السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا بالجميع كيف الحال؟ مع اقتراب نهاية حرب القروبات الجميلة عدت اليكم بقصة جديدة تقول الكاتبة اجاثا كريستي: حبكات رواياتي البوليسية أهتدي إليها وأنا أغسل الصحون، لأن هذا العمل الغبي يدفعك بشكل لا إرادي إلى التفكير في القتل. وأنا كتبت هذه القصة القصيرة بينما كنت اغسل الصحون في الواقع هي كان قصة جدية لكن لضيق الوقت لم اتمكن من صياغة حبكة قوية فحولتها لقصة هزلية ارجو لكم قراءة ممتعة في ليلةٍ شتوية هادئة، كانت فيلا آل رانسون المتواجدة أعلى التلة والبعيدة عن ضوضاء المدينة، تتلألأ بأضوائها الذهبية المنبعثة من مصابيح النيون المعلقة على الحائط الخارجي، هذه الفيلا التي تُعد واحدة من أقدم البيوت في المنطقة حملت على عاتقها ذكريات عائلة رانسون لسنواتِ عديدة. لويس رانسون المالك الاخير للفيلا، عجوز في السبعينات من عمره، خباز متقاعد كان يدير مخبزً صغيراً وسط المدينة، عاش بغرفة صغيرة بالمخبز نفسه الى ان ابتسم له الحظ عندما توفي عمه الذي خصه بالفيلا في وصيته. كان يقضي أمسياته كعادته في الحديقة الخلفية، يشرب قهوته ببطء ويراقب النجوم اللامعة التي تزين السماء، بجانبه كان حفيده الوحيد روس، الطفل ذو الست سنوات يشاركه تلك اللحظات الهادئة، بينما كان باقي أفراد عائلته في الداخل، منشغلين بأحاديثهم وثرثرتهم. داخل الفيلا، كان كلٌ من آليكس الابن الأوسط للويس وأرملة أخيه ليلي يتحدثان بصوتٍ عالٍ وكأنهما في نقاشٍ محتدم، بالرغم من أن كل واحدٍ منهما كان يتكلم في موضوع مختلف تمامًا عن الآخر. آليكس الأربعيني العاطل عن العمل، كان يلقي على مسامعهم أفكاره لخطط ومشاريع وهمية لا يصدقها عاقل، بالمقابل كانت ليلي تكرر بجفاف العبارة التي حفظها الجميع عن ظهر قلب: "أنا أشعر بثقل المسؤولية كوني أم الحفيد الوحيد للعائلة، الوريث الشرعي لكل شيء! روس هو الوريث الوحيد لكل شيء!" كانت تلك الجملة تصيب الجميع بالملل، لكنها مع ذلك لم تتوقف عن تكرارها وكأنها تحاول بها تأكيد مكانتها بينهم. "أجل أجل، أم ولي العهد!" قالت نينا ابنة لويس الوحيدة بنبرة ساخرة وهي ترفع حاجبيها. دخل آليكس خط السخرية مع اخته وقال: "تعلمين ليلي، لو كنت تشاهدين المسلسلات بشكل أقل، ربما كنت سترين الحياة على نحوٍ أكثر واقعية" على مقربة منهم كان يجلس صديق والدهم المقرب السيد ماكس والتون يُقلّب صفحات من رواية مقتل روجر أكرويد لأجاثا كريستي، انغماسه مع الكتاب جعله في معزل عن ثرثرتهم. فجأة، سمعوا صوتًا مدويًا قادما من الحديقة الخلفية، كأن شيئًا قد سقط وتحطم، قفز الجميع من مقاعدهم واتجهوا بسرعة إلى مصدر الصوت، هناك وجدوا العجوز لويس ممددًا على الأرض بلا حراك وزجاج المزهرية المحطمة متناثر حوله. "أبي!" صرخت نينا وهي تتجه نحوه في حالةٍ شديدة من الذعر، أما آليكس فقد أسرع إلى هاتفه لكي يتصل