السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا كيف حالكم؟ وكيف اجواء حرب القروبات معكم؟ من تتوقعون ان يفوز الهانترز أم الهانترز؟ لكم حرية الاختيار لم استطع ان اخرج بفكرة جديدة لاكتب قصة عنها لذا بحثت بين ثنايا ذاكرتي ووجدت الوحش الذي لطالما كان مصدر خوف وقلق لي بطفولتي وغالبا بطفولة العديد من الاشخاص حاولت ترجمة كل ذكرياتي بشأنه الى قصة قصيرة. *عتروس القايلة: عتروس باللهجة الجزائرية تعني تيس، القايلة تعني فترة الظهيرة. في شوارع مدينتنا الضيقة، حيث كانت طفولتي تمضي بين أروقة المدرسة ومنازل الأصدقاء، كنا -نحن الأطفال- نقضي أوقاتنا في لعب الغميضة أو اللعب بالكرة والدمى، ونتسابق جميعا ونلهو ببراءة تامة، إلا أن هناك وقتًا محددًا من النهار كان يحمل في طياته رهبةً خفية.. وقت الظهيرة. في ذلك الوقت تحديدًا كنا نسمع تحذيرات الكبار تتردد في كل بيت وزقاق، كانوا يحذروننا من "عتروس القايلة"، تلك الشخصية المرعبة التي زُرعت في خيالنا، كانت الحكايات تقول بأن "عتروس القايلة" يتجول في أرجاء المدينة وقت الظهيرة، عندما تكون الشمس في أوج حرارتها، لكي يخطف الأطفال الذين يجرؤون على اللعب تحت أشعة الشمس الحارقة. لم يكن أيٌ منا قد رآه بالفعل، لكن قصص الكبار كانت كافية لتزرع الخوف في افئدتنا الصغيرة، كنا نلتزم بنصائحهم ونتوجه إلى المنازل عند الظهيرة، نغلق الأبواب والنوافذ بإحكام، وننتظر حتى يزول الخطر. رأيناه مراتٍ عديدة بخيالنا واتفقنا جميعا بأن له جسدٌ ضخم يكاد يملأ الأفق، تهتز الأرض تحت وطأة خطواته الثقيلة، طوله يفوق طول أي انسان نعرفه، يقف على ساقين شديدة السواد، أما وجهه فقد كان كافياً ليبث الرعب في نفوسنا بمجرد تخيله، كان له أنياب حادة تبرز من فمه، حادة كالخناجر، قرنيه الطويلتان تنبثقان من رأسه بشكل لولبي، تنحنيان نحو الخلف بحدة، طولهما كان يتجاوز بكثير ما يمكن أن تتوقعه من أي مخلوق. هنالك جزئية حول "عتروس القايلة" لم يتفق معي أحد فيها، وغالبا لم تخطر على بال أي شخص آخر، كنت الوحيدة التي تخيلت أنه بالإضافة إلى مظهره الوحشي وأطرافه السوداء وقرنيه الملتويين، بأنه يرتدي بدلةً سوداء رسمية. كنت أراه في مخيلتي ككائن يمزج بين الوحشية والأناقة. في حين كان الآخرون يتصورونه ككائن بدائي يفتقر لأي مظهر متحضر، كنت أراه في زيٍّ يليق برجل أعمال أو بشخصيةٍ سياسية، كانت تلك البدلة السوداء الرسمية بنظري تزيد من رهبته، وكأنها تضيف له لمسة من السلطة والوقار، تجعله أكثر من مجرد وحش عادي، لذلك أنا كنت أخاف منه وبالآن ذاته احترمه! رغم إصراري على هذه الفكرة، لم يتفق معي أحد، كانوا يضحكون من خيالي، قائلين إنه من المستحيل أن يرتدي وحش مثل "عتروس القايلة" بدلة، ولكن بالنسبة لي كانت تلك البدلة جزءًا لا يتجزأ من صورته. في ذلك الوقت، كانت لي صديقة مقربة تدعى هند، كنا نقضي كل الأوقات معًا، نلعب ونمرح، كانت علاقتنا قوية جدًا، لدرجة