الاعجاز في القرآن ـ مقالة لإثبات الإعجاز القرآني في الإخبار بالغيب ـ من روائع الإعجاز القرآني ـ معجزات في القرآن
إذا كان القرآن الكريم قد هتك أستار المستقبل القريب والبعيد للمسلمين بإخباره عنهم ، وعمن يتصلون بهم ، فإنه قد سبر أغوار الماضي بالنسبة للأمم السابقة عليهم حين حكى أخبار ما دار بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم ، وما حاق بالمكذبين منهم ، ولم يكن ذلك لمجرد التسلية بسرد وقائع التاريخ القديم ، ولكن كانت له أهداف سامية ، كان أهمها تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو رأس الدعوة الإسلامية ، فإن تثبيته تثبيت لمن معه من المؤمنين به ، ومنها أيضًا تمحيص المؤمنين .
لقد حكى القرآن عن قوم نوح ، كما حكى عن قوم هود ، ولوط ، وقوم صالح ...إلى غير ذلك من الأمم السابقة .
ومنذ خلق الله الإنسان ، وهو يعلم بفطرته أن الأرض يمكن أن يكون مخبوءًا في باطنها صفحات من التاريخ الإنساني ، وذلك لعلمه بأن جميع من سبقوه قد صاروا إليها ، كما يعلم أنه سيصير إليها أيضًا ، ولكن اعتماده على فكرة الحفر والحفريات كان قليلا لقلة إمكانياته ، وعدم توفر أدواته ، ومع ذلك كان يعتمد على فكرة الحفر في حدود الإمكان للتأكد من أخبار الزمن الماضي كلما سنحت له الفرصة والظروف ولكن في الزمن الحاضر ، وبعد أن تقدمت الوسائل التكنولوجية ، وتقدمت وسائل الكشف عما في باطن الأرض ، أصبح من السهل التعرف على مناطق عديدة من العالم تحتوي على آثار الأقدمين .
· [1] أرسل الله صالحًا نبيًّا إلى ثمود ، وقد ذكر الله ذلك في سورة الأعراف بآيات بدأت بقوله سبحانه : وإلى ثمودَ أخاهم صالحا ... إلى آخر الآيات من 73 – 78 .
كانت معجزة صالح إلى قومه ناقة أخرجها الله لهم من صخرة يعرفونها ، وأوصاهم ألا يمسُّوها بسوء ، وإلا نزل بهم عذابه نتيجة لمخالفة أمره ، ولكنهم قتلوا هذه الناقة ، فحق عليهم عذاب الله ، ولهذا قال في آخر الآيات المشار إليها : فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين 78/ من سورة الأعراف . وقال عنهم في موضع آخر من القرآن : فكذّبوه فعقروها ، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها الآية 14 / من سورة الشمس .
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقّون هذه الآيات بالتصديق والإيمان ، ولماذا لا يصدقون القرآن فيما أخبر عن الماضي وهو حين يخبرهم عن المستقبل أو عما في ضمائرهم لا يجدونه قد خالف الواقع قيد أنمُلة ، ولكن شوقهم إلى الترقي من الإيمان عن طريق المشاهدة القلبية ، إلى الإيمان عن طريق المشاهدة العينية - هذا الشوق لا يفتُر ولا يضمحل – وهذه فطرة فطر الله الناس عليها ، وطبيعة إنسانية أصيلة ، حتى أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام سأل ربّه قائلا : ... أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أوَلَمْ تؤمِنْ ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئنّ قلبي .
قال ابن كثير في تفسيره ص 227 ج 2 : قال علماء التفسير والنسب : كانت ثمود من العرب العاربة ، قبل إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت ثمود بعد عاد ، ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ، وقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع هجرية .
قال الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عمر : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحِجْر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناسُ من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا لها القدور ، فأمَرَهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخُلوا على القوم الذين عُذّبوا ، وقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم . قال ابن كثير : وأصل هذا الحديث مخرّج في الصحيحين من غير وجه .