بالإسعاف والشرطة. بينما تمتمت ليلي بصوت درامي تدعي فيه الصدمة: "يا إلهي، غير معقول.. سيد لويس!" نظر السيد والتون بتفحص إلى العجوز لويس الممدد، ثم قال بصوت هادئ مليء بالثقة: "هذه ليست حادثة بسيطة... إنها جريمة قتل! " بمجرد أن انتهى آليكس من الاتصال بالإسعاف التفت إلى السيد والتون الذي بدأ يتحدث وكأنه في وسط مشهد من إحدى حلقات المحقق كونان، سأله بحدة: "ماذا؟ جريمة قتل؟" قال والتون بينما لايزال يصطنع الجدية في حديثه: "تمامًا كما سمعت، لقد قرأت الكثير من الروايات البوليسية وأعرف تمامًا كيف تبدأ هذه الأمور... الجميع هنا لديه دافع." قال عبارته الاخيرة وهو ينظر إلى الجميع بنظرة مريبة. أطلقت نينا ضحكة ساخرة وقالت: أوه سيد والتون إذا كانت قراءة الروايات البوليسية تجعل منك محققا، فهذا يعني أنني عبقرية في الفيزياء لأنني قرأت مئات الأبحاث لِأينشتاين، وآليكس مدرب كرة قدم عالمي لأنه لا يفوت أي خبر رياضي!" صاح آليكس موافقا على ما قالته اخته "بالضبط!" ثم أردف بنبرة ساخرة "أنت دائمًا تدّعي بأنك محقق، لكن ما الذي يثبت لنا أنك لست الجاني؟" ارتبك السيد والتون قليلاً، لكنه حاول الحفاظ على هدوئه ووقار المحقق الذي خرج من داخله فجأةً "أنا هنا لأحميكم! لقد كنت معكم في الداخل.. ما خطبكم!" بنفاذ صبر قالت نينا: "أنت تقول بإن الجميع مشتبه به؟ حسنًا، ذلك يشملك أنت أيضا، لقد كنت معنا بالداخل.. ما خطبك!" بدأ والتون يتصبب عرقًا وهو يشعر بأن التركيز انتقل إليه فجأة قال بتلعثم: "لا يمكن ان أكون المتهم.. كل مسرح جريمة بحاجة الى محقق.. انا محقق!" مع شعوره بالضغط يتزايد عليه قرر تغيير الموضوع بسرعة وأردف "هناك مشتبه بهم آخرون هنا! لنبدأ بليلي!" تقدم والتون بخطى واثقة نحو ليلي ثم قال: "ليلي.. أم الوريث الوحيد كما تحبين تقديم نفسك، هل كنتِ تريدين التخلص من والد زوجك لكي تسرعي في عملية الحصول على الميراث؟" ليلي كانت قد بدأت تشعر بالاستياء من التلميحات المستمرة حول الميراث، فردت بغضب: "أنت تتهمني بقتل والد زوجي؟ كيف تجرؤ! دعني أذكرك من أكون، أنا أم ولي العهد!" وانفجر الجميع بالضحك من اسلوبها الرتيب في الحديث. قال آليكس ممازحا محاولا تهدئتها: "أنا لا ألومه لاتهامك، أنتِ ترددين هذه الجملة كثيرًا، ربما شاهدتِ العديد من المسلسلات التي تتحدث عن العائلات الملكية، واعتقدتِ أن والدي هو الملك الذي يجب التخلص منه!" اضافت نينا بسخرية: بدأتِ تعتقدين حقا أن ابنك هو ولي عهد العائلة، عزيزتي ليلي انتِ مهووسة بما ترينه في المسلسلات!" عاد والتون يتحدث بلهجة جادة “الميراث دافع قوي، الجميع يعرف أنكِ الوحيدة التي كانت تكرر هذا الكلام حول الميراث، ألا يمكن أن يكون ذلك جزءًا من خطتك؟" بعد أن شعر والتون بأن التحقيق مع ليلى لم يأتي بأي دلائل قوية لتثبيت التهمة عليها، راح يوجه اتهاماته نحو آليكس: "ماذا عنك آليكس؟ ربما كنت تشعر بالضغط من والدك بسبب كونك عاطل عن العمل، أو ربما كنت تريد التخلص من عبء رعايته؟" "عبء؟!" قال آليكس بدهشة. "والدي لم يكن عبئًا، لطالما كان بصحة جيدة ويعتني بنفسه دون الحاجة للمساعدة، ربما يكون الأمر صادمًا لك لكنني لا أحتاج لميراثه، هذا إن كنت تشير إلى المال". قال والتون وهو يحاول تحليل شخصية آليكس بأسلوب المحقق المتمرس: "لكن الحديث عن العمل يمكن أن يمثل ضغطًا كبيرًا على رجل في مثل سنك، أليس كذلك؟" رد آليكس وهو يضحك: "إذا كنت تظن أنني سأقتل والدي لأجل فيلا لا تساوي قيمتها شيئا بالسوق العقارية، فأنت مخطئ وربما بحاجة لأن تقرأ المزيد من الروايات البوليسية لكي تحسن اداءك كمحقق" تدخلت نينا وهي تنظر إلى والتون بنظرة تدل على عدم تصديقها لما يقوله" هذا هراء! هل تعتقد حقًا أن آليكس الرجل الذي حرفيا لا يجيد القيام بشيء، يمكن أن يكون قاتلًا؟ ناهيك أنه كان معنا عندما سمعنا الصوت" اقترب والتون منها وهو يرمقها بنظرة فاحصة: "حسنًا، إن لم يكن آليكس، فماذا عنكِ يا نينا؟" ردت نينا بنبرة تغمرها الدهشة: "أنا؟ ماذا يمكن أن يكون دافعي؟" "ربما لأنكِ تمتلكين حقدا دفينا اتجاه والدك كونه لم يساعدك في الدراسة بالخارج، ولم يمدك بالدعم المادي الكافي لأجل ابحاثك، أو ربما كنتِ تشعرين بالغيرة الشديدة من علاقة والدك الجيدة مع آليكس بالرغم من كونه أحمقا عديم النفع على عكسك." قهقهت نينا بصوت عالٍ وقالت: "يا إلهي، أنت تتحدث عني وكأنني شخصية وضيعة من رواية بوليسية رديئة! والدي كان يشجعني دائمًا في كل ما افعله، وإن كان لديك أي دليل على أنني غاضبة منه وحاقدة عليه، فلن تجده لأنه غير موجود اساسا!" بينما كان الجميع مشغولين في فك لغز الجريمة، كان روس الحفيد الصغير يحاول لفت انتباههم حيث قال بصوت عالٍ وهو يشير إلى المكان الممدد فيه جده: "جدي سقط لأنه كان يطاردني" لكن كما هو الحال لم يأخذه أحد بجدية بل لم تصلهم كلماته أصلا. والدته ليلي كانت منشغلة بالتفكير فيما إذا كانت ستحصل على نصيبها العادل من الميراث، وتجاهلت حديث ابنها تمامًا، قالت بفخر وبلهجة توكيدية "أرجو ألا ينسى أحد أنني أم الحفيد الوحيد لهذه العائلة" تمتمت نينا ببعض الكلمات الغير مفهومة وقالت بتذمر: ها قد بدأنا مجددا. رد آليكس على أرملة أخيه ساخراً: "يا ليلي من كثرة أحاديثك عن الميراث، بدأت أظن أنك أنت من نفذت هذه الجريمة حقًا!" وسط هذه الفوضى، ظل روس يحاول لفت انتباههم بصوت مرتجف: "كان جدي يطاردني في الحديقة… كان يريد الإمساك بي، لكنه تعثر وسقط!" ولكن لا أحد كان يستمع له، الجميع كانوا منشغلين في البحث عن القاتل الغير موجود واتهام بعضهم البعض، أما السيد والتون المحقق المزعوم كان يحاول جاهدًا الربط بين التفاصيل الوهمية التي اختلقها في رأسه لكي يحل القضية. على نحو مفاجئ استيقظ السيد لويس ببطء وهو يفرك شعره، رفع رأسه