معذرة ع التأخر لأسبوعين كاملين فقد حصلت الكثير من الأحداث أختي ولدت وكانت بحاجة إلى من يساعدها ^^ بالطبع انشغلنا بها بعض الوقت وهناك مشكلة أخرى مع هذا المنتدى لا أدري لماذا لا يفتح معي مرات كثيرة! أعيد تحميله مرارًا وتكرارًا بعض الأحيان يفتح عندما أفصل المودم وأشغله مرة ثانية ويفتح أحيانا عندما أشغل نت الباقة من الهاتف أوصله ف اللابتوب.. لذا لا أدري أين المشكلة حقا. على كل حال عدت إليكم بفصل طويل سيعجبكم إن شاء الله ومعذرة على كل الردود التي كانت علي روايتي من ساكو وروز وأكا ممتنة لكم كثيرا عل دعمكم وسوف أرد على كل الردود قريبًا إن شاء الله فهرس رواية عيون لا ترحم رواية عيون لا ترحم [39] شيء من الحرية! -1- [قمر] كنت أقف أمام ذلك الجندي برعب يمتلأني بسبب ذلك السلاح الموجه إلي، وفي نفس الوقت مذعورة أكثر بسبب "السم" تلك الكلمة التي قالها، والتي تعني أن تلك الإبرة كانت مسممة! ماذا؟ سم؟ هل أنا أهذي.. أنتم تمزحون حتمًا! أتعني أن نهايتي قريبة؟ سأموت الآن! قبل الهرب من هنا؟ وقبل فعل أي شيء ذا قيمة في حياتي؟! شعرتُ بسخافة الوضع، وتمنيتُ من داخلي أن يكون هذا خداعًا منهم لي، بل هو خداع بدون شك! فلا يُعقل أن يسمموني! وحركت قدمي بضعة خطوات.. وأنا أنظر له بوجه هلوع لاهث، أنزل سلاحه وهو يغير نظرة عينيه إلى نظرة جادة قائلًا: أمرك يا سيدي. وأنزل الهاتف اللاسلكي ليعلقه على حزامه بجانب سلاحه، وهو يمشي ببدلته العسكرية تجاهي بخطوات عالية، كنت أنظر إليه بيأس ممزوج بالذعر وأنا أقول داخل نفسي: إنه جندي واحد! أستطيع هزيمته والفرار! سأسرق سلاحه ذاك، وأذهب إلى سامي لأحرره ونهرب معًا! لا أدري كمية المخاطر التي ستكون في طريقنا أو عدد الجنود الذين سنقاتلهم، لكننا -بلاشك- سنهزمهم جميعًا أنا وسامي! لقد تأزم الوضع.. فلا يمكنني العودة إلى الغرفة الأشبه بالسجن ولا يمكن العودة إلى الوضع الطبيعي بعد الآن! أخذت عدة أنفاس قوية وأنا أصدر صوتًا عاليًا لأهجم عليه، لكن حصل شيء غريب، فقد مادت الأرض بي، وظلت الغرفة تدور حولي وكأنني دخلت لتوّي قرصًا دوارًّا، وشعرتُ بالدهشة الشديدة عندما فوجئت بأن وجهي أمام حذاء الجندي! -2- [....] راقب الجندي قمر وهي تهوي على وجهها تحت قدميه، وابتسم ساخرًا وهو يهمس لنفسه: لقد لاقت جزائها! وجلس القرفصاء وهو يشاهد يدها تحاول التمسك بالأرضية وعيناها الرماديتان تجحظان ويتضح على وجهها ملامح الألم الشديد والمعاناة، وبدأ صدرها يهبط ويعلو ببطء وهي تئن أنينًا خفيفًا.. بدأ الألم يشتد فتتلوى على الأرض أمامه، وتحول الأنين صراخًا مبحوحًا وهي تستغيث بأي أحد لينقذها من الألم المفاجئ هذا. زفر بحرارة حيث أثار مشهدها مشاعر الشفقة والعطف لديه، فهو إنسان في النهاية، وهي طفلة صغيرة أمامه تتلوى من الألم، ماذا بيده غير التخفيف عنها؟ تذكر قول السيد هيثم له قبل أن يغلق المكالمة يقول بحزم ممزوج بالانفعال: الغبية! أعطها الترياق وتصرف حتى مجيئي! مع أن الجندي تفاجأ في البداية، فقد توقع أنه سيأمره بتركها لمصيرها، فما أشد بجاحتها وما أقبح ما فعلتْ للسيد هيثم الذي يرعاها ويعطف عليها ويعمل لأجل مصلحتها. ليتها كانت حاولت الهرب واكتفت بذلك، بل إنها اقتحمت مكتبه متسللة بكل وقاحة! لكن في النهاية هي طفلة صغيرة فعلًا، لا تستحق هذا المصير المرعب! وبحركة سريعة، سحب الدرج الثاني من المكتب لتظهر علبة صغيرة بداخله تحوي أمبولات في داخلها سائل شفاف، لن يعتقد أحدٌ اقتحم المكتب أن الترياق في الدرج التالي للدرج الذي فتحه وتسمم منه! وسحب السائل من الأمبول بإبرة طويلة بيد مدربة، ونظر إلى الطفلة المتكومة على نفسها أرضًا وقد سكتت في إجهاد، وإن كان صوت تنفسها عاليا يدل على إنهاكها البالغ وتعبها الشديد. تذكر أن هذا الترياق لم يجرب من قبل على أي طفلة! وكذلك السم.. فكلاهما قد تم تجربيهما على أشخاص بالغين! ابتسم قائلًا: حان وقت التجربة.. وانحنى إليها وأمسك يدها بعد أن ارتخت وأغلقت عيناها باستسلام دل على بدء دخولها في غيبوبة عميقة، وهو يحقنها بخفة وبسمة هادئة على شفتيه. -3- [سامي] سمعتُ ضجة عالية صادرة من المبنى الإداري وأنا أجلس على سريري غارقًا في التفكير، قمتُ بسرعة من مكاني وتوجهتُ للنافذة وأنا أمد بصري إلى الأفق القريب حيث يستقر المبنى الإداري، لمحتُ بعض الجنود يتراكضون هنا وهناك وصوت خطواتهم العالي يثير الريبة، ماذا حدث؟ هل قمر لها علاقة بالموضوع؟! عقدتُ حاجبي بقلق وقلبي بدأ يحدثني أن قمر لها علاقة بالأمر، التفتُّ إلى حيث كان ينام أمير على الأريكة ويضع الكتاب على وجهه يغطيه به، تقلب في مكانه فسقط الكتاب مصدرًا صوتًا جعله يفتح عينيه بكسل ويتثائب، ثم نظر إلي بطرف عينه وهو يعتدل جالسًا ويقول بصوت ناعس: أما زلت تقف أمام النافذة؟ ألا تمل منها؟ بمجرد أن ركز قليلًا حتى تناهت إلى سمعه الضجة التي أسمعها، فقام متسائلًا وهو ينظر باهتمام نحو الشارع قائلًا: ما الأمر؟ نظرتُ له ببرود قائلًا: أحقا لا تعرف ما يجري؟ قال باستنكار: لقد قمت لتوي من النوم أمامك! وتحفزت حواسنا بغتة عندما سمعنا صوت إطلاق الرصاص، شعرتُ بشعور مخيف هلعًا على قمر. وفضحنى وجهي المليء بالقلق حيث كنت أنظر إلى الظلام المحيط بالمبنى الإداري في محاولة مني لاكتشاف ما يجري بالعين المجردة. أو حتى لكي أستطيع أن ألمح قمر وسط تجمع الجنود خلف المبنى لكي أطمئن أنها بخير. بعدها مباشرة هدأ الوضع، وتفرق الجنود وعادوا إلى مواضعهم، وكأن شيئًا لم يكن! تنهدتُ بحرارة وأنا أنظر لأمير نظرات مختلسة، فضحك قائلًا: أعلم أعلم.. تريدني أن أذهب لاستكشاف القمر. أشحتُ بوجهي عنه وأنا حانق، هل أطلب منه فعلًا شيئًا كهذا؟ إذا فعلتُ.. سيكون دينًا في رقبتي لهذا المغرور! لكنه انسحب من جانبي واتصل على أحدهم ومن فوره قال: آه نعم.. وتغيرت ملامح وجهه لذهول جعل قلبي يسقط تحت قدمي، لكنني حاولت إخفاء هذا بجمود، أنهى المكالمة وهو ينظر لي بوجه مصدوم قائلًا بصوت جاد هذه المرة: يبدو أن صديقتك تلك قد.. اتسعت عيناي عن آخرها وهي تستقبل النبأ المريع وهو يقول بصوتٍ معتذر: تسممت! -4- [....] وقفت أديرا بوجه مشفق وهي تتأمل قمر النائمة على سرير أبيض في إحدى غرف المستشفى، وجهها شاحب، وبشرتها مصفرة، والعرق يغمر جبينها الصغير ويبلل أطرف شعرها المتناثر حولها على الوسادة، وقد ارتدت رداءً أزرقًا كبقية المرضى في هذا المستشفى، واتصل بيدها المغذي الوريدي وهو معلق بجانبها على السرير. وقف هيثم خلفها وهو يقول بهدوء خافيًا انفعاله: تلك الفتاة استثنائية فعلًا. من أول يوم تجلس فيه عندنا.. تقوم باقتحام مكتبي! شجاعة نادرة لطفلة خارقة! أطرقتْ أديرا رأسها بحزن وقالت بأسف: أنا آسفة. كل هذا بسببي. كان ينبغي لي ألا أنام حتى تنام هي! هز رأسه نفيًا على الرغم من الغضب الذي احتل صدره، وقال بلطف: ليس الذنب ذنبك!.. كنت أشعر أنه من اللازم أن أعين اثنتان لتراقبانها، لكنني خمنتُ أنه من الأفضل أن تكون مراقبة واحدة لتنشأ بينهما علاقة أشبه بالأصدقاء أو يتعلق قلب قمر بها. ثم تنهد قائلًا بشبه ابتسامة ساخرة: لم أتوقع أنها من أول يوم ستحاول فعل أعمال إرهابية! رفعت أديرا عينها إليه دهشة على جملته الأخيرة، ولكنها لاذت بالسكوت، ثم لم يسعها إلا أن تقول بقلق: لكن.. منذ ثلاثة أيام، أقصد.. منذ أخذها للترياق وهي في ارتفاع شديد في حرارتها حتى ظننا أنها ستموت من الحرارة لا من السم. ألا يوجد علاج لها؟ هز كتفيه دلّا على حيرته وهو يقول: إنها حالة غريبة عجز الأطباء عن حلها، ربما جسدها الصغير له أثر في أنه لم يمتص السم أو الترياق بشكل كافٍ. فلم تمت أو تحيا. إنها في حالة رمادية بين الحالتين. فقالت أديرا في اهتمام: ألا يمكن أنها بحاجة إلى شخص يدعمها؟ قريبها أو شيء كهذا.. ما أعرفه أن المرضى.. تقوى مناعتهم بشكل محسوس بسبب حالتهم النفسية التي ترتفع عند دعم من حولهم. عقد حاجبيه قائلًا بتهكم: لا تحاولي القول أنني ينبغي لي أن أذهب لأحضر عمها هنا لدعمها! قالت أديرا في إحراج: لا لا.. لم أقصد هذا! لكن السيد هيثم صغر عينيه وهو ينظر إليها بتفكير عميق أحرجها أكثر، ثم قال بعد مدة باستمتاع: ولم لا.. إنها فكرة ممتازة! لم تدرك معنى قوله، وفوجئت به حين استدار بحركة حادة على عقبيه ومشى في خطوات سريعة ثابتة، تبعته أديرا وهي تتساءل بقلق: سيدي.. ماذا ستفعل؟ قال لها دون أن يلتفت بلهجة آمرة: اذهبي إلى دكتور مشيل، اطلبي منه أن يجرب إعطائها جرعة مكثقة من دوائنا السري المنشط. اتسعت عيناها بخوف قائلة: ولكن يا سيدي ذلك الدواء لم يُجرب من قبل على الأطفال..! نظر لها شبه غاضب وهو يغمغم بضيق: حسنًا، سنتركها تموت لأن هذا الدواء لم يُجرب من قبل على الأطفال؟! سكتت وهي تخفي اعتراضًا كاد يخرج من فمها، فقال لها ليقطع ترددها بلهجة حازمة: أنا صاحب مسؤوليتها على أية حال، لذا نفذي ما أقول. من يدري؟ لعل جسدها يتحمل هذا الدواء وتعود للحياة! قالت باستسلام: حاضر. وتراجعت إلى الخلف بخطوات سريعة وهو أكمل طريقه إلى الأمام ثم ابتسم بهدوء عندما لاح أمامه غرفة محددة، وقال ساخرًا وهو يفتح بابها: سامي.. لابد أنك اشتقت إلي! -- كان سامي مستلقيًا على سريره وهو يغطي رأسه في محاولة منه لإسكات الصداع المتواصل الناتج عن قلة النوم والإرهاق، كان خبر قمر الأخير جعله يائسًا إلى أقصى حد. وكم شعر بالعجز وهو غير قادر حتى على زيارتها! علم من أمير أنهم أعطوها ترياقًا مضادًّا للسم، لكن جسدها لم يتحمل الترياق والسم معًا فغرق في غيبوبة عميقة، وظل جسدها يعاني من حمى مستمرة حتى مرت ثلاثة أيام ثقال عليه لم يعرف فيها طعم النوم أو الراحة! كان يشعر أن الأمل الذي جاءه قد تبخر، وحل بدلًا منه يأس فظيع يتملكه في كل ثانية، واكتئاب حاد جعله متمنيًّا الموت على ألا يخوض هذه الأحداث المُريعة! حاول تمالك مشاعره عندما تذكر قمر وهي تضغط على يده وتخبره أنها "اكتسبت الشجاعة بوجوده هنا"، أهذه الشجاعة التي تقصدها؟! أن تقتحم مكتب هيثم مجازفة بحياتها وبنفسها! تقطع قلبه في حزن على مصير ابنة ذلك البطل الراحل السيد آسر، وعض على شفتيه بمرارة وهو يقول لنفسه ساخرًا: إذا كان السيد آسر رحمه الله يعلم أنني سأكون عاجزًا في مثل هذا الموقف لما صافحني بكل تلك الحرارة وقتئذ! بل لعله كان سيبصق على وجهي حينها! وفي غمرة أفكاره انتفض عندما وجد السيد هيثم يدخل عليه وهو يقول مبتسمًا بخبث ضاحك: ابني العزيز سامي، كيف حال صحتك؟ اتسعت عيناه عن آخرها وهو يقوم جالسًا متسمرًّا بذهول، ووجهه يتحول لوجه غاضب مظلم، ضغط على أسنانه وهو يقول بصوتٍ جامد قصد به أن يخفي ارتعاشته: ما الذي جاء بك؟ ابتسم هيثم بسخرية وجلس أمامه على الأريكة التي كان يجلس أمير عليها يقرأ كتابًا ما وأغلقه بسرعة لدى دخول السيد هيثم وقام واقفًا وهو يحييه باحترام. تأمل هيثم وجه سامي المنهك وتحت عينيه ظلال سوداء، جسمه الذي نحل أكثر في خلال أسبوع واحد فقط! فغمغم ساخرًا: ما الأمر؟ لم تعجبك الإقامة عندنا؟ حدق فيه سامي بعينين سوداويتين حادتين، فقال هيثم رافعًا حاجبيه في استعجاب: مع أنني حرصت أن تنال أفضل عناية هنا! قال سامي بصوت ثائر: الشارع أكرم لي من أكون هنا. قال هيثم ضاحكًا: لالا.. أظن أن هذا الكلام تقوله من وراء قلبك! عقد سامي حاجبيه بغضب وتتطاير الشرر من عينه وقال: كف عن التفاهة، وأخبرني ما فعلتَه بقمر! تراجع هيثم في جلوسه وهو يقول بابتسامة ماكرة: لم أفعل بها شيئًا، هي التي فعلتْ.. كان سامي يشعر بغضب لا مثيل له، يجعله راغبًا في جز عنق هيثم ومن بعده أمير .. ولكن.. لا يمكنه فعل ذلك وقمر في أيديهم! فهو لا يخاطر بنفسه وحسب. سمع هيثم وهو يقول له بلهجة خاصة: وقد جئتُ إليك بخصوص هذا الموضوع، أريدك أن تزور قمر. وسأمنحك بطاقة مرور تسمح لك بالتجول في المستشفى بحرية تامة لزيارتها والتردد عليها. وأكمل رافعً حاجبيه بدهاء: وأمير لن يلامزك طوال الوقت كالأيام السابقة. كما أن طبيبك أخبرني أنك بحاجة إلى بعض جلسات العلاج الطبيعي والمشي باستمرار لكي تعود إلى سابق عهدك. ألقى هذه القنبلة على سامي الذي ظل متسمرًّا مكانه ومشدوهًا، ثم قام واقفًا من فوره وهو يقول بزهو: لذا كن شاكرًا لي يا صغيري. تبعه أمير وهو يلحق به قائلًا: سيد هيثم! هتف سامي بضيق بالغ بعد أن أدرك لطف السيد هيثم الكاذب المفاجئ: إياك أن تظن أنك ستقدر على الاستفادة من وجودي هنا بأي شكل من الأشكال التي في عقلك! أتفهم؟ التفت أمير إليه عاقدًا حاجبيه بانزعاج، وابتسم السيد هيثم ابتسامة ساخرة! خرج الاثنان من الغرفة وقال أمير باستعجال: سيدي.. لماذا ستعطي سامي حريته؟ وفوق هذا سأتوقف عن مراقبته! سيهرب بالتأكيد! ضحك السيد هيثم قائلًا: ومن قال أن من كان يوقف سامي عن الهرب هو أنت يا أمير؟ إن سامي الذي أعرفه يمكنه إسقاطك أرضًا في عدة ثوان ثم الهرب، لكن سامي يحسب حسابًا لكل شيء يراه أمامه، بالطبع لا يريد التضحية بقمر ويريد إنقاذها معه، ولا يريد أن يجازف في رحلة هروب خاسرة. ثم تحولت ملامحه للجدية قائلًا: إعطائه بعض الحرية الآن هو ما سيجعله متقبلًا لوجوده هنا، وشيئًا فشيئًا سيشعران بالانتماء هو وقمر لهذا المكان! حتى لو رفضا ذلك ظاهريًّا، فهذا لن يغير حقيقة أنهما سيعتادان على الوضع، ويتصبران بوجود بعضهما البعض! -5- [باسل] كنت أجلس ساهمًا أمام التفاز الذي فُتح على قناة كرتون تشاهدها دانة، وبراءة التي تلعب لعبة أخرى مع دميتها وتكلمها بلغتها غير المفهومة تجلس بجانبي وتخاطبني بين الحين والآخر بجملة منفعلة، فأضحك لها مجاملًا دون أن يغادرني الشرود على قمر. نظرت إلي دانة قائلة بضحكة: انظر إلى ذلك الوحش شكله مضحك جدا، ليس مرعبًا أبدًا. ويزعمون أنه كرتون مرعب! نظرتُ لها بدون اهتمام، وتنهدت بحرارة فقالت منزعجة: باسل.. ألا زلت تفكر في تلك الفتاة؟ قلتُ بحنق: ماذا؟ وهل من الطبيعي أن نعيش حياتنا بشكل عادي وقمر مختطفة؟! تأففت وهي تقول باستهانة: هي من ورطت نفسها ف الأمر على أية حال، فقد كانت كل تصرفاتها السابقة من غياب متواصل عن المنزل وبيات في الخارج يدل على تورطها في أمر ما، وهاقد انقلب الأمر عليها. قلتُ بعصبية: لا شك أنها تورطت في الأمر بدون إرادتها! ولعل تلك العصابة خدعوها واستغلوها.. هزت كتفيها دلالة على عدم الاهتمام وهي تقول: هي المذنبة أولًا وآخرًا أنها لم تحترم كلام أبي ولم تسمعه.. شعرتُ بغضب شديد من دانة، فأنا قلبي متألم جدا على حال قمر وهي وأمي لا تكترثان تقريبًا! صحيح أن أمي بدت جادة للغاية وهي تدلي بأوصاف قمر للشرطة وبدت قلقة عليها بعض الشيء.. لكن دانة يبدو أنها مرتاحة لسماع خبر اختطاف قمر! لعلها لن تمانع أبدًا إن لم تعد قمر إلينا! انقبض قلبي بشدة لدى هذا الخاطر المفزع، ولم أتحمل الضيق في صدري فقمتُ من فوري من جانب دانة وخرجت من المنزل كله متجاهلًا نداءاتها هي وبراءة. أريد أن أتنفس بعض الهواء النقي، ألقيت نظرة على السماء المظلمة، وداعب الهواء البارد وجهي. نظرتُ إلى موضع قدمي من العشب، وأتذكر يوم أن وجدت قمر واقعة على الأرض هنا، ويوم أن كانت منهارة من البكاء هناك وأنا حملتها بنفسي إلى مكان صفية! أحقا دانة لا تهتم بأمر قمر إطلاقًا؟ لماذا تكرهها لهذا الحد؟.. وألا تهتم أمي حقا برجوعها؟ أمي ودانة.. لا أحد تأثر تقريبًا باختفاء قمر. تبًّا، لو كان بيدي شيء أفعله لها.. أو حتى أستطيع الذهاب للبحث عنها لما تأخرت! مهلًا، لماذا لا أطلب هذا من أبي؟ سأخبره مباشرة أنني أريد البحث عن قمر، وسأسأله عن كل شيء يعرفه عن تلك العصابة، سأفعل أي شيء من أجل إعادتها. وكأن أفكاري تعرضت للتحقق الفوري، فقد وجدتُ سيارة أبي تدخل من البوابة أخيرًا، وهو يترجل منها ويترك المفتاح للبواب ليركنها في المكان المخصص، فتطلعتُ إليه والأمل يملأ وجهي، وابتمستُ لدى رؤيته وأنا أركض إليه بحماس. وقفت قربه وأنا أهم بالسلام عليه، لكن هالني منظر وجهه المتعب وملامحه المرهقة، ابتسم ابتسامة باهتة قائلًا: كيف حالك يا باسل؟ قلتُ بتلعثم: بخير.. قال بلهجة رفيقة: أهناك شيء ما؟ أطرقت رأسي في الأرض مليا وأنا أفكر كيف أتحدث، لا شك أن أبي سيرفض رفضًا قاطعًا، لكنني سأصرّ على مطلبي! قال أبي بتساؤل قلق: أهناك شيء يا باسل؟ رفعتُ وجهي فجأة إليه وأنا أقول بانفعال: أبي.. أريد معرفة كل شيء عن العصابة التي خطفت قمر. أريد أن أتتبعهم لأعرف مكانها وأذهب لإنقاذها. لا يمكننا أن نتركها هكذا لهم بانتظار تحركات الشرطة وحسب! سكتت وأنا ألهث وأنظر إليه، انعقد حاجباه وحدجني بنظرات لائمة، وكأنه يلومني على أنني أشعرتُه أنني الوحيد المهتم لأمر قمر هنا. قال بلهجة هادئة: باسل.. الأمر خطير ولا يمكن تناوله بهذه السطحية التي تقولها. العصابة التي خطفت قمر ليست مجرد عصابة عادية. إنها تحتاج جيشًا كاملا للإطاحة بها! اتسعت عيناي بذهول ورددتُ: عصابة بهذه الخطورة .. لماذا تخطف قمر؟ هز رأسه وكأنه يقول "ليس هذا وقت سؤال كهذا"، وقال وهو يبتسم لي محاولا بث الطمأنينة في: ولكن لا تقلق، تلك العصابة لن تؤذي قمر بأي حال من الأحوال، أنا متأكد من هذا. ولكننا نعمل جميعًا على كل الحلول الممكنة لاستعادتها. ثم قال بعطف: لا تحمل همًّا يا باسل. ولا تنس قمر من دعواتك! أصابني الإحباط الشديد لكلام أبي، وشعرت بأنني لست كفؤًا لأن يناقشني في أي شي عن هذه العصابة أو حتى يشاركني أية معلومات عنها. ابتلعتُ غصة مريرة في حلقي وأنا أرى أبي يهم بالابتعاد ودخول المنزل، فقلتُ بصوت متحشرج: أبي.. التفت إلي وهو يمسك رأسه قائلا بلهجة متعبة: آسف يا باسل، سوف نتحدث لاحقًا. لكن هل يمكنك أن تطلب من صفية صنع كوب قهوة لي؟ فالصداع يكاد يقتلني. أومأت برأسي في اختناق وهو ابتسم لي ممتنا: شكرًا لك يا باسل! أخبرها أن تحضر القهوة إلى مكتبي. ودخل المنزل وأغلق الباب خلفه، وأنا مشيتُ ببطء إلى المطبخ لأخبر صفية ما طلبه أبي، وعدتُ إلى بيت الكلب جون وأنا أنادي عليه وهو ينبح باستمرار مرحبًّا بي. فتحتُ بيته- أنا أغلق بيته أحيانًا لأن صفية وريهام لا يحبان تجوله في الحديقة كما يحلو له ومحاولته للعب معهم-، وكالعادة هجم علي جون وظل يلحسني بلسانه الطويل. لم أكن مستمتعًا باللعب معه بقدر ما كنت أحاول نسيان الإحباط والمرارة التي أصابتني. لبثت معه بعض الوقت ورافقته في جولة تمشية في الحديقة كلها، ولكن التقطت أذني بعض العبارات الغاضبة المنفعلة عند البوابة.. دققت السمع وأنا أقترب برفقة جون، لأجد من بعيد ولدًا يرتدي بعض الملابس المتواضعة، ويقف خلف البوابة ويردد في إصرار: دعني أقابل عم قمر حالًا. لكن العم فرج كان يصرخ فيه غاضبًا: اغرب عن وجهي أيها الحثالة، السيد ياسر لا يقابل أمثالك! اقتربتُ أكثر لأرى شعره الأشقر وبشرته السمراء وعينه الخضروايتين، لأكتشف أن هذا الولد.. هو عبيدة! ذلك المتشرد رئيس عصابة الضرب. ردد عبيدة بغضب: أقول لك أنه أمر مهم! يالك من غبي لا تفهم! قال عم فرج بغضب مماثل: بل أنت الغبي حيث أقول لك لن تقابله ومع ذلك ما زلت تقف هنا! ركضتُ مسرعًا لأحاول التدخل، ولمحني عبيدة فالتفت لي وقال بلهجة منفعلة: باسل. أخبر والدك أنني أريد مقابلته حالًا.. قلتُ له باستغراب: لماذا؟ نظر لي بحدة وعيناه الخضرواتين تشع كراهية وقال مزمجرًا: الأمر ضروري وعاجل! أرجوك لا تكن غبيًّا مثل هذا الرجل ودعني أقابل والدك.. شعرتُ بأن في الأمر شيئًا، فأومأت برأسي بتفهم والتفت إلى عم فرج قائلا بتوسل لكي أهدئ من غضبه: عم فرج، هل يمكنك .. قاطعني بقوله محتدًّا: لن أدخل هذا الولد مع قلة أدبه حتى أسمع السيد ياسر بنفسه يطلب مني هذا! رباه، أظن أنني يجب أن أذهب إلى أبي مباشرة وآتي به إلى هنا. آلمني أنني سأفعل ذلك مع موقف أبي قبل قليل، لقد استهان بي وأشعرني أنني مجرد طفل.. ومع ذلك أنا مُجبر على التعامل على أنني ابنه الكبير الذي يجب أن يتحمل المسؤولية! أسرعتُ إلى أبي وطرقت باب مكتبه، وعندما سمعتُ صوته: ادخل. ورأى وجهي أمام الباب قال باستغراب: باسل؟ قلتُ بسرعة: أبي.. هناك ولد على البوابة يريد أن يقابلك! لاحت أمارات الدهشة عليه وردد بحذر: ولد.. من هو؟ قلتُ ببطء: إنه عبيدة.. تراجع إلى الخلف بعينين متسعتين رماديتين وقال: عبيدة؟ من هذا؟! -6- [سامي] كنت أسير خلف أمير الذي أعطاني لتوه بطاقة ممغنطة زعم أنها ستفتح لي كل "الأبواب المغلقة" بابتسامة سمجة، وهو الآن يدلني على غرفة قمر، حدث هذا بعد ذهاب هيثم مباشرة.. لشد ما شعرتُ الأمر سخيفًا، أعلم أن الموضوع في صالحي وصالح قمر. فبعد أن كنا نتقابل بإذن مخصص منه، الآن لي الحرية في الذهاب إليها. وبدون مرافقة أمير أيضًا! لكن أن يكون هذا بمزاجهم.. هذا ما يزعجني! وقف أمير أمام الغرفة المنشودة التي كانت تقع في الطابق العلوي، فوقي مباشرة، وقال مازحًا: ها هي غرفة الأميرة النائمة! تجاهلته تمامًا وأنا أتقدم للباب، أخذت نفسًا عميقًا. "يبدو أن الفارس قد جاء إليك أخيرًا!" وهو أخذ يضحك بعد جملته السخيفة. دخلتُ بهدوء وأغلقت الباب خلفي كأني أمنعه من الدخول. وتأهبتُ للمنظر الذي أمامي. كانت قمر الصغيرة تنام على سرير في وسط الغرفة، وجهها شاحب وبشرتها منهكة، شعرها الناعم قد تبعثر على وسادتها، وقد أصاب جسدها الهزال بشكل واضح، وهناك مقطر وريدي يتصل بيدها اليمنى، وقد تغطت بغطاء رقيق حتى صدرها أظهر بيجامة المستشفى القطنية الزرقاء التي ترتديها. تقدمتُ منها والجزع يتملكني، فلم يسبق لي رؤيتها بهذا المنظر من قبل! وشعرتُ بشفتيّ ترتعشان وأنا أمسك بيدها الصغيرة وأضعها في راحتي، أنا آسف يا قمر. لا أدري أي شيطان ألقى في عقلي أن أٌقحمك في هذه المنظمة الجبانة! كادت عيناي تدمعان وأنا أمعن النظر إلى وجهها البريء، الذي يتضح على ملامحه أنه "عانى سكرات الموت!". مددتُ يدي إلى وجهها، وضعتُها على جبهتها وأنا أرتب شعرها المبعثر، وأشعر بسكاكين تقطع قلبي. لم كان علي أن أعيش حتى أشهد هذا المنظر؟ لماذا لم أمت وحسب في تلك المذبحة؟ لماذا عشتُ لأصبح كلبًا لهيثم، كلبًا ينهش في لحم تلك المسكينة ويجرها إلى وكره؟ ويخون السيد آسر، ويخون أخاه التوأم كذلك! عضضتُ شفتيّ حتى أدميتُها قهرًا، وظلت أفكاري تلومني كسياط يلهب ظهري مرارًا وتكرارًا، وجلد الذات يملأ عقلي حتى أوشكتُ على الانهيار! " لا تقلق، لقد زالت حرارتها تقريبًا" انطلق هذا الصوت من الأريكة المقابلة للسرير، انتفضت بذعر متفاجئًا بأديرا التي كانت نائمة على الأريكة ولم أنتبه لها، إذ أنها كانت تتغطى بغطاء ملون بنفس لون الأريكة! تسمرت مكاني بعض الشيء لأستوعب وجودها، ثم قلتُ بغضب: لماذا أنتِ هنا؟! قامت جالسة على الأريكة وهي تتثائب بكسل، وقالت بلا مبالاة: أتريدني أن أترك قمر لوحدها إذن؟! ثم قامت وهي ترتب الغطاء قائلة: لحسن حظها أن الحرارة المهولة التي استمرت بها ثلاثة أيام قد زالت تقريبًا. ثم التفتت لي قائلة بابتسامة فخر: وهذا بسبب دوائنا السري المنشط الذي أعطيناه لها صباحًا، كن ممتنا للسيد هيثم. فهو من أعطانا الإذن باستخدامه عليها. قلتُ بحدة وتوجس: أي دواء هذا؟! لا أستطيع الثقة في أي دواء من طرفكم! قالت وهي تهز كتفيها: لا بأس، يمكنك اعتقاد ما تريد. لكننا صدقًا كنا نريد إنقاذها، وإلا لما أعطيناها الترياق ومن ثم ذلك الدواء المنشط. إنه دواء تم اختراعه في مركز بحثي تابع لمؤسسة السيد هيثم. وقد أصبح دواءً سريًا لم نخرجه للعلن لفعاليته القوية. سكتتُ وأنا أكتم ضيقي البالغ، هم من تسببوا في مصابها أولًا ثم يريدون أن يمدحوا نفسهم لأنهم عالجوها! الأوغاد! أكملت هي مفسرة: الدواء المنشط يحتوي عدة أعشاب نادرة تساعد في تنقية الجسم من السموم الشديدة. ولهذا كان مناسبًا جدا لحالة قمر! على الرغم من أننا نجربه لأول مرة على طفلة، لكن تجربتنا نجحت كما توقع السيد هيثم. وقد زالت حرارتها – بشكل مبدئي – وهذا ما يعني أن جسدها يتحسن. قلتُ حانقًا: هذا ليس دليلا أنها نجحت، فقد يكون له أضرار بالغة عليها ولكنها لم تظهر بعد. قالت هازئة: بالتأكيد كلا، فهذا الدواء مكوناته طبيعية، إن لم تسبب تحسنًا فلن تسبب ضررًا. نظرتُ لها بعدم اقتناع، وعاودت النظر إلى وجه قمر الهادئ، بالفعل تبدو حرارة جسمها طبيعية! أهذا يعني أن كلام أديرا صحيح؟ كان قلبي في الداخل يتمنى أن يكون كلامها صحيحًا بشدة، لكنني ظاهريًا حافظت على ملامح الوجوم والضيق على وجهي. -7- [نور] كان فيجو يقف بجانب سريري ويتصل على أمي ليخبرها بما حدث لي لتأتي إلي، مع أنني كنت معترضًا في داخلي لكنني لم أتمكن من إظهار هذا الاعتراض! لكنني.. لم أكن أرغب بمجيئها أبدًا بعد ما حدث بيني وبينها آخر مرة! في الساعات السابقة كنت ملتزمًا للصمت برفقة فيجو حيث جاء بي إلى المستشفى وهنا أخذني الممرضون إلى غرفة الأشعة لفحص اليد التي اتضح أن فيها كسر بسيط تم تجبيسه مع إعطائي تلك الحقنة المضادة لعضة الكلاب بعد تضميد الجروح الناتجة عن عضته. وأخبروا فيجو أنه من المفترض أن أمكث هنا ليومين متتالين تحت الملاحظة. ظل فيجو أيضًا صامتًا وإن لم يمنع نفسه من إبداء ملاحظات بين الحين والآخر "أوه لم أتوقع أن عضة الكلب بهذه الخطورة" و "يبدو طاقم الممرضين هنا ممتازًا حقا" ولكنها كانت تعليقات من جانب واحد حيث لم أكن أرد عليه، ولم يكن يتوقع هو مني أي رد إذ أن وجهي كان يشي بالألم الذي أتحمله. في غمرة أفكاري انحنى إلي فيجو قائلًا بابتسامة: والآن يا نور حان وقت ذهابي. لكن أمك قادمة في الطريق إليك. نظرتُ له عابسًا، فلوح لي بيديه وهو يخرج من باب الغرفة ثم قال: وبالمناسبة، ستأخذ إجازة من أي مهمات حتى تُشفى يدك. قلت ساخرًا في داخلي: ياه، يا لكرمك! كنت آمل أن أتخلص من قبضته تلك ولو مؤقتًّا، لكن سماع ذلك منه جعلني أشعر بضيق بالغ أنه بمجرد أن تشفى يدي سأعود إليهم! .. لحظة.. أيعني هذا أنه إذا لم تشفى يدي.. لن يعطونني أي مهمات؟! انطلقت تلك الفكرة تملأني بغتة، إصابتي ستمنعهم من إعطائي أية مهمات، ولقد أوقفوا التعامل مع أمي، أي أن كلانا لن ينال إزعاجًا منهم. لذا ببساطة، الإصابات المستمرة ستجعلني بعيدًا عن المهمات بصفة مستمرة أيضًا. أدخلت هذه الفكرة الأمل إلي، وشعرتُ بسعادة غامرة وأنا أشعر أنني انتصرت على فيجو.. سوف ألعب معهم لعبة "الإصابات" إذن.. "نور.. أنت بخير؟!" كان هذا صوت أمي وهي تقول تلك الجملة بهلع مقتحمة الغرفة بشكل فاجئني. سكتتُ بإحراج عندما وجدتها تنظر لي بهلع ممزوج بالحنان وهي تقول بلهجة لائمة: لقد أقلقتني جدا.. واقتربت مني بسرعة وهي تضمني، فاجأني الوضع وأنا أذكر موقفنا الأخير.. فأشحتُ بوجهي صامتًا. أما هي فرفعت وجهها وهي تنظر ليدي المجبسة بقلق قائلة: ماذا حصل لك؟ سكتتُ وأنا أنظر لوجهها وأفكار الضيق تتسلل إلي، ثم قلت بجفاء: ألم يخبرك فيجو؟ عقدت حاجبيها بحزن بسبب لهجتي العدائية، وأطرقت برأسها قائلة في خفوت: بلى. لكنني أردت منك أن تشرح لي. قلتُ عابسًا: ليس الأمر داعيًا إلى القلق. لا شيء خطير. حينذاك جلست أمي على الكرسي المقابل لسريري وهي تقول باستسلام: فهمت. بدا على وجهها الجميل الأسى والحزن العميق، تنهدت وأنا أشعر أنني قاس نوعًا ما على أمي. لكن لا ذنب لي، هي من بدأت هذا الأمر كله! قالت بمرارة وهي تنظر إلي يدى المجبسة: أحصل هذا في أول مهمة لك؟ إذن ماذا سيحصل في ثاني وثالث مهمة؟! عقدت حاجبي بحنق حيث شعرت بها تسخر من ضعفي، فقلتُ مدافعًا: هذا بسبب غلطة وقع فيها فيجو. ثم قلتُ جملة أخرى بلهجة واهنة: كما أنني أخذت إجازة من أي مهمة حتى أشفى. لم أكن أدري هل قلتُ تلك الجملة لأطمئنها، أم من أجل ماذا بالضبط؟ أمن أجل أن أشعرها أنه بفضل إصابتي قد توقفت فترة عن أداء مهماتهم القذرة فهذا في صالحي؟ لكن وجهها ارتاح قليلًا وهي تقول بابتسامة: هذا جيد! سكتت ولم أدر ما أقول، وهي بادرت بالحديث قائلة بوجه شارد: نور.. سامحني. لفت الحديث انتباهي فنظرتُ لها باهتمام، وهي أكملت بندم: لقد كنت قاسية عليك فيما مضى. تفاجأت بأسفها المفاجئ وحديثها الصريح، فتحت فاهي داهشًا.. وهي بدأت تنظر لي بعينين دامعتين هامسة: أعلم أنني ظلمتُك كثيرًا، وضايقتُك بتصرفاتي الأنانية باستمرار. وتحشرج صوتها وهي تقول باكية: أما أنت، فتحملت المسؤولية ببطولة، حملتَ هم أختك إيلين كما ينبغي، وحملت هم بوارو بشجاعة، وحتى بعد ضعفي وانهياري.. وقفتَ في وجهي كي توقفني. وطبعًا لا يمكنني أن أنكر فضلك علي في محاولة تخليصي من المافيا، ذلك الكابوس المستمر الذي لم يكن في مقدوري الفكاك منه! لكنك تحملت مسؤوليتها أيضًا مضحيًّا بحياتك! وابتسمت بين دموعها قائلة: لقد كنتُ بئس الأم لك، وأنت كنت نعم الابن لي! كان حديثها الصادم وبكائها، مما هز أعماقي. ولم أشعر بنفسي إلا وهي تحضنني بقوة متأسفة مرارًا وتكرارًا. لمستُ بيدي السليمة وجهي لأجده غارقًا في دموع صامتة، ولأول مرة أشعر بصدق مشاعر أمي، وصدق حضنها الدافئ. -8- [سامي] مرت عدة أيام ثقيلة لم يكن يخففها إلا حصولي على حرية زيارة قمر متى شئت، وحرية التجوال في المستشفى، ولقد رافقني أمير في عدة جولات حول المستشفى ليريني جمالها ثم أدخلني المبنى الإداري لتناول غدائنا ذات يوم. كنت أتناول الطعام المقدم لي من المستشفى بدون اعتراض، لكن رؤية الطعام المتنوع الشهي في قاعة الطعام تلك كان شيئًا مختلفًا. كنت أزور قمر عدة مرات في اليوم مقسمة، وبقية يومي كان مليئا بالتجول هنا أو هناك (برفقة أمير أو لوحدي في المستشفى). مع بعض جلسات العلاج الطبيعي (التي ساعدتني على المشي بدون أن أعرج وبدأ مشيي يصبح طبيعيًّا). واكتسبت لقبًا أسعدني إلى حد ما من الجميع، إنه "الشاب الغريب". فقد كنت غريبًا في نظرهم! وهذا أفضل شيء، لا أريد الانتماء لهم.. ولا أريدهم أن ينتموا لي! وإن كنت في داخلي أفكر بعض الأحيان في تمثيل الانتماء لهم حتى نستطيع الهرب! ومؤخرا أصبحتُ أذهب إلى صالات التدريب الرياضية لتدريب جسدي بعد أسابيع المرض تلك. مع أن رؤية قمر كل مرة بدون أن تستيقظ كان يدخل اليأس العميق إلي، ومع ذلك، فقد كنت متأملًا أنها ستصحو قريبًا، بسبب وجهها المتورد الذي كان يعود إلى سابق عهده يومًا بعد يوم، وعلاماتها الحيوية التي تحسنت حتى صارت طبيعية باعتراف طبيبها، لكنني كنت أصبر نفسي بأنني أعد العدة لكي نهرب في الوقت المناسب إذا استيقظت! كان أمير قد بدأ بالاقتناع أنني شبه موافق على الاندماج معهم، لذا بدأ يثرثر لي عن كل تفصيلة في كل شيء متعلق بالمبنى الإداري أو المستشفى، حتى أنني عرفت عدد عاملات النظافة! وكنت أتجاوب معه بشكل سطحي لا يرضيه لكنه اعتاد مني ذلك. في تلك الليلة، بعد فحص الطبيب لي، قال باسمًا: والآن لقد التئم جرح الرصاصة بشكل كامل. يمكنك العودة لحياتك الطبيعية يا بني. لكن احذر من إجهاد قدمك المصابة قبل مضي عدة أشهر حتى يكتمل التعافي. قلتُ ساخرًا في داخلي: حياتي الطبيعية إذن؟! لم تعد طبيعية بعد اليوم! وارتديتُ ملابسي من فوري متجها لغرفة قمر، لم أجد أديرا كالعادة أو حتى أي ممرضة، تنهدتُ براحة.. هذا أفضل بالتأكيد. فأديرا مزعجة أيما إزعاج! وألقيت نظرة باسمة على ذلك القمر النائم، لقد عاد وجهها لحيويته وطبيعته، وقد أخبرني طبيبها اليوم أنهم أجروا فحصًا لدمها، فوجدوا السم قد اختفى بالكامل. شعرتُ بفرحة غامرة لسماع هذا، وجلستُ على الكرسي المجاور لسريرها وأنا أشرد في ذلك الوجه الصغير وأشد على يدها الطرية.. لشد ما عانيتِ يا قمر في حياتك القصيرة تلك! لقد مرت عشرة أيام تقريبًا منذ وقعت في غيبوبة السم، لقد طالت غيبوبتها – في نظري كثيرًا- وبدأت أشعر أنها لن تستيقظ إلا بمعجزة! قطعتُ أفكاري عندما سمعتُ همهمة، نظرتُ نحو وجهها في انتباه شديد، لأجد فمها يتحرك ببطء وهي تأن بضعف.. لم أكن أصدق المعجزة وقد بدأت تحصل أمام عيني.. --- كالعادة أريد فقط سماع توقعاتكم ^^ وبالطبع رأيكم في الأحداث.. . . |