السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبًا جميعًا، أتمنى تكونوا بأفضل الأحوال عدتُ مجددًا مع قصة جديدة قلتُ سابقًا أن هناك فكرة ما قررتُ الإعلان عنها في مقدمة هذه القصة بالحقيقة، قررتُ كتابة مجموعة قصصية مترابطة تشبه الرواية لكنها صغيرة + القصص ستكون مكتفية بذاتها إلى حدٍ ما سيبدأ الأمر مع قصة "فورتون" والتي كانت مذكرات روبرت والآن قصة "فينديكتا" والتي ستكون... ستعلمون بعض قليل XD ستكون هناك قصة أُخرى مع شخصية جديدة وبعدها سأبدأ بعرض الحدث الرئيسي في القصة الرابعة~ على كلٍ، هذا الحديث سابقٌ لآوانه~ أتمنى فقط أن تستمتعوا بهذه القصة ^^ -بالمناسبة، فينديكتا تعني "انتقام" باللاتينية- + شكرًا أكا على هذا الطقم المذهل بجدية، أنا اتحمس للتصميم أكثر من القصة نفسها XD @Akatsuki نبذة عن القصة: بضع ورقاتٍ تركها صبي خلفه قبل شروعه في إنهاء سلسلة معاناته… لكل ذنبٍ مذنب، ولكل مذنبٍ عقاب. تتفاوت الذنوب بين سيئةٍ وجريمة، ويتفاوت عقابها بين ليلةٍ ودهر. الجريمة كالخيط الممتد، حينما يتشبث به لهب، فإنه يُتلف حتى النهاية. اليوم، حان وقت تَلفي وآن وقت عقابي... عندما كنتُ صغيرًا لا تتعدى أيامي في الحياة نصف عِقد بالكاد، مات والدي في إحدى رحلاته للتجارة. جاهَدت والدتي لترعاني بينما كانت تُصارع نظرات الناس من حولنا. كانت شابة صغيرة بالكاد أتمت عامها الخامس والعشرين في حين كنتُ أنا في الرابعة. كانت والدتي طيبة الطباع كريمة العطاء رغم حاجتنا بعد وفاة والدي. أتذكر أنها كانت كثيرًا ما تذهب للقرية المجاورة لمساعدة المرضى. كانت قرية فقيرة مليئة بالأمراض ينبعث منها دائمًا رائحة الموت بينما كان لوالدتي بعض الخبرة في مجال الدواء والأعشاب. مرت الأعوام حتى جاءت ليلةُ إتمامي لعامي الثامن. كنتُ أنتظر والدتي حتى تصنع لي بعض الحساء اللذيذ إحتفالًا لكنها تأخرت في طريقها للقرية حتى غابت الشمس عن عيناي. كنتُ أخافُ الظُلمة وعاجزٌ عن إشعال القنديل لذا جلستُ أمام المنزل طيلة الليل أنتظرها حتى غفوتُ لأستيقظ مع نور الصباح. شعرت بالخوف لعدم رجوعها حتى الآن فذهبتُ لأتفقد تلك القرية. كنتُ أتجول في الأنحاء وأنا خائف من أن أجدها التقطت مرضًا من مكانٍ ما في تلك القرية المتعفنة. حاولتُ السؤال عنها لكن دون جوابٍ واضح. وفي أثناء تجولي اشتد الحر فذهبت لذلك البئر أعلى الطريق لأستسقى منه فإذا بي ألمح جثمانًا بالكاد استطاع عقلي استيعابه. إذ أجدُ جثمان والدتي أمام عيناي تملؤه ألوانًا داكنة وكأنه لوحة فنية غاية في القساوة. اقتربت وجسدي يرتعش رهبةً مما ينتظرني حين استيعاب أنها جثة هامدة. -أمي... أمي... أصبح من الصعب التنفس وكأن هناك ثُقل في حلقي عاجزٌ عن تمرير الهواء... -أمي، استيقظي. لقد انتظرتُك طوال الليل. كنتُ خائفًا من الوحش المخيف في ظلمة المنزل. أتتذكرينه؟ هذا الذي تروين لي وحشيته كل ليلة إذا لم ألتزم بالصواب. هيا يا أمي، لنعد للمنزل. كانت الدموع تنهمر وأصبحتُ أقل استيعابًا لما أقوله... -الحساء... أُريد تناول الحساء اليوم. الحساء الذي تُعده أمي هو الأفضل! كنتُ أُثرثر كثيرًا عسى أن تستفيق لتُحدثني. أعلم أنها إن تحدثت في هذا الوقت فسيكون الموقف الأكثر رعبًا، لكنه سيكون الرعب الأكثر طمأنينة. حلت ساعة الغروب وأنا جالسٌ على ركبتاي أتخبط بين أفكاري ذهابًا وإيابًا لعلني أجد ما يستفيقني مما حلّ بي. يمر بجانبي القليل ممن أتى للبئر. لم يكن منهم من حاول أن يعلم عن هذا المشهد الدرامي... ربما لأن مشهد الجثث المتناثرة أمرٌ مألوف في أراضي هذا الحاكم الطاغي. شعرتُ بخطواتٍ ثِقال تأتي من خلفي وكأنها تقترب بحذر لتستحس إذا كان هناك مِن حيٍ بيننا. -هل أنت بخير، أيها الفتى؟ ما الذي تفعله بجانب هذه الجثة؟ كان يبدو على صوته التوتر إلى حدٍ ما لكن عقلي لم يكن ليُدقق في صوتِ أحدٍ سوى من يترجاه ليُردد بضعة أحرفٍ تجعله يستعيد رؤيته للحياة من حوله. فجاوبتُ بصوتٍ كاد يخرج من فمي... -أمي... -ماذا؟ لا أسمعك جيدًا. فصرخت في وجهه قائلًا... -إنها أمي! ليست جثة، بل أمي! هي فقط ترتاح قليلًا لا أكثر. ستستيقظ بعد قليل لنعود للمنزل! ربما كانت الحياة قاسية تجاهها... ربما كانت رعايتها لي أمر بالغ الثِقل... ربما هي فقط تأخذ قيلولة صغيرة... انفجرتُ باكيًا على حالي، على حال جسد والدتي الضعيف أمامي. أظنها كانت المرة الأُولى التي ألحظها بهذا الضعف والهوان. لا أعلم متى غادر هذا الغريب لكنه عاد مرةً أُخرى في الصباح فساعدني في دفنِ جثمانها بالقرب من البئر. جلستُ هناك ليومان متتاليان لا أعلم ماذا أفعل حتى هزمتني غرائزي وتيقنتُ أنني يجب أن أبحث عن بعض الطعام. ذهبتُ لقريتي لأبحث عن القليل في المنزل لكني فوجئتُ به فارغًا فلقد تمت سرقتنا. بالطبع ومن لن يفعل بعد غيابنا لأيام عديدة. لم أجد حلًا سوى بيعه لأحد التجار بسعر بخس. كنتُ أشعرُ بالذنب لأن والدتي كانت تأبى بيعه حتى في أوج فقرنا، لربما كانت تريد أن تعتز به ذكرى من والدي الراحل. اشتريتُ ما يكفيني وذهبت لأجلس بجانب والدتي لأُخبرها بما حلّ بي بعد مماتها. كانت الدموع تنهمر على وجنتاي وصولًا لرقائق الخبز بينما كانت كلماتي تتركُ بداخلي فجوة أكبر من أن تكون لطفلٍ بالثامنة. تعاقبت الأيام وكان حالي كحال البقية في القرية الميتة. بينما كنتُ أتأمل شريط حياتي القصير المار أمامي، سمعتُ خطواتٍ مألوفة قادمة نحوي. لم أستطع الالتفات، لم تكن لدي الطاقة لتحريك رأسي. نظرت بجانب عيني لأجد هذا الغريب يقترب مني ليتحقق من تنفسي. وهذا كان آخر ما تبقى لي من وعي حتى استيقظتُ لأجد نفسي في غرفةٍ وبجانبي امرأة تبدو بعُمر والدتي تنادي شخصًا حتى اتضح أنه هذا الغريب... -عزيزي، لقد استيقظ! -كيف حالك الآن، أيها الصبي؟ -هل تحتاجُ إلى شيء ما؟ أتريد بعض الماء؟ جاوبتُ على أسئلتهم بعد فترةٍ من استيعاب ما يحدث ثم تسنى لي الوقت لسؤالهم عن هويتهم. تفاجئتُ بعدها أن هذا الرجل كان أحد أصدقاء أبي من التجار وكان يسافر معه دائمًا في رحلاته. مرت الكثير من الأيام حتى استعدتُ عافيتي كاملة. كان يجلسُ معي في كثير من الأحيان ليروي لي قصصًا عن والدي وبعضها ممزوج بذكريات من والدتي. تيقنتُ صِدقَه حينما قصّ لي كيف تلاقى والداي فلقد كانت تزعجني أمي بهذه القصة مراتٍ عديدة. ليتها هنا لتُزعجني مراتٍ أكثر، أنا فقط أشتاق لصوتها... حان وقت مغادرتي لكن هذا الرجل عرض عليّ أن أعيش معه. هو لا يملك أبناءً وكان والدي بمثابة صديقه العزيز لذا ترجاني للبقاء. كانت الدهشة على محياي حين علمتُ أنه كان مقربًا من والدي فأنا لم أره طوال حياتي. وبعد الكثير من الجدال والترحال والعودة. استقر الأمر أن أبقى في بيته حتى أصل لعُمرٍ أستطيع فيه أن أتكفل بنفسي. كان هذا الرجل تاجرًا لكنه لم يكن بهذا القدر من الثراء، فلقد كانت التجارة في هذا المكان بالكاد تؤتي قوت شهر. كانت القرية بعيدةً عن العاصمة لكنها لم تكن أيضًا بهذا القرب من المملكة المجاورة لذا فرحلات التجارة كانت تُنفق أكثر مما تجنيه. كانت الحياة في تلك القرية جيدة الحال وهذا المنزل بسيطة وهادئة. فلقد سنحت لي الفرصة بتعلم الكتابة والقراءة وبعض المعلومات عن الطبيعة. كنتُ أحاول جاهدًا تحصيل أكبر قدرٍ من العلامات في الدراسة حتى أُريها له لعل الأمر يبثُ في قلبه بعضًا مما بثه هو في فؤادي الفارغ ذلك اليوم. -سيدي، لقد جئت. -تفضل، بُني. استرح. -هذه علاماتي لهذا العام. -يالها من علاماتٍ مذهلة! كم أنت بارع! ابتسمتُ خجلًا، فلولاه لما كنتُ لأصل لهذه العلامات. لولا مساعدته لما كنتُ لأستطيع العيش حتى هذه اللحظة. لقد مدّ لي هذا الرجل الكثير من المساعدة، وماذا فعلتُ بالمقابل؟ ماذا قدمتُ له؟ أتمنى أن يكون باستطاعتي مساعدته يومًا. ... مرت الكثير من الأعوام، وأنا الآن في الخامسة عشر. أصبحتُ شخصًا لبقًا ناجحًا، بفضله. وأيضًا، في عامي الأخير في هذه الدروس الخاصة، أو ربما هي أقرب لأكاديمية صغيرة. كان لدي صديقان اعتدتُ قضاء الوقت معهم. وفي إحدى الأيام، كنتُ ذاهبًا لدرس الطبيعة فصادفتُ أحدهما في الطريق... -مرحبًا، أأنت في طريقك للدرس؟ -أجل. أسمعت ما حدث؟ مات جد صديقنا. -ماذا؟! متى؟ -منذ قليل. سمعتُ أنه كان مارًا بهذا الطريق فسقط ولم يرفع رأسه مجددًا. -يا له من فراقٍ محزن. أسنذهب له بعد الدرس؟ -أجل، لنذهب لمساعدتهم بأعمال الدفن. هممنا للذهاب في طريقنا وأنا أسترجع ما تبقى من ذكريات والدتي يوم مماتها. لامستُ السور على طول الطريق لأجد عقلي فجاة في دوامة مع بعض الذكريات الغريبة. لا أظنها كانت لي، فكيف تطوف بعقلي؟ كانت لثوانٍ معدودة لكني أقسم أنني رأيت عجوزًا يسقط على جانب الطريق. توقعتُ أن تكون بعض الهلوسات نتيجة لتأثيري بحديث صديقي. انتهيت من الدراسة وذهبنا لمنزله حتى أساعد في بعض الأعمال. الأجواء كانت تُشعرني بكم الفراغ بداخلي بعد موت والدتي. -مرحبًا، صديقي. آسف بشأن ما حدث لجدك. -لا بأس، يسرني مجيئكم. -كيف حدث هذا؟ -كنتُ ذاهبًا برفقته للتمشي قليلًا. شعر بالتعب قليلًا لذا استندنا على السور هناك، التفتُ قليلًا لأنظر لجانب الطريق فإذا بي أسمعُ سقوطًا... اختنق صوت صديقنا وهو يحاول إكمال السرد حتى قاطعه صوت أحد البالغين مطالبًا ببعض المساعدة. نظرتُ أتفقد الغرفة فإذا بي أرى أبناء هذا الرجل يجلسون في حالة من الحزن القاتم وبجانبهم رسمته مبتسمًا وهم من حوله سعداء. كانت صورته في حالة من السعادة يحيطها سحابةٌ من الألم. شعرتُ وكأنني بجانب البئر في تلك اللحظة. حاولتُ الاستناد على إحدى الكراسي في الغرفة لأجد ذكرى لشابٍ يُشبه هذا العجوز مع طفلةٍ صغيرة يطوف بها الأرجاء مع الكثير من السعادة. تفاجئتُ لأُبعد يدي وأنا في حالة من الذهول، كيف لتلك الذكرى أن تمر بعقلي وأنا حتى لم أرى وجهه في شبابه؟! اللغز كان يزيد مع الوقت أكثر فأكثر. كنتُ منشغل التفكير بما يحدث لعقلي. حين أتذكر تلك الحوادث أتذكر والدتي معها فيتغلغل لقلبي القليل من الحزن. وفي يومٍ ما، كنتُ أجلسُ في المنزل أتناول أطراف الحديث مع سيدي ليصل الأمر لإحدى ذكرياته مع والدي. تساءلتُ بدون مقدمات... -بالمناسبة، سيدي. كيف كانت رحلة والدي الأخيرة في التجارة؟ دائمًا ما تروي لي رحلاتكم السابقة لكني لا أتذكر ذِكركَ لها. شعرتُ وكأنني قد تساءلتُ عما يجب ألا أتساءل عنه. لكنه أجابني وهو يُقلب في إحدى صفحات كتابٍ بيديه... -في الحقيقة، لم أذهب مع والدك في تلك الرحلة... وأكملنا بعض الحديث حتى حان وقت النوم. ذهبتُ للاستعداد للنوم فوجدتُ الكتاب مازال على الطاولة. ذهبت لآخذه حتى أضعه في المكتبة حتى استوقفتني تلك الأشياء المزعجة بعقلي مجددًا... جاءت ذكرى لسيدي مع رجلٌ يُشبه وصف أمي لوالدي وهو يتشاجر معه بوحشية في إحدى الخيام لكن الذكرى توقفت حين رفع شبيه والدي أداة حادة بوجه سيدي... سقط الكتاب من يداي من شدة ذهولي. بدأ عقلي في محاولة استيعاب ما يحدث... "ماذا حدث في تلك الذكرى؟ والأهم ما هذا الجنون الذي يحدثُ لعقلي؟ هل أستطيع قراءة الأفكار؟ لا، الأمر يشبه أنني أستطيع الرؤية من خلال العقل أكثر. كيف يمكنني فعلها؟ هل كل ما يمكنني لمسه سيجعلني أرى ذكرى من خلاله؟"... أُحاول استجماع ما حدث منذ لقائي بصديقي حتى الآن. عندما سألتُ صديقي عما حدث للجد قال أنه كان يسير بالطريق ذاته وسقط ميتًا وحينما لامستُ السور رأيتُ المشهد وكأنني كنتُ واقفًا. والحال ذاته مع ذكرى الفتاة الصغيرة، كانت إحدى عماته واقفة بهذا المكان حيث وجدتُ الذكرى. والآن، أتلك ذكرى سيدي؟ ربما كان شخصًا آخر غير والدي. أنا أتذكر القليل من طفولتي لكني على يقين أن هذا الوجه مألوفٌ للغاية بالنسبة لي. لم تستطع عيناي الراحة في تلك الليلة، وكذلك عقلي. كان الأمر أصعب من حل بعض المعادلات الرياضية المعقدة. في النهاية، لم أصل لحل يجعل هذا العقل قادرًا على الراحة، لذا قررتُ تركَ الأمر لحين التأكد. لا أعلم كيف يمكنني التأكد من شيء كهذا؟ أم كيف يمكنني السؤال عن تلك القدرة الخارقة للطبيعة؟ الأمر ليس مجرد تساؤل عما يحدث، الأمر وكأنه وجه آخر لهذا العالم الذي أعيشه. إذا كان هذا والدي، وإذا كانا أصدقاء كما يقول سيدي. إذًا، ما هذا الشيء في تلك الذكرى!؟ تثاقل الأمر على عقلي لأكثر ما يمكن استيعابه لذا ذهبتُ راكضًا نحو أمي لعلها تحتضنني وتهدئ من روعي. وكم أتمنى أن تُجيبني لتُقلل من تساؤلاتي... قررتُ السير قليلًا حتى وجدتني في طريقي لقريتي القديمة وقدماي تقودي لمنزلي القديم. مددتُ يدي لألمسه حنينًا لذكرياتي بداخله فإذا بذكرى أُخرى تحُل على عقلي. ما هذا؟ هل عقلي فندقٌ مفتوحٌ لجميع الذكريات! لكنها هذه المرة كانت لوالدتي تُحاول تخبئة شيء ما أسفل إحدى الحجارة بداخل المنزل. كان يبدو وكأنه بالغ الأهمية... حاولتُ دق الباب ليفتح لي رجلٌ عجوز يبدو وكأنه يعيش وحده. استأذنته بالدخول وقد أعلمته أنني مالك المنزل السابق أحاول بحثًا عن شيء ما. وبعد الكثير من الأسئلة سمح لي بالدخول. حاولتُ البحث عن تلك الحجارة حتى وجدتها. فتحتها لأجد كتابًا باليًا عفا عليه الزمن. التقطته لأرى ما فيه فإذا بصوتٍ يرنُ في أُذناي... "مرحبًا، بُني. إذا كنتَ تسمع صوتي الآن فهذا يعني أن قواكَ قد استيقظت، هنيئًا لك. هذا الكتاب هو مذكراتي، كتبتُ به كل ما استطيع المساعدة به إذا كنتُ في هذا الحين لستُ بجانبك لأُعلمكَ بنفسي عما تفعله." جلستُ لبعض الوقت لاستيعاب كل تلك المعلومات في آنٍ واحد. فتحتُ الكتاب وكان هناك الكثير من الملاحظات بشأن تلك القوى وكيف يمكنني استخدامها. وحينما كنتُ على وشك الابتسام لأنها يمكنها أن تُساعدني في رد دين سيدي إذ بالصفحات الأخيرة تقع عليّ كالصاعقة. "والأهم من كل هذا يا بُني ألا تثق أبدًا بأي أحد وألا تخبر مخلوقًا بما تمتلكه. ستخسر كل ما تملكه في اللحظة التي تظن أنك تملكه." وبعدها بعدة صفحات... "يبدو أنني أُعطي المواعظ لابني في حال أنني لا ألتزم