قليلا ونظر إلى أسرته المتجمعة حوله وقال بصوت مبحوح: "ما الذي يحدث هنا؟" صاح الجميع بدهشة: "أنت حي؟!" نهض لويس بتثاقل وهو يمسح على جبهته "بالطبع أنا حي! فقط انزلقت ووقعت بعدما حاولت اللحاق بـ روس عندما كان يركض حول الطاولة، لا افهم لماذا تتصرفون وكأنني ميت؟" نظر والتون بٍحيرة شديدة إلى الجسد الحي أمامه، وكأنه لا يستطيع تصديق أن تحقيقه كان بلا فائدة: "لكن... لكن ماذا عن الجريمة؟" قال آليكس وهو يحاول كتم ضحكته: "الجريمة الوحيدة هنا هي أننا كدنا أن نصدق بأنك قد تكون محققًا حقيقيًا!" أردفت نينا وهي تمسح دموعها التي أغرقت عينيها من كثرة الضحك: "بالضبط، إن كان هناك قاتل بيننا، فسيكون حتما السيد والتون بلا شك.. لقد كاد يقتلنا من الضحك" الجميع ضحكوا بشدة بينما شعر والتون بالإحراج، لكنه في الوقت نفسه كان ممتنًا أن الأمور انتهت على خير. بعد الحادثة جلست العائلة حول طاولة العشاء، وساد بالمكان جو من المرح والطمأنينة، كانت ليلي كعادتها لا تزال تتحدث عن ولي العهد، بينما كان السيد والتون يجلس في زاوية الطاولة متأملًا لسخرية الموقف في صمت، محاولًا الحفاظ على بعض من كرامته بعدما اتضح أن ما كان يجزم بأنه جريمة قتل لم يكن سوى حادثٍ بسيط. مع بزوغ الفجر في صباح اليوم التالي، وصل أخيراً صوت صفير سيارة الشرطة إلى الفيلا، كانت قطرات الندى تلمع على النوافذ، والضباب الكثيف يلف المكان من كل جهة. توقفت السيارة أمام البوابة الحديدية الكبيرة للفيلا، وخرج منها ضابطان بدا عليهما التعب وعدم الاستعجال، وكأنهما لا يدركان بأنهما تأخرا. نزل أفراد العائلة من غرفهم يجرون اقدامهم ببطء، خرج آليكس أولاً ثم تبعه البقية، تقدم الضابط الأول بخطوات متثاقلة نحوهم، وكان يحمل في يده دفترًا صغيرًا لتدوين الملاحظات، بابتسامة نصف جادة وبنبرة هادئة قال: "حسنًا، يراودني شك بأن الأمور قد انتهت قبل أن نصل.. أين مسرح الجريمة؟" ثم نظر حوله في فضول منتظرًا توجيهات. بعد لحظات من الصمت، أخذت ليلي تتحدث بصوت لا يخلو من التوتر: "لقد ظننا... أعني السيد والتون ظن.. بأن هنالك جريمة قتل. كان السيد لويس... كان... لقد وجدناه مغميًا عليه." عقد الضابط حاجبيه وسأل بتعجب: "مغميًا عليه؟ أي لم يمت؟ هو بخير الآن؟" قاطعهم صوت السيد لويس نفسه من الخلف وهو يقول بنبرة واهنة: "نعم، أنا بخير." قال الضابط الآخر مبتسمًا: "يبدو أنكم مررتم بليلة طويلة، لكن المهم أن الأمور تبدو بخير الآن." هز السيد والتون رأسه ببطء مؤيداً لكلام الشرطي. بعد ان غادرت الشرطة عاد الجميع الى غرفهم ليكملوا ما تبقى لهم من ساعات نوم بعد ليلةٍ طريفة لا تنسى. -تمت- اعلم.. اعلم.. نهاية القصة تسليكية هذا لانني اردتها ان تنتهي فحسب اتمنى انكم استمتعتم على الاقل بقراءتها وسوف يسرني إن حدث ونالت اعجابكم لا تنسوا ترك رد ووضع لايك وشير وتفعيل زر الجرس نراكم بقصصٍ أخرى |