الفصل الأول كنت أراقبه في الفصل طيلة الوقت، كان شابا فاتنا مثل أبطال هوليود ، كان جميلا ووسيما ، وكانت هذه الأوصاف تعطيه هبة خاصة وملامح إنسان راق ومتحضر إلا أني اكتشفت بطريقتي الخاصة أن هذا الشاب لم يكن في معجمه أن يحب فتاة المريضة بالسرطان مثلي ،كنت في إحدى المرات وخلال مناقشة عابرة أخبرته بمرضي، لم أكن أعرف كم تبقى لي أن أعيش بالرغم من أن ذلك من الأمور التي لا يعرفها إلا الله سبحانه وتعالى ! لما زرت طبيبي قال لي لن تموتي بهذه السرعة التي قد تتخيلينها، هذه أمور غيبية، المهم وحسب رأي الطبيب أن أتبع تعاليمه واستعمال الأدوية . عدت إلى المنزل وأنا على حالة غير مستقرة ، بكيت لفترة ولكني تمالكت نفسي وتوقفت ، كانت عائلتي تنتظرني لمعرفة آخر تطورات حالتي المرضية ، كان الخوف هو سيد الموقف وخاصة أمي ، كان خوفها لا يقاس بمقياس ، بادرتني بالسؤال وقبل أن أسترجع أنفاسي قالت لي : - ما بك جوليا ؟ هل جد جديد في حالتك ؟ إن تعقد مرضي - سأموت يا أمي ؟ - من قال لك هذا ، هذا اللعين الذي لا يرحم – مرضي ، ماذا قال لك الطبيب ؟ - إذن هو الطبيب الذي أخبرك بهذا الهراء - لا أمي ، الطبيب بالعكس طمأنني ، وطلب مني فقط اتباع تعاليمه واستعمال الدواء لقد كان لطيفا معي . وعيشي حياتك عادية . - ألم أقل لك ذلك ، إذن لا تفكري في مرضك تعالي ابنتي بالقرب مني ، اشتقت إليك في غيبتك . كان والدي يقرأ جريدته كالمعتاد وفي مكانه المفضل، كان يعتبره محرابه الخاص به ، اتجهت مباشرة إلى غرفتي بعد ذلك ، كنت أحب غرفتي كثيرا ، كانت زرقاء اللون ، مزينة بالرسوم المختلفة وكان بها مكتبة تحتوي على كتب كثيرة ومتنوعة ، ومن أصناف العلوم التي لها منزلة خاصة عندي . كنت من المعجبين بنزار قباني ، لذا أحببت شعره ، كنت أفضل أن أقرأ له كلما دخلت غرفتي ليؤنسفي في وحدتي وأعيش في عالم كله حب ومشاعر ، لحظات لا يمكن تخيلها أو نسيانها. ما زلت أذكر أن أمي وأبي كانا يحباني كثيرا ولكن بعد مرضي زاد حبهم لي كثيرا وكان أملهم في شفائي كبير جدا ، لم يخامرهم أدنى شك أن شفائي أكيد وحتمي. كانت أمي تكتب في مذكرتها وتسجل كل كبيرة وصغيرة وهي تبكي لقد كنت الفتاة الوحيدة لوالدي كان طفل يدعى بيل ابن جيراننا ، كنا نلعب معا ونخترع أدوية ونرشها على الحشرات ، كانت أفكارا صبيانية ، قررنا اختراع قنبلة حسب فهمنا البدائي ، كنا صغارا لم نعلم نتائج تصرفنا هذا ، أخذنا مفرقعات العيد ووضعناهم قرب منزل بدر الفتى المجتهد وعند خروجه رمينا عليه ما صنعت أيدينا فقعت القنبلة عينيه وسالت الدماء ، دخلنا إلى منازلنا كأن شيئا لم يكن ، بعد ذلك جاءت الشرطة وأجرت تحرياتها مما اضطرت معه الشرطة إلى إتباع المسطرة القضائية ، اكتشفت الشرطة بخبرتها أننا نحن المسؤولين عن إيذاء الطفل فكشف أمرنا وذهبنا نحن الاثنين إلى الإصلاحية قضينا فيها أربعة أشهر وعندما خرجنا هيأت أمي وأبي أنفسهما للرحيل والابتعاد عن هذه المدينة أما أنا ففي الحقيقة لم أكن أريد الرحيل. : قالت لي أمي لقد فقأتم عين الطفل ، وكان مصيركم الإصلاحية ، لقد شوهت سمعتنا في الحي والمدينة لهذا قررنا الرحيل . استقل الجميع سيارة أجرة وكتبنا ورقة وداع إلى بدر وأخبرناه أننا سنذهب إلى مدينة أخرى دون تحديدها عندما رآنا بدر ونحن نقوم بلصق الورقة على النافذة بدأ يجري ويصرخ ويقول سأبحث عنك . دارت الأيام ومرت الأيام والتقينا بعد أن كبرنا في الكلية وبعد لقاء ولقاء وتبادل الحوارات وعرفنا بعضنا البعض ، سألته أأستحق حبك ؟ قال لي : لا أحب أن أواعد شخصا ، قمت وانسحبت وذهبت أبكي . طلبت مني أمي أن أعود إلى مسقط رأسي وأعيش مع جدتي . سألت أمي لماذا ؟ أجبتها : - أتذكرين ذلك الطفل بدر، لقد جرحني أخوها عندما أردت أن أواعده فقال لي أنه لا يواعد أي شخص . غضبت أمي وقالت : - وأنت هل جننت أن تقولي هذا الكلام والحال غير الحال ، نعم كنتم أطفالا لا يجمعكم سوى اللعب والشغب إن أردت الذهاب فهذا رأيك. . - سأذهب - وماذا عن الجامعة ؟ - - الجامعة ، تتحدثين لي عن الجامعة وكأنك لا تعرفين مرضي العضال - لا تقولي هذا الكلام ، نحن نتعامل معك بصفتك أحد أعضاء الأسرة ولست بمريض - لا يا أمي وهل تعرفين كم أعاني ، دعيني أعود - - ودراستك ماذا ستفعلين إزاءها - - سأتركها ، أريد أن أعيش الحياة المتبقية لي - - وهل ستعيشين هذه الحياة المتبقية لك بعيدا عني - - أريد أن لا أكون سببا في تعاستك - - أتعلمين أنني صرت أكره ذلك الشاب عندما كنا صغارا ؟ - ماذا تقصدين - - بدر، إنه يدرس معي في نفس الجامعة - - وأنت لهذا السبب أردت الرحيل ، ما مشكلتك ؟ أخبريني ؟ - - لا شيء ، أريد أن أعيش ما تبقى لي منا - - ولكن يجب عليك أن لا تهملي نفسك وأن تشربي الدواء - - حسنا أمي ذهبت جوليا وجمعت ملابسها في الحقيبة وحاسوبها وأخذت بعض الروايات البوليسية وشعر نزار قباني يتبع |