وقال الإمام أحمد عن محمد بن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، فنادى في الناس : الصلاة جامعة ، قال راوي الحديث : فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعنزة( آلة من آلات القتال كالرمح ) وهو يقول: ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ فناداه رجل منهم : نعجب منهم يا رسول الله ، قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ( يعني نفسه ) ينبئكم بما كان قبلكم ، وبما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبا بعذابكم شيئا ، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا .
وقال الإمام أحمد عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح ، فكانت – يعني الناقة – تردُ من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوْا عن أمر ربهم ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة أهمد الله مَن تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحدًا كان في حرم الله ، فقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه . قال ابن كثير : هذا الحديث على شرط مسلم .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال فقال : أتدرون من هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا قبر أبي رغال ، رجل من ثمود ، كان في حرم الله فمنعه حرمُ الله عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ها هنا ، ودُفن معه غصنٌ من ذهب ، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ، فبحثوا عنه فاستخرجوا الغُصْن . هذا الحديث رواه أيضًا أبو داوود عن يحيى بن معين ، قال أبو الحجّاج المزي ( شيخ ابن كثير ) هذا حديث حسن عزيز .
ملحوظة : ذكرنا في مقالة سابقة أن علماء السيرة والتاريخ الإسلامي لم يكن دورهم في نقل أحداث التاريخ غير إثبات ما مُثبت ، وكانوا يرون أن من الذنوب التي لا تغتفر أن ينصب المؤرخ من تحليلاته الشخصية ، حاكمًا مسلطًا على أحداث التاريخ ، وهذه القصة لا يمكن أن تكون مختلقة ، فمنهج المؤرخ المسلم هو منهج الصدق الأخلاقي ، وليس منهج الصدق بمعناه الإصطلاحي .
· [2]قال تعالى : أهُمْ خيرٌ أمْ قومُ تُبَّعٍ والذين مِن قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين آية 37 / من سورة الدخان .
قال ابن كثير في تفسيره ص 143 – 144 ج 4 : أن قوم تُبَّع ( وهم سبأ باليمن ) أهلكهم الله وشرّدهم في البلاد ، وقد كانوا عربًا من قحطان . وقد كانت حِمْير ( سبأ ) كلما ملك فيهم رجل سمّوْه تُبّعًا كما يقال كسرى لملك الفرس ، وقيصر لملك الروم ، وفرعون لملك مصر وغير ذلك من أعلام الأجناس ، ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن ، وسار في البلاد حتى وصل سمرقند ، واشتد مُلكه وعظُم سلطانه وهو الذي مصَّرَ الحيرة ، فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية أيام الجاهلية ( وكان اسمها يثرب ) وأراد قتال أهلها فمانعوه ، وقاتلوه بالنهار ، وجعلوا يُقْرونه ( أي يكرمونه ) بالليل ، فاستحيا منهم وكفَّ عنهم ، واستصحب معه حبْرَيْن من أحبار يهود كانا قد نصحاه ، وأخبراه أنه لاسبيل له على هذه البلدة ، فإنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان ، فرجع عنها وأخذهما معه إلى اليمن ، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة ونهياه عن ذلك أيضًا وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأنه من بناء إبراهيم الخليل ، وسيكون له شأن عظيم على يديْ ذلك النبي ، فعظَّمها ، وطاف بها ، وكساها ، ثم رجع إلى اليمن ، ودعا أهلها إلى اليهودية ، فتهوّدَ معه عامة أهل اليمن .
وقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق بن يسار تلك القصة بطولها في سيرته .
قال سعيد بن جُبير : كسا تُبّع الكعبة ، وكان سعيد ينهى عن سبِّه ، وتبع هذا هو تبع الأوسط ، واسمه أسعد أبو كريب ملكيكرب اليماني ، توفي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبعمائة سنة .