أنني كنت أثق في كل ما تقوله لي. جد هند رجل طيب ويناديه الجميع "العم ميلود"، كان يمتلك تيسًا كبيرًا، يبقيه بحديقة منزله نهاراً وسطح منزله ليلاً، بالنسبة لهند، لم يكن هذا التيس مجرد حيوان عادي؛ بل كانت تؤمن إيمانًا قاطعًا بأنه هو نفسه "عتروس القايلة" الذي لطالما حذرنا الكبار من مواجهته. كانت تؤكد لي بحماس بأن هذا التيس هو تجسيد لعتروس القايلة الذي سمعنا عنه في القصص المرعبة، وأن محاولته ذات مرة لنطحها كفيلة وكافية لتأكيد ذلك. في البداية، لم أكن مقتنعة تمامًا بما تقوله هند، بدا لي أن التيس كان مجرد حيوان عادي، حجمه ليس ذاك الحجم الضخم الذي يؤهله لأن يكون وحشاً، لونه كان بني، قرنيه ليستا بالطول المطلوب، لكن هند كانت مصرة على رأيها، وهددتني بأن صداقتنا ستنتهي إذا لم أصدقها، ولأنني لم أكن أستطيع التخلي عنها لم يكن أمامي خيار سوى تصديقها. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أرى التيس بعيون مختلفة، وأصبحت أؤمن مثلي مثلها بأن هذا المخلوق البريء هو في الواقع "عتروس القايلة" المخيف الذي يتم تحذيرنا منه. لكن الأمور تغيرت تمامًا في ذلك اليوم الذي ذبح فيه العم ميلود التيس، كان الجو يعبق برائحة الطهي الشهي، وكانت الخالة زهور -زوجة عمي ميلود- قد أعدت وليمة من طبق البركوكس، ذلك الطبق التقليدي الذي نحب جميعًا تناوله، يتكون من حبيبات السميد الصغيرة -تشبه حبيبات الكسكس لكن أكبر حجما منها- والتي يتم طهوها على البخار حتى تصبح ناعمة، وتُقدم مع مرق أحمر ثقيل مليء بالتوابل ويضاف للطبق قطع اللحم والحمص، ثم يتم تزيينه بأوراق الكزبرة، كانت الرائحة تملأ الحي، وكل الجيران تلقوا نصيبهم من الوليمة التي أعدتها الخالة بلحم التيس. بينما كنت أتناول ذلك الطبق الشهي، شعرت بشيء غريب بداخلي، كان من الصعب أن أتجاهل فكرة أنني أتناول لحم الوحش الذي كنا نخشاه لفترة طويلة، تساءلت في نفسي: هل هذا يعني أن أيام "عتروس القايلة" قد انتهت؟ هل يمكننا أخيرًا اللعب تحت أشعة الشمس دون خوف؟ لكني سرعان ما اكتشفت أن الأمور لم تكن بهذه البساطة. بعد أيام من الوليمة، كان الكبار لا يزالون يرددون نفس التحذيرات، وكان الخوف من "عتروس القايلة" لا يزال يسيطر على عقولنا. أدركنا حينها أن تيس العم ميلود لم يكن الوحش، كان علينا تقبل هذه الحقيقة؛ فأسطورة "عتروس القايلة" لم تنتهِ مع ذبح التيس، وكانت التهديدات والقصص حوله لا تزال مستمرة. في إحدى فترات الظهيرة خلال تواجدنا بالمدرسة، تأخر المعلم عن الحضور إلى الفصل، وبينما كنا نجلس منتظرين، دخلت السكرتيرة سماح، المرأة الأجمل والألطف في المدرسة، وجهها كان دائمًا مشرقًا، ورغم أنها لم تكن تضع مساحيق التجميل، إلا أنها كانت الاجمل دوما، لم تكن فقط جميلة بل أيضا تملك هالة من الثقة تجعلنا نصدق كل ما تقوله لنا دون أدنى شك. جلسنا معها، وبدأت سماح تتحدث بلطفٍ معنا لتسلينا إلى أن يأتي المعلم، لكن الوقت مرّ ولم يظهر المعلم، وبدأنا نشعر بالملل، إلى أن قررت سماح أن تحكي لنا قصة كعادتها، كنت أتوقع أن تكون قصة عن الاميرات او الابطال الخارقين، لكن ما قالته بعدها جعل الدم يتجمد في عروقي. "أريد أن أحذركم من شيء خطير جدًا"، اردفت سماح بصوت هادئ وبنبرة جادة: "في هذا الوقت من اليوم، يتجول وحش مخيف في المنطقة... اسمه عتروس القايلة." لم أصدق أذني، كيف تعرف سماح عن "عتروس القايلة"؟ كانت الصدمة تعتريني، لم أكن أتوقع أن سماح تعرف عن هذا الوحش أيضًا. إذا كانت سماح، التي لا تكذب أبدًا، تقول ذلك، فلا بد أن الأمر حقيقي، شعرت برعب يتسرب إلى قلبي، وكأن "عتروس القايلة" قد أصبح أقرب مما كنت أتخيل. حذرتنا سماح من البقاء خارجًا بعد مغادرة المدرسة، وقالت إن علينا أن نركض مباشرة إلى منازلنا بمجرد أن يُسمح لنا بالخروج. توسلنا إليها أن تبقينا في المدرسة حتى يمر خطر الوحش، لكن سماح قالت بحزم: "الوحش لن يؤذيكم إن اتجهتم سريعًا إلى منازلكم.. فقط لا تتوقفوا ولا تلعبوا في الطريق." عندما جاء وقت الخروج، هرع كل منا في اتجاه مختلف، يركض بكل طاقته نحو منزله. كنت أشعر أن الوحش يلاحقني مع كل خطوة أخطوها، وعندما وصلت إلى المنزل كنت ألهث من الخوف والتعب معاً، وأول ما فعلته هو أنني طلبت من أختي بأن تغلق الباب بسرعة، كنت مقتنعة أن سماح لا يمكن أن تكذب، وإذا قالت إن الوحش يتجول بالخارج، فلا بد أن هذا صحيح. مع قدوم عطلة الصيف، شعرت بفرحة غامرة عندما قررت عائلتي أن نسافر ونقضي أياما بقرية جدي. كانت القرية عالمًا مختلفًا تمامًا عن صخب المدينة، حيث الهواء النقي والحقول الخضراء، والسمفونية الدائمة التي تعزفها العصافير وقطعان الغنم والماعز، هناك بين تلك المناظر الطبيعية الخلابة كانت الحياة تسير بوتيرةٍ أبطأ، ولكنها كانت مليئة بالبهجة والسكينة. عندما وصلنا إلى القرية، التقيت بابنة خالي سارة، التي كانت في مثل سني، كنا نقضي ساعات طويلة نلهو ونتسابق بين الحقول، ونلعب بالأراجيح المعلقة بأغصان الأشجار. في إحدى الأمسيات، وبينما كنا نلعب بالقرب من منزل جدتي، نادت علينا للجلوس معها تحت شجرة زيتون ضخمة كانت تظلل فناء البيت. كانت جدتي تحب سرد القصص، وكنا نستمع إليها بشغف، حكت لنا قصصا عن الراعي الكذاب، عن الاميرة والاقزام، عن قصر السلطان، ولكن هذه المرة كانت قصتها مختلفة، وكانت تحمل في طياتها شيئًا من طابع الرعب. نظرت إلينا جدتي بنظرة جادة غير معتادة، وقالت: "اسمعا جيدًا، لا تلعبا خارج المنزل وقت الظهيرة. هناك وحش يظهر في هذا الوقت، يبحث عن الأطفال الذين يتمردون عن طاعة الكبار وعندما يجدهم يلتهمهم." كانت كلماتها كالصاعقة بالنسبة لي. لم أتوقع أن أسمع شيئًا كهذا في القرية الهادئة، تبادلت نظرة سريعة مع سارة، وكانت ملامح وجهها تعكس نفس الدهشة والخوف الذي شعرت به. لم أستطع كتمان فضولي وسألت جدتي: "أي وحش يا جدتي؟" ابتسمت جدتي ابتسامة خفيفة، لكنها لم تخفِ الجدية في كلامها: ""عتروس القايلة" الذي يخطف الأطفال الذين لا يستمعون لنصائح الكبار، إنه يتجول كل يوم في الحقول تحت الشمس الحارقة، ينتظر من يجرؤ على اللعب في وقت القيلولة." شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، كنت قد سمعت عن "عتروس القايلة" من قبل، ولكن في المدينة، هل يعقل أن يكون نفس الوحش موجودًا هنا في القرية أيضًا؟ كان الأمر يبدو أكبر مما تخيلت. بعد انتهاء حديث جدتي، انتحيت بسارة جانبًا، وقلت لها بصوت خافت: "هل سمعتِ من قبل عن هذا الوحش؟" هزت سارة رأسها بالإيجاب، وقالت: "نعم، كل من في القرية يعرفون عنه، لقد أخبرتني صديقتي ليلى أن فتاةً تعرفها من القرية المجاورة خرجت للعب وقت الظهيرة، ولم تعد إلى بيتها أبدًا." كانت تلك الكلمات كافية لتزيد من خوفي، بدأت أخشى كل لحظة قد أجد فيها نفسي وحدي خارج المنزل وقت الظهيرة، أصبحت أتخيل الوحش في كل مكان، وأصبحت تحذبرات جدتي تسيطر على تفكيري طوال فترة إقامتنا في القرية. ومع ذلك، جاء يوم قررنا فيه، أنا وسارة وبعض الأصدقاء، أن نواجه خوفنا بشكل مباشر، خططنا للبقاء في الخارج واللعب تحت أشعة الشمس الحارقة وقت الظهيرة، بالرغم من كل التحذيرات التي كانت تُلقى على مسامعنا. تجمعنا للعب وقلوبنا تنبض بمزيج من الجرأة والخوف معاً. لعبنا باندفاع لم نعهده من قبل، وكأننا نرغب في إثبات شيء لأنفسنا، كنا نركض ونضحك دون توقف، بينما كانت الشمس في أوج قوتها. ومع مرور الوقت، بدأ التعب يتسلل إلينا، لكن لم يحدث شيء؛ لا وحش ظهر، ولا تهديد تحقق. كل ما كان حولنا هو صمت الحقول المجاورة وهدوء النهار. في تلك اللحظة كان الأمر جلياً، بدأ الشك يتسلل إلى قلوبنا، ويزيل معه الغشاوة التي كانت تغطي أعيننا. هل من الممكن أن يكون كل ما سمعناه مجرد كذبة؟ قصة اختلقها الكبار لترهيبنا، ليبقونا في الظل ويحمونا من شمس الظهيرة الحارقة؟ مرت السنوات وكبرنا، ومعها بدأت الأساطير التي كانت تملأ طفولتنا تتلاشى شيئًا فشيئًا. أصبح واضحًا لنا مع مرور الوقت أن "عتروس القايلة" لم يكن سوى وسيلة ابتكرها الكبار لحمايتنا من الاخطار التي تختبئ بفترة الظهيرة، وتحديدًا من حرارة الشمس القاسية، رغم ذلك بقيت ذكريات الوحش راسخة في أذهاننا، كجزء لا يتجزأ من نسيج طفولتنا، كانت تحمل في طياتها درسًا عن مدى حرص آبائنا وأمهاتنا على سلامتنا. الآن، عندما أسترجع تلك الأيام، لا يسعني إلا أن أبتسم على تلك السذاجة البريئة التي كنا نعيشها، وعلى الخوف الذي كان يتملكنا من كائن خيالي لم يكن له وجود إلا في مخيلاتنا. لكنني في الوقت نفسه، أشعر بامتنان للحب والحرص الذي دفع أهالينا لنسج تلك الأسطورة. "عتروس القايلة" لم يكن سوى رمزًا لعناية الكبار بنا. -تمت- في ختام هذا الموضوع اريد ان اتوجه بجزيل الشكر الى آكاتسوكي لتصميمها لي لهذا الطقم الخرافي انه كما كنت اريده تماما اتمنى ان القصة اعجبتكم، هل كان يوجد وحش مماثل بطفولتكم؟ |