمة وعجيبة ألا وهي الآية رقم 82 في سورة النساء : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }
يقول الدكتور ميلر عن هذه الآية : " من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو مبدأ إيجاد الأخطاء أو تقصي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها Falsification test...
يقول أيضا عن هذه الآية : لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماما يقول لك لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد.
القرآن وتطورات الأحداث
من الآيات التي وقف الدكتور ميلر عندها طويلا هي الآية رقم 30 من سورة الأنبياء : { أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون }..
يقول: "إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973 وكان عن نظرية الانفجار الكبير وهي تنص أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون بما فيه من سماوات وكواكب. فالرتق هو الشي المتماسك في حين أن الفتق هو الشيء المتفكك فسبحان الله."
يقول الدكتور ميلر عن آية أبهرته لاعجازها الغيبي :
من المعجزات الغيبية القرآنية هو التحدي للمستقبل بأشياء لايمكن أن يتنبأ بها الإنسان وهي خاضعة لنفس الاختبار السابق ألا وهو Falsification tests أو مبدأ إيجاد الأخطاء حتى تتبين صحة الشيء المراد اختباره وهنا سوف نرى ماذا قال القرآن عن علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى.
القرآن يقول أن اليهود هم أشد الناس عداوة للمسلمين وهذا مستمر الى وقتنا الحاضر فأشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود.
ويكمل الدكتور ميلر :
أن هذا يعتبر تحدي عظيم ذلك أن اليهود لديهم الفرصة لهدم الإسلام بأمر بسيط ألا وهو أن يعاملوا المسلمين معاملة طيبة لبضع سنين ويقولون عندها : ها نحن نعاملكم معاملة طيبة والقرآن يقول أننا أشد الناس عداوة لكم , إذن القرآن خطأ ! , ولكن هذا لم يحدث خلال 1400 سنة !! ولن يحدث لأن هذا الكلام نزل من الذي يعلم الغيب وليس إنسان
هل رأيتم أن الآية التي تتكلم عن عداوة اليهود للمسلمين تعتبر تحدي للعقول !!
{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ، وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين } [ المائدة : 82 - 84 ]
وعموما هذة الآية تنطبق على الد كتور ميلر حيث أنه من النصارى الذي عندما علم الحق آمن و دخل الإسلام وأصبح داعية له...
وفقه الله
القرآن يعلمك الجديد
بدون أدنى شك يوجد في القرآن توجه فريد ومذهل لا يوجد في أي مكان آخر , وذلك أن القرآن يعطيك معلومات معينة ويقول لك : لم تكن تعلمها من قبل.
مثل :
{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } [ سورة آل عمران : آية 44 ]
{ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين } [ سورة هود : آية 49 ]
{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون } [ سورة يوسف : آية 102 ]
لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب , كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تخبرك من أين أتت هذه المعلومات , على سبيل المثال الكتاب المقدس (الإنجيل المحرف) عندما يناقش قصص القدماء فهو يقول لك الملك فلان عاش هنا وهذا القائد قاتل هنا معركة معينة وشخص آخر كان له عدد كذا من الأبناء وأسماءهم فلان وفلان ..الخ .
ولكن هذا الكتاب (الإنجيل المحرف) دائما يخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات يمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني أوالكتاب الفلاني لأن هذه المعلومات أتت منه.
بعكس القرآن الذي يمد القارىء بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة !! بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت مترددا في صحة القرآن بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر !!. والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت -أي وقت نزول هذه الآيات - ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بأن هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه ,, بالرغم من ذلك لم يقولوا : هذا ليس جديدا بل نحن نعرفه , أبدا لم يحدث أن قالوا مثل ذلك ولم يقولوا : نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات , ايضا لم يحدث مثل هذا , ولكن الذي حدث أن أحدا لم يجرؤ على تكذيبه أو الرد عليه لأنها فعلا معلومات جديدة كليا !!! وليست من عقل بشر ولكنها من الله الذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل"
و يكمل الدكتور ميلر
مخالف للتوقعات
يتوقع غير المسلمين أنه كتابٌ قديمٌ جاء من الصَّحراء العربيَّة قبل أربعة عشر قرناً، ويتوقَّعون بأنَّه بالضرورة يحمل نفس الانطباع –كتابٌ قديمٌ من الصَّحراء. لكنَّهم بعدئذٍ يجدون بأنَّه لا يشبه مُطلقاً ما كانوا يتوقَّعون.
من أوِّل الأشياء الَّتي يفترضها بعض النَّاس هو أنَّ هذا الكتاب القديم، ولأنَّه جاء من الصَّحراء، فإنَّه بالضَّرورة يتحدَّث عن الصَّحراء. ولكنَّه أيضاً يتحدَّث عن البحر, ولقد صوَّر لنا كيف تكون العاصفة على سطح البحر.
قبل بضع سنوات، وصلتنا قصَّةٌ إلى تورونتو (كندا) عن رجلٍ كان بحَّاراً في الأسطول التجاريّ، ويكسب رزقه من عمله في البحر.