وذكر ابن أبى الدنيا أنه : حُفِرَ قبر بصنعاء في الإسلام ، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : هذا قبر حُيي ولميس ، وفي رواية أخرى ( حيي وتماضر ) ابنتيْ تُبّع ، ماتتا وهما تشهدان ألا إله إلا الله ولا تشركان به شيئا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما .
· [3] اكتشاف مدينة إرم ذات العماد التي تحدث عنها القرآن الكريم قبل 14 قرنًا من الزمان ، فقد أعلن العلماء مؤخّرًا اكتشاف هذه المدينة عقب أبحاث ودراسات علمية قام بها علماء الفضاء والجيولوجيا والآثار والتاريخ ، وأشارت إليها بعض الصحف العالمية ومن بينها مجلة التايم في فبراير 1992 وصحيفة لوس أنجلوس تايم ، ويبين معالم هذا الكشف التقرير الذي صدر وتناقلته الصحف و فحواه أنه في عام 1984 زُوِّدَ مكوك الفضاء تشالنجر بأجهزة استشعار عن بعد ، تستخدم موجات من الأشعة الغير مرئية ، أمكنها تصوير العديد من مجاري الأنهار القديمة ، والطرق المدفونة بالرمال بدقة بالغة في مساحات شاسعة من الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أواسط آسيا شرقًا ، وقد أشارت صحيفة الأهرام القاهرية التي نقلت الخبرفي 25/4 / 1992 إلى أن العلماء قد تحيّروا في معرفة حقيقة تلك الآثار، فلجأوا إلى الكتابات القديمة في إحدى المكتبات المتخصصة بولاية كاليفورنيا وتعرف باسم مكتبة هنتجتون ، وإلى عدد من المتخصصين في التاريخ القديم لشبه الجزيرة العربية ، وفي مقدمتهم الأمريكي جوريس زارينز من جامعة جنوب غرب ميسوري ، والبريطاني سير رانولف فينز ، فأفادا بأن هذه آثار عاصمة مُلك ( عاد ) المعروفة باسم ( إرم ) كما أثبت ذلك القرآن الكريم في سورة الفجر بقول الله تعالى : ألم تر كيف فعل ربُّك بعاد ، / إرَمَ ذات العماد / التي لم يُخلَقْ مثلُها في البلاد الآيات من 6 – 8 .
وعلى الفور قام معهد كاليفورنيا للتقنية بإعداد تقرير مطول بعنوان ( رحلة عبر الجزيرة العربية ) يستحثون فيه المسئولين بالجزيرة العربية على سرعة الكشف عن تلك الآثار التي لا يعرف الإنسان عنها شيئًا ، وقد أشار التقرير فيما أشار إلى أن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية ، وهذا ما قرره القرآن الكريم بقول الله تعالى : فأمّا عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، وقالوا مَن أشدّ مِنّا قوة ، أوَلمْ يروْا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون / فأرسلْنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحِساتٍ لنُذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا يُنْصرون .
ولما كان من المتحمسين لهذا التقرير والداعين إلى الكشف عن هذه الآثار مجموعة من الصهاينة الذين تعودوا تزييف الحقائق التاريخية لصالح غرس كيان صهيوني في قلب العالم العربي ، رفضت المملكة العربية السعودية السماح لهم بالتنقيب عن هذه الآثار انطلاقًا من أراضيها ، فالتفوا حول الأمر بانطلاق فريقهم من أرض عمان في نوفمبر 1991 ، فاتجهوا إلى منطقة معروفة باسم ( الشيصار ) حيث توجد حفرة عميقة تحتوي على بقايا قلعة قديمة مدمرة ، وباستخدام أجهزة رادار أرضية أمكن الكشف عن منطقة أثرية شاسعة الإتساع تحت رمال الربع الخالي الجنوبية بين السعودية وعمان ، وقد أثبتت إزالة الرمال السافية من فوق تلك الآثار عن وجود قلعة مثمنة الجوانب ذات أسوار مرتفعة ، وأبراج مراقبة عالية يمكن أن تمثل ما أشار إليه القرآن الكريم بالوصف : إرَمَ ذات العماد
إذا كان القرآن الكريم قد هتك أستار المستقبل القريب والبعيد للمسلمين بإخباره عنهم ، وعمن يتصلون بهم ، فإنه قد سبر أغوار الماضي بالنسبة للأمم السابقة عليهم حين حكى أخبار ما دار بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم ، وما حاق بالمكذبين منهم ، ولم يكن ذلك لمجرد التسلية بسرد وقائع التاريخ القديم ، ولكن كانت له أهداف سامية ، كان أهمها تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو رأس الدعوة الإسلامية ، فإن تثبيته تثبيت لمن معه من المؤمنين به ، ومنها أيضًا تمحيص المؤمنين .
