روميو وجولييت في مشهد الشرفة من رسم قراند مادوكس براون
***روميو وجولييت في مشهد الشرفة : لوحة ( 1890 )
الرسام الإنجليزي فرانك ديكسي ( 1853 - 1928 ميلادي )
***المشهد الأخير من روميو وجولييت
روميو وجولييت
في
مهرجات ستراتفورد المسرحي – أونتاريو بكندا في الذكرى الخمسين(أ)
تأليف وليم شكسبير، وإخراج ميلز بزرتر
تقييم، وتحليل: الدكتور فاروق أهان
ROMEO AND JULIET BY Dr. FAROUK OHAN
استهلال
ماذا يمكن لناقد هذا العصر أن يكتب عن عمل مسرحي شاهده الملايين، ما لم يكن الإنتاج فريداً بنوعه، متفرداً عن غيره، لم يسبق لمخرج قبله أن طرح أفكاراً، وصوراً، وتفسيرات، وحلولاً إخراجية بصور إبداعية عالية التأثير، والتفسير، رغم أن المخرج قد ذكر في مقابلة له (مع شارن مالفيرن) بأن المسرحية لم تنتج في كندا منذ عشرين عاماً، وإنه تعامل معها بكل بساطة، فالمسرحية العظيمة لا تحتاج لتحميل كبير – على حد تعبيره.
لمحة تاريخية عن أحداث المسرحية:
تتخذ مسرحية روميو وجوليت من مدينة فيرونا – إيطاليا مسرحاً لأحداثها، وعلى الرغم من أن شكسبير لم يحدد فترة تأريخية، وكما يبدو فأنها قد وقعت في الفترة بين 1260 – 1387، حيث كانت فيرونا تتمتع باستقلالها الذاتي، وكان من الشائع أن تحتدم معارك عنف وحقد بين الأسر النبيلة مثل مونتاغ وكابوليت.
وقد كتب شكسبير مسرحية روميو وجوليت بين 1593 – 1596 في الفترة التي كتب فيها كل من مسرحية حلم ليلة صيف، وريتشارد الثاني، كان قد استقى الفكرة من التراجيديا التاريخية روميوس وجوليت (1562) الملحمة الشعرية الطويلة لمؤلفها آرثر بروك التي اعتمدت بالأصل على حكاية فرنسية لمؤلف يدعى بيريه (1559).
لمــن يريد إكمال القراءة ~ :
ولكن حكاية (حب الأجرام المتنافرة) هي أقدم من تلك بكثير، فقد ذكر ماسوجيو ساليرينتاتنو في كتابه نوفيلينو II* في العام 1476، كما أعاد ليويجي ريتروفاتو في إستوريا نوفيلامنثى ريتروفاتا دي نوبلي آمانتي (سيركا 1530**)، ووصف دابوتو أن العداء والمعارك بين الأسر الفيرونية كان محتدماً بين مونتاجي، وكايلشفيو اللذين عاشا في فيرونا، وما تزال هناك شرفة، وحكاية عن منتحرين اثنين، وشخصية أخرى تدعى ماركوجيو.
هذه المسرحية:
يخيم على الجو العام للعرض الذي شاهدناه بتاريخ 9 أغسطس/ آب 2002 روحية العصر(*)، ونكهة الشباب من ناحيتين، أولهما: غلب على العرض حماس الشباب، ومفارقات علاقاتهم، ربما لما تتيحه المسرحية من مفارقات خلقتها واقعية العلاقة بين شباب فرقي الخصام، وربما أيضاً لتلبية رغبات، وهواجس، وتطلعات، ومفردات، وانفعالات، وموتيفات شباب اليوم، من خلال عدم تفويت أية فرصة في إثارة ما له علاقة بغرائز الشباب المثلية، أو المقابلة، وثانيهما: إدخال حركات، وتوريات تتوافق وما يجده المفترج في الشارع اليوم، ويتعامل معه بصيغه المعاصرة، ومدلولاته السوقية المثيرة، التي لمحّ لها شكسبير، وربما استخدمها عند إخراجه لتدليل على نماذج محددة في المجتمع، بينما تحاشاها المخرجين لفترات غير قليلة، تحسباً لمستوى تقديم هذه الأعمال الكلاسيكية، بينما صار الإذعان في تبريزها، والتأكيد عليها، بل وإضافة نكهة الوقت، وسفاهاته نغمة محبذة، لكافة الأطراف، غير المستحيين الذين مازالوا يؤمنون بسواد المبدأ الأخلاقي المثالي ليس على خشبة المسرح لذاتها، وإنما في المجتمع نفسه، لكن هيهات فهؤلاء قلة، وينظر إليهم على أنهم من العصور البائدة، ومثلهم تقليدية متخلفة، بل وبحاجة لمحلل نفساني متخصص جداً.
مقومات نص المسرحية (الشخصيات والأحداث)
تحقيق الفكرة الرئيسة:
مبادئ الحكم:
قد لا يكون حاكم فيرونا الأمير1 من الطبقة النبيلة أصلاً، ولكنه الآن من النبلاء، وكل من ينتسب إليه نبيلاً ما دام في هذا المركز، ويخالط النبلاء تحت سلطته، يتعامل معهم بلطف، ويوازان بين مواقعهم، ونفوذهم الاجتماعي بحنكة، ودراية لدبلوماسي، وسياسي في عين الوقت، ولكن عندما يصبح الحكم، والعدل الفصل، خصوصاً إذا ما وقعت كارثة، أو حلت مصيبة بالقوم هنا، أو بأحد رموزه فإن الحاكم يعمد إلى الحسم، والأمر من خلال ما للكرسي الذي يجلس عليه من صلاحية، وما للصولجان من فعالية في التنفيذ، خصوصاً وأنه محاط برجال مسلحين ينتظرون إشارة منه، فيفلت زمام الأمر، ولا يمكن التراجع عنه، لهذا يراعي الأمير أن يكون متأنياً، ولا يعطي أوامره إلا عند الضرورة القصوة، وحال استفحال الأمور.