أعطاه أحد المسلمين ترجمةً لمعاني القرآن الكريم ليقرأها، ولم يكن هذا البحَّار يعرف شيئاً عن تاريخ الإسلام، لكنَّه كان مهتمّاً بقراءة القرآن الكريم. وعندما أنهى قراءته، حمله وعاد به الى المسلم الَّذي أعطاه إياه, وسأله: "مُحمَّدٌ هذا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم), أكان بحَّاراً؟" فقد كان الرجل مندهشاً من تلك الدِّقَّة الَّتي يصف بها القرآن العاصفة على سطح البحر.
وعندما جاءه الردُّ: "لا، في الحقيقة لم يكن. فمحمَّدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عاش في الصَّحراء." لقد كان هذا كافياً له ليُعلن إسلامه على الفور. لقد كان مُتأثِّراً جدّاً بالوصف القرآنيِّ للعاصفة البحريَّة. لأنَّه بنفسه كان مرَّةً في خِضَمِّها, وكان لذلك يعلم أنَّه أيّاً من كان الَّذي كتب هذا الوصف, فإنَّه لا بُدَّ وقد عاش هذه العاصفة بنفسه. فالوصف الَّذي جاء في القرآن عن العاصفة لم يكن شيئاً يستطيع أن يكتبه أيُّ كاتبٍ من محض خياله. والموج الَّذي من فوقه موجٌ من فوقه سحاب لم يكن شيئاً يمكن لأحدهم تخيُّله والكتابة عنه، بل إنَّه وصفٌ كتبه من يعرف حقاًّ كيف تبدو العاصفة البحريَّة.
معجزات أخرى
العلم الحديث قد اكتشف بأنَّ هذه الوحدة الأصغر للمادَّة –وهي الذرَّة الَّتي تحمل نفس خصائص المادة الَّتي تنتمي إليها- يمكن تقسيمها إلى مُكوِّناتها. وهذه حقيقةٌ جديدةٌ تُعدُّ نتاجاً للتطوُّر في القرن الماضي. فمن المثير جدّاً للاهتمام أنَّ هذه المعلومة كانت قد وُثِّقت فعلاً في القرآن الكريم قبل ذلك بأربعة عشر قرناً، والَّذي يقول الله تعالى فيه:
" وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " (يونس 61)
ماذا نفعل مع المشككين ؟
في إحدى المرَّات جاءني رجلٌ بعد أن أنهيت محاضرةً ألقيتها في جنوب إفريقيا. لقد كان غاضباً جدّاً لما قلتهُ, ولذلك ادَّعى قائلاً: "سأذهب إلى بيتي الليلة ولا بُدَّ أن أجد خطأً ما في القرآن." فأجبته طبعاً: "أُهنِّئُك. فهذا هو الشيء الأكثر ذكاءً فيما قلته." بالتأكيد, هذا هو الموقف الَّذي يجب أن يتَّخذه المسلمون مع أولئك الَّذين يشكُّون في أصالة القرآن الكريم, فالقرآن الكريم أساساً يؤكِّد أنَّه وحيٌ يوحى, فإن كان هناك من لا يصدِّق ذلك, فليثبت له مصدراً آخر! وهذا هو التحدِّي. لدينا هنا كتابٌ مصنوعٌ من الورق والحبر، فمن أين أتى؟ وهو يقول أنَّه وحيٌ إلهي؛ فإن لم يكن كذلك، فما هو مصدره؟ والحقيقة المثيرة هي أنَّه لا يوجد أحدٌ على الإطلاق لديه تفسيرٌ يصلح ليناقض ما جاء في القرآن الكريم. في الواقع, والاكتشاف بأنَّ القرآن حقّ, فإنَّهم سيؤمنون به لأنَّهم لم يستطيعوا أن يجرِّدوه من صحَّته
القرآن و علم الأجنة
قبل عدَّة سنوات, قام بعض المسلمين من الرِّياض –في المملكة العربيَّة السعوديَّة- بجمع كلِّ الآيات القرآنيَّة الَّتي تتحدَّث عن علم الأَجِنَّة، وهو العلم الَّذي يدرس مراحل نموِّ الجنين في الرَّحم؛ ثمَّ قالوا: "هذا ما يقوله القرآن الكريم. فهل هو حقّ؟" في الحقيقة، لقد أخذوا بنصيحة القرآن الكريم: "فاسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون". وحصل أن اختاروا أستاذاً جامعيّاً في علم الأجنَّة من جامعة تورونتو في كندا، ولم يكن مسلماً. هذا الأستاذ يُدعى كيث موور, وهو مؤلِّفٌ للعديد من الكتب في علم الأجنَّة، ويُعدُّ من الخبراء العالميِّين المُبرِّزين في هذا المجال. وجَّهوا له الدَّعوة إلى الرِّياض, ثمَّ قالوا له: "هذا ما يقوله القرآن الكريم فيما يخصُّ تخصُّصَكم. فهل هو صحيح؟" ماذا تستطيع أن تخبرنا عن ذلك؟" وأثناء إقامته في الرِّياض, قدَّموا له كلَّ المساعدة الَّتي احتاجها في الترجمة وكلَّ العون الَّذي كان يطلبه. لقد كان مذهولاً جدّاً بما وجد بحيث إنَّه غيَّر بعض النُّصوص في كتبه. في الواقع, قام في الطبعة الثانية لكتابه (قبل أن نولد), وفي الطبعة الثانية من (تاريخ علم الأجنَّة) بإضافة بعض المواد الَّتي لم تكن موجودة في الطبعة الأولى, وذلك لما وجده في القرآن الكريم. وحقّاً فإنَّ هذا يُصوِّر بوضوحٍ أن القرآن الكريم سابقٌ لزمانه, وأنَّ أولئك الَّذين يؤمنون به يعرفون ما لا يعرفه الآخرون.