لقد حكى القرآن عن قوم نوح ، كما حكى عن قوم هود ، ولوط ، وقوم صالح ...إلى غير ذلك من الأمم السابقة .
ومنذ خلق الله الإنسان ، وهو يعلم بفطرته أن الأرض يمكن أن يكون مخبوءًا في باطنها صفحات من التاريخ الإنساني ، وذلك لعلمه بأن جميع من سبقوه قد صاروا إليها ، كما يعلم أنه سيصير إليها أيضًا ، ولكن اعتماده على فكرة الحفر والحفريات كان قليلا لقلة إمكانياته ، وعدم توفر أدواته ، ومع ذلك كان يعتمد على فكرة الحفر في حدود الإمكان للتأكد من أخبار الزمن الماضي كلما سنحت له الفرصة والظروف ولكن في الزمن الحاضر ، وبعد أن تقدمت الوسائل التكنولوجية ، وتقدمت وسائل الكشف عما في باطن الأرض ، أصبح من السهل التعرف على مناطق عديدة من العالم تحتوي على آثار الأقدمين .
· [1] أرسل الله صالحًا نبيًّا إلى ثمود ، وقد ذكر الله ذلك في سورة الأعراف بآيات بدأت بقوله سبحانه : وإلى ثمودَ أخاهم صالحا ... إلى آخر الآيات من 73 – 78 .
كانت معجزة صالح إلى قومه ناقة أخرجها الله لهم من صخرة يعرفونها ، وأوصاهم ألا يمسُّوها بسوء ، وإلا نزل بهم عذابه نتيجة لمخالفة أمره ، ولكنهم قتلوا هذه الناقة ، فحق عليهم عذاب الله ، ولهذا قال في آخر الآيات المشار إليها : فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين 78/ من سورة الأعراف . وقال عنهم في موضع آخر من القرآن : فكذّبوه فعقروها ، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها الآية 14 / من سورة الشمس .
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقّون هذه الآيات بالتصديق والإيمان ، ولماذا لا يصدقون القرآن فيما أخبر عن الماضي وهو حين يخبرهم عن المستقبل أو عما في ضمائرهم لا يجدونه قد خالف الواقع قيد أنمُلة ، ولكن شوقهم إلى الترقي من الإيمان عن طريق المشاهدة القلبية ، إلى الإيمان عن طريق المشاهدة العينية - هذا الشوق لا يفتُر ولا يضمحل – وهذه فطرة فطر الله الناس عليها ، وطبيعة إنسانية أصيلة ، حتى أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام سأل ربّه قائلا : ... أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أوَلَمْ تؤمِنْ ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئنّ قلبي .
قال ابن كثير في تفسيره ص 227 ج 2 : قال علماء التفسير والنسب : كانت ثمود من العرب العاربة ، قبل إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت ثمود بعد عاد ، ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ، وقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع هجرية .
قال الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عمر : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحِجْر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناسُ من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا لها القدور ، فأمَرَهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخُلوا على القوم الذين عُذّبوا ، وقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم . قال ابن كثير : وأصل هذا الحديث مخرّج في الصحيحين من غير وجه .