أما باريس2 هذا الشاب قريب الأمير فهو نموذج لفئة مستفيدة من موقع الأقارب في السلطة، وتنسحب تصرفاته، ومواقفه، وربما علاقات الآخيرين به من خلال تلك الرابطة الأسرية التي تربطه باسم الحاكم قبل الأمير، أما هو بنفسه فإنه ورغم قرابته للأمير لم يكن له دور مميز، أو متسلط، أو مستفز، ربما لأن شكسبير أراد من هذا النموذج أن يكون أحد البدائل الموضوعية لروميو شكلاً، ومنصباً حتى ولو جاء منصبه من خلال تبعتيه لقريبه الأمير، أليس روميو هو الآخر لولا كونه ابن مونتاغ لكان كأي شاب آخر قد تحبه، أو لا تحبه جوليت، (وفي ذلك موقف، وكلام غير هذا الذي لدينا) هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن وضع هذا المثال على الهامش، حتى مجيئ وقت المفارقة، وساعة التداعي لكي يبرز أمام كابوليت والد جوليت، وكابوليت لا ينظر إلى باريس، ولا إلى مستقبل ابنته، إلا من خلال ما يقربه من الحاكم، والاطمئان على موقعه منه، وبالتالي تطميناً لمصالحه، وضماناً لأمواله، ومن جهة ثانية فإن شكسبير بهذا قد وضع لروميو بديلاً يتوازن وتطلعات والد جوليت لا جوليت لذاتها، ومن هنا جاءت المفارقة في تعدد وجهات النظر، وتعند المحبين، وتعلقهما ببعضهما إلى درجة اللجوء إلى الزواج السري.
إن الزواج السري هو الآخر فعل تدخل فيه طرف ثالث هو الكنيسة بشخصية الراهب لورانس، ولولاه لما تم الزواج الشرعي، فهل هذا له علاقة بالحكبة المسرحية فقط، أم أنه يتبع ما له علاقة بتنافس سلطة الكنيسة، مع السلطة الإدارية التي أخذت الدور الأهم منها، هذا الثعليق لا يكفي للإشارة العامة فقط، ولكنه أيضاً يعطينا دليلاً جديداً على رؤية شكسبير لعلاقة الكنيسة الروحية، والتنفيذية في المجتمع، ولربما بقوة أكثر من السلطة، لأن روميو لم يلجأ في محنته إلى الأمير لكي يتوسط له لدى كابوليت، وربما تحلّ مشكلته، ومشكلة العداء المستحكمة بين الأسرتين النبيلتين.
أجل فقد وجد روميو نفسه منساقاً بلا إرادة إلى الكنيسة لا غيرها، للراهب لورانس (ربما لما للراهب من سماحة، وحكمة، وعضات كثيرة مؤثرة منذ الصغر في روميو، وغيره)، وربما لأن ما يجده روميو في الراهب لا يجده في شخصية الحاكم، فأقصى ما سيكون للراهب من موقف ليس أكثر من نصيحة، وموعظة، وربما توسط. بينما يختلف الأمر لدى الحاكم بأن تساق الأمور من النصيحة الشخصية، إلى الموقف الرسمي، ودخول مجالات القضاء.
إذن فالراهب هنا سوف يحقق بهدوء ما يمكن به تسوية الأمور بعدل، وحكمة (ورغم أن ذلك يتوافق وروحية الشباب، فإن هذا الموقف مسجل لصالح الكنيسة لمدى تقبل واعجاب الشباب بها، واللجوء إلى رموزها ساعات المحن). فهل وازن شكسبير حقيقة ما وراء فعل الراهب في تسوية الأمور لكي يأتي في النهاية ليضع موقف الكنيسة في موضع السخرية، والاعتذار أمام الحاكم، والسلطة، والتسليم بالأمور له، ولها لأن الخطأ هذا لا يمكن أن يحصل لو أن السلطة كانت قد تسلمت زمام الأموره، ولما ذهب شابان ضحية الموقف.
هذا الاعتقاد قد لا يطمئن النقاد المتحمسين، على وضع معايير لم يسبق التطرق لها على الأقل في عالمنا العربي. إذ أن العبرة في الختام كما نعتقد جزماً بأن شكسبير لم يكن ليجد في عقدة العداوة البسيطة مبرراً ليكتب مسرحية روميو وجوليت، لو لا اهتمامه بذلك التشابك العصيب في أمور السلطة بين الكنيسة والحكام.
وعموماً فالوجيه قريب الأمير هو شخصية غير محورية، وإنما تكميلية فكرية لا حواس لها حتى عند تقديمه ضحية طارئة على مذبح الشهادة مع جثتي روميو وجوليت، أللهم فقط لتوضيح قد يكون هام لو تم التركيز عليه، وهو أن خسائر السلطة فادحة، وفي الصميم، من جراء تصرف الكنيسة، وتدخلها غير المدروس والتطفلي، وهذا درس جديد تلقنه السلطة للكنيسة، وحساب خاص تضعه السلطة لكل من يحل مشاكله السياسية، والاجتماعية لدى سلطة الكنيسة، فالكنيسة لا اختصاص لها غير العلاقات الروحية، وحسابات يوم الدينونة، وسلطة العالم الآخر، وهذا يكفيها الآن (لأنه مؤجل كله، ولا ينازع الحكام على كراسيهم).
فهل كان مونتاغ 3(عميد إحدى الأسر الفيرونية النبيلة) بكل تسلطه وعدائه المستحكم هو الفاعل المسبب، أم خلق هذا العداء، والنزاع أطرف أخرى سحبته ليكون في هذا الموقع مجبراً لا بطل (لم يظهر أنه متحمس لاستحكام العداء، ولكن كمن لا يناقش أمراً متفقاً عليه لا يراد له تبديلاً) وهذه الأطراف تبدأ بـ: كابوليت نبيل العائلة المقابلة (ربما يكون هو الآخر قد تقبل الأمر على علاته)، وهناك بتصورنا عداء مستحكم، ورثه الاثنان عن آبويهما، وليس لهما يد في تغييره، ما لم يحدث جلل كوفاة أعز فلذتين في الطرفين معاً، لأن الضحايا حتى ساعة أحداث المسرحية تقع من الجهتين على مرّ الأيام، وآخرها صديق روميو، وابن أخ أم جوليت الليدي كابوليت، لكن ما تغير هنا في انتحار روميو وجوليت، أن الشهيدان اتفقا على الانتحار (بالمصادفة) تحدياً لتقاسيم العداء بين أهليهما.