لقد كان من دواعي سروري أنِّي أجريت لقاءً تلفازيّاً مع الدكتور كيث موور, وتحدَّثنا مُطوَّلاً حول هذا الموضوع, وكان ذلك بالاستعانة بالصور التوضيحيَّة وغيرها. وقد ذكر بأنَّ بعض الأشياء الَّتي ذكرها القرآن الكريم عن نموِّ الإنسان لم تكن معروفةً إلى ما قبل ثلاثين عاماً. لقد ذكر في الواقع موضوعاً مُعيَّناً بشكل خاص, وهو وصف القرآن الكريم للإنسان "بالعلقة" في إحدى مراحل نموِّه, وأنَّ هذا الوصف كان جديداً بالنسبة إليه, ولكنَّه عندما تفحَّص الأمر وجده حقيقة, وهكذا أضافه إلى كتابه. لقد قال: "لم يخطر ببالي ذلك أبداً من قبل". ولهذا فقد ذهب إلى قسم علم الحيوان وطلب صورةً للعلقة. وعندما وجد أنَّها تشبه الجنين تماماً في هذه المرحلة من النموّ, قرَّر أن يضع الصورتين في أحد كتبه (صورة الجنين وصورة العلقة).
بعد ذلك قام الدكتور موور أيضاً بتأليف كتابٍ عن علم الأجنَّة السريريِّ, وعندما نشر هذه المعلومات في تورونتو سبَّبت ضجَّةً كبيرةً في كلِّ أنحاء كندا. لقد كانت في بعض الصُّحف على الصَّفحات الأولى وفي جميع أنحاء كندا, وبعض العناوين الرئيسيَّة كانت شديدة الطَّرافة. فمثلاً, كان أحد العناوين الرئيسيَّة يقول: "شيءٌ مدهشٌ وُجِدَ في كتابٍ قديم!" ويبدو واضحاً من هذا المثل أنَّ النَّاس لم يفهموا بوضوحٍ حول ماذا كانت كلُّ تلك الضجَّة. وأحد الأمور الَّتي حدثت حقّاً أنَّ أحد الصحفيين سأل الدكتور موور: "ألا تعتقد أنَّ العرب ربَّما كانوا يعرفون هذه المعلومات عن هذه الأشياء، أي عن وصف الجنين، وعن شكله وكيف يتغيَّر وينمو؟ فربَّما لم يكن هناك علماء, ولكنَّهم ربَّما قاموا بشيءٍ من التشريح الوحشيِّ على طريقتهم – أي قاموا بتقطيع النَّاس وتفحُّص هذه الأشياء."
فأشار له الدكتور على الفور بأنَّه نسي شيئاً في غاية الأهميَّة, وهو أنَّ كلَّ صور الجنين الَّتي عُرضت في الفيلم قد جاءت من صورٍ أُخِذت عن طريق المجهر؛ وأضاف قائلاً: "ليست المسألة هي إنْ كان أحد النَّاس قد حاول اكتشاف علم الأجنَّة قبل أربعة عشر قرناً مضت, ولكنَّها في أنَّه لو حاول ذلك فإنَّه لم يكن باستطاعته رؤية شيءٍ على الإطلاق!"
فكلُّ ما يصفه القرآن الكريم عن شكل الجنين هو عندما يكون صغيراً جدّاً ولا يُرى بالعين المجرَّدة, لذا فالمرء بحاجةٍ إلى مجهرٍ ليرى ذلك. إلَّا أنَّ مثل هذه الآلة لم تُكتشف إلَّا قبل أكثر من مائتي عامٍ بقليل. وأضاف الدكتور موور ساخراً: "ربَّما كان لدى أحدهم -قبل أربعة عشر قرناً مضت- مجهراً سرِّيّاً, فقام بعمل هذه الأبحاث، ولم يرتكب أثناء ذلك أيَّ خطأٍ يُذكر، ثمَّ علَّم محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذلك بطريقةٍ ما, وأقنعه بأن يضع هذه المعلومات في كتابه؛ وبعدئذٍ حطَّم مجهره، واحتفظ بسرِّه للأبد. فهل أنت تصدِّق ذلك؟! يجب عليك حقّاً ألَّا تفعل، حتَّى تحضر دليلاً للإثبات, لأنَّ مثل هذه النظريَّة ما هي إلَّا سخافة!"