وقال الإمام أحمد عن محمد بن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، فنادى في الناس : الصلاة جامعة ، قال راوي الحديث : فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعنزة( آلة من آلات القتال كالرمح ) وهو يقول: ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ فناداه رجل منهم : نعجب منهم يا رسول الله ، قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ( يعني نفسه ) ينبئكم بما كان قبلكم ، وبما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبا بعذابكم شيئا ، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا .
وقال الإمام أحمد عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح ، فكانت – يعني الناقة – تردُ من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوْا عن أمر ربهم ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة أهمد الله مَن تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحدًا كان في حرم الله ، فقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه . قال ابن كثير : هذا الحديث على شرط مسلم .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال فقال : أتدرون من هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا قبر أبي رغال ، رجل من ثمود ، كان في حرم الله فمنعه حرمُ الله عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ها هنا ، ودُفن معه غصنٌ من ذهب ، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ، فبحثوا عنه فاستخرجوا الغُصْن . هذا الحديث رواه أيضًا أبو داوود عن يحيى بن معين ، قال أبو الحجّاج المزي ( شيخ ابن كثير ) هذا حديث حسن عزيز .
ملحوظة : ذكرنا في مقالة سابقة أن علماء السيرة والتاريخ الإسلامي لم يكن دورهم في نقل أحداث التاريخ غير إثبات ما مُثبت ، وكانوا يرون أن من الذنوب التي لا تغتفر أن ينصب المؤرخ من تحليلاته الشخصية ، حاكمًا مسلطًا على أحداث التاريخ ، وهذه القصة لا يمكن أن تكون مختلقة ، فمنهج المؤرخ المسلم هو منهج الصدق الأخلاقي ، وليس منهج الصدق بمعناه الإصطلاحي .
· [2]قال تعالى : أهُمْ خيرٌ أمْ قومُ تُبَّعٍ والذين مِن قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين آية 37 / من سورة الدخان .
قال ابن كثير في تفسيره ص 143 – 144 ج 4 : أن قوم تُبَّع ( وهم سبأ باليمن ) أهلكهم الله وشرّدهم في البلاد ، وقد كانوا عربًا من قحطان . وقد كانت حِمْير ( سبأ ) كلما ملك فيهم رجل سمّوْه تُبّعًا كما يقال كسرى لملك الفرس ، وقيصر لملك الروم ، وفرعون لملك مصر وغير ذلك من أعلام الأجناس ، ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن ، وسار في البلاد حتى وصل سمرقند ، واشتد مُلكه وعظُم سلطانه وهو الذي مصَّرَ الحيرة ، فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية أيام الجاهلية ( وكان اسمها يثرب ) وأراد قتال أهلها فمانعوه ، وقاتلوه بالنهار ، وجعلوا يُقْرونه ( أي يكرمونه ) بالليل ، فاستحيا منهم وكفَّ عنهم ، واستصحب معه حبْرَيْن من أحبار يهود كانا قد نصحاه ، وأخبراه أنه لاسبيل له على هذه البلدة ، فإنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان ، فرجع عنها وأخذهما معه إلى اليمن ، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة ونهياه عن ذلك أيضًا وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأنه من بناء إبراهيم الخليل ، وسيكون له شأن عظيم على يديْ ذلك النبي ، فعظَّمها ، وطاف بها ، وكساها ، ثم رجع إلى اليمن ، ودعا أهلها إلى اليهودية ، فتهوّدَ معه عامة أهل اليمن .
وقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق بن يسار تلك القصة بطولها في سيرته .
قال سعيد بن جُبير : كسا تُبّع الكعبة ، وكان سعيد ينهى عن سبِّه ، وتبع هذا هو تبع الأوسط ، واسمه أسعد أبو كريب ملكيكرب اليماني ، توفي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبعمائة سنة .
وذكر ابن أبى الدنيا أنه : حُفِرَ قبر بصنعاء في الإسلام ، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : هذا قبر حُيي ولميس ، وفي رواية أخرى ( حيي وتماضر ) ابنتيْ تُبّع ، ماتتا وهما تشهدان ألا إله إلا الله ولا تشركان به شيئا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما .
· [3] اكتشاف مدينة إرم ذات العماد التي تحدث عنها القرآن الكريم قبل 14 قرنًا من الزمان ، فقد أعلن العلماء مؤخّرًا اكتشاف هذه المدينة عقب أبحاث ودراسات علمية قام بها علماء الفضاء والجيولوجيا والآثار والتاريخ ، وأشارت إليها بعض الصحف العالمية ومن بينها مجلة التايم في فبراير 1992 وصحيفة لوس أنجلوس تايم ، ويبين معالم هذا الكشف التقرير الذي صدر وتناقلته الصحف و فحواه أنه في عام 1984 زُوِّدَ مكوك الفضاء تشالنجر بأجهزة استشعار عن بعد ، تستخدم موجات من الأشعة الغير مرئية ، أمكنها تصوير العديد من مجاري الأنهار القديمة ، والطرق المدفونة بالرمال بدقة بالغة في مساحات شاسعة من الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أواسط آسيا شرقًا ، وقد أشارت صحيفة الأهرام القاهرية التي نقلت الخبرفي 25/4 / 1992 إلى أن العلماء قد تحيّروا في معرفة حقيقة تلك الآثار، فلجأوا إلى الكتابات القديمة في إحدى المكتبات المتخصصة بولاية كاليفورنيا وتعرف باسم مكتبة هنتجتون ، وإلى عدد من المتخصصين في التاريخ القديم لشبه الجزيرة العربية ، وفي مقدمتهم الأمريكي جوريس زارينز من جامعة جنوب غرب ميسوري ، والبريطاني سير رانولف فينز ، فأفادا بأن هذه آثار عاصمة مُلك ( عاد ) المعروفة باسم ( إرم ) كما أثبت ذلك القرآن الكريم في سورة الفجر بقول الله تعالى : ألم تر كيف فعل ربُّك بعاد ، / إرَمَ ذات العماد / التي لم يُخلَقْ مثلُها في البلاد الآيات من 6 – 8 .
وعلى الفور قام معهد كاليفورنيا للتقنية بإعداد تقرير مطول بعنوان ( رحلة عبر الجزيرة العربية ) يستحثون فيه المسئولين بالجزيرة العربية على سرعة الكشف عن تلك الآثار التي لا يعرف الإنسان عنها شيئًا ، وقد أشار التقرير فيما أشار إلى أن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية ، وهذا ما قرره القرآن الكريم بقول الله تعالى : فأمّا عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، وقالوا مَن أشدّ مِنّا قوة ، أوَلمْ يروْا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون / فأرسلْنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحِساتٍ لنُذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا يُنْصرون .
ولما كان من المتحمسين لهذا التقرير والداعين إلى الكشف عن هذه الآثار مجموعة من الصهاينة الذين تعودوا تزييف الحقائق التاريخية لصالح غرس كيان صهيوني في قلب العالم العربي ، رفضت المملكة العربية السعودية السماح لهم بالتنقيب عن هذه الآثار انطلاقًا من أراضيها ، فالتفوا حول الأمر بانطلاق فريقهم من أرض عمان في نوفمبر 1991 ، فاتجهوا إلى منطقة معروفة باسم ( الشيصار ) حيث توجد حفرة عميقة تحتوي على بقايا قلعة قديمة مدمرة ، وباستخدام أجهزة رادار أرضية أمكن الكشف عن منطقة أثرية شاسعة الإتساع تحت رمال الربع الخالي الجنوبية بين السعودية وعمان ، وقد أثبتت إزالة الرمال السافية من فوق تلك الآثار عن وجود قلعة مثمنة الجوانب ذات أسوار مرتفعة ، وأبراج مراقبة عالية يمكن أن تمثل ما أشار إليه القرآن الكريم بالوصف : إرَمَ ذات العماد