لهذا يصور لنا المخرجون دائماً، أن مونتاغ رجل مسن، وهادئ، وليس له في أمور السلطة، والدبلوماسية تطلعات خاصة.
أما كابوليت4 (عميد الأسرة المعادية) كما نرى فهو مختلف عن مونتاغ في تطلعاته، رغم ما يشترك فيه من وراثة العداء التقليدي مع مونتاغ، لكنه هنا يتفاعل مع معطيات الوضع، وربما من غير البحث عن تنافس، أو استفزاز للطرف الآخر، فالعداء صار تقليدياً، ولا يحتاج لإثارة واستفزاز لأنه مزروع في قلب كل شاب، ومبني في أركان كل حارة، وبناية في فيرونا، فقد جهد والده، وربما جده في شحذ هذا العداء حتى استحكم، ولم يعد يفيد أن شيء في تغييره فلماذا يشغل كابوليت نفسه هنا لكي يثير النعرات، عليه أن يخطو خطوات أخرى في تقربه من السلطة، وتقديم الوجاهة في مجتمع فيرونا، عندما عمد لإقامة حفلة تنكرية حضرها الأمير الحاكم، هي ليس تبريراً مفتعلاً للقاء روميو بجوليت (فهذا ما شغل بال المؤلف، وليس كابوليت نفسه)، ولكن الحفل تحقيق لمطامح كابوليت في تسييده لطباقات فيرونا النبيلة، حتى يغيب قمر مونتاغ، أو يأفل، ولربما يضمحل من غير اشراقات جديدة من بعد. لكن تداخل نوازع كابوليت، خدمت جماليات غلفها المؤلف لكي يسوق روميو، إلى جوليت، من غير لقاء مفتعل.
والطموح الثاني لكابوليت فهو تفانيه في تحقيق زواج جوليت من باريس (لاحظ باريس وجوليت – بديلا عن باريس وهيلينا) لمجرد أن هذا قد أعجب بها، وتقدم ليطلب يدها منه قبل أن يتعرف عليها، أو يراقصها، أو تنتبه هي إليه، أليس غريب هذا الأمر في مجتمع يلتقي فيه المحبين، أن يأتي من هو منسوب للنبلاء لكي يخطب بنتاً من والدها وهي في ربيعها الرابع عشر، من غير أن يتعرف عليها، أهو ضعف في شخصية باريس، أم محاولة يائسة لتأكيد تقاليد الزواج خارج جو الحب والمحبين، أم هو ميزان غير متكافئ وضعه شكسبير لكي لا يكون هناك مجال لجوليت أن تقارن بين المحبين، ولأنه من جهة أخرى أمر أبوي عليها إما طاعته، أو عصيانه، وفي كلا الحاليتين غبن ستعاني منهما جوليت طوال حياتها لو رضخت لأوامر والدها هما: غبن لمشاعرها، وهوى قلبها (لاحظ أنهما في ربيعها الرابع عشر لا تعرف الحب، وأبعاده، غريرة لم تكن لها تجربة حب سابقة قبل لقاء روميو، بل إن علاقتها بروميو لا تتجاوز الأيام المعدودة بأقل من أسبوع قمري شاهد على ليلتها الأولى معه)، والمعصية الثانية هي عصيانها لأوامر أبيها، وولي نعمتها، لهذا تمثل الانصياع لوالدها بما يكشف تظاهرها لنا (وهذه الفعلة الأخرى التي ترمي السلطة ثقل خطأها على الكنيسة، وتشير من بعيد لمفارقات التناقض بين التعاليم التي تريد الكنيسة ترسيخها، وبين هذا الرياء، والتظاهر بالبراءة الذي يشير مباشرة لتلقين الراهب لورانس جوليت سراً، أو تورية).
ويبقى لكابوليت أن يحصد مع مونتاغ حصرم ضرس به ابنيهما، فإن لم يتصالحاً فإن الضرس الراجع إليهما، هو لطمة بل صرخة استغاثة ميتين اثنين بأن تكف الأسرتين عن استمرار العداء.
روميو5 روميو، روميو …هذا الروميو، فمن لا يعلق في ذهنه هذا الاسم، وهو يرى محبان، أو متعانقان رغم أن مفهوم الوفاء للحب في عرف روميو هذا الزمن قد تغير، وأصبح الروميو، دون جواناً، أو كازانوفا، وعلينا عدم الحكم من منطلقات هذا العصر لما كانت تعني كلمة الوفاء التي أسس شكسبير عليها وفاء روميو لجوليت، وبالعكس، فليس من المصادفة أن يضع شكسبير اسم روميو المحب المضحي ما لم يكون للاسم نفسه علاقة بالغرام، ووفاء المحبين في عصره. فمن تكون هذه الشخصية الوفية، وبماذا يمكن لنا أن نخصها، أهي شخصية فكرية، أم أنها من لحم ودم؟ بالتأكيد هي للمعنيين معاً؟
فهل خص شكسبير تقسيم العواطف والوفاء بين روميو وجوليت بالتساوي، أي أن لكل منهما مقام يختلف عن الآخر، إن الاعتقاد السائد هو أن روميو الذي هو الذي رأى جوليت مسمومة، وهي جثة هامدة فأقدم على الانتحار مباشرة دون تفكير، لهو أسهل قرار من غيره.