وعندما سُئِل الدكتور موور: "كيف تفسِّر إذاً وجود مثل هذه المعلومات في القرآن؟" كان ردُّه: "لم يكن هذا ممكناً إلَّا بوحيٍ من الله (سبحانه وتعالى)!"
ومع أنَّ المثل المذكور سابقاً عن بحث الإنسان في معلوماتٍ مُحتواةٍ في القرآن الكريم قام به عالمٌ غير مسلم, إلَّا أنَّه يعتبر صحيحاً, وذلك لأنَّ هذا الرَّجل واحدٌ من أهل الذِّكر في هذا المجال. فلو ادَّعى شخصٌ عاديٌّ بأنَّ ما يقوله القرآن حول علم الأجنَّة صحيح، لما كان لزاماً علينا قبول كلامه. على أيَّة حال فإنَّ المركز المرموق والاحترام والتقدير الَّذي يكنُّه المرء للعلماء تجعل الإنسان يفترض تلقائيّاً صحَّة النتائج الَّتي يتوصَّلون اليها نتيجة البحث في موضوعٍ ما.
و يتابع الدكتور ميلر
فإنَّ القرآن الكريم يحوي معلوماتٍ كثيرةٍ لا يمكن نِسبة مصدرها لأحد إلاَّ لله تعالى. فمثلاً، من أخبر محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن سدِّ ذي القرنين، وهو مكانٌ يبعد مئات الأميال إلى الشمال؟ ومن أخبره عن علم الأجنَّة؟ وعندما يُواجَه النَّاس بمثل هذه الحقائق، فإنَّهم –حتَّى وإن كانوا لا يريدون نسبتها إلى مصدرٍ إلهيٍّ- يصنِّفونها تلقائيّاً حسب فرضيَّة أنَّ أحد النَّاس قدَّمها لمحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو بدوره قام باستخدامها لخداع النَّاس. ومع ذلك فإنَّ هذه النظريَّة يمكن دحضها بسؤالٍ بسيط: "إذا كان محمَّدٌ كاذباً (حاشاه عليه وآله الصَّلاة والسَّلام)، فمن أين له بكلِّ تلك الثِّقة؟ ولماذا قال للنَّاس مُواجهةً ما لم يستطع أحدٌ منهم قوله أبداً؟ فمثل تلك الثِّقة اعتمدت بالكليَّة على اقتناعه التامِّ بأنَّ ما يأتيه هو وحيٌ إلهيّ.
ما حدث مع أبى لهب ؟
ومثال على ذلك أنَّه كان للنبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عمّاً يُكنَّى بأبي لهب. وكان هذا الرَّجل يكره الإسلام لدرجة أنَّه كان يتبع النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أينما ذهب ليُكذِّبه. فكان إذا رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يتحدَّث إلى أحد الغرباء, كان ينتظر حتى يتفرَّقا, ثمَّ يذهب إلى ذاك الغريب ويسأله: "ماذا كان يقول لك؟ هل قال أبيض؟ لا، بل هو أسود. هل قال نهار؟ لا، بل هو ليل." وقد كان مُثابراً في قوله عكس ما يسمعه من محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو من المسلمين الآخرين. ورغم ذلك، وقبل عشر سنواتٍ تقريباً من موت أبي لهب، نزلت سورةٌ قصيرةٌ من القرآن الكريم بخصوصه بالذَّات، وتقول بأنَّه سوف يكون من أهل النَّار. وبتعبيرٍ آخر، فإنَّ هذه السُّورة تؤكِّد بأنَّه لن يدخل الإسلام أبداً، وبذلك سيكون محكوماً بالخلود في النَّار. ولمدَّة عشر سنواتٍ بعد نزول هذه السُّورة، كان كلُّ ما عليه قوله هو: "لقد سمعت بأنَّه قد نزل على محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأنِّي لن أتغيَّر أبداً –أي أنِّي لن أُصبح مسلماً وسأدخل النَّار. حسناً، أنا أُريد دخول الإسلام الآن. فهل يعجبكم ذلك؟ وماذا تظنُّون بوحيكم الآن؟" ولكنَّه لم يفعل ذلك أبداً، مع أنَّ هذا السُّلوك كان بالضَّبط هو المُتوقَّع من شخصٍ مثله كان دوماً يسعى لمعارضة الإسلام. لقد كان هذا وكأنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد قال له: "أنت تكرهني وتريد القضاء عليّ؟ هاك، قل هذه الكلمات (الشَّهادتيْن)، ويتمُّ لك ذلك.
هيَّا، قُلْها!" لكنَّ أبا لهب -ولعشر سنواتٍ كاملة- لم يقلها أبداً! حتَّى أنَّه لم يصبح من المتعاطفين مع الإسلام. فكيف كان بإمكان النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أن يعلم يقيناً بأنَّ أبا لهب سيحقِّق النبوءة القرآنيَّة إنْ لم يكن حقّاً رسول الله تعالى؟! كيف كان بإمكانه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) أن يمتلك مثل تلك الثِّقة ليتحدَّى أحد ألدِّ أعداء الإسلام -ولمدَّة عشر سنواتٍ- مانِحاً إيَّاه الفرصة لتكذيب زعمه النبوَّة؟! والجواب الوحيد هو أنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان رسول الله تعالى. فَلِكَيْ يضع نفسه أمام هذا التحدِّي الخطير, لا بُدَّ وأنَّه كان على ثقةٍ تامَّةٍ بأنَّ ما يأتيه هو وحيٌ من الله تعالى.
ما حدث فى الهجرة ؟
مثلٌ آخرٌ على الثِّقه الَّتي كان يمتلكها محمَّدٌ بنبوَّته (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) –وما يتبعها من حمايةٍ إلهيَّةٍ له ولرسالته- هو خروجه من مكَّة واختباؤه في الغار مع أبي بكرٍ الصدِّيق (رضي الله عنه) خلال هجرته إلى المدينة المنوَّرة. فقد رآى كلاهما بوضوحٍ أنَّ الكفَّار قد جاءوا لقتلهما، وأصاب الخوف أبا بكرٍ الصدِّيق (رضي الله عنه). ومن المؤكَّد أنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لو كان كاذباً، أو مُزوِّراً، أو أحد الَّذين يحاولون خداع النَّاس ليؤمنوا بنبوَّته، لكان من المتوقَّع أن يقول لصاحبه في مثل هذه الظروف: "يا أبا بكر، انظر إن كان بإمكانك إيجاد طريقٍ للخروج من هذا الغار." أو: "اخفض نفسك في ذلك الرُّكن هناك، والزم الهدوء." إلاَّ أنَّ ما قاله حقيقةً يصوِّر بوضوحٍ ثقته المطلقة. فقد قال (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) لصاحبه (رضي الله عنه): "لا تحزن، إنَّ الله معنا."
والآن، إذا كان أحدهم يدَّعي المعرفة بأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان يخدع النَّاس، فمن أين له (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) أن يقف هذا الموقف النوعيّ؟ فواقعيّاً، هذا النوع من التفكير لا يُعدُّ على الإطلاق سمةً للكذَّاب أو المُزيِّف. لهذا –وكما ذُكر سابقاً- فغير المسلمين يظلُّون يدورون ويدورون في الدائرة المُفرغة ذاتها، باحثين عن طريقٍ للخروج منها، لكن بالعثور على طريقةٍ يفسِّرون بها الاكتشافات في القرآن الكريم دون نسبتها إلى مصدرها المناسب. فمن ناحية، كلُّهم -في أيام الاثنين والأربعاء والجمعة- يقولون: "كان الرَّجل كذَّاباً"؛ ومن ناحيةٍ أخرى - في أيام الثلاثاء والخميس والسبت- يقولون لك: "لقد كان مجنوناً". وما يرفضون قبوله هو أنَّ الإنسان لا يمكن أن يكون الاثنين معاً؛ ومع ذلك فإنَّهم يحتاجون الحُجَّتَيْن معاً لتفسير ما جاء في القرآن الكريم.
محاورة مع راهب
قبل سبع سنواتٍ تقريباً, زارني أحد الرُّهبان في بيتي. وفي تلك الحجرة الَّتي كنَّا نجلس فيها كان هناك قرآنٌ على الطاولة ووجهه إلى الأسفل, فلم يعرف الرَّاهب أيّ كتابٍ هو. وفي منتصف نقاشنا, أشرت إلى الكتاب قائلاً: "أنا لديَّ الثِّقة بهذا الكتاب". فأجاب ناظراً إلى القرآن الكريم من غير أن يعرف ما هو: "حسناً, وأنا أقول لك بأنَّه إن كان ذلك الكتاب ليس الإنجيل، فقد أُلِّف من قِبَلِ الإنسان!" فكان ردِّي عليه: "دعني أُحدِّثك شيئاً عمَّا جاء في هذا الكتاب." وخلال ثلاثٍ أو أربع دقائق فقط ذكرت له ما يتعلَّق ببضعةٍ من الأمور الموجودة في القرآن الكريم. وبعد تلك الثَّلاث أو الأربع دقائق فقط غيَّر موقفه تماماً وقال: "أنت على حقّ. فالإنسان لم يؤلِّف هذا الكتاب، بل الشيطان هو الَّذي ألَّفه!" طبعاً، اتِّخاذ مثل هذا الموقف هو غايةٌ في سوء الطَّالع، وذلك لأسبابٍ عدَّة، منها أنَّه عُذْرٌ مُتسرِّعٌ ورخيصٌ كمَخْرَجٍ فوريٍّ من ذلك الوضع المزعج.
وفيما يتعلَّق بهذا الأمر، هناك قصَّةٌ مشهورةٌ في الإنجيل تذكر كيف أنَّ بعض اليهود في أحد الأيَّام كانوا شهوداً حين أقام يسوع (عليه الصَّلاة والسَّلام) رجلاً من الموت. كان ذلك الرَّجل ميتاً لأربعة أيَّام، وعندما وصل يسوع، قال ببساطة: "انهض!" فقام الرَّجل ومشى في طريقه. وحين رأوا هذا المشهد، قال بعض الشُّهود من اليهود مُنْكِرِيْن: "هذا هو الشيطان. الشيطان هو الَّذي ساعده!" وهذه القصَّة تُكرَّر الآن كثيراً في الكنائس في جميع أنحاء العالم، والنَّاس يذرفون دموعاً غزيرةً لسماعها قائلين: "آه، لو كنت هناك، فما كنت لأكون غبيّاً مثل اليهود!" ويا للسخرية، فمع هذا فإنَّ هؤلاء النَّاس يفعلون ما فعله اليهود تماماً حين تعرض عليهم -في ثلاثٍ أو أربع دقائق- جزءًا صغيراً فقط من القرآن الكريم؛ وكلُّ ما يستطيعون قوله هو: "آه، الشيطان فعل ذلك. الشيطان هو الَّذي ألَّف هذا الكتاب!" لأنَّهم حقّاً يكونون قد حُشِروا في الزَّاوية؛ وحين لا يملكون أيَّ إجابةٍ مقبولة، فإنَّهم يلتجئون إلى أسرع وأرخص حُجَّةٍ مُتاحةٍ لهم.
ومثلٌ آخرٌ على استخدام النَّاس لهذا الموقف الضَّعيف يمكن إيجاده في تفسير كفَّار مكَّة لمصدر رسالة محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). فقد اعتادوا القول بأنَّ الشيطان هو الَّذي يُملي عليه القرآن! لكنَّ القرآن –كعادته مع أيِّ حُجَّةٍ لهم- يقدِّم الإجابة على ذلك: فيقول الله تعالى في سورة التكوير: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(25)فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26)إِنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(27) " .
وهكذا فإنَّ القرآن يعطي ردّاً جليّاً على هذا الادِّعاء. في الواقع، هناك العديد من البراهين في القرآن الكريم جاءت كردٍّ على الادِّعاء بأنَّ الشيطان هو الَّذي أملى على محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) رسالته.
فمثلاً في سورة الشعراء:
"وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ(210)وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ(211)إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)".
وفي مكانٍ آخرٍ في القرآن الكريم يعلِّمنا الله تعالى: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل".
والآن، فهل بهذه الطريقة يكتب الشيطان كتاباً؟ وهل يقول للإنسان: "قبل أن تقرأ كتابي, اسأل الله أن يحفظك منِّي."؟ فما هذا إلاَّ افتراءٌ كبير، كبيرٌ جدّاً. طبعاً، إنَّ بإمكان الإنسان أن يكتب شيئاً كهذا، ولكن هل كان للشيطان أن يفعل ذلك؟ الكثير من غير المسلمين يقولون بوضوحٍ أنَّهم لا يستطيعون الوصول إلى استنتاجٍ بخصوص هذا الموضوع.
فهم من ناحيةٍ يدَّعون بأنَّ الشيطان لم يكن ليفعل مثل هذا الشيء، وحتى لو استطاع فإنَّ الله تعالى لم يكن ليسمح له بذلك، ويؤمنون أيضاً بأنَّ الشيطان أقلَّ بكثيرٍ من الله تعالى.
ومن ناحيةٍ أخرى -وفي جوهر ما يطرحونه- هم يزعمون بأنَّ الشيطان يمكنه ربَّما فعل أيِّ شيءٍ يستطيعه الله تعالى. وكنتيجةٍ على ذلك، عندما ينظرون إلى القرآن الكريم -وحتَّى عند انذهالهم بعَظَمَتِهِ- فإنَّهم ما زالوا يصرُّون: "الشيطان هو الَّذي فعل ذلك!" الحمد لله أن ليس للمسلمين مثل هذا الموقف.
فمع أنَّ الشيطان يمتلك بعض القدرات، إلاَّ أنَّ الفرق بينها وبين قدرات الله تعالى كبير جداًّ. ولا يكون المسلم مسلماً إلاَّ إذا آمن بذلك.
ومن البديهيِّ أيضاً -حتَّى لدى غير المسلمين- أنَّ الشيطان يمكنه بسهولة أن يقع في الأخطاء، ولذا فمن المتوقَّع أن يناقض نفسه إن حصل وكتب كتاباً. ولهذا فإنَّ الله تعالى يقول في سورة النِّساء: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا(82)".
الرد على من يتهم الرسول بالجنون ؟
وبالإضافة إلى الحجج الَّتي يقدِّمها غير المسلمين في محاولاتهم التافهة لتبرير وجود الآيات الَّتي لا يفهمونها في القرآن الكريم، فإنَّ هناك هجوماً آخر غالباً ما يظهر كمزيجٍ من النظريَّتين معاً، وهو أنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان مجنوناً وكاذباً. فأولئك النَّاس يقترحون أساساً بأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان مخبولاً، وكنتيجةٍ لتوهُّمه فقد كذب وضلَّل النَّاس. ولهذا اسمٌ في علم النّفس، وهو الميثومانيا Mythomania (المسُّ الأساطيريّ: وهو نزوعٌ مفرطٌ أو غير سويٍّ إلى الكذب والمبالغة.).
