القران كلام الله الذي أنزله إلى البشرية لهدايتهم وتوجيههم وتربيتهم، فهو منهاج حياه. والله عز وجل أدرى بخلقه وأعلم بالطرق التي تناسب نفسياتهم وتوافق طباعهم، فجاءت أوامره ونواهيه وعظاته في قوالب مزينة تثير الانتباه والاهتمام، وتبعث على حب الاطلاع والتدبر. والأمثال هي من بين تلك القوالب، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلى خمسة أوجه: الحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وامنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال" رواه البيهقي. أولا (لُغة): أمثال هي جمع مثل وهي تشبيه شيء بشيء أو مقارنة شيء بشيء أخر "مثل لما أمك تضربلك مثل لبنت الجيران الي على حسب قولها هي دارسة ومتربية وبتشتغل كل شغل البيت لحالها"،والمثل والمِثل والمَثيل كالشَّبَه والشِبه والشَّبيه،وهو مطابقة الشيء للشّيء، ويأتي بمعاني أخرى: أ- الوصف: لقوله تعالى"مثل الجنة التي وعد المتقون"سورة محمد الآية 15. ب- الشبه: لقوله تعالى"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم"سورة البقرة الآية 215. ج- العبرة: لقوله تعالى"وجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين"سورة الزخرف الآية 56. د- الآية والحجة: لقوله تعالى "وجعلناه سلفا ومثلا لبني إسرائيل"سورة الزخرف الآية 59. هـ- النظير: لقوله تعالى"وتلك الأمثال نضربها للناس"سورة العنكبوت الآية 43. ثانياً (إصلاحًا): ويعني ذلك ابراز الأشياء الروحية والمعنوية في صورة الأشياء الجامدة والحسوسة، لان الأشياء الروحية والمعنوية تستقر في الأذهان إذا صيغت على شكل شيئ محسوسكما ضرب الله مثلا للمنفق رياء أنه لا يحصل على شيء من الثواب،قال تعالى: "فمثله كمثل صفوان عليه تراب"سورة البقرة الآية 264، وقوله تعالى أيضا: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض..."سورة الكهف الآية 45. الحكمة هي: الاتقان والجودة، والحكمة أيضا هي تحقيق الحق بالعلم والعقل ومعرفة الموجودات وفعل الخيرات ونصح الناس. والحكمة هي قول صائب ناتج عن تجربة خبير. وكل حكمة سائرة تعتبر مثل.ويكمن الفرق بينهما في أن المثل متداول بين الناس، شائع وكثير الدوران على الألسن،أما الحكمة فيتداولها الحكماء وأهل العلم. وكلاهما علّى الله شأنهما لقوله تعالى" ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"سورة البقرة الآية 269. وكذلك في قوله تعالى"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"سورة العنكبوت الآية 4. القصة هي مجموعة من الأحداث والوقائع وقد تكون حقيقية وقد تكون من نسج خيال شخص ما، وتتفق مع المثل في نفس الوظيفة والغرض والمصدر،ويمكن أن يتحول المثل إلى قصة لأنه عبارة عن أصل قصة ما أو حادثة معينة، والقصة تقدم ما يقدمه المثل من مواعظ وعبر،ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل قصة مثلا، وهما وسيلتان للتعبير محببتان إلى النفوس. جاءت كلمة ضرب في المثل بمعاني كثيرة منها: أ- البيان والوصف: لقوله تعالى "وضرب الله مثلا عبدا مملوكا"سورة النحل الآية 45. ب- الإعتماد والتثبيت: لقوله تعالى "ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له"سورة الحج الآية 73. ج- التمثيل: لقوله تعالى "واضرب لهم مثلا أصحاب القرية"سورة يس الآية 13. د- النصب: نَصَب المثل بإشهاره؛ بمعنى يُنصب مناره ويوضح أعلامه لقوله تعالى "كذلك يضرب الله الحق والباطل" ؛بمعنى ليعرفوا الحق فيقصدوه ويعرفوا الباطل فيجتنبوه. هـ- سار وانتشر: ضرب في الأرض يعني سار أو انتشرلقوله تعالى "وإذا ضربتم في الأرض"سورة النساء. اختلف العلماء في تقسيم الأمثال ولكن الأغلبية قسموها إلى: أ- أمثال صريحة(ظاهرة): وهي الأمثال التي تحتوي على أدوات التشبيه أو كلمات أخرى تدل عليه أو تحتوي على كلمة مَثَل مِثْلَ: مثلهم ك...لقوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" سورة البقرة الآية 17. ب- أمثال كامنة(مخفية): وهي الأمثال التي لا تحتوي على أدوات التشبيه أو لفظة مثل أو أي كلمة أخرى تدل عليها، ولكن المثل مخلبأ في معاني الجمل، وقد يأتي على شكل مقارنة لقوله تعالى "أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمّن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار في نار جهنم"سورة التوبة الآية 109، وهناك أمثلة أخرى عن الأمثال الكامنة كقوله تعالى"لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"سورة الإسراء الآية 29. والمقصود الصمني لهذه الآية هو التوسط في الإنفاق، وفي قوله تعالى"من يعمل سوء يجزى به"سورة النساء الآية 101. ج- الأمثال المرسلة: وهي جمل كتبت بدون ذكر اللفظ التشبيه وتحتوي على معاني الأمثال في باطنها، مثل قوله تعالى"الآن حصحص الحق"سورة يوسف الآية 51. وقوله تعالى"ليس لها من دون الله كاشفة"سورة النجم الآية 58. وقوله أيضا "أليس الصبح بقريب"سورة هود الآية 81. ملاحظـــــــة: اختلف العلماء في الأمثال المرسلة وقسمو إلى مجموعتين: بعضهم اعتبر أن هذا النوع من التقسيم غير جائز لأنه لم ينزل القرآن ليتمثل به بل للتدبر ثم العمل به. وآخرون اعتبروا أنه لا حرج إذا كان في مقام الجد. أ- بينت الإيمان، قوله تعالى"ألم تر كف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة"سورة ابراهيم الآية 26، وقوله أيضا "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون علبه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل"سورة الرعد الآية 17. ب- كشفت الكفر وبينت ووضحت شبهاته (يقصد بشبهات الكفر مثلا قديما كانو يقومون بتعداد الألهة وعندما أتى الإسلام كانوا يفاوضون الرسول على الإشراك بالله. والإشراك بالله هو شبهة من شبهات الكفر) قوله تعالى"ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"سورة البقرة الآية 171، وقوله تعالى"مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف"سورة إبراهيم الآية 15. ج- فضحت النفاق في قوله تعالى"وإذا لقو الذين آمنوا قالوا أمنّا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون..."سورة البقرة الآية 14. د- ميزت العبد الصالح من العبد السيء لقوله تعالى"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب.."سورة الكهف الآية 32 و42. هـ- صورت الضال من المهتدي في قوله تعالى"أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها"سورة الأنعام الآية 122. و- صورت الخبيث والطيب في قوله تعالى"مثل الفريقين كالأعمى والأصم والسميع والبصير هل يستويان مثلا"سورة هود الآية 24. للأمثال فوائد كثيرة: أ- الترغيب والترهيب كالإنفاق في سبيل الله في قوله تعالى"مثل الذين ينفقون في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل..." سورة البقرة الآية 261. ب- التذكير في قوله تعالى"ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون"سورة إبراهيم الآية 25، والوعظ في قوله تعالى "أيحب أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه"سورة الحجرات الآية 12. ج- التدبر في قوله"وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتدبرون"سورة الحشر الآية 27، وكل الأمثال التي جاءت على شكل قصص فهي للتدبر مثل قوله تعالى"واضرب لهم مثلا قرية كانت آمنة"سورة العنكبوت الآية 43. د- تقريب الأشياء المعنوية وتصورها على شكل أشياء حسية لتثبت في الأذهان، لقوله تعالى"وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب"سورة إبراهيم الآية 46. الأمثال تحتوي في معانيها على لون من ألوان الهداية، ويجتمع فيها أربع صفات: إيجاز اللفظ: كل الأمثال تذكر بصورة موجزة ومختصرة. إصابة المعنى: كل الأمثال تحتوي على معنى معين وتبقى تدور حول ذلك المعنى لا غير. حسن التشبيه: هذه مفهومة لا داعي للشرح. جودة الكناية: وهذه أيضا مفهومة. هذه هي الكتب التي تتكلم عن الأمثال لمن يريد التفصيل في الموضوع: كتاب الأمثال في القرآن لمحمد بن جابر الفياض كتاب الأمثال في القرآن لابن القيم الجوزية كتاب بحث عن الأمثال في القرآن لأمين شاهين كتاب الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله كتاب الأمثال من القرآن والسنة لأبي عبد الله محمد بن حكيم الترميذي إن موضوع الأمثال من أجل العلوم إلا أن الناس يتغافلون عن هذا العلم،قال أبو الحسن الماوردي: (إن من أعظم علوم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه) والصحابة الكرام إذا مروا بمثل ولم يفهموه بكوا لإدراكهم أن المثل لا يفمه لا يفهمه إلا العلمون لقوله تعالى"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"سورة العنكبوت الآية 43. والحمد لله الذي وفقنا لهذا وهدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أسأل الله أن يدخلني وإياكم أحلى الجنات. [ هذا الموضوع برعاية فريق THE HUNTERS ] الطقم من تصميم المبدعة @iKozue |