بها. في الواقع، لقد اكتشف أصدقائي في التجارة اليوم بشأن قواي. لا يمكنني وصف كم كانت تلك العيون الجشعة تتملقني وكأنها تريد أكلي. لذا فأنا أُحذرك بشدة ألا تبوح بسرك إلا لمن سيُكمل معك حتى مماتك –زوجتك على وجه الدقة-." "اليوم ستكون رحلتي، أنا أشعر بالخوف لسبب ما. لا أشعر أن الأمور تسير على ما يرام. الرحلة ستكون طويلة وأيضًا لا يوجد بها سواي أنا وأولئك الأشخاص..." وبعدها انتهت الكتابة. حاولتُ البحث هنا وهناك على أي شيء إضافي لأجد ورقة تقع من الكتاب... "لقد قتلوه... لقد قتلوا والدك يا صغيري. قتلوه لأنه اكتشف سرهم وقرر اتخاذ القرار الصائب. إياك والسير في طريقٍ قد يُهلكُك. استمع لجميع نصائح والدك." "أعتذر على الطريقة التي سأتركك بها، لكننا أحببناك بحق." كانت تلك الرسائل مدونة بتاريخ موت والدتي. كانت آخر كلمات والدتي لي... حاولتُ حبس تلك السيول الجارية في عيناي لكن دون جدوى. وقعتُ خائر القوى مكسور الفؤاد يهتاج لموت والديه مرة أُخرى... وبعد الكثير من الوقت ومواساة الرجل العجوز بالجوار، ذهبتُ وأنا أجُر قدمي نحو بيت هذا الرجل أُحاول استجماع ما يجب فعله. وصلتُ لأجده ينتظرني أمام المنزل يتساءل أين كنتُ حتى هذه اللحظة... -لقد انتابني القلق عليك. أين كنتَ إلى الآن؟ -أنا... فقط... لقد غلبني النعاس بجانب قبر أمي... -حسنًا يا بُني، اذهب للداخل. لابد أن الأجواء بالخارج غاية في البرودة. ذهبتُ لأحصل على قسطٍ من الراحة لكنها لم تكن سوى مضيعة للوقت والتفكير. استيقظتُ في الصباح عازمًا على معرفة الحقيقة. ذهبتُ لهذا الرجل محاولًا ملامسته بشكلٍ مباشر حتى أحصل على ذكرى واضحة منه، كما قال أبي في ملاحظاته... -دعني أساعدك في ارتداء الملابس، سيدي. -اوه، سأكون شاكرًا لك. هذا الرجل العجوز أصبح من الصعب عليه التحرك بحرية، هاها. -إذًا، سيدي. ألم تسمع شيئًا عن موت والدي؟ -مـ... ماذا؟ لا أعرف سوى ما أخبرتكَ به يا بُني. في تلك اللحظات، استكملتُ تلك الذكرى الناقصة. كان والدي ممسكًا لهذه الأداة الحادة دفاعًا عن نفسه فتكاتل عليه اثنان آخران ليقيدوه. كان الأمر وكأنهم يمسكون مجرمًا هاربًا من العدالة ويحاولون استخلاص المعلومات منه. كان التعذيب غاية في القسوة. لقد كسروا يداه دون استبعاد عظمة واحدة بكل وحشية حتى آل الأمر بقطع إحدى أطرافه. لم تُكسر نظرة أبي الحادة تجاههم رغم ألمه فبادروا هم بنقاصهما واحدة... لقد قاموا بسحق إحدى مقلتيه. والدي كان ضعيف البنية إلى حدٍ ما فلم يستطع الاستمرار في هذا وبات جثة هامدة. كانوا يحاولون اسكاته عما اكتشفه من مصائب تؤدي بهم إلى الجحيم. -وماذا عن بقية أصدقاءكم؟ ألا تعلم عنهم؟ -انقطعت اتصالاتنا منذ آخر رحلة تجارية. كان والدكَ هو الحلقة التي تصل بيننا جميعًا، هاهاها. مرت ذكرى غير واضحة عنهم حيث كان يودعهم وبجانبه شخصٌ مألوف ملقى على الأرض. لا أعلم ما يحدث لكنهم كانوا يتفقون على ألا يلتقوا مجددًا بعد تلك الحادثة... -حسنًا، ماذا عن والدتي؟ كنتَ تعرفها إلى حدٍ ما. ألم تقابلها بعد وفاة والدي؟ ألا تعلم أي شيء عن موتها؟ -رأيتها مرة واحدة بعد موت والدك مباشرةً لكني لم ألتقي بها مرةً أُخرى. وها هي الذكرى الثانية في طريقها... أظنها كانت في ليلة موت والدتي. ذهبَت له في هذا اليوم انتقامًا لموت زوجها ممسكة بسكينٍ بالٍ. كان مع هؤلاء الرجال من الماضي. حاولت الوقوف بوجههم لكنهم كانوا وحوشًا برية بمعنى الكلمة. قاموا بتعذيبها والتعدي عليها بأبشع الأساليب. لقد كان مشهدًا لا أريد رؤيته حتى في أكلح كوابيسي... كيف لهؤلاء الأوغاد أن يقوموا بهذا الصنيع لأمي! كيف يمكنهم لمسها بتلك الأيادي الموحلة القذرة!! لقد كانت هي الملقاة على الأرض في ليلة فراقهم! لم أستطع الشعور بنفسي إلا وأنا ممسكٌ لتلك السكين على منضدة الطعام وأطعنه بها مرارًا وتكرارًا وأنا أبكي ألمًا على ما حل بوالداي. أبكي حرقةً على ما عانيته جراء جشعهم و وحشيتهم. أفقتُ بعدما تصاعدت روحه ولم يتبقى سوى جثمان بشع كقلبه. ابتعدتُ ذعرًا من الحال الذي أنا به الآن ممسكًا برأسي بين كفاي الملطختين بدماءه أحاول العودة لأرض الواقع. غرقتُ في أفكاري وأنا أشعر بالكثير من الثِقل في قلبي حتى نظرتُ بجانبي لأجد زوجته ترتعد رعبًا على جسد زوجها المشوه وظلت تتحدث بهيسترية... -ما... ما الذي فعلته...؟ ز- زوجي... ما الذي يحدث هنا...؟ كيف... كيف... سقطت خائرة القوى وزحفت إلى جثته تحاول لمسه لعله ينظر إليها ليُطمئنها على حاله... -ماذا حدث؟ كيف آل بكَ الأمر إلى هذا؟ ألن تجيبني؟ ألن تجيب زوجتك العزيزة؟ كانت دموعها ممزوجة بصوتها الذي بالكاد يخرج من حلقها. حاولت رفع نظرها نحوي في زاوية الغرفة مذعورًا أرتعد خوفًا... -ما الذي حدث يا بُني؟ دماءُ من تلك؟ أكان هناك قاتلٌ هنا؟ صمتت قليلًا ثم صرخت... -اجبني! دماءُ من تلك!؟ وما تلك السكين بحوزتك!؟ حاولتُ الإجابة لكن فمي كان مشغولًا بترديد الكثير من الكلمات غير المفهومة... -قتل... قتل... دماء... موت... كانت أغلبها تتمحور حول القتل والموت، بالكاد أتذكر ما قُلته حينها حتى صفعتني بقوة قطعت حبل هلوساتي... -استفق أيها الصبي! كانت دموعها تنهمر بدورها ويداها ترتجفان. ربما كانت صفعتي ملاذًا لاستفاقها على الأُخرى... -أنا فقط رأيتُ... لقد رأيتهما... ورأيتهم... شَهدتُ على كل ما فعلوه بهما... -لا تُخبرني... أأنت كوالدك...؟ هل رأيت ما حدث؟ -... -أنا... أنا أعلم... صمتت ونحيب بكاءها لم يصمت ثم أكملت... -لقد أخبرني بما حدث. لا أتوقع منك التصديق لكنه لم يكن ليرضى بما حدث لهما، أقسم لك! أخبرتني بقصة ما خلف الستار. كان هذا الرجل بالفعل صديقًا لوالدي لكنه لم يمنع لُعابَه من السيل أمام ما وجده بوالدي من قوى. على الرغم من ذلك، لم يكن داعمًا لقتل والدي بل كان شخصًا آخر. هذا الشخص كان العقل المدبر لكل ما حدث... هو من تلاعب بعقولهم وجعلهم يقتلونه، هو من أوصل الحقيقة لوالدتي لأجل حثهم على قتلها، وهو من حصل على الاستفادة التامة لكل تلك الجرائم. وإلى جانب كل هذا، لم يظهر حتى بإحدى تلك الذكريات. أخبرتني أن زوجها كان نادمًا على كل ما حدث وأنه حاول قتل نفسه عدة مرات للتكفير عما اقترفته يداه. لم يشترك فيما حدث لوالدتي لكنه لم يلفظ ببنت شفة، قرر أن يُصبح مشاهدًا. علمَ صدفةً أنهما يمتلكان ولدًا، يبدو أن والدي أخفى وجودي خوفًا أن يتملكهم الجشع تجاهي. قرر أن يتكفل بي تكفيرًا عما اقترفه بحقي بأخذ ما لم يجب أن يؤخذ، وأيضًا حتى يُبعدني عن أنظار هذا الرجل الغامض الذي أخبرتني أنه كان نبيلًا يتعاملون معه في الأراضي المجاورة للعاصمة. سمعتُ القصة كاملة وأنا أشحذ بأظافري على جلدي ندمًا بما فعلته لهذا الرجل. كان قد حلّ الليل بالفعل، خرجتُ مترنحًا لا أعلم إلى أين طريقي والزوجة جالسة بجانبه ما يزال صوت نحيبها يملؤ الأرجاء. سرتُ في طريقي بحوزتي سكينًا وكتابًا غافل الأهداف حتى استفاقني لهيب الانتقام داخلي وقررتُ إنهاء ما بدأته... قررتُ السعي خلفهم والأخذ بالثأر لما فعلوه بهما وما أجبروه على فعله. باحثًا عن هذا الرجل الغامض، بدأتُ هدفي في البحث خلف جميع من كانوا هناك، جميعهم. وبعد ثلاث سنوات، عدتُ في ظلام الليل لهذا البيت مرةً أُخرى. كان مهجورًا وكأنه لم يكن دافئًا يومًا. لم أستطع الوصول لهذا الرجل ، كان الأمر أشبه بلغزٍ شديد الصعوبة. لكني لم أستطع المضي قدمًا أكثر من هذا، فأنا بالكاد احتملتُ ثِقال ظلماتِ الحياة في تلك السنوات المعدودة. دخلتُ لتلك الغرفة التي اعتدتُ الشعور بالطمأنينة بها، والتي حملت بها سلاحًا للمرة الأولى... تاركًا على المنضدة سكينًا استعرته منذ مدة طويلة، كتابًا كُتب به ملاحظات بكل حب، و ورقةً بها تلك الذكريات. تتخبط الكثير من الذكريات بعقلي، منها السعيدة الدافئة وأكثرها القاسية المُرة. من المفترض أن يكون هذا العام هو موعد خروجي من هذا المنزل حتى يتسنى لي العيش بمفردي في هذا العالم، لكنه سيكون موعد عودتي للمنزل... منزلي في الضفة الأُخرى من العالم بجانب والداي. لربما لن أذهب لنفس مكان تواجد والداي ولعلني سأخاف مواجهتهم بعد ما فعلته... لكنني لستُ نادمًا على الإطلاق ولن أكون يومًا. سأصعد الآن على هذا الكُرسي وأحتضن حبل نجاتي بين كتفاي وحول عنقي لعله يكون ملاذًا لي بعد أن أصبحتُ بلا ملاذٍ ولا مأوى. -المذنب، آرثر. |