وهو يعني ببساطة أنَّ الإنسان يكذب، ثمَّ يصدِّق ما كذب. هذا هو ما يدَّعيه غير المسلمين عمَّا كان يعاني منه محمَّدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). إلاَّ أن المشكل الوحيد الَّذي يواجهونه بخصوص هذه الحُجَّة هو أنَّ الإنسان الَّذي يعاني من الميثومانيا لا يمكنه التعامل مع الحقائق مطلقاً، مع أنَّ القرآن الكريم كلّه قائمٌ تماماً على الحقائق. فكلُّ ما فيه يمكن بحثه والتثبُّت من صحَّته. في حين أنَّ الحقائق تعتبر مشكلاً كبيراً للمصاب بالميثومانيا. فعندما يحاول الطبيب النفسيُّ علاج أحد الَّذين يعانون من هذا المرض، فإنَّه باستمرارٍ يواجهه بالحقائق. فمثلاً، إذا كان أحدهم مريضاً نفسيّاً ويدَّعي قائلاً: "أنا ملك إنجلترا"، فإنَّ الطبيب النفسيَّ لا يقول له: "لا، أنت لست كذلك، بل أنت مجنون!" فالطبيب لا يفعل ذلك، بل بدلاً من ذلك يواجهه ببعض الحقائق قائلاً: "حسناً، أنت تقول بأنَّك ملك إنجلترا، لذا قل لي أين هي الملكة اليوم؟ وأين رئيس وزرائك؟ وأين هم حرَّاسك؟" وعندما يكون لدى هذا المريض مشكلٌ في محاولته التعامل مع هذه الأسئلة، سيحاول إيجاد الأعذار: "آه....الملكة....ذهبت إلى بيت أُمِّها. آه....رئيس الوزراء.....حسناً، لقد مات.
" وفي النِّهاية سيشفى من مرضه تماماً لأنَّه لم يستطع التعامل مع الحقائق. فإذا استمرَّ الطبيب النفسيُّ بمواجهته بحقائق كافية، فإنَّه بالنِّهاية سيواجه الواقع قائلاً: "أظنُّ بأنِّي لست ملك إنجلترا". والقرآن يصل إلى كلِّ إنسانٍ يقرأه بنفس الطريقة الَّتي يعالج بها الطبيب النفسيُّ مريضه بالميثومانيا.
يقول الله تعالى في سورة يونس: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)".
للوهلة الأولى قد يبدو هذا التصريح غامضاً، ولكنَّ المعنى لهذه الآية يتَّضح عندما يُنْظر إليها على ضوء المثل السابق.
فالإنسان يُشفى أساساً من أوهامه بقراءة القرآن الكريم. فهو في جوهره علاجٌ يشفي الضَّالِّين تماماً وذلك بمواجهتهم بالحقائق. ومن المواقف السائدة في القرآن الكريم هو ما يخاطب به النَّاس بأنَّهم يقولون كذا وكذا حول شيء ما؛ فماذا عن هذا أو ذاك؟ وكيف يستطيعون قول ذلك وهم يعلمون؟ وهكذا. (كقوله تعالى في سورة البقرة: "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاََ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(22)")
إنَّه يرغم المرء على تدبُّر الحقيقة وما له علاقة بها، في حين يقوم في نفس الوقت بعلاجه من أوهامه، وذلك لأنَّ الحقائق المقدَّمة من الله تعالى للبشريَّة يمكن توضيحها وفصلها عن كلِّ النظريَّات والحُجج الرَّديئة. إنه نوعٌ خاصٌّ من التعامل مع الأشياء –مواجهة النَّاس بالحقائق- بحيث أسر اهتمام الكثير من غير المسلمين.
وفي الواقع، يوجد مرجعٌ مثيرٌ للاهتمام بخصوص هذا الموضوع في الموسوعة الكاثوليكيَّة الجديدة. ففي فقرةٍ بخصوص موضوع القرآن الكريم تُصرِّح الكنيسة الكاثوليكيَّة: "عبر القرون الماضية قُدِّمت نظرياتٌ كثيرةٌ عن أصل القرآن... واليوم لا يوجد إنسانٌ عاقل يقبل بأيٍّ منها."! فها هي الكنيسة الكاثوليكيَّة المٌعمِّرَةِ, والماثلة هنا وهناك لقرونٍ عديدة, تنكر تلك المواقف التافهة لدحض أصل القرآن الكريم. القرآن الكريم بالطبع يمثِّل مشكلاً للكنيسة الكاثوليكيَّة, فهو يصرِّح بأنَّه وحيٌ من الله تعالى, ولذلك هم يدرسونه. ومؤكَّدٌ أنَّهم يودُّون إيجاد برهانٍ على أنَّه ليس كذلك، ولكنَّهم لا يستطيعون. فهم لا يستطيعون إيجاد تفسيرٍ مقبول.
لكنَّهم على الأقلِّ شرفاء في بحثهم، ولا يقبلون بأوَّل تفسيرٍ غير مدعومٍ بدليلٍ يأتي إليهم. فالكنيسة تصرِّح بأنَّه -وخلال أربعة عشر قرناً- لم يُقدَّم بعد تفسيرٌ معقول. فهي بذلك على الأقلِّ تعترف بأنَّ القرآن الكريم ليس موضوعاً سهل الإنكار. لكن هناك بالتأكيد آخرون ممَّن هم أقلُّ شرفاً حين يقولون على عَجَل: "آه، لقد جاء القرآن من هنا، أو من هناك." وهم حتَّى لا يتفحَّصون مصداقية ما يصرِّحون به في معظم الأحيان. وطبعاً، فإنَّ مثل هذا التصريح من الكنيسة الكاثوليكيَّة يسبِّب للمسيحيِّ العاديِّ شيئاً من الصُّعوبة. وذلك لأنَّه ربَّما يكون لديه أفكاره الخاصَّة عن أصل القرآن، ولكنَّه كعضوٍ في الكنيسة لا يستطيع التصرُّف حقّاً حسب نظريَّته. فمثل هذا التصرُّف قد يكون مناقضاً للخضوع والإخلاص والولاء الَّذي تطلبه الكنيسة. فبموجب عضويَّته في الكنيسة، يتوَّجب عليه قبول ما تعلنه الكنيسة الكاثوليكيَّة دون سؤال، وأن يجعل تعاليمها كجزءٍ من روتينه اليوميّ. لذا، فجوهرياًّ إذا كانت الكنيسة الكاثوليكيَّة في عمومها تقول: "لا تستمعوا لتلك التقارير غير المؤكَّدة حول القرآن"، فما يمكن أن يقال حول وجهة النَّظر الإسلاميَّة؟ فحتَّى غير المسلمين يعترفون بأنَّ هناك شيئاً في القرآن –شيئاً كان يجب أن يكون معترفاً به- إذاً فلماذا يكون النَّاس عنيدين، وهجوميِّين، وعدائيِّين، حين يقدِّم المسلمون نفس النظريَّة؟ هذا بالتأكيد شيءٌ لأولي الألباب ليتأمَّلوا فيه –شيءٌ للتأمُّل لأولئك الَّذين يعقلون!
قام حديثاً واحدٌ من المفكِّرين القياديِّين في الكنيسة الكاثوليكيَّة –يدعى هانز- بدراسة القرآن الكريم، وأدلى برأيه فيما قرأ.
هذا الرَّجل أثبت حضوره القوي على الساحة ولزمنٍ طويل، وهو ذو منزلةٍ رفيعةٍ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، وبعد تفحُّص دقيقٍ نشر ما وجده مستنتجاً: "إنَّ الله قد كلَّم الإنسان من خلال الإنسان، محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)". ومرَّةً أخرى يأتي هذا الاستنتاج من مصدرٍ غير مسلمٍ –وهو مفكِّرٌ قياديٌّ كبيرٌ في الكنيسة الكاثوليكيَّة نفسها! أنا لا أظنُّ بأنَّ البابا يتَّفق معه، ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ رأي مثل هذه الشخصيَّة العامَّة ذائعة الصِّيْت وذات السُّمعة الحسنة يجب أن يكون له وزنه في الدِّفاع عن الموقف الإسلاميّ. ويتوَّجب التَّصفيق له لمواجهته الواقع بأنَّ القرآن الكريم ليس شيئاً يمكن أن يلقى بعيداً بسهولة، وبأنَّ الله تعالى حقّاً هو مصدر كلماته.
يتَّضح من كلِّ ما تقدَّم سابقاً بأنَّ كلَّ البدائل قد استنزفت، ولذا فالفرصة لإيجاد إمكانيَّةٍ أخرى لإنكار القرآن الكريم لا وجود لها. لأنَّ هذا الكتاب إن لم يكن وحياً، فإنَّه عندئذٍ خداع؛ وإن كان خداعاً، فإنَّ على الإنسان أن يتساءل: "فما هو مصدره؟ وفي أيِّ جزءٍ منه يقوم بخداعنا؟" وطبعاً فإنَّ الإجابات الصحيحة على هذه التساؤلات تُلقي الضَّوء على أصالة القرآن الكريم، وتُسكت ادعاءات الكفَّار اللاذعة وغير القائمة على دليل.
ومن المؤكَّد أنَّه إذا استمرَّ أولئك النَّاس بالإصرار على أنَّ القرآن الكريم ما هو إلاَّ خداع, فإنَّه يتوَّجب عليهم تقديم البرهان الَّذي يدعم ادعاءهم. فعبء إيجاد البرهان يقع على عاتقهم، وليس على عاتقنا! فلا يُفترض من أحدهم أبداً أن يقدِّم نظريَّةً بدون حقائق كافية تعزِّزها؛ لذا فأنا أقول لهم: "أروني خداعاً واحداً! أروني أين يخدعني القرآن الكريم! أروني ذلك، وإن لم تفعلوا، فلا تقولوا لي بأنَّه خداع!