أجل فمجرد أن يبدأ الفرد بالتروي، والتفكير يبدأ حكم المعقول، والمنطق، وعلى هذا المعيار لنبحث موقفي روميو، وجوليت في لحظات قرار الانتحار:
يدخل روميو على عجل، وبمجرد أن يتبين الموقع المفترض لكفن، وجثة جوليت، يفاجأ بظهور باريس، ويبدأ صراعهما، وروميو لا يدري من يكون هذا الغريب الذي جاء ليدنس جسد محبوبته الطاهر، وما أن يصرع روميو غريمه حتى يجد نفسه بمواجهة موت الحبيبة، وقرار الموت العاجل، الذي يريد به أن يشاطر محبوبته جوليت، فيشرب السّم (لا ندري لمَ جهّز روميو سمّا لنفسه، وهو القادم من مكان نفيه، أيكون ذلك تحسباً للمعوقات، أم أنها لضرورة اتمام الحبكة المسرحية التي أرادها المؤلف؟)، ويتم فعل الانتحار قبل لحظات من استقاظ جوليت من مخدرها المنوّم، وتنتهي كل نسمة نفس في روميو، أو بارقة أمل في أن ينجح مسعى جوليت لو حاولت إسعافه.
وما أن تصحى جوليت، وتتبين الأمر وتوقن فعلياً بأن روميو قد انتحر بسّم حقيقي، ولما لا تجد ما يكفي لانتحارها بنفس السمّ تعمد إلى الانتحار بخنجر روميو، هذا القرار يختلف عن قرار روميو بشكل واضح، فالوسائل التي أرادتها جوليت لانتحارها لم تكن متوفرة، حتى وجدت الخنجر، وكل هذا لم يكن في العجالة التي صادفت روميو.
إضافة لقبولها القرار في شرب المنوّم الذي ناقشه معها الراهب لورانس، وبقبولها المجازفة الكبيرة في شرب مخدر، لكي تفقد الوعي لساعات، وهو بذاته قرار يحتاج لكثير من التأمل، والتفكير قبل الاقدام عليه، فمن يضمن النتائج لو فقدت هي الوعي، ولم يكن هناك من يعرف قرار الجماعة بما فيهم والدها، فيقومون بدفنها على عجل؟
إن موقف جوليت هذا لم يشبع بحثاً بكل تأكيد، وربما يعود هذا لفعل حبكة الحكاية، وترسيم حدودها بموقف روميو من جهة، وعلاقة الأمر بالدرجة الأولى بالراهب لورانس مدبر الخطة من جهة، والأطراف الأخرى المختص بها أمر تنفيذ الخطة، ابتداءً بباريس، وانتهاء بوالد روميو المفجوع الغافل بعد كابوليت ثكيل جوليت.
إن جوليت بهذا، ولكونها مشاركة في تدبير الخطة التي ستكون هي رائدة تنفيذها، قد أتيحت لها فرصة التفكير، والتأمل بما هي مقدمة عليه، لهذا وجدنا موقفها أكثر تصميماً من موقف روميو لو جردنا نوازع تتعلق باندفاع الشباب بهذا العمر الذي نفترضه لروميو أن لا يكون متجاوزاً العشرين من عمره، لأن جوليت في الرابعة عشرة من عمرها وقت أحداث الحكاية.
وعندما نأتي إلى شخصية ميركوتيو6 علينا أن نتسأل من جديد أتكون هذه الشخصية من لحم ودم حقيقيين ؟
أم أنه هو بعينه سبب المشاكل كلها، بمعنى آخر أنه لولا دفاع ميركوتيو عن روميو الذي أهين بقصد وتعمد (ولم يكن بعد قد ذاق طعم الحب لجوليت فحسب، وإنما أصبح تايبلت من أنسبائه، فهو ابن خال جوليت الذي تزوجها روميو بالسّر للتو)، فإنه من الممكن (غير مخطط حبكة المؤلف) أن يكون العداء المستحكم بين ابن خال جوليت (تايبلت)، و(ميركوتيو) صديق روميو نتيجة للمنافسة الشبابية، وتحدي الواحد للآخر أفرز لحجة اعتبرها ميركوتيو كبيرة، ولا مجال السكوت عنها، وبهذا يكون لميركوتيو واعز، وسبب هام يدافع فيه عن نفسه لو أنه اضطر لذلك، وفعلاً لم يكن في المبارزة غير مباهاة وتفنن في اللعب، وغالباً سخرية مرّة لكل طرف، وما حصل فأن ميركوتيو قد طعن مصادفة، ومن طبع ميركيوتو المكابرة، فلم يكترث، ربما لكي لا يسقط أمام غريمه، وبالفعل لم تطاوعه نفسه أن يموت أمام الغير بما فيهم نحن المشاهدين (ربما لتبرير فني يناسب ما يحصل في الكوارث الكبيرة كشنق جوكاستا لنفسها على سبيل المثال، وهذا لا يبدو متكاملاً هنا في مسرحية روميو وجوليت، لأن الذبح العلني حصل على الأقل لثلاث مرّات، ابتدأ بصرع روميو لتايبلت، ثم باريس، وثم انتحاره فانتحار جوليت)، لكن المبرر هو أن ميركوتيو يكابر دائماً، ولا يظهر ضعفه أمام الآخرين.
وعودة إلى النزاع الذي لم يكن روميو غير فتيل تحاشى الاقتراب من النار (على عكس ما يتصوره البعض، بأن قتل مركوتيو، ومن ثم تايبلت هما فتيل قنبلة معضلة روميو وجوليت الموقوتة)، إن روميو قد حاول جهده الابتعاد قدر الإمكان، ولولا تدخل ميركوتيو لما حصل أي شيء، ولهذا يحدونا الجزم بأن ميركوتيو استغل حجة تطاول تايبلت على روميو لكي ينتقم منه تحت إدعاء الدفاع عن شرف صديقه، (ربما يكون هذا جزء متمم من تقاليد عصر الفروسية ولكن بحدود مقعولة، وضيقة، فالخصمان هما طرفان مباشران بالتأكيد، وليس نيابة عنهما، إلا إذا تنازل الغريم الأول – لضعفه، وانكساره، أو لمرضه، أو موته، ولم يكن روميو هنا بأحد من هؤلاء)، وربما يكون ميركوتيو عارف بخفايا النفوذ من خلال قوانين الفروسية، فاستغل الموقف بحزم، وبسرعة، لكي لا تفوته فرصة تأديب تايبلت، لهذا حصل الأمر بجلية وكأنه دفاعاً عن روميو، ولروميو بالذات.
وبظننا أن ميركوتيو كان قد عرف أيضاً علاقة روميو بجوليت، ومن تكون جوليت بالنسبة تايبلت، وهذه مفارقة جديدة علينا الانتباه إليها، ولنا بذلك أن نجادل أبعاد اهتمام ميركوتيو في تصفية تايبلت: أهي غيرة (ياغوية) من روميو الحائز على حب جوليت، أم هي غيرة على روميو الصديق، لأن ميركوتيو سيخسر روميو بتعلقه بجوليت، ويخسر الكثير بالطبع عندما يبتعد كلاهما عن بعض، على الأقل من أبواب الصحبة لنبيل، وما لها أهمية في البرستيج الاجتماعي، وهذا يتبعه الكثير من الخسائر المتعلقة، لهذا كان على ميركوتيو أن يشعل فتيل العداء من جديد، ولا يترك فرصة إلا ويستغلها في سبيل بقاء روميو إلى جانبه، فحصد خاتمة حياته.
وعلى طرف الآخر من العداء هناك ذلك المتباهي الأجوف، هاهو نايبلت8 يسير بين جماعته، وكما نتخيله، فهو قبيح الوجه، والخصال، بخيلاء لطاؤوس يسير، لكنه (كما يبدو) غرير، لا يستطيع بمفرده، وخارج جماعته الخروج، أو حتى التواجد في أماكن خارج حصن الأسرة التي حمته.
ويبدو أنه ولأمر ما أن ابن خال جوليت (على خلاف ما حصل مع هاملت وأخو أوفيليا) يُعتقد بأنه، إما يتيم تكفله والد جوليت صبياً، وإلا لظهرت عائلته (والديه) على الأقل عند المصاب بعد قتله، أو أنه زائر (ضيف) من بلدة ثانية، ولكن الاعتقاد الأول بتقديرنا هو الأصوب، ولهذا فإن ما يمتلكه تايبلت من فروسية، لا تعدوا أكثر عن كونها مظهر خارجي لا تمت لبنيته، وتربيته بشيء، أللهم غير الادعاء الفارغ والتحايل. ولربما يقودنا هذا التصور لكثرة مكرّ تايبلت المعادل الموضوعي، والمقابل العكسي لمركوتيو في طرف الخصام الآخر.
ويبقى مجتمع النساء في الخلفية، وعلى الهامش فلم تظهر (الليدي مونتاغ) ذات أهمية إلا تابعة لزوجها مونتاغ. أما الليدي كابوليت10 فتقاسمت والمربية الدور في الظهور مع جوليت مرة، ومع زوجها كابوليت في المحافل الرسمية لمرّات، ولأنها ضعيفة في هذا المجتمع القاسي، والحامل للعداء المتكرر، والمستديم أسسه، وأبقى عليه عداء الرجال بين بعضهم، فليس في يد النساء من حيلة للانصياع للأمر الواقع، والوقوف إلى جانب أزواجهن. طائعات لا راغبات.
غير أن واسطة الحب، وجسر المعضلة سيكون من جنس النساء وهي جزء مما يسيطر عليه الرجل ويديره، ولعلنا لا نكرر ما وصفنا به موقف جوليت11 من الحبيب، والوعد المقطوع، ما كان يحصل في التاريخ الوثني عندما يضحى بعذارى الفتيات، على مذابح الآلهة، فعندما يتلاقى الحبيبان (روميو وجوليت) على سرير الموت، وكأنهما تواعدا لكي يلتقيا فيما بعد، أو ليكونا كبشي فداء لغسل دماء المختصمين، وخطاياهم، فقد ضرسوا حتى الثمالة، ولعل موتهم يضرس أبائهما فيرتعوا، ويعودوا إلى رشدهم، يذكرنا كل هذا بأن التاريخ يعيد نفسه من جديد مهما تغيرت الأفكار، وتبدل الزمان.
فهل للمصالحات كلها ثمنها الباهظ، كما يحصل الآن في مسرحية روميو وجوليت، وهل جوليت في هذه المرّة هي شخصية فكرية قبل أن تكون من لحم، ودم؟ أجل فالحكاية الأسطورية القديمة التي تشير إلىعداوة بين نبلاء فيرونا يشوبها نوع من عدم التأكيد على شخصيتي روميو وجوليت بالذات، وإنما إلى اثنين متحابين من الأسرتين المختصمتين، ولكن الحكاية الملحمية ذاتها تشير إلى القتيل مركوتيو لاغيره بالاسم.
إذن فالضحية الأولى معروفة، وموقفها هو بعينه ما لموقف المختصمين حيث تسيل الدماء بعد مبارزة مشروعة، ولكن المتحابين، ضحيتا الاختصام، وثمن التصالح على مذبح فيورنا فلابد أنهما حكاية مبتكرة أبدعها شكسبير في هذا الإطار العقلاني الجمالي الفذ.
ويبقى أن نعود لموقف جوليت من الحب والموت، فعمرها كما هو واضح من سياق الحوار لا يتجاوز الأربعة عشر، وهذا العمر في ذلك الوقت هو سن الزواج، والبلوغ، وليس علينا هنا أن نقارنها بفتيات العصر المراهقات، فعلى الرغم من أن الدوافع الغريزية واضحة، لكن التربية الإخلاقية، والتحفظات التي تحيط تلك المجتمعات تجعل من مسألة التحفظ، وكبت الغرائز مسألة تساعد على النضج، لا التهور، والقلق، أو عدم معرفة القرار.
فهل جوليت النقاء، هي جوليت الرافضة للعداوة بوعي، وحزم، وسابق قرار، فمن المعروف أن وقت المسرحية لا يتجاوز الساعات المعدودة، في الحكاية الملحمية، ولا تتجاوز الخمسة أيام في زمن المسرحية التي نحن بصددها، فمن أين يأتي التصميم، والقرارالحقيقيين، فالمعروف أن لكل قرار نية، وتفكير ومن ثم عزم، أيكون قرار الشباب بهذه السرعة كعمرهم، أم أن المؤلف قد حسم القرار ما بين السطور، ووراء الكواليس قبل بدء أحداث الحكاية على المنصة؟
ربما، وتكون بهذا جوليت، وجيلها من الشباب، وأمهاتهم رافضين العدواة بداوخلهم، ولكنهم يتظاهرون بالموافقة على العدواة، ما عدا الجلاوزة، أو المنتفعين من المبارزين، وذوي المنافع الشخصية من كلا الطرفين.
إذن فالأمر محسوب بهذه الصورة، وما يتعلق بها هو تحديد الفكرة والموقف معاً عند كتابة المسرحية، وعلى الشخصيات أن تدور في فلك الفكرة، وتنفذ كل منها ما يتحمله طرفي المعادلة من تسوية، أو نزاع، بما فيهم روميو وجوليت، وتوابعهما من حطب محرقة الحقد.
أما العناصر المساعدة من النساء فلم يترك شكسبير المربيات14 من غير تشريحهن للواقع والوقائع، ولم يدعهن على الهامش إلا ظاهرياً، بينما كن وسيطات حب، وغزل، وربما أيضاً متآمرات يتصنعن البراءة، ويقمن بما يدر عليهن من أموال من جهتي الصراع، أو الغرام، وما إليهما. ولم يترك مدبرات المنازل بغير تأثير، ووساطة في مسرحياته (عطيل، روميو وجوليت، وهاملت). إن تحليل أدوار هؤلاء جميعاً يشترك من حيث المبدأ بعناصر متشابهة، ويختلف فردياً ببعض الخصوصيات التي تحتمها وضعية هذه الطبقة من ميل، وتزلف، ورياء، وكذب في سبيل الحصول على المال، وبالمقابل فإن المصائر كلها مربوطة بما ينقلنه كوسيطات بين الطرفين.
لهذا فهن لسن أبدا من العناصر الهامشية كما يبدو، ولكنهن فاعلات غير مباشرات، ومحركات للأحداث حسبما يرتأي المؤلف، وبما يخدم خط سير المسرحية.
هنا في روميو وجوليت تكون المربية، متأرجحة بين طبيعتين اثنتين الأولى طبيعة ساذجة تتعاطف مع جوليت من أبواب الأمومة، والمربية الحقيقية للشابة التي تريد لها أن تسعد في حياتها، ومع هذا فالمربية نفسها الساذجة لها أهواؤها، وطبيعتها الخاصة في قبول أو رفض من لا تميل إليهم، وتحاول التأثير على الصبية من غير أن تشعر تلك بذلك.
وليس لنا هنا إلا أن نقول بأن إحدى وسائل التوصيل في قديم الزمان هي المربيات، والخدم، ومن خلالهم تتوافق الأمور، أو تتعقد، ولعل وجودهن كان ضرورياً في المسرحيات، وبخاصة مسرحيات شكسبير الذي استفاد من الخواص التي يحملنها لتعفيه كمؤلف من مهمات تبريرية كثيرة، وتضيف دلالات جمالية على صياغته للحدث، وحلوله الفنية.
ولم يعف شكسبير الرهبنة، ولا الكنيسة من ذنوبها، فبالإضافة إلى ما حمله شكسبير للأخ لورانس الفرنسسيكاني13 من خلل، وسذاجة ظاهرة في رداء الوداعة، والمسكنة، مما يوحي بالغباء، فإن فعلة نسيان الرسالة لدى الراهب جون14 كانت أشنع خصوصاً، وإن الأخير كما يبدو مصاب بعاهتي الطرش والنسيان، فهل في هذا أيضاً نوع من التورية لخفوت دور الكنيسة، ونعتها بفقدان بعض حواسها؟
إن مقابلة الشريف )باريس( لوالد جوليت بخصوص خطبة ابنته، هو نوع من الوجاهة الجديدة التي كان كابوليت باحثاً عنها، وها قد جاءت إليه من تلقائها، فصفّق وهلل لها. وها قد جاء ليصور لامرأته بأنه ليس بيده حيلة للرفض (هكذا توحي مجريات الأمور، وخلفيات ما بين السطور)، أما بالنسبة لجوليت فبما أن والدها مصر على موقفه، وقد تبعته أمها في محاولة اقناعها، فعليها إما أن تنصاع للأمر، أو ترفض، وكلاهما شديد القسوة عليها فقلبها قد تعلق بحبيب المراد.
وبما أن همّ كابوليت، وهاجسه الكبيرين أن يكون من المقربين إلى أمير فيرونا، فهذه هي فرصته لكي يصطادها، ويقفز إلى مقام آخر قريب من الأمير، وربما ليس هذا فحسب، وإنما من المؤثرين، أو المتنفذين في السلطة، ليس بمايدر عليه من المال فقط، وإنما لكي تكون له مكانة أقوى في السلطة أكثر عن غريمه مونتاغ. وبمجيئ باريس ليصاهره فإنه يحقق أمنية تمناها، (فصار باريس وكأنه طير سعد، كان كابوليت بانتظاره)، وبغير عناء، ولا تردد أعلن كابوليت موافقته الدبلوماسية المعتاد عليها، وعلى ابنته أن تنصاع للأمر، وتنفذ ما يطلبه منها، وعلي كابوليت أن يقطع دابر كل نقاش، أو احتمال، أو تردد في البيت، إذ ربما من جهة أخرى يكون قد ورد إلى علم كابوليت ما حصل لجوليت بين ليلة وضحاها، من تعلق قلب ابنته بحبيب لا يدري من أين، ولا من يكون.
فهل لجوليت ذات الأربعة عشر ربيعاً أن تبعث برسالة إلى روميو؟ وبيد من؟ لا بد أن تكون المربية؟ وهل لديها الجرأة أن تخبره بما حصل في دارها، وكيف يصر والدها على زفافها من الخطيب الجديد، وإن الزفاف سوف يتم يوم الخميس المقبل والآن هو يوم السبت، أو الأحد؟ (إن هذه الأحداث تذكرنا بقصص وروايات مشرقنا العربي، والحدود الضيقة التي ترسم حول المرأة، وكيف أن القرار يصدر عن سلطة الأب قبل موافقتها هي وأمها).
أما وقد أعُلمت جوليت بتحديد يوم الخميس موعداً لزفافها من باريس، فعليها أن تجعل مربيتها تدور بكل حارات فيرونا لكي تسأل عن أين تجد روميو، فيكون من حظها أن تسلمه الرسالة باليد، ويهرع لتوه إلى الراهب ليجد حلاً له، ولحبيبته جوليت، و يكون الزفاف السرّي.
وفيما بعد تعجبت الأسرة كلها كيف امتثلت جوليت للأمر بمجرد عودتها من الكنيسة بعدما تم الاتفاق على خطة الموت الزائف الذي سيمنع زفافها من باريس، بعد رفضها القاطع، والعذاب لم تسكنه إلا أطروحة الراهب لورانس في حلّ المعضلة العويصة.
إن جوليت رمز النقاء في عداوة المجتمع، هي الضحية التقليدية لهذه المفارقات، وتلك العداوات المحتدمة، وبغير ما نهاية، فما كان في الحسبان تحميل روميو وزر قتل تايبلت، وما ترتب عليه من قرار لنفيه، وعلى الحبيبين أن يجدا حلاً لمعضلة وقعا فيها، فهما زوجان شرعياً، لكن زفافهما لم يعلن رسمياً للظروف القاسية المحيطة.
روميو في محنته الجديدة يستنجد بالراهب:
من طرفه يحاول الكاهن إقناع روميو بقبول قرار الحكم الصادر عليه بالنفي، وروميو يرفض الفكرة بالأساس لأنه يعتبر أن الموت أخف وطأة عليه من المنفى = النفي هو الموت بعينه = موت في الحياة.
فما هو المنفى بتقدير روميو؟ ولماذا يسمى منفى؟ ألكون أن روميو أحس بفراقه لجوليت فهو بذلك يستصعب النفي؟ أليس هذا الذي يسميه روميو نفياً ليس بالنسبة للشاب أكثر من سفرة استجمام مؤقتة، لا كعقاب نفي هاملت المحمل برسالة من عمه الملك؟ وهذا القرار بالتالي هو أمر محكمة هنا ليس إلا.
الخطة الفاشلة، الخطة الهاجس، الخطة المشروع، الخطة المؤامرة، الخطة العشوائية
خطة القسيس هي خطة الكنيسة لمصالحة المتخاصمين = بزواج الولدين = حتى ولو من غير إعلان.
فروميو وجوليت زوجان شرعيان في الخفاء، وهذا الأمر بطبيعة الحال يحتاج إلى تفسير، كان ومايزال معلقاً، ربما لم يتم الانتباه إليه في السابق على اعتبار أن وجود قسيس في محيط المدينة شيء لازم، واعتيادي، وأمور ترتيب ملاقاة المحبين، وتزويجهم هي الأخرى اعتيادية، ولكن إعادة النظر الآن من زاوية هامة أخرى تتعلق بهيمنة الكنيسة على تقاليد الأمور الاجتماعية، والأخلاقية خارج، أو بما يتوافق والصلاحيات الدينية له أهميته الخاصة هو الآخر، فلولا الهمينة الكنسية روحياً، ورسمياً على العلاقات الاجتماعية، (ربما تفاوتت مسألة السيطرة، وقبول الآخر لها لفترات قوة، وضعف الحاكم، والكنيسة من جهة، وسيطرة الكنيسة بنفسها على العالم الطاثوليكي هو أمر آخر يتعلق بفترة سيطرة الكنيسة التامة على الحكام، والمحكومين)، فكان الأمر قد اتخذ بعداً آخر بالتأكيد،
بالنسسْبةه لهديتكم فهي لا أعرف ،
وجدت روابط تحميل سكرابزات من هنا
لتحميل الكتاب [ يحتوي على 285 صفحة ]؛ النص الأصلي
المترجم : كاتب مسرحي وناقد مرموق هو الدكتور محمد عناني
رئيس قسم اللغة الإنجليزي بكلية الآداب، جامعة القاهرة والحاصل
علي جائزة الدولة في الترجمة ، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
مزقت لكم من الكتاب قليلا :
سمسون : أقسم يا جريجوري ألا نتحمل أي إهانة !
جريجوري : قطعاً وإلا صرنا حمالين !
سمسون : وإذا غضبنا سنخرج سيوفنا.
جريجوري : مهما كانت الأحوال لابد أن تخرج رأسك من حبل المشنقة !
سمسون : إن أسرع بالضرب حين أثور.
جريجوري : ولكنك لا تثور بسرعة حتى تضرب.
سمسون : إنني أثور حين أرى كلباً من أسرة مونتاجيو .
جريجوري : الثورة تعني الحركة، والشجاعة هي الوقوف، ولذلك عندما تثور تبدأ بالفرار.
سمسون : إن رؤية كلب من تلك الأسرة يثيرني حتى أقف !، وسوف أثبت
صلابتي إزاء أي رجل أو فتاة من أسرة مونتاجيو !
جريجوري : معنى هذا أنك عبد ضعيف، فلا يحتاج إلى الإثبات إلا الضعيف !
سمسون : هذا صحيح ولذلك دائماً ما نلقي النساء على الحائط .. لأنهن ضعيفات
وإذن سأبعد رجال مونتاجيو عن الحائط وألقي نساءه عليه.
جريجوري : النزاع مقصود على سادتنا وعلينا نحن .. رجالهم .
سمسون : وما الفارق ؟ سأكون طاغية ! فبعد أن أحارب الرحال
سأكون مهذباً مع العذارى وأقطع رؤوسهن.
جريجوري : رؤوس العذارى ؟
سمسون : نعم .. أولاً أجعلهن عذارى .. وافهم من هذا ما تريد.
جريجوري : لابد أن يفهمنه بالمعنى الذي يشعرن به !
سمسون : سوف يشعرن بي طالما كنت قادراً على الوقوف، والكل يعرف قوة جسدي !
جريجوري : من حسن الحظ أنك لست سمكة .. وإلا كنت سردينة مملحة !
هيا اخرج سيفك فها هما اثنان من أسرة مونتاجيو !
[ يدخل خادمان أحدهما إبراهام ]
سمسون : ها هو سلاحي الصلب ! هيا اشتبك معهما وسوف أكون وراء ظهرك !
جريجوري : ماذا تقول تدير ظهرك وتجري ؟!
سمسون : لا تخف مني !
جريجوري : بل أخاف منك !
سمسون : فليكن الحق بجانبنا إذن .. وليكونوا هم البادين.
جريجوري : سوف أعبس لهما أثناء مروري، وليفهما من ذلك ما يريدان !
سمسون : إن كانت لديهما الجرأة ! اسمع ! سوف أعض إبهامي لهما ..
فإذا سكتا . كانت إهانة وعاراً !
( سمسون يعض إبهامه )
إبراهام : هل تعض إبهامك لنا يا سيدي ؟
سمسون : إني أعض إبهامي بالفعل يا سيدي !
إبراهام : ولكن هل تعض إبهامك لنا يا سيدي ؟
سمسون : ( جانباً إلى جريجوري ) هل يكون الحق في جانبنا إذا قلت نعم ؟
جريجوري : ( جانباً إلى سمسون ) لا !
سمسون : لا يا سيدي أنا لا أعض إبهامي لكما يا سيدي،
ولكني أعض إبهامي وحسب يا سيدي !
جريجوري : هل تريد القتال يا سيدي ؟
ابراهام : القتال يا سيدي ؟ لا يا سيدي !
سمسون : إذا رغبت في ذلك فأنا لك ! فأنا في خدمة
سيد فاضل مثل سيدك .
ابراهام : وليس أفضل منه .
سمسون : فليكن يا سيدي .
جريجوري : ( جانباً إلى سمسون ) بل قل أفضل منه ..
فإن أحد أقارب سيدي قادم .
سمسون : بل أفضل يا سيدي .
ابراهام : هذا كذب !
سمسون : أخرجوا سيوفكم إن كنتم رجالاً .. جريجوري ..
هيا أتذكر ضربتك القاضة !
( يتبارزون )
بنوفوليو : افترقوا أيها الحمقى ! أغمدوا سيوفكم .. أنتم لا تعرفون ما تفعلون
( يضرب سيوفهم بسيفه )
[ يدخل تيبالت ]
تيبالت : يا عجباً ! سيفك مسلول وسط الخدم الجبناء !
واجهني يا بنوفوليو كي تشهد موتك !
بنوفوليو : لا أفعل إلا إقرار السلم ! عُد بالسيف إلى غمده
أو ساعدني بالسيف على تفريق المشتبكين.
تيبالت : سيف مسلول يتحدث عن إقرار السلم ؟
إني أكره ذلك اللفظ كراهية التحريم
كما أمقت أسرة مونتاجيو
وكما أمقتك فخذ هذه الضربة يا رعديد !
( يتقاتلان )
[ يدخل لفيف من أبناء الأسرتين ويشتركون في القتال ]
[ يجتمع الأهالي وضباط الشرطة ومعهم أسلحتهم وعصيهم ]
الظابط : يا حاملي العصي والرماح والحراب فرقوهم ! واضربوهم
سحقاً لكل كابيوليت ! سحقاً لكل مونتاجيو !
[ يدخل كابوليت العجوز برداء منزله ومعه زوجته ]
كابيوليت : ما هذه الضوضاء يا هذا ؟ أريد سيفي الطويل !زوجة كابوليت : لكن لماذا السيف يكفيك العصا ؟
كابوليت : السيــف أقول السيــف ! ها هو مونتاجيو الشيخ
يلوح بالسيف ليهزأ بي !
( يدخل مونتاجيو العجوز وزوجته )
مونتاجيو : يا كابوليت أيها الأثيم ! لا تمسكي بي لا تمنعيني !
زوجة كابوليت : لن تخطو قدماً واحدة لتلاقي الخصام !
[ يدخل الأمير إسكاليس ومعه حاشيته ]
الأمير : يا أيها العصاة من رعيتي يا من تعادون السلام
يا من تدنسون بالدماء من جيرانكم محارم الحسام !
هل يسمعون ؟ يا أيها الرجل أيها الوحوش
هل تطفئون نار حقد مستطير بالدم الذي يسيل
من عروقكم كأنه عيون أرجوان
سأعذب العاصين هيا
ألقوا بأسلحة العداء من الأيدي الدامية
واصغوا إلى حكم الأمير الغاضب
لقد سمعت عن معارك ثلاثاً بين أهل البلدة
في إثر كلمة رعناء من فم العجوز كابوليت
أو من فم العجوز مونتاجيو
فعكرت صفو الشوارع الرزينة
بل قد تخلى عن وقارهم أكابر المدينة
ليحملوا بأذرع عتيقة بعض الحراب الباليات الكبيرة
من طول ما خلدت إلى السلام
كما يفرقكم إذا تفجرت منابع البغضاء
أما إذا رجعتم إلى إثارة الشغب والفوضاء ( ضرورة شعرية )
فسوف تدفعون فدية هي الموات الزؤام
هيا إذاً تفرقوا وسوف يأتي كابوليت معي
وليأتني هذا المساء مونتاجيو
ليعرفا حكمي الأخير في القضية
تفرقوا ومن جديد أنذر العاصين فيها بالهلاك !!
(يخرج الجميع ماعدا مونتاجيو وزوجته وبنوفوليو)
التحميل آيضآ